الأربعاء، 7 مايو 2008

الحب في بغداد



"أعينني في هذه المحاولة
بإلهامك
وقودي مسيرة هذه القصيدة"
-أوفيد-

نشيج صففه لها من بغداد جمال حسين علي:

كان يا بغداد
كان يا ما كان
حرفان غيرا الاحلام والغفران،
اوغلا في انوارك المحرمة
وحنانيك وعريك الهادر وفتورك الفاقد الذاكرة..
حرفان يا بغداد،
تبادلا وإياك السقف والحيطان، اللذة والجنان،القاهران اغصان القلب وعشبه الموارد، بانعطافته وتودده وتعقله وإصغائه المحير،،ينبوعان إن شفا، قرف الندم وابتلت الرتابة وماجت الهدايا الطيبة..
كان في بغداد..
فاتحو ثغور اليأس وانبهار الذات وانسياق اللحظة
المسعى فيك الرائي والمرئي ،، الجاد والمستجد ،، الهام والملهم ،قصير التشاؤم والحافل بحماقات الدنيا، قطاع الطرق والشعور المظلم ونسق البراءة،، إن صمت القلب البسيط..
ألوذ بك من دمعي وتراقص دواليبي في مغارتك،، احجب الفرحة الفردية واعمم ضخامة الصرخة ورفقتها وتعريفها فمنهم من قضى قلبه ومنهم من اشتهى ائتمان السر..
الوذ بك في إيوائك وشحوبك وازدرائك وتفجر نزوحك يا مضيافة اعترافي واشتغال اشتعالي وسخونتي الهنيئة وماسحة الغبار عن زجاجة روحي ، أساق إليك حيث يجيء الخيال المقسم على الاشواق وما تلاها، بنور الذات وما حباها ..
يا يأسي المرهف، القاك في القدر الهيام يا كوكب المحبين وشتاء الصواعق والنبضات المحرمة: لكل من أبصر الحب وظل عليه وأحسه أبديا،، كفحيح أوردة لم تقهرها شجرة الحديدِ ولكل من طارد اللذة وصاغ ببخار كلماته الشعر الشفوي لحبه الوحيد،، لنغمة الدهشة والحب الجارف،، من في الفصول المتهاوية، يلتحم كل الحق معه ..
كنا.. وكان في بغدا..
وكان.. يا ما كان
حب خليق بحبنا وفراغنا المشفق كما كان وأحسسناه مضرج بالحرية، مدجن بالنيران والولادة الغريبة ..
كان يا أصحاب.. كما كان .. وكما تمنيناه، في أعمق سوء الفهم ودلال الشمس :
الأول والثاني والثالث .. حتى الممات : الحب في بغداد!
*¹*¹*
الشعب الذي لا يحب يموت من البرد. عبارة لم اسمعها كما جاءت، لكني اعدت صياغتها كما فهمتها،، للعراق الذي صدر الحب الى الإنسانية منذ اناشيد سومر الاولى لأنكي وأوتو وأم الحب العراقي انانا حين يقول لها المحبين، مبتدأ بالفلاح انكي:
انت التي جعلت الاشجار الكبيرة تنمو
انت التي جعلت القصب الممشوق يتكاثر
اريد ان اعزق للحصول من اجلك على هذه النبتة
وهذا الراعي دوموزي يدعوها للحب:
ايتها الصبية،
كل ما ترغبين سأقدمه لك يا أنانا .. الحب.
ولأم الحب تعاليمها، وتختصر مشروع الحبيب بالنص:
سيوسع بيتي وسينصب فراشي المخصب
سيغطيه بالقماش الأزرق
سيضع يده في يدي
وقلبه على قلبي
من غيره صنع من اجلي!
سأسهر على بيت - الحياة ومستودعها المديد
سأحفظه لك فقدوموك يبعث الحياة ويحمل الكثرة!
ويجيبها:
يا لصداك العذب
سأجعل نغم المخضة يتردد من أجلك
علني أنقل الفرحة الى قلبك
سأبهج روحك أنانا وأتأوه في حضنك لأتمكن من تمديد حياتي
آه.. أنانا،
عندما يحل الليل
سيدخل القمر بيتن
اكوني عيدا يجعل الوجوه مشرقة
انتجي الحب لي واسكبيه أمامي..
اللقاء الحديدي
الحلوة،، الصافية العينين،، المحصورة بين الجدران الظليلة أحصت أصوات القذائف، ومع كل واحدة تنزل على رحم المدينة كانت أصابعها تتقشر من العض وبشرتها تسيح ألما، وهلعا عليه، وعليه فقطِ فقد كانت تحسب كل القذائف موجهة إليه. وبعد اندمال الحرب واقتراح المسرفات دائسة أنامل البلاد، عانى نصف المحبين في بغداد من فقدان العنوان، نصف المحبين في بغداد كانت تجمعهم الصدفة المخططة: طريق الدراسة،، الكراج المؤدي الى الوظيفة،،الأمتار القليلات المتبقيات الى الوزارة أو حضانة الأطفال أو المستشفى أو الدائرة العقارية ومهجع البلدية.. نصف المحبين في بغداد، تسوقهم أقدامهم الى الحب، فياضا، إن رآها وراء الحجاب المدرك لمآرب الحملقة..نصف القلوب البغدادية تتسلل مع الشمس وتتلاطم مع قرع نواعير المركبات، وذاك يوم انتصار لو جلس قربها في الميكرو باص بإذن من شفقة الأقدار والدعاء الطليق، الصداح، المتلاحق في العيون المستقرة..ما أن يجلس قربها ويمس الدينار في كفها، في خلده وباطنها، العجائب الغائرة في السماء السابعة واكتناف نمرتها الفائرة وخيوله الجامحة.. يجلسان في العلبة الحديدية ويمني نفسه في أن يكثر الشارع من حفره ومطباته، علّ الطسات ترمي جزءا من زفراته نحوها، الساكتة الملمومة الثلمات والشاحبة من سوء التغذية، قمحها متعطش للماء ونفير لمسته المبهمة تعصف حركاتهما، عيون كئيبة كطيور مجروحة توا، لكنهما يدعان نفسيهما موثقة بالحجرة المتحركة حد مسافة الشوق وسياج الشغل الذي بدا واضحا تنزل، فيبلل عينيه ملمح تنورتها التي لم تستبدلها للسنة الثالثة، فيشق أنفه المعرق بديهية العودة مجددا الى ناصية الشارع بانتظار مطلعها حتى مقبل غد عاطل جديد.
اللقاء المؤجل
بعد صمت، قال الشاب: أتمنى أن أرى حبيبتي عندما أريد!
يا لها من أمنية! قبول سماعها يحسن ويصفي أدراج الحديث، لكن هل تعد أمنية، أن يراها.. هل أصبحت رؤية حبيباتنا أمنيةأيها الشاب الشديد الحزن؟! يتأوه: من بداية الحرب وحتى انتهاء الخطر القاطع لم أرها ولم أعرف عنها شيئا.. كيف لي أن أراها؟ لاخيار أمامي سوى تجسيدها وتقريبها ومراوغة ألمي ..هكذا ضاقت الحياة بمحبين وبلغت فورة هيامهم، ولع يسير ذيله وراءهم، تراه في تخبط أقدامهم،، نعم، ظهرللمحبين في بغداد : ذيل!
لقاء النهر
في خشية صبيحة النهر، وشكها: مسطرون من كل زوجين اثنين، لا يأخذهم منظر أنيق، لا يبان منهم غيرظهورهم المقوسة والمهتزة نشوة أو انفعالا من حكاية الخطيب المتمكن الجديد.. مصفوفون على عتبات النهر الإسمنتية المبنية بفعل أوامر رئاسية لتذعن أقدام المارة من الدوس أكثر على أرض القادة المتطرفين مع النه..لم أكن مضطرا للتوقف وإحصاء ألوان رسائلهم للنهر أو العكس، لكن تضاعف الأزواج مع عودتي، في تلك الظهيرة، أسرى السؤال: ألا يشعرون بقيظها وحرها ولهيبها، شمسنا الضالة! قبل تدلي السؤال، انفرج العتاب: أنت تسأل هذا السؤال؟ أنسيت أن الخواطر تفل الحديد، وشعرها المذيب رنات العرق المتصبب على بخار هواك، وجسدها المروي إن تصور مع كلماتها، ضج انبعاثا لطفلك الغامض وجنونك غير المنجز الذي لا يقشعر للزمهرير ولا يلتهب للاحتراق..
أنسيت يا حامل واجبات الهوى وملقن العشاق سهو الاضطرام، أن اللحظة المقذوفة في السعادة، تلك التي تسطع مشيدة، لشهب تعرضها للغصة المقوية، نزول المياه وشلالات الهواء عند ملامستها قزح وداعتك: يا حياتي؟!
هي البوح والغربة، الدموع والإشراقة، الأمطار وتكسرها الواهم، يا من بسارية النهار القائظ بلا مسميات ولا بيانات عسكرية، ننهمر نحو ساقيتنا وجدولهم، لافتراس النهر لصدق الوعد، إذ انطلق من عصفور شفتيها ونافذة صدره الزاخر برماد الحروب، ستدق نحلة الحب رفرافة أجنحتها على قلبينا خمارا لقاع لقائناالمستمر.
لقاء الجسر
لا تفضحهم الأفكار ولا الصور، فكلماتهم تتناسل خارج حدود قوانين المرور وقواعده الدولية، تتراصف سياراتهم على الخط السريع، الذي منع التوقف فيه حتى للمدججين الغرباء..هو أغرب اللقاءات التي اخترعها العشق في الإنسانية على الإطلاق، بإلهام واحد أو اثنين، تحول الجسرالشاهق على ناصية قصور مسؤولين فارين الى كراج للحب!
في هذا المكان، قبل أشهر، لو خففت سرعتك، ربما يضربونك بالكيمياوي المخبأ.. في هذا الزمان، توقف سيارتك لتمعن في امتلاك اليد المسنودة قربك ..في هذا الجسر الغريب، لا تتوقف سيارات العزاب، فهو محطة للعاشقين، وفي كل سيارة اثنان لا يزيدان ولا يقلان، هذه شعائر الجسر الممطوط في قلب الكرخ، وإن مررت بعد عشرين سنة فستقرأ قصاصاتهم وبقاي اكراساتهم، فيها الفيض والألفة، وأرجو أن النمو والنهار المدبر والمحلقين فوق المدينة، المعلنين حبهم فوق رؤوس الأشهاد ومروحيات المحررين الفرحانة بطرافة الحب، إن قرر التغلب على الحرب.
لقاء الأعراس
هي الجزيرة التي حملت في طياتها أرحام عاشقات العاصمة، فيها التوالد والتحابب والتجاذب وانبثاق الدماء الأولى على الأرض الخشنة.. فيها المستقر وأدق تعداد سكاني لأطفال اختنقوا بشعارات المخصيين ،، آن لها، استبطان الجمال واللقاء المتكافئ .. متروكة شاليهاتها وأسقفها وسعفاتها المصطنعة، لمن يرغب في الانتحار حبا، فالجزيرة ظهرت من الماء لتداوي الهيام وتشكل المظنون وتبرهن على أن أعظم ما ستتعلمه في هذه الدنيا،أن تتعلم الحب وأن تحب بالمقابلِ وأن تختفي في لوعتك وأن تحب في كل يوم أكثر فأكثر، مهما تبدلت الفصول، تحب حتى نهايتك المقررة وألا تنتهي أحلامك بالغرزة الأولى للحب وأن تحمل كلفته وثمنه، الحب،حتى نهاية الزمان، وإن هفوة واحدة لا يمكنها إنقاذ الحب حتى لو كان عظيما.
يخترق فدائيو الحب، الأحراش للوصول الى الأعراس، جيشان وإن بدا فاجرا، إلا أنه مفرط بالمجون المنظم لرتابة النصف الآخر البائع لنفسه، الملطخ سجل زيارات الجزيرة المملوء بأختام المحاكم الشرعية المنهوبة ، يدور القمر حول الجزيرة التي فقدت عرسانها، خجل وملئ بالغفران لمن لم يسمع نصيحة حب واحدة.
لقاء الجنود
يحب الغرباء بالعملة الصعبة.. آه.. ما أتعسه من حب! فالمصمم الحاذق للدبابة الاميركية، وضع في قلب اعتباره، بوابة تنحني لتصبح سلما حانيا لكي يغرز الجسد نفسه بسرعة البرق في جوفها.
هكذا يصنع البغاء حضارته في حضرة الحرب، بذنب شعارات المجد وتبرم المدارك للمهنة الأقدمِ مع نشوة الشارع المستلقي على أمان الجنود المتلهفين لسماع دقات قلب وآهة مدلاة بعد انطفاء الوطيس.. وبغريزة من يرنو الى الحضيض، يقترب الخيط من الإبرة، بإشارة أو كلمة مستعادة، تفتح البوابة المقضومة، فتمرق بها بائعة الحب والرضا ودمية أخطائنا كأنها تقول: نحن مخلوقات عالم الرذيلة..لا يمكننا أن نشعر بالحب، فيقول لها القمر: لا.. لا أحب امرأة باعت نفسها وبلا حب كلنا أقزام تمسكنا الرذيلة، تغيب الدبابة عن منظرها بعد إغلاق البوابة بعنف، لتتحول الى طيف شجرة أو بركة خلفها مطر غير منتظر،وبدلا من القذائف، يطن داخلها أوار حب بلل جبهة المدينة بالحمرة وقطرة اليأس النافدة.
اللقاء المستحيل
يبعث المبعوث صورة حبيبته المحلية لأمه وراء المحيط، تجن من هول هذا الجمال وجرأة ابنها الذي نجا من الأسر والقتل، لكنه وقع في الحب.. هكذا فلا يحتمل الحب واسطة ومعجزة، سوى أن نسير في طريقه، صباحا وظلاما، في ليله المتداول وفرحه المقرب وتعبده المفرق.
فطنت الحياة وأرخت سدولها، فلا جداول ولا محيطات ولا مجالس ولا ساسة ولا خطط أو جدول زمني للانسحاب يوقف الحب ويجمد لونه، فهو الصرير في الغابة والوقوف بلا حراك وسط شارع مزدحم واللعنة والنعمة،المجدد، المنتصر، الخالد، ممزق الحجاب والمستجم في الملاك المقموع، ذاكرة الحنان وانعصار التكبر وجامع الثنائيات ومسوي التضادات. بلى، فقد وقع صبيك بالحب في سليلة أنانا مفتتحة الحب، عابرا الأزمنة، آسرا متأسرا من فوحة الإلهام، لكن إن أحببت يا صديقي ، فلا تدع قلبك يبك،، فقط:ألق سلاحك وادفع فاتورة التسوية العاشقة.
*¹*¹*
ليس أحوج من الحب أوقات الحرب والمهلة المستنفدة.. سلطانا وعساه أن يكون كذلك، ملمع صناديق البريد بالأزهار والبصمات المولعة والقلوب المنزلقة من فوهات الظروف، ناقوس الولوج لصدى النداءات ووجهه االصبوح ودكنة تمرغنا وضراعة استغاثتنا وهيأة أحلامنا العارية والناسج خيوط الكلمات والداعي للكتابة والتقلب المضني والراعي دموعنا على المخدات، المكابد، الصابر، عودنا الذابل وإيواننا المزروع برغم التعثر والإحباط تلو الانكسار، ذلك النصل، ما أن تحرك فيك يبقيك فقط على قيد الحياة - الصبا، في أرديتهن وحشدهن المرصع مع التواء المهج.
كان في بغداد
كنا وما كان
حب نابت كملقن أسى وقبض مراع تشاطر ترعرع قلب ضال..
بمرضاتك أيتها الشجرة الطيبة، ننشد حكايات اللقاء والفراق، تلفنا من أصواتنا وتمسكنا متلبسين مع سبق الإصرار بالحب.