السبت، 12 يوليو 2008

جبهة الحرب الثانية

بعد الضغوط " الإنسانية " التي شارك فيها زعماء غربيون ، سمحت روسيا لمجموعة مختارة من صحافيين أجانب كنا ضمنهم ، بزيارة سجن فيه " معتقلين " شيشان للإطلاع على أحوالهم وللتحقق في المسائل التي أشارت لها الكثير من المصادر والمتعلقة بخرق حقوق الإنسان في الشيشان.
وفي خطوة موازية أطلقت السلطات الروسية سراح بعض المراسلين بدون قيد أو شرط.
فكيف يمكن تفسير هذه " الصحوة الإنسانية " من قبل القيادة الروسية؟
أن عملية اختيار مجموعة الصحافيين لزيارة هذا الموقع أو ذاك في الشيشان تتم بإرادة السلطات الروسية الرسمية وبالتحديد بموافقة من المركز الإعلامي الروسي وهو منظمة رسمية مستقلة تتبع بشكل مباشر للكرملين ولها علاقات مع وزارة الإعلام. والمركز الإعلامي هو الجهة التي تحدد الأماكن التي يزورها المراسلين الأجانب وتحدد أيضا الأشخاص الذين يمكن " استجوابهم " من قبل الصحفيين. أي أن العملية كلها محددة بإطارات صعبة للغاية ولا يمكن لزيارة مثل هذه أن تروي ظمأ الصحافيين الأجانب والروس على السواء.
لذلك فأن المشتبه بهم من الشيشان والذين قابلهم الصحافيون لا يمكن لهم التحدث بغير " المعاملة الإنسانية " وحتى الرقيقة من قبل السلطات الروسية تجاههم وإضافة وجبة غذائية لهم من الطراز الممتاز حتى أن بعضهم قال بأنهم يتناولون أربع وجبات في اليوم في المعتقل.
وبالنسبة لإطلاق سراح الصحفيين في هذا الوقت فجاء بعد " مكرمة قيصرية " بحتة ، حيث صرح الرئيس الروسي الذي كان وقت الحرب بالوكالة فلاديمير بوتين قبل يوم بأن وجود مراسلين وراء القضبان ليس له معنى.
الجبهة الثانية
منذ بداية الحرب في شمال القوقاز فتحت وزارة الدفاع وهيئة الأركان جبهة ثانية ضد الصحفيين الذين لا يحبهم الجنرالات جدا والعكس صحيح.
لقد اتضح في صيف السنة الماضية عندما اعتدت تشكيلات مسلحة شيشانية على الأراضي الداغستانية بأن وزارة الدفاع لا ترغب في قول الحقيقة عن الحرب. وكانوا يريدون إقناع المجتمع بأن " العملية المعادية للإرهاب " في الشيشان جاءت ردا على غزو العصابات الشيشانية لداغستان وتفجير البيوت السكنية في المدن الروسية. غير أن رئيس الوزراء السابق سيرغي ستيباشين التي جرت كل هذه الأحداث في عهده اعترف مؤخرا للصحافيين بأن التهيئة لدخول القوات الروسية في الشيشان بدأت في مارس 1999. وقال أيضا بأن شخصيا كان يعد للتدخل الجديد في الشيشان الذي كان ينبغي له أن يحدث في كل الأحوال. ومع ذلك دحض الجنرال فاليري مانيلوف نائب رئيس هيئة الأركان الروسية اعترافات ستيباشين الخطيرة للغاية.
الخسائر البشرية
ويشك الجنرال أركادي باسكايف قائد قوات الداخلية في منطقة موسكو والجنرال أناتولي كوليكوف وزير الداخلية السابق في الأرقام الخاصة بالخسائر البشرية التي توردها وزارة الدفاع في نشراتها.
ومهما كان الأمر تحقق اليوم حلم فاليري مانيلوف ورئيس الجهاز الإعلامي في وزارة الدفاع أناتولي شاتالوف في فرض الرقابة والسيطرة الشاملة على كافة المعلومات الحربية.
الأستاذ وتلامذته
تحدث الينا أحد أساتذة أكاديمية هيئة الأركان العامة قائلا : " جمع الجنرال مانيلوف قبل شهر في الأكاديمية الملحقين العسكريين في السفارات العاملة في موسكو بغية إطلاعهم على الحالة في شمال القوقاز. وكان عليك أن ترى وجوه الدبلوماسيين التي أصابتها الدهشة. قال لي أحدهم : ألا يفهم مع من يتعامل ويتحدث ؟ من المستحيل سماع مثل هذه الدعاية التقليدية دون الاستغراق بالضحك ".
وهكذا كان يتعامل الجنرال مانيلوف ومساعد الرئيس الروسي لشؤون التغطية الإعلامية الحربية سيرغي يسترجيمبسكي مع الصحافيين. كانوا يجلسوننا مرتان في الأسبوع على الأقل ليملوا علينا كتلاميذ عندهم ما يشاءون من الوجبات والمحاضرات الدعائية المعروفة سلفا.
تجدر الإشارة الى أن خطر الهزيمة في جبهة الشيشان الإعلامية كان واضحا من جراء عقم نشاط جهاز الدعاية في وزارة الدفاع. الأمر الذي دفع فلاديمير بوتين بالتدخل شخصيا وتعيين يسترجيمبسكي مساعدا له للتنسيق بشأن السياسة الإعلامية في منطقة العمليات الحربية بغية إضفاء معقولية على العمل غير المثمر والبليد للأجهزة الإعلامية في دوائر القوة. ومع ذلك لم تساعد هذه الخطوة لإنقاذ الموقف الإعلامي الروسي حتى الآن. ففي البداية أنزلت حكاية اعتقال مراسل صحفي في غروزني ضربة موجعة لسمعة السلطات الفيدرالية داخليا ودوليا وقدمت السلطات الروسية للشيشان هدية لم يحلموا بها جراء تخبطهم في هذه القضية التي تحولت مع بطلها الى رمز للقمع الإعلامي الذي يتعرض له من تسول له نفسه الاقتراب الى حقيقة ما يحدث في الشيشان.
وبعد استبدال المراسل الغريب وغير المفسر من وجهة النظر الحقوقية بجنود روس أسرى أصبحت هيئة الأركان العامة والمخابرات الحربية وحتى القيادة السياسية الروسية هدف لانتقادات شتى داخل وخارج روسيا.