الأربعاء، 9 يوليو 2008

مشفى خانات كابول على شفى الموت

في كابول أربع مشفى خانات رئيسية هي : ابن سينا التي بناها الخيرين العرب وتقع بالقرب من سينما بامير ووزير أكبر خان الواقعة في المنطقة التي تحمل نفس الاسم ومستشفى الأطفال أنديرا غاندي التي بناها الهنود عام 1965 ويشرفون عليها حتى الآن والمستشفى الجمهوري الواقع عند تقاطع سادرات.
وخلال زياراتنا لهذه المستشفيات ، أجمع المختصون هناك على أن أهم المشاكل التي يعانون منها تنحصر في عدم وجود الأجهزة الطبية اللازمة وقلة الدواء لدرجة انعدامه، الأمر الذي يدفع الناس الى شرائه من البازار. وهو في الغالب صناعة هندية وباكستانية يصل الى البلاد عن طريق التهريب. أما الأدوية الروسية فتصل الى البازار عن طريق الموظفين الفاسدين الذين يضعون أيديهم على المساعدات الإنسانية الروسية.
وافتتح الألمان مستوصفا في كابول بإمكانه استقبال 40 مريض في اليوم. ويصعب على المواطن العادي الوصول إليه لأن أسعاره غالية جدا وليست " إنسانية ".
وبالرغم من أن العلاج مجاني حسب اللوائح ، إلا أن المرضى يدفعون بشكل علني للأطباء.
وجولة سريعة في وزارة الصحة ، تفقد الأمل بترميم المستشفيات التابعة لها ، حيث لا يوجد فيها شيء لا يحتاج الى ترميم.


خذوهم صغارا
في مستشفى الأطفال 109 طبيب أخصائي حسب مدير المستشفى مصطفى زارميل. الذي قال بأن الأخصائيين في زمن طالبان كانوا 24 - 26 طبيب. وارتفع هذا الرقم بسبب عودة الطبيبات الى العمل الذين يمثلن الفارق بين الرقمين. ويمكن تصور فظاعة الحالة الصحية التي فرضها قانون طالبان الذي حرم النساء من مزاولة العمل ، حيث سرعان ما توضح الفارق في عدد الأطباء وفي مستشفى واحد.
تعيش المستشفى ويتداوى المعدمين على ما تهبه الحكومة الهندية لهذه المستشفى وعلى بعض الأدوية المتبقية من زمن طالبان. هذا ما قاله الدكتور زارميل ، الذي أكد على أن المستشفى الذي يشرف عليه لم يتلق أية مساعدة من اليونسيف أو W2 أو أية منظمة إنسانية أخرى سواء كانت تابعة للأمم المتحدة أو غيرها.
ويستطيع المستشفى استقبال 300 طفل يوميا كأقصى حد ، غير أن أطفال كابول كلهم بحاجة الى رعاية صحية ومتابعة. وبرأي مدير المستشفى " ما من طفل في أفغانستان وحتى كابول تلقى لقاحاته العادية والضرورية بشكل كامل ، الأمر الذي يهدد وضعهم الصحي ويجعل تاريخهم الطبي محفوفا بالمخاطر ".
ولهذا السبب فأن ممانعة الأطفال ضعيفة جدا وسرعان ما يصابون بالأمراض المعدية سواء من الكبار أو من الجو المحيط. أضف الى ذلك عدم توفر الماء الصافي الصالح للشرب وأحيانا عدم توفر الماء والأوبئة المنتشرة في كل الأحياء بسبب قذارة المدينة وانعدام الخدمات البلدية.
والمجاري العليا التي تسرح وتمرح في الشوارع تنقل الى الأطفال أثناء لهوهم بها كل أصناف الميكروبات الى أجسادهم الضعيفة وممانعتهم الواهنة.
المشكلة إذن ، تتعدى حدود المستشفى لتشمل كافة المرافق الحيوية في العاصمة والبلاد عموما والتي تعتبر معدومة على الأرض وتوجد فقط بقايا الأزمنة " الغابرة " التي بفضلها يعيش الناس حتى الآن.
مظاهرة أبن سينا
يتدافع نحو 200 مريض ومراجع ومرافق بعضهم مع البعض وفي آن واحد وفي كل لحظة أمام بوابة مستشفى أبن سينا. والسبب وجود خمسة أخصائيين روس كلهم نساء في مجال الجراحة والباطنية والتحليل الطبي.
أعادت الطبيبة الروسية ناتاليا أدواردفنا ما قاله مدير مستشفى الأطفال ويبدو أن مشاكل الأطباء واحدة أيضا. وأبدت استغرابها على قرار غلق المستشفى الروسي الذي بنته وزارة حالات الطوارئ الروسية بعد أيام من دخول قوات التحالف الى كابول ونقل ملكيته الى وزارة الصحة الأفغانية. وأكدت على أن الحال كان أفضل لهن عندما عملن في المستشفى الروسي ، معللة هذه الأفضلية بوجود نحو 400 سرير وصالة كبيرة يمكنهم بواسطتها معالجة نحو 500 مريض في اليوم. أما وقد أغلق المستشفى الروسي ونقلوا الى أبن سينا فأن لديهم سرير واحد فقط وغرفة صغيرة تنشط فيها ثلاث طبيبات. وبسبب السرير الواحد يتجمهر كل يوم أمام بوابة الروس نحو ألفا مراجع بانتظار الدور.
وترى الطبيبة فيرا ميخايلوفنا بأن الجراحين الأفغان وأغلب الموجودين نساء جيدين ونفذوا عمليات على أعلى مستوى طبي حتى بدون أجهزة طبية حديثة. ومع ذلك قالت الطبيبة الروسية بأن العدد الكبير الذي يراجعهم يوميا دليل على ثقة الناس بالطب الروسي.
وأشارت الى أن اكثر المراجعين يعانون من أمراض القلب والروماتيزم والتدرن وإصابتهم بالميكروبات المعدية.

الأمل بالمستقبل
أجمع الأطباء الأفغان على أن أملهم كبير في المستقبل ، فهم يشعرون عند زيارتنا لهم أفضل حالا من السابق. ولكي لا نغرق في قراءة الطالع فأن المعطيات التي عرضت علينا في وزارة الصحة تشير الى ارتفاع نسبة الوفيات بنحو 34 % عن الثمانينات و 41 % عن السبعينات. أي أن وضع البلاد الصحي آخذ بالتدهور. ولا يوجد كادر طبي مختص يكفي العدد الهائل من المرضى. زد على ذلك لا وجود لجيل جديد من الأطباء مع تدمير الوضع العلمي في الجامعة وغلق المدارس لفترة طويلة.
فمن سيقوم بهذه المهام في المجال الصحي ؟
العامل الوحيد الذي يجعل الناس تسير هو مقاومة الإنسان الطبيعية وقوة أجساد الأفغان وخاصة الجبليين ، لتوفر الظروف البيئية المواتية هناك حيث الهواء النقي والخضرة والماء العذب واعتمادهم على الطعام الطازج الذي توفره لهم حيواناتهم ومزارعهم.
أما أهل المدن فيفتقرون الى هذه العوامل ، لذلك يشيخون قبل الأوان ويودعون قبل الأجل. فالموضوع الصحي معقد وشائك وملح جدا ولا يحل باستدرار الدموع ولا بإلقاء كل شيء على المستقبل.