السبت، 12 يوليو 2008

متى ينزل مسخادوف من الجبال ؟

يتكلمون في الكرملين كثيرا في الآونة الأخيرة عن محادثات محتملة بين فلاديمير بوتين و أصلان مسخادوف.
وكان بوتين قد قال خلال زيارته الى لندن قبل أسابيع أن روسيا مستعدة للانتقال من العمليات الحربية الواسعة النطاق الى التسوية السلمية. ووافق بوتين قبل سفره الى العاصمة البريطانية على إنشاء لجنة اجتماعية برئاسة نائب الدوما بافيل كراشينينكوف التي حددت بين مهامها ترتيب اللقاء بين بوتين ومسخادوف.
واعترف وزير الخارجية الروسية ايغور ايفانوف في أواسط أبريل في حديث لقناة " سي أن أن " بأن الاتصالات مع ممثلي مسخادوف لم تنقطع وهي جارية بنشاط منذ وقت بعيد.
وتمكن وزير الدفاع ايغور سيرغييف في هذه الحالة فقط أن يسمح لنفسه بعد تصريح ايفانوف بالقول أن على الساسة الخروج من ميدان العمليات الحربية في الشيشان.
وتكلم أثره الجنرال فاليري مانيلوف نائب رئيس هيئة الأركان المتميز بالبلاغة المعادية للشيشان في ذلك المعنى أيضا بقوله " أن العمليات العسكرية قد اختتمت وحان الوقت لإعادة أسس الديمقراطية في الجمهورية ".
ومسخادوف أعلن منذ زمن عن عدة مبادرات سلمية وبلا شروط. وهاجم في حديث لإذاعة " الموجة " الألمانية ومن ثم لوكالة " إي أف إي" الإسبانية حزب الحرب بقوله أن " أودوغوف ومركزه القوقاز وبساييف وعدوانه على داغستان هم الذين استفزوا روسيا لإشعال الحرب في الشيشان ". وأكد مسخادوف استعداده للاتقاء بلجنة كراشينينكوف المذكورة.
وثمة تفسيران لحب مسخادوف للسلام ، الأول ، أنه يريد السلام بالفعل وتؤكد الوقائع التاريخية على ذلك فهو أكثر الحمائم في القيادة الشيشانية منذ الأيام الأولى من الحرب السابقة وهذا ما يعترف به المسؤولون الروس في وزارة الدفاع وهيئة الأركان. والثاني ، ما يحاول الكرملين إشاعته وهو أن مسخادوف يريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه من قوة المقاتلين المحاصرين تمهيدا لشن هجوم مضاد. والتفسير الثاني غير صحيح بالمرة.
فحسب معطيات الجنرالات الروس فأن البنية التحتية للتشكيلات الشيشانية المسلحة قد دمرت تماما نتيجة الحرب. ولا يتجاوز عدد المقاتلين الآن 3 آلاف عنصر مدرب وفصائلهم مقسمة وموزعة في الجبال ويصعب وصول الإمدادات إليها. ويؤكدون في وزارة الدفاع بأن مستقبل القيادة الشيشانية مرهونة بحرب العصابات التي أعلنوها حتى آخر شيشاني.
وإذا بنيت الحسابات حسب معطيات وزارة الدفاع فأنه تبقى في الشيشان 3 آلاف مقاتل. وحسب ما قاله مسخادوف فأن 1500 مقاتل فقط قد قتلوا وبقى في الجمهورية أكثر من 23 ألف مقاتل. وإذا كانت روسيا قد أبادت هذا العدد خلال الفترة الماضية فهي ستحتاج الى 10 سنوات للإجهاز على العدد المتبقي وستفقد روسيا في هذه الفترة نفس العدد من جنودها.
كما أن حرب العصابات ستلغي الحديث عن استقلال الشيشان الذي يعتبر مسخادوف أحد المناضلين الأوائل لتحقيقه. وفي الوقت نفسه يبرز الجنرالين غينادي تروشيف وفلاديمير شامانوف كأكثر القادة العسكريين استياء من المباحثات مع الشيشان ويعتبرون مبادرات مسخادوف السلمية مجرد " حيلة " ستؤثر نتائجها بشكل مؤلم على سير العمليات العسكرية. ووجدوا في الكرملين من يؤيدهم في ذلك.
والرئيس الشيشاني بالفعل محتاج للراحة كهدف تكتيكي لإعادة تنظيم التشكيلات والتحكم بها ، غير أن دعواته السلمية سبقت الحرب نفسها.
وفي السياق الأوربي تم حرمان الوفد الروسي من حق التصويت في مجلس برلمان أوربا. وتركزت تصريحات موسكو على عدم السماح لأحد تعليمها كيفية حل مشاكلها الداخلية. وفي الوقت نفسه يحاول فلاديمير بوتين حشر روسيا في معشر الدول المتمدنة ، وعلى أقل تقدير فهو يعتقد بأنه لا يستطيع بدونها إعادة بناء اقتصاد روسيا وتحسين سمعتها الدولية. أما روح المحاربة التي ساعدته في كسب الشعبية ومن ثم الرئاسة فقد انتهى دورها الآن والنزاع الطويل في الشيشان يهدد مصالح روسيا كدولة ويزعزع منظومة السلطة فيها. ويمكن اعتبار سر إقبال بوتين الحالي للسلام في ذلك.
والمباحثات مع مسخادوف ستكون في كل الأحوال من صالح روسيا فهو قد فقد قوته الأساسية وعائلته في روسيا والأهم هو الرئيس الشرعي الذي يعترف به الغرب وتوقيع الاتفاقيات معه سيعطيها مشروعية أكثر وقد تلجأ موسكو لتنصيبه من جديد بشكل ديكوري. ولا يعتقد الكثيرون بأنه عدو روسيا اللدود وهو من المنادين بحق تقرير المصير فقط. وهو سياسي براغماتي يمكن الاتفاق معه. ومسخادوف عبر عن موقفه بعبارة " السلم السيئ أفضل من الحرب العظمى ". وهو بذلك مهيأ للموافقة على حلول الوسط وسيوافق حتما على نموذج تتارستان في السيادة ضمن قوام روسيا الاتحادية.
غير أن المشكلة في موسكو التي لم تقرر بعد أي الأوراق الرابحة ستستخدمها أولا وهل سيوظفون مسخادوف لتحقيق مآربهم السياسية في لعبة طويلة لطي ملف حقوق الإنسان في الشيشان وإظهار سعي موسكو للتسوية السلمية أمام العالم. ومن الواضح أن موسكو ستحافظ دائما على أوراق رابحة في سير ذلك.
وتتسرب في غضون ذلك سيناريوهات عن الرئيس شبه المنسي للبرلمان الروسي السابق روسلان حسب اللاتوف بعد أن انتخبته بلطف الجالية الشيشانية في موسكو زعيما لها لترأس وطنهم الصغير الذي لم يروه منذ سنين. ويدفع وزير الداخلية فلاديمير روشايلو علنا ترشيح مفتي الشيشان السابق أحمد قاديروف ، والجنرال نيكولاي كوشمان يفضل نائبه بيسلان غانتميروف بينما يتعامل لكرملين حتى الآن مع رئيس الحكومة المؤقتة مالك سعيد اللاييف.
وهناك قائمة طويلة بالمحبوبين الشيشان الذين لم يتورطوا بالحربين الأولى والثانية ولا يعانون من داء الانفصال وتدرس إدارة الرئيس ومجلس الأمن القومي هذه القائمة باهتمام.ومهما كان الأمر فأن مسخادوف لن يسقط من حسابات موسكو.