السبت، 12 يوليو 2008

موسم الهجرة الى الشيشان


حل ربيع الحرب في الشيشان ومعه يمكن القول بأن كل المنظمات الدولية في مشرق الأرض ومغربها أرسلت مبعوثيها " لتقصي الحقائق " هناك. بالإضافة الى ما يكتبه الصحافيون الروس والمراسلين الأجانب فأن الصورة أكثر من واضحة عما يجري في هذه البقعة الملتهبة في الكون. وزعماء بلدان العالم كلهم أدلوا بدلوهم حول هذه المأساة ، وهكذا تكتب التقارير وتنشر ويلتقط المبعوثين الإنسانيين صورا عامة وشخصية للوحة البشعة. ومع ذلك تترك العملية برمتها انطباع بأن كل طرف يريد تأدية ما عليه من واجبات والصور ستحفظ في الأرشيف العائلي لهذا المبعوث أو ذاك لكي يعرضوها للحفيد : أنظر هذا جدك عندما كان في أرض أطلقوا عليها جمهورية الشيشان.
والنقاش الدائر في ستراسبورغ يدور حول قضايا شكلية أيضا ، فالوفد الروسي الى المجلس الأوربي المتكون من 32 نائبا في الدوما سيمارس حقه في التصويت عدا في القضية الخاصة بالشيشان. والوفد سيمارس حقه في كذا ، غير أنه سيحرم من كذا … وتستمر اللعبة الإنسانية - الدستورية كما رسمها مؤلفو اللائحة الداخلية لمجلس أوربا : البند الفلاني يشير الى ذلك والمادة التابعة للصفحة الإنسانية المفقودة عند السكرتارية العامة التابعة للجنة الجيوبوليتيكا لا تلزم المجلس بفرض هذه أو غيرها من العقوبات ، لا من قال عقوبات ، التحذيرات ، ربما توجد كلمة أخف : لفت النظر ، لا يهم فأن الوفود تستمر بالتقاط الصور للأحفاد وأن وكالات الأنباء مهتمة بالأمر فلابد الخروج من هذا المأزق ، فلينبش الخبراء في دستور المجلس عن فقرة إنسانية تعاقب الوفد الروسي بغسل صحون العشاء هذه الليلة ، أو لا فمن الأفضل حرمانهم من العشاء حتى تصل أكياس الطحين التي أرسلها المجلس الى انغوشيا ، ولكن ينبغي أن يسافر وفد آخر ليحصيها قبل أن تباع عند بوابات معسكرات اللاجئين لقاء طفل شيشاني. نعم ، كيس الطحين أو الرز مقابل طفل شيشاني ولا تنسوا البطاقة الصحية فالمطلوب طفل معافى لأرامل وعوانس ميسورات الحال وبنوك التبني قدمت طلباتها ومستعدة لتمويل الرحلة.
هذه معايير إنسانية جدا ، وهم بكل الأحوال أفضل من وفد منظمة المؤتمر الإسلامي الذي تنزه في انغوشيا ولم يستطع أعضائه رؤية خيمة واحدة. الروس يعرفون من أين تؤكل الكتف ، هكذا تعاملوا معهم بحجم بياناتهم. لا تهم قرارات أوبك فأسعار النفط ارتفعت أو انخفضت فالأمر ليس له علاقة بالميزانية الحكومية - الحربية ، ألم يقل ذلك ممثل الرئيس الروسي لدى المنظمات المالية الدولية. الذي سيتأثر بقرار أوبك هي الشركات النفطية فقط ولتأكل نارهم نفطهم !
منعوا السيدة روبنسون من زيارات معسكرات الاعتقال ،، طبعا ،، يمنعوها ، كيف يمكن حماية هذه الأرستقراطية المهذبة من هجمات لم تسلم منها حتى قوات " الآمون " المحترفة ؟ قواتنا الذهبية الخاصة لم تستطع حماية نفسها فكيف نترك السيدة الأوربية تتجول بحريتها هناك ؟ يكفيها ساعتين في غروزني ويومين في الطائرة فالضباب لا يسمح بتحليق غراب في هذه المنطقة.
ولماذا تصر ماري روبنسون على رؤية معسكرات اللاجئين ، يكفيها الجلوس أمام شاشة صغيرة محترفة لتطل نافذتها عما يجري هناك أو تطلع على أي تقرير صحافي ، ألا تلعب وسائل الإعلام دور المراقب في مثل هذه الأحوال ؟
هناك في الشيشان وما حولها ستة معسكرات للاعتقال (أو للتصفية) يمكن إضافتها الى تقرير المبعوثة الإنسانية وهي حسب درجة رعبها : تشيرنوكوزوفو ، تولستوي يورت ، عروس مرتان ، موزدوك ، ستافروبل و بياتيفورسك. والمصادر الرسمية الروسية تشمئز من تسمية " معسكرات الاعتقال " لأنه ليس ثمة حرب ولم تعلن حالة الطوارئ بعد في الشيشان بالرغم من إصرار اللجنة الحقوقية في الدوما على فرضها غير أن الكرملين مصر بدوره أيضا على تسمية ما يجري بعملية محدودة النطاق هدفها القضاء على الإرهابيين فلماذا فرض حالة الطوارئ طالما توجد بعض البنايات سليمة في الشيشان يمكن استغلالها كمقرات للحاكمية الروسية ؟ وكيف يمكن فرض حالة الطوارئ على أراضي روسية ، يعني ذلك إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية ، لأن الدستور الروسي لا يجيز إجراء الانتخابات طالما توجد حرب على أراضي البلاد !
لكن فرض حالات الطوارئ يجيز توقيف أي مشتبه على أن يحاكمه النائب العام فيما بعد ولكن المشكلة أن روسيا لا يوجد فيها حتى هذا النائب العام !
ولماذا المحاكمات طالما توجد معسكرات التصفية ؟ ألم يقل الرئيس فلاديمير بوتين " سنمسكهم في المراحيض ونقتلهم " ، لم تتضمن عبارته الخالدة إشارة لمحاكمتهم ، جوهرها يعني سنمسكهم ونقتلهم في الحال ، أي في المكان مباشرة ! لا يوجد مجال للبذخ الديمقراطي فالحرب تستعر وأفراد العصابات ينسلون مع اللاجئين ويجب " غربلتهم " .. وكيف تجري هذه الغربلة ؟
كل الرجال مشبوهون من عمر 14 أو 12 لا أحد يعرف فأغلبهم لا يحملون أوراق ثبوتية ! يخرجونهم من حشود اللاجئين وينقلونهم الى المعسكرات الرهيبة ولا يهم إذا كان أحدا منهم بحاجة الى مساعدة طبية عاجلة ، ينقلونهم ومن يريد الذهاب معهم أهلا وسهلا فالأقبية هناك كثيرة. وهكذا يحشرون في الأقبية ، هناك من فقد رجله وثمة رضيع فقد أمه وعجائز وأنين وصرخات وتأوهات / كلهم في يوم الحشر الروسي في الأقبية.
وحال وصولهم الى معسكرات التصفية يكون بانتظارهم 15 - 20 جنديا يضربونهم كما يجب بالعصي والهراوات بعد أن يعروهم تماما لفحص ملابسهم وأجسادهم وعلى الماشي يسلبونهم كل شيء الساعات ، النقود ، القبعة الشتوية وخواتمهم الذهبية وكل شيء يعجبهم.
والحراس هناك يمارسون عملية اغتصاب منظم وليس للنساء فقط !!
وغير معسكرات الاعتقال الستة الشهيرة هذه توجد في كل نقطة حراسة روسية وهي بالمئات الآن مراكز للتوقيف. فمثلا في نقطة كالينوفسكيا التوقيف هناك عبارة عن حفرة عميقة يغطيها سقف حديدي. ويطلق الجنود على هذه الحفرة " قفص القردة" !! ومن المستحيل أن تزور هذا القفص بدون أن يغسلوك بدمائك ! وإذا كان قفص القردة يتسع شخصان فيحشرون فيه حتى عشرة. ويعطوهم في اليوم نصف رغيف خبز.
وحسب معلومات مؤكدة يبيع الحراس المعتقلين الى أقربائهم في حالة عثورهم عليهم بسعر من 40 - 160 دولار.
وفي خضم ذلك يدور نقاش حام في ستراسبورغ في هذه اللحظات حول دعوة الوفد الروسي لعشاء هذه الليلة أو معاقبتهم بغسل صحون السهرة !!