الجمعة، 11 يوليو 2008

اللاجئون الأفغان أكثر من الأفغان

"آه ، لمن نلجأ ، إذن؟"
- ر . ريلكه -
اللاجئون الأفغان يشبهون تماما البيوت الخربة. ليس لأنهم نتاج هذه البيوت فحسب، بل لأن التمييز فيما بينهم يدفعك لنبش دفاتر التدمير وفك طلاسم الحرب.
فهذه البيوت دمرتها حرب المجاهدين ضد السوفيت والأخرى نثرتها حروب المجاهدين مع المجاهدين والتي بعثرت لاجئينها. هؤلاء لاجئون طالبان وزحفهم المقدس ، أما الباقين فلاجئين رايات الحرية الدائمة.
يضاف الى جمع اللاجئين المذكورين ، لاجئين الخوف والقرارات الفردية والنهب والاغتصاب والجفاف …
اللجوء إذن في أفغانستان نسغ الموت
وللاجئ الحق فقط في الموت
لا يخرج من جحره إلا الى القبر ‍.
كثر الكلام
كان موضوع اللاجئين الأرحب لمن أراد الكتابة عن حرب أفغانستان. فهؤلاء البشر يلاقونك منذ أن تطأ قدميك الأمتار الأولى من البلاد ويودعونك حتى الأمتار الأخيرة. توزعوا كالأشجار البرية وصخور الجبال وعثرات السهول. لا يتطلب من أكثر الصحافيين كسلا ، غير التجول في أية مساحة منبسطة لتداهمه بلا موعد مسبق أفواج المسرحّين من الحياة.
ولمن شبعت عدسته بلوحات لاجئين في نقاط ساخنة تشبعت بها الأرض الآن ، إمكانية المقارنة والخروج بالنتيجة الحتمية : اللاجئون الأفغان الأسوأ في كل ما رأته العين وبثته أنباء الحروب.


ثقوب الجبال
اخترع اللاجئون في أفغانستان هذه الطريقة بناء على ما يسرته الطبيعة لهم من ثقوب جبلية. فلكل جبل بناء على أسباب جيولوجية نجهلها ، حفر وثقوب لا معنى لها بالنسبة لمصطاف ، غير أنها صارت ذات فائدة عظيمة لمئات آلاف البشر ، ففيها عوامل بيت ولو غريب ، هناك السقف والجدران ، أما المدخل الضيق فيمكن رقعه بملاءة أو قطعة صفيح أو بقايا دبابة.
ومن هرب من الحرب مع حماره ، فرصة جمع الحطب وإشاعة الدفء في المغارات الجبلية الصغيرة.
لكن المنظر يزداد " رومانسية " عندما تنغلق الشمس ويرمي الظلام بأهدابه لتظهر النار من ثقوب الجبل الكثيرة متلألئة كأنها برق مروج تشي بنبض الصخور وأنفاس البشر في فضاء كله ثقوب وخطوط وتنهدات وأجفان.
فمن زين الجبال بهذه اللوحة قبل اللاجئين ؟
هي رومانسية للعدسة فحسب. لكنها جرح في ضمير الإنسان لا تشفيه خيمة منفردة ولا شراع ، لا أمين عام ولا خاص ولا أطباء بحدود وآخرين بلا حدود. هي الإساءة لسمعة الموت وعنكبوت يخيط الأصابع من خط الكلمات الصحيحة ومعنى لنصبح في عالم أكثر ظلاما وأرواح فيها من التراب ما يغطي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية.

أأكياس نرى أم خيام ؟
هل يكفي كيس طحين مفتوح على فراغه لبناء بيت ؟
اللاجئون الأفغان أثبتوا صحة النظرية المنبثقة من هذا السؤال.
كانوا يخيطون كيسين أو ثلاثة ويثبتونها بأوتاد من شجر متقاعد فوق حفرة لينشئوا بها بيتهم الجديد.
مذلون .. مهانون .. منسيون ، مثقلون بالقبر الموعود.
بيتهم أذلّ حتى من قبر متهالك
ألم نقل بأنهم أساءوا لسمعة الموت ؟
تصوروا بيتا من كيس أو " شوال " أو " غونية " ( لا نعرف تعبيرا آخر ) يرفرف فوق حفرة.
ومَن تحت الكيس ؟
مئات الآلاف من البشر.
ومَن هؤلاء البشر ؟
أهلنا في الإنسانية … أخوتنا في الدين … أشباهنا في الصور ، بل اجمل منا جميعا. أطفال ونساء ورجال مثلنا تماما : معوقو الحروب الغبية الذين يستخدمون خشب الأشجار المتبرئة من الطبيعة كعكازة مرة وأخرى كوتد للخيمة. عجائز سحقهم الدهر أكثر حتى من طاقته المسموح بها للفجيعة.
فوق كل هذا المصـــــــــير ،، تلمس رقة أرواحهم الحريرية وتسمع الكرم المتساقط من عيونهم … جاءهم ضيف : يلقون عليه بالبذرة الوحيدة التي حملها لهم عصفور الصباح. تمتد أياديهم برشاقة لتعانقك :
ها نحن من الأنقاض نسقي مأتمك.


أوراق و أوراق
السادة المنتصرون يدرجون في جدول لقاءاتهم موضوعة اللاجئين ، مرة للضغط بعضهم على البعض الآخر ، وثانية لزيادة نسبة هذه القومية على تلك ( لعدم وجود إحصاء صحيح لعدد اللاجئين يحرص كل أمراء الحرب على مضاعفة عددهم في المناطق الواقعة تحت سيطرته ) ، وثالثة لمناقشة توزيع حصص المساعدات … الخ من أسباب لا حصر لها. وبدون إدخال اللاجئين الأفغان في طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران وباكستان وباقي أرض الله في الحسبة، فأن الحديث يدور الآن حول اللاجئين الأفغان في أفغانستان.
وحتى هؤلاء اللاجئين في بلدهم ، وبتعبير أدق المشردين أو المهجرين ، لا يعرف أحد لا قريب أو غريب عددهم. وكما ذكرنا فأن عوامل كالزيادة المتعمدة في عدد أثنية على حساب أخرى لأسباب تخص توزيع أكاليل الغار ومضاعفة عددهم للحصول على كمية أكبر من المساعدات أو تخصيص مبالغ أكثر من ميزانية البلاد ( قد تكون هذه الجملة سقطت سهوا فلا نعرف فيما إذا كانت ثمة ميزانية في أفغانستان ). يضاف الى هذه الفوضى ، مسألة البنية والكادر المكلف بتدبير أحوال اللاجئين.
ولأن اللاجئون الأفغان أكثر من الأفغان ، فقد خصصوا لهم وزارة أطلقوا عليها " شؤون اللاجئين ". وهي وزارة حديثة العهد في كل شيء ولا تعثر فيها على متخصص واحد وحتى زيارتنا لها تستخدم الأوراق الرسمية لوزارة " الأمر بالمعروف " للإمارة المندثرة.
وأمر الوزارة معروف أيضا ومسئوليتها واضحة وشكاواها محفوظة في أدراج الأمم المتحدة والمؤتمرات الاستثنائية وحتى في حلقات الذكر. لكن خطوة واقعية للعمل المعروف لم تلمس منها عدا صندوق شكاوي موضوع في مدخلها شعاره " .. وضاع القفل ".

والعمل الآخر
منظمات إنسانية دولية تجاهد بالفعل في سبيل إيصال المساعدات الإنسانية للاجئين. وتواجهها الى جانب العقبات الإدارية والروتين وعدم وجود بيانات واضحة وصحيحة عن عدد اللاجئين وأماكن تواجدهم وفساد الموظفين ، قسوة الطبيعة والمناخ.
فالكثير من قوافل المساعدات تنقطع بها السبل بسبب جسر هدمه أشاوس فارون أو انهيار ثلجي أغلق المنفذ الوحيد للطريق أو تدهور الأحوال الجوية أو نشاط قطاع الطرق أو حتى فوران الدورة الدموية لدى التشكيلات المسلحة المتناحرة.
كما أن لاجئين مثل سكان الثقوب الجبلية لا يعرف عنهم أحد وغير مسجلين في أية قائمة إنسانية ولا يمكن سوى لصحافي منفرد الوصول إليهم لأسباب طبيعية وموضوعية.
ومنظمات إنسانية مرفهة ونازكة لا تريد الدخول في معمعة مع أمراء الحرب. فلو أوصلوا مساعداتهم للاجئين الأوزبيك وتركوا عن غير قصد اللاجئين الطاجيك أو لم يعرفوا مضارب الهزارة لأنهم في كل مكان فقد تشتعل حرب غزوات ليس لها آخر. وإذا اعتمدوا على بيانات مؤسسات أمراء الحرب وشرعوا في تنفيذ واجبهم الإنساني في اليوم المتفق عليه على سبيل المثال ، فأن هذه البيانات سرعان ما تتغير لأسباب وجيهة مثل سماعهم الأمر التالي : نحن نتولى إيصال المساعدات بأنفسنا.
والأعذار بسيطة : حفاظا على سلامتكم ، لدينا جدول زمني يتوافق مع احتياجات اللاجئين ، لا ننصح بدخول أجانب في هذه المناطق التي تكرههم ، سوء الأحوال الجوية …الخ
وفي النتيجة تستقر المساعدات في المخازن ليطعم بها أمراء الحرب مقاتليهم وتوزعها فيما بينهم. لأن همهم الأول إرضاء المقاتلين ، سواعدهم وسلطتهم ، مصدر قراراتهم وريش طواويسهم.