السبت، 17 سبتمبر 2011

أنقرة- تل أبيب.. الاختلاف لا يفسد العلاقات


قضية دور اللوبي اليهودي في تركيا قد تسلط الضوء على العلاقات الإسرائيلية - التركية التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام والتي لا يمكن فصلها عن مسارها التاريخي.
نشير إلى ان هذا التاريخ بحاجة إلى دراسات متخصصة متعددة الجوانب، إلا ان هذا العمل، سيحاول التوقف وبشكل سريع جدا عند أبرزها.
ثمة من يعتبر مجاراة تركيا للنشاط الإسرائيلي المكثف فيها، كمعادلة منها لهيمنة اللوبيين الأرمني واليوناني اللذين يؤلمان تركيا في الولايات المتحدة، وجزء منه يندرج في إطار إرضاء الغرب الذي توجهت إليه تركيا منذ مطلع القرن الماضي.
إن تركيا هي أول بلد إسلامي يعترف بإسرائيل وكان ذلك عام 1949 حيث دخل أول قنصل إسرائيلي إلى دولة إسلامية حتى رفعوا التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفير عام 1950. «وتركيا أول دولة إسلامية يزورها رؤساء إسرائيليون: حاييم هرتزوك وعزرا وايزمان»، وتبريرها هو وقف الخطر الشيوعي!، بينما كانت الدولة الحادية عشرة التي اعترفت بدولة فلسطين.
والمخطوطات رغم ندرتها، تحدثنا عن قوة تغلغل اليهود في الدولة العثمانية واستخدامهم الأسماء الإسلامية لهذا الغرض منذ قيام حركة «ساباتي زفي» ولغاية سيطرة أتباعه (السابتائيين) على المال والإعلام في تركيا، حتى أن أتاتورك نفسه تعلم في مدرسة يهودية. ولابد في هذا الصدد، معرفة أسباب نشوء حركة «الاتحاد والترقي» التي رقـّت الكثير من اليهود ليستلموا حقائب سيادية كالمالية والداخلية، حتى أنهم عينوا مدحت باشا واليا على العراق وهو يهودي.
وهكذا منذ تلك الأوقات، يغتالون السلاطين ويدعمون الجنرالات ويرقـّون هذا ويبطشون بذاك، ويوقعون المعاهدات السرية.
لقد وقفت تركيا ضد مصر عام 1951 حينما حاولت منع السفن الإسرائيلية من عبور قناة السويس، وتمت مكافأتها بضمّها إلى الحلف الأطلسي بعد أشهر.
كما أن رئيس وزراء تركيا عدنان مندريس نادى عام 1954 في الولايات المتحدة باحقية اليهود بدولتهم وتهجم على العرب، وسمح لعشرات الآلاف من يهود تركيا بالهجرة إلى فلسطين. ونشير الى أن جمال عبد الناصر كان يسمي تركيا «الدولة الممقوتة» بناء على هذه المواقف.
السيطرة على الإعلام
عدد لا يمكن أن يحصى للصحف اليهودية التي تصدر في تركيا، لكننا سنتوقف عند الواسعة الانتشار منها والتي طالما اعتمد عليها مراسلو الوكالات لنقل أخبار البلاد. مثلا، دار نشر وصحيفة حريت أسسها ويملكها الثري اليهودي بورلا بالاشتراك مع اليهودي الآخر سداد سماوي. كذلك «ميلليت» فتديرها العائلة اليهودية إيبكجي وجريدة بوليتيكا أسسها إسماعيل جم إيبكجي الذي أشرف على التلفزيون التركي أيضا. وكذلك صحيفتا جمهوريت وترجمان وغيرهما، فيما يعتبر اليهودي إيلي آجيمان امبراطور الاعلان التركي.
آباء اللوبي اليهودي
من أبرز اليهود الذين تحكموا بالسياسة التركية يوسف ناسي أو دوق ناكسوس والذي كان يشرف على تجارة البلاد في القرن الـ 16، وجاويد بك ودوره الرئيسي في خلع السلطان عبد الحميد وأحد مؤسسي «الاتحاد والترقي» وابراهام كاموندو الذي كان عمليا يحكم أسطنبول في القرن الـ 19 ومتر سالم مؤسس «مكابي» عام 1910 وموشيه آلاتيني الذي تدخل في التعليم وليفي دي منشه المهيمن على الصرافة والمال وبرنار ناحوم طاغوت الصناعة وجاك قمحي الذي رسم سياسة التنمية وتجار وصناعيين مثل: العملاقان قوتش وصابانجي ونسيم كاسادو واسحاق لاتون والبير بيلين وعزيز قارح وغيرهم.
سحب السفراء
إن إسرائيل توقعت سحب سفيرها منذ ديسمبر الماضي، ولعل أنقرة تأخرت في اتخاذ هذا القرار، حتى ان تل أبيب لم تعين بديلا لسفيرها المسحوب غابي ليفي رغم معرفتها أنه ذاهب إلى التقاعد.
وليست المرة الأولى التي تعلن فيها تركيا سحب السفراء، فقد فعلتها عام 1956 بعد العدوان الثلاثي، لكنها في الوقت نفسه، أقامت تحالفا سريا مع إسرائيل والحبشة في عهد هيلا سيلاسي. كما سحبت سفيرها عام 1979 احتجاجا على إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، لكن سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها وبقوة أوقات توركت أوزال، لغاية لقاء الرئيسين وايزمان وديميريل الذي وصفوه بـ «اللقاء الحلم».
جاءت رئيسة الوزراء نانسو تشيلر لتعقد العزم على «التحالف مع الشيطان من أجل التخلص من العمال الكردستاني»، وفق قولها، ولكن لإسرائيل الكثير من المنظمات التي تؤرق منامها وتنغص عيشتها.
مما تقدم نلاحظ، أنه في كل المرات التي طردت فيها تركيا، السفير الإسرائيلي، يعقب ذلك تقدم كبير في العلاقات وتوقيع اتفاقيات تؤذي العرب.
مشاريع إسرائيلية
ومع ذلك أسس اللوبي في تركيا مركز الـ 500 عام وهو تاريخ خروج اليهود من اسبانيا وقدومهم إلى تركيا. وكذلك مشروع يلماز - بيريز لمد إسرائيل بالمياه التركية التي توقفها على سوريا والعراق، ما سمي حينها بمشروع «أنابيب السلام».
ودخلت إسرائيل باستثمارات زراعية قوية جدا في مشروع «الجاب»، ومثلها في الصناعات الحربية التركية وتطورت السياحة إلى حد أن اللحظة التي طرد فيها السفير الإسرائيلي قبل أيام، دخل تركيا ما لا يقل عن ربع مليون سائح إسرائيلي!
ولإسرائيل اتفاقية لاستغلال ميناء الاسكندرونة أيضا لمن لا يعرف، واتفاقيات في قطاعات الكهرباء والثقافة والأمن والجريمة المنظمة والتكنولوجيا والألياف البصرية وتبادل المعلومات والاتصالات ومد الكابلات في الشرق الأوسط والنقل (مرة قال وايزمان: ما أجمله من يوم ننتقل فيه من حيفا إلى تركيا عن طريق سوريا)، والتجارة الحرة والتجسس (فضيحة الصواريخ الروسية أس أس 300 التي وشت بها تل أبيب لأنقرة، ناهيك عن محطات التجسس المشتركة على الحدود مع العراق وسوريا وإيران والاجتماعات الدورية بين ضباط المخابرات بين البلدين). نقطة خطيرة في اتفاقية «رورو» التي وقعها مسعود يلماز ( رئيس الوزراء الذي خلف نجم الدين أرباكان الذي أطاحت به المؤسسة العسكرية لمواقفه السلبية من إسرائيل) بعد زيارته إسرائيل والتي وصفت بـ «التاريخية»، وهي إعادة تصدير البضائع الإسرائيلية (بعد تبديل علاماتها التجارية) إلى دول الخليج (ميلليت- 1998).
الاتفاقيات العسكرية
ويقال الآن، ان أنقرة أوقفت الاتفاقيات العسكرية، ولا نعلم هل بالضرورة ايقافها سيؤذي إسرائيل بشيء، لا سيما أن تركيا هي التي تشتري المعدات والتكنولوجيا العسكرية المتطورة من إسرائيل وتلامذتها يتدربون في تل أبيب وليس العكس، كما أنها ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو بعد الولايات المتحدة، الحليف الأكثر قوة لإسرائيل، وبالتالي لا تستطيع أنقرة مشاكسة تل أبيب.
حتى رئيس وزراء تركيا الأسبق نجم الدين أربكان الذي لا يعتبره الإسرائيليون حليفا جيدا لمعارضته الواضحة لسياستهم، برر التحالف العسكري مع الدولة اليهودية بالقول ان قطع الغيار للمقاتلات التركية موجودة لدى دولتين في العالم: الولايات المتحدة وإسرائيل؛ بمعنى أنها صفقة تجارية فحسب.
وهكذا منذ تأسيس إسرائيل كانت علاقة تركيا معها تشبه البندول، ولا أعتقد أن من الواجب علينا الجزع في صعودها والبهجة عند هبوطها.

الجمعة، 2 سبتمبر 2011

دبابيس اليأس مفتولة بقرى البحرين



هناك تنتهي تخوم وتبدأ أخرى.
وهناك يبردون في الشتاء ويذبلون في الصيف، حيث الطقس غير معتدل دائما وفيه الكثير من الوجوم وفي المنازل المزيد من البطون وأكثر منها الأضراس التي تريد أن تعمل.
وهناك أناس لا ينصاعون لأحد ولا يصدقون البيانات ولا يثقون بالصحف وبيوتهم ناقصة أحد الرجال على الدوام لأنهم مولعون جدا بالرفض ولا يعرفون التزوير والمماطلة والمجاملة وأسنانهم لا تبتسم لأي مسؤول أيا كان، ولديهم صدور تهوى اللطم في كل فجر وأفئدتهم فيها من الندوب ما يطمر البحر أسرع من المكنات الحديثة المستوردة، وعندهم الشمس لا تنام وإذا فقدوا رجلا ظهر بمكانه آخر في اللحظة نفسها، مشاكسون لا يداس لهم على طرف، ولو ألقيت عليهم كل الغازات المسيلة للدموع فسينفجرون من الضحك، لأن دموعهم تنهمر كل يوم بمعونة الغازات وبدونها. ولكل حصته من الرصاص المطاطي الذي يتلاعبون في خراطيشه كما لو كانوا في افتتان. محيرون صغارا وكبارا، أطفالا وشيوخا، أصحاء ومرضى، طائرين كانوا أو مقعدين، هكذا هم جسد ولد من تلابيب الأرض وإن انطفأت منهم شعلة، توردت آلاف غيرها، ضللهم الفقر ومذلة العوز وكنجمة جريحة تنساب من كل صوب، لتصادق النار، لكن لو أقبلت عليهم سيسورون ناصيتك والتراب الذي تحت قدميك بالفرح والحياء وسيكثرون من حولك بتوقد السحاب قبل مجيء المطر.
وهناك المجامر والعنف الراقد وفتية يتعاضدون وجباه تعرف الخجل وأكف لا ينبغي أن تتحرش بها والمرأة فيهم بألف من 'رجال الأنابيب' المولودين بتراضي الجينات المعولمة.
أنهم أناس القرى البحرينية الذين فاتهم الزمان جدا كأنهم خرجوا إلى الدنيا لكي يلموا فتاتها ويلثموا أرزاقها ويشموا عن بعد عبقها ويصوروا للذكرى أريجها.
القرى المعطاء
لقد أنتجت قرى البحرين الكثير جدا من الفنانين والأدباء والمفكرين والسياسيين والرياضيين والمبدعين في شتى المجالات، وكأنه القانون الطبيعي الذي تعودنا عليه في كل الكوكب، كلما ازددت فقرا شع ثراءك الإبداعي، وهي نظرية لم تثبت، لأن أحدا لا يريد الاقتناع بها، والمبدعون في البحرين ليسوا استثناء.
لذلك ليس من المستغرب أن يلتقوا جميعا، الطبيب والمهندس والحوذي وصانع الفخار والخباز والنجار ودفان القبور بهم واحد ويتداعوا معا في لحمة متراصة لو أصاب أي منهم أي خطب، اتحاد طبيعي لطبقة عانت العسر ولا ينبغي أن تفهم أكثر من ذلك ولا ضرورة لأن تستدعي تصرفاتهم غضب أحد وتهور آخر.
انهم يعبرون عما يشعرون به وما آلت إليه أوضاعهم. وحينما زفت لهم مباهج 'الميثاق' رفعوا سيارة الملك من على الأرض، زفوا جلالته في عرس لم تشهده البحرين المعاصرة طوال تاريخها.
لم يولدوا رافضين وباستطاعة النهر إذا مشى في مجراه الصحيح، فلا يعترضون سبيله، لأنهم ليسوا معارضة لأنهم يحبون ذلك أو لأنهم جبلوا على الالتصاق بالفقر وهوايتهم السكن في السجون وإملاء المكان الشاغر في المعتقلات، انهم أحوج من أي هراوة للسكون وإيداع الغد برأفة المتأمل الرهيف.
مثال للعميان
ثمة أمور لا تحتاج إلى إثبات وحنكة وحذق مبهر، ويتسنى حتى للأعمى رؤيتها.
تجوالنا في قرى مثل السنابس والدراز وبني جمرة ودمستان وكرانه والمقشع والشاخورة وجنوثان وبربار وغيرها، أعطانا اليقين بأن ثمة خطأ في مكان ما، فقد تغيرت هناك الأجواء وظهرت المجاري الطافحة وازدهرت القمامة المكومة من شهر على الأقل وتهالكت المنازل وامحى الجير من الشوارع فبانت على طبيعتها الترابية والتصقت البيوت التي تحاول جاهدة السقوط لكن عناية البيوت التي بجانبها وبفضل الجاذبية الأرضية على الأرجح بقيت مستقرة على أساسها.
لكن المثير الذي لم يعد مستغربا، أنه حال خروجنا بمتر واحد عن حدود القرى يتغير كل شيء كأنما يظهر لنا 'وطن آخر' حيث تعود المملكة الخليجية الصغيرة بأحلى ما يمكن من تناسق شوارع ونظافة وريعان خضار وأشجار ملطفة بالسماد المستورد وإشارات مرور ونظام ويافطات تخبرنا بأجود المأكولات وأثرى البنوك وأوسع الحدائق.
أسئلة ما بعد المثال
ألا يحق لأي شخص مطمور في هذه القرى أن يئن على سبيل الافتراض، وهو يرى كل شيء من حوله زاهيا متنعما من رحمات وبركات ثروة بلاده وهو يعيش العام تلو العام، بانتظار الفرج.. أطفاله يقطعون الطرق الترابية مشيا ذهابا وإيابا إلى مدارسهم المعفاة من الخدمات الكاملة منذ دهور، ألا يعطينا كزوار طارئين انطباعا بأن هذا الإهمال للقرى هو تهميش متعمد يكون سببه عند أدنى الحدود سياسيا وليس شيئا آخر لا نريد التطرق إليه لأنه معروف للجميع.
تذكرنا هذه المشاهد في الفرق الشاسع بين الضاحية الشرقية والجنوبية من بيروت ومدينة الثورة في بغداد وأحياء المسحوقين في القاهرة والكثير من الأمثلة، في مدننا غير العادلة.
فلماذا يزعلون إذن، وتظهر مراجلهم لو قرر هؤلاء المساكين الخروج في مناسبات ما والتعبير عن حاجتهم القصوى للحياة؟ أليس الأموال التي تصرف على فرق مكافحة 'الشغب' (لو نزيل النقطة من فوق العين تكون التسمية أصوب إلى حد بعيد) كافية لتعمير هذه القرى، وبدلا من تسمين هذه الفرق وتزويدها بالمعدات الحديثة والغازات والرصاص المطاطي والدروع، لماذا لا تحول هذه الأموال لتعبيد طريق وتزيين حديقة وترتيب حدود المقبرة التي دخل أمواتها وزاحموا الأحياء ونغصوا عيشتهم!

الغضب المفسر
حين قمنا بتغطية إحدى التظاهرات التي خرجت من هذه القرى، داهمنا انطباع وفهم لحالة الغضب الذي فسره أحد الزملاء بعبارة مهمة للغاية: كل حادثة في البحرين مهما كانت تنعكس وتؤثر في الجو العام برمته للبلاد.
هذه العبارة وما رأيناه وسمعناه من حناجر نسوة هززن الأرض بهتافاتهن يعطي فهما واحدا لا تفسير آخر غيره وهو وجود ما يسمونه في علم النفس: الاحتقان.
لماذا يتفق الجميع في هذه القرى على شعار واحد؟ وهل هم فعلا يهوون السياسة ومنتمون لجمعيات وأحزاب؟ بالتأكيد كلا، انهم ينتمون إلى حزب واحد هو: الإهمال والفقر والبطالة والحيف والتمييز وغيرها من أمور لو صببتها على جبل لرأيته جاثيا متكسرا من هولها.

لقاء مع الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية



يذكر أفكاره بحذق وبسرعة بديهية أطلقت أول انطباع عنه: كان على حق من قدمه على الآخرين وعلى حق من أعطى صوته له. أكثر ميلا لاعتدال الوسط، لذلك لم يستخدم مفردة واحدة تخدش أحدا، منافسا كان أم جهة يعارضها.
بلغة انسيابية تتناسب مع حجم السؤال وما حوله وبين حروفه اتخذ مستقر الحوار مع الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية المتزعم أكبر الكتل النيابية في الدورة البرلمانية الجارية التي ستنتهي عام 2010، رغم ان الأصوات التي حصل عليها الشيخ الشاب لوحده تكفي لملء ربع مقاعد البرلمان. نحو سبعة ملفات أو أكثر حملها الشيخ علي سلمان إلى قبة البرلمان معتبرا إياها أولويات الهم الوطني وهي: التجنيس، البطالة، التمييز، الفساد، الإسكان، الشهداء، حقوق الانسان وغيرها التي لا تقل أهمية مثل: الإصلاح الدستوري بما في ذلك فصل السلطات والتعددية السياسية وحرية التعبير والتداول السلمي للسلطة، ذلك بعد مقاطعة 'الوفاق' لانتخابات 2002 كردة فعل لإصدار دستور جديد اعتبرته الجمعية 'هبوطا بآمال الشعب إلى أدنى المستويات'، وكموقف احتجاجي أكملته ب 'نضال سلمي' تمخض عنه مشاركتها في انتخابات 2006 وشغلها أقل بمقعدين من نصف تشكيلة البرلمان البحريني. ولعل شعار 'المواطنة والتنمية' يشرع للجمعية حضورها في 'العمق الاستراتيجي الشعبي' لحركة تعتبر نفسها مرسخة للوحدة الوطنية وداعية لعروبة البحرين وإسلامها وتراثها وثقافتها।
وما بين المنهاج والبرنامج الانتخابي، ثمة فاصل عمره دورة برلمانية ستنتهي في يونيو المقبل، بمنزلة الحد الفاصل بين الشعار والعمل، الأهداف وتنفيذها، الأحلام وما جرى في الواقع، هي المسافة التي يحاول الحوار التالي سدها، كاستئذان أول لحوارات أخرى ستليه، في مناسبات لابد لها ان تقع।
هل تحددون لنا النظام الانتخابي في البحرين، فقد صرحتم أكثر من مرة بأن أصوات الناخبين في دائرتكم كانت تعادل المحافظة الجنوبية بأكملها؟ كيف تم التوزيع الذي بموجبه صار حشد من الناخبين في دائرتكم، في حين هناك ناخبون أقل بكثير في الدوائر الأخرى؟

-
النظام الانتخابي المعمول به هو نظام الدائرة الواحدة لكل نائب وليس دائرة واحدة للبلد الذي قسم إلى خمس محافظات، كل واحدة تقسم إلى عدد من الدوائر، وكل دائرة تفرز عضوا برلمانيا واحدا। لهذا النظام سلبيات تشبه نظام ال 25 دائرة في الكويت من ناحية محدودية العدد بالنسبة للمرشحين، مما يؤدي الى بروز ظاهرة الرشاوى الانتخابية والمحسوبية والعلاقات وسهولة تدخل الأطراف المتنفذة وغياب البرنامج السياسي، حيث تتحول المسألة إلى شخصية مع مرور الأيام وهذا ينجب ما يمكن ان نسميه نواب الخدمات ونواب البعد السياسي. مشكلتنا أكبر لأن لدينا 40 دائرة وليس 25، فهي إذا كل السلبيات التي تعيشونها في الكويت نعاني منها هنا. المحافظات مع شديد الأسف أعطيت حصصا برلمانية منظور فيها درجة الموالاة السياسية، ولابد من توضيح، ليس في البحرين من يختلف على طبيعة النظام، الاختلاف هنا نقصده في البرامج الحكومية॥ تقسيم الدوائر إذا مال إلى أولئك الذين يتبعون الرؤية الرسمية ومنحوا حصصا أفضل لكي يوصلوهم إلى البرلمان. صحيح ان الدائرة التي أمثلها وهي الأولى، عدد من يحق له التصويت 16 ألفا وهناك محافظة كاملة اسمها المحافظة الجنوبية يتولد منها 6 مقاعد نيابية عدد الناخبين في كل المحافظة 15 ألفا. وفزت بأصوات تعادل ما لا يقل عما حصل عليه 10 نواب في البرلمان.
من الذي رسم شكل الدوائر الانتخابية؟
- الملك من رسمها।
هل تنوون طرح مسألة إصلاح النظام الانتخابي؟
- نرى أن النظام الانتخابي بحاجة إلى إصلاح.
الملفات الساخنة
بدأتم الدورة البرلمانية بعاصفة سياسية حين قاطعتم الجلسة الافتتاحية التي حضرها جلالة الملك، إلا انكم انتهيتم إلى سكون لعله أحبط الكثير من ناخبيكم، ولم تطرحوا أيا من الملفات السبعة الساخنة التي وعدتم بإثارتها؟
- نحن نحاول الآن إعطاء الكتل البرلمانية والبرلمان بأكمله فرصة للعمل والتحدث عن الهواجس التي تحملها أي كتلة سياسية تجاه كتلة 'الوفاق' في محاولة لخلق أرضية مناسبة للعمل البرلماني المشترك من أجل ان نعطي العمل البرلماني فرصته للنجاح। وهذا الهدوء النسبي لا توجد فيه إثارة سياسية في بعض الملفات في محاولة لإيجاد أرضية للتوافق حتى مع البعد الرسمي، لكي تطرح كل القضايا في بعدها الوطني وبأجواء هادئة بهدف إيجاد الحلول وليس من أجل إثارة المواضيع للإثارة فحسب، يمكن لهذه الفرصة والحوار بين البرلمان والمؤسسة الرسمية انتاج حلول للقضايا وخلق خطوط للتواصل تساهم في حل هذه القضايا والتخفيف منها، هذا نجده إيقاعا مفضلا، لكن لو وجدنا، لا سمح الله، ان الأمور تراوح في مكانها سنطرحها حسب الآليات البرلمانية الممكنة بالانسجام مع الطرح السياسي والإعلامي الذي من خلاله نتمكن من معالجة القضايا.
في تصوراتكم كحركة إسلامية للإصلاح ركزتم على فكرة التحول من مفهوم 'التغيير الجذري' إلى 'التغيير التدريجي'، كما لو ان هدفكم يتبنى سياسة 'دفع الضرر' فحسب!
- فكر التغيير والإصلاح أصبح الأساسي لعدد كبير من الحركات الإسلامية بما فيهم 'الوفاق' التي تعمل على إصلاح هذا الواقع و تغيير السلبيات الموجودة فيه وهذا بطبيعته يحتاج إلى مدة زمنية أطول। فإذا كان ثمة اختلاف على طبيعة النظام يصبح الصراع حادا وإذا كان التدافع الموجود هو إصلاحي اعتقد ان تغيير الواقع يتخذ منحى تدريجيا لكن ذلك يأخذ فترة زمنية وهذه إحدى سلبياته، ولكنه أفضل الخيارات للمجتمع الآن.
أراكم تراهنون على الزمن، من أي جانب تبنون هذا التكتيك؟
- ليست مراهنة على الزمن، بمعنى ان واقع الخيارات الشعبية ستتغير نحو الأفضل. الزمن هنا يخلق مطالبك الحقيقية الجادة وتضغط باتجاه تحقيقها وهذه طبيعة الاستمرار التي ستحسن الأمور.
المطالب الواقعية والمعقولة التي تحدثتم عنها أليست من طبائع العمل السياسي الراهن؟
- وهذا ما يتحقق منها الآن، فمساحة التعبير الآن أوسع من ذي قبل، وإلى درجة كبيرة موجودة لدينا تعددية سياسية، ولا أقصد التعددية وفرص وصولها للسلطة فهذا الأمر محدود الآن، لكن في البحرين توجد أحزاب عاملة وناشطة। تطوير المجتمع المدني وإشاعة الحريات والحقوق السياسية ينبغي ان يكون بصيغة نشطة ضاغطة على الدولة وصاحب القرار، وضاغطة على من يحتكر القرار والثروة حتى تنتج، وإذا لم تكن ضاغطة لا ينتج عن نشاطها شيء. عليها ان تستخدم كل الأدوات البرلمانية والسياسية و الشعبية، لابد ان تفعل كل الأدوات السلمية التي تخلق دفعا حقيقيا بحيث لا يكون الدكتاتور أو المستبد في درجة دكتاتوريته واستبداده.
الشيعة الآخرون
ما خططكم التكتيكية مع الإسلاميين الشيعة الآخرين مثل تيار الشيرازي (يقوده محمد علي محفوظ رئيس جمعية العمل الوطني الإسلامية) وتيار الشيخ سليمان مدني (جمعية الرابطة )؟
- نتعامل مع الجميع لغرض التوصل إلى طرح سياسي كتبناه في البرنامج العام والبرنامج الانتخابي وإذا كان هؤلاء الناس مؤمنين بمبادئ جمعية الوفاق ونظامها الأساسي ورؤيتها وأهدافها فالدعوة جاءت في الأساس لأن نكون كيانا سياسيا وجسدا واحدا، وإذا يوجد من له وجهة نظر في الأهداف أو في الآليات ويريد ان يكون جزءا من هذا الكيان سنحتفظ له بحقه ان يكون جمعية أمل أو في 'الرابطة' وحركة حق، أو أي حركة مستقبلية تعتقد ان هناك رؤية أخرى مخالفة. من يريد ان يكون مع 'الوفاق' أو يتحالف معها سنكون منفتحين له. ان كل قوة 'الوفاق' تنحصر في انها تدعي امتلاك رؤية تستطيع ان تجعل من البحرين أفضل اقتصاديا واجتماعيا وعلى مستوى الحريات والمشاركة في القرار وتوزيع أكثر عدالة للثروة وبالتالي نقول هذه حلولنا السياسية، فإصلاح الدستور سينعكس بإيجابياته على مختلف القضايا نقاط الخلاف، وهي ان حقوقنا كمواطنين ستكون متساوية من دون تمييز بين هذا الدين أو المذهب أو العرق، ونضخ في البلد روح المواطنة التي سيكون لها الأثر في ان يكون الرجل والمرأة في مكانهما المناسب، انتاجية المواطن تزداد وكل مؤسساتنا الرسمية تنشط أكثر، هذه الفكرة ندافع عنها أمام السياسات التي تكرس السلبيات الموجودة والفساد المالي والإداري والمحسوبية والمناصب. نحاول إقناع أكبر شريحة ممكنة في مجتمعنا، فاما ان يكون معنا في 'الوفاق' أو يبقى لحاله، وندخل في تحالفات رباعية أو سداسية ونأمل ان تنشأ مثل هذه التحالفات في البرلمان وتتوسع. رؤيتنا مثلا، ان التجنيس في البلد ينبغي ان يصب في مصلحة المجتمع، يجب ألا يصادر حقوق هذا الجيل والأجيال القادمة وفي الحصول على الأرض وفي السكن والحصول على الوظائف والخدمات الجيدة وهكذا في سائر الملفات. نأمل ان تجد رؤيتنا توافق في المجتمع وتأخذ طريقها للتنفيذ والتحقيق وبالتالي تحسين الواقع.
مقلقات الدستور
قلتم حينما نصلح الدستور، فما الذي يقلقكم أكثر في الدستور الحالي؟
- الدستور شبك السلطات الثلاث وأدخلها بعضها على البعض الآخر، نحن نطالب بفصل السلطات। الآن الملك هو رئيس مجلس القضاء الأعلى ويعين نصف السلطة التشريعية ويمارس صلاحياته المباشرة بواسطة وزرائه، وفي نفس الوقت الملك ذات مصونة لا تمس. ملاحظتنا هي ألا تزيد السلطات التنفيذية على شخص لا يساءل، هذا لا يجوز، انك تخلق سلطة تنفيذية وهي جهة قابلة على المساءلة وحين نفصل السلطات سنجرد السلطة التنفيذية حق تعيين السلطة التشريعية كما يحدث الآن، تأتي بالانتخابات وتملك صلاحية التشريع. هذه الحكومة لديها بشكل أو بآخر صلاحيات تشريعية. فالحكومة يمكن ان تقدم الموازنة على سبيل المثال، كما حدث في المرة الماضية بصفة الاستعجال حسب المادة 87 التي توجب مجلس النواب النظر فيها في غضون أسبوعين، وإذا لم يرد تنتقل الميزانية إلى مجلس الشورى وإذا لم يرد تنتقل إلى المجلس الوطني لمدة أسبوعين آخرين ثم تصدر بمرسوم له قوة القانون. اننا في البرلمان حين نريد مناقشة مادة واحدة بقانون نحتاج إلى مدة أطول، فكيف نمرر القوانين المالية المهمة في أسبوعين. هل من المعقول ان تطلب من البرلمان المصادقة على الميزانية في هذه الفترة القليلة. هنا أعطيت لنفسك صفة تشريعية ودخلت على باب التشريع من خلال مادة ليس لها مثيل في أي دستور من دساتير العالم. الحكومة تصوغ القوانين॥ على أي أساس؟ المادة 92 من الدستور تقول إذا تقدم عضو أو أكثر بمقترح لقانون عرض على المجلس ووافق عليه من حيث المبدأ، وأحاله إلى الحكومة لوضعه بصيغة مشروع لقانون، ولها ان تعيده لدورة الانعقاد أو الدورة التي تليها، ما هذا؟ نحن سلطة تشريعية نحترم انفسنا، احترموا انفسكم كسلطة تنفيذية.. هل ان السلطة التشريعية عاجزة عن صياغة القوانين، لماذا يحصل هذا، هو ذا التداخل الذي نتحدث عنه. لذلك نريد سلطة تشريعية منتخبة تتولى التشريع والرقابة.
هل طموحكم الوصول إلى النموذج البريطاني؟
- نعم طموحنا الوصول إلى النموذج الديموقراطي في فصل السلطات. وطموحنا السياسي، سميه بعيد المدى الوصول إلى الملكية الدستورية، الملك هو الملك يستمر ملكه في أسرته، أما السلطة التنفيذية فينبغي ان تفرز من السلطة المنتخبة. الملك يرشح والمجلس يصادق، أي صيغة للملكية الدستورية. هذا لا نستطيع التحدث عنه اليوم أو غدا، ولكنه يبقى أفقنا السياسي. وهذا الحل الحقيقي لمشاكل الناس كما نراه.
انتم محسوبون مع التيار المؤيد لولاية الفقيه الذي يحسبه البعض الأكثر انغلاقا في العالم وكحركة متهمون بإقصاء الآخرين، ما ردكم على هذه الاتهامات؟
- ما أسهل من ان توجه الاتهام للآخر ولكن من أجل ان يكون لاتهامك مصداقية عليك ان تعطي الأدلة الفكرية والثقافية، ما دليل هؤلاء الذين يتهموننا بذلك، ان فكري مكتوب وأتحدث عنه ليل نهار ولدي ممارسات، هذا الكلام لا يتعبنا. نحن نعتقد أن من حق كل الرؤى ان تتواجد في ساحة العمل السياسي ومن حق كل المذاهب والأفكار ان تتنفس وتتحرك والحكم هو الإرادة الشعبية التي نحترمها. فإذا جاءت هذه الإرادة وقالت اننا لا نريد لجمعية الوفاق المتدينة ان تقود البرلمان وتطالب برؤية أخرى علمانية سنحترمها جدا.
لكن من خلال تجارب الدورة البرلمانية الحالية، ظهرتم في بعض التفاصيل كما حدث في ربيع الثقافة، كتيار محافظ، شأنكم شأن السلفيين ووافقتم جمعية الإصلاح؟
- المحافظة والانفتاح هي عناوين توقع في الالتباس। في توجهنا الأساسي ندعو الناس إلى الالتقاء بإرادة الله وهذه فلسفتنا الأساسية، معتقدين أن الالتقاء بين الفرد والمجتمع وفق إرادة الله تحقق السعادة الدنيوية وندعو الناس إلى ذلك. كيف ستصنفني محافظ أو غيره، لكن الفكرة الرئيسية التي تحركني هي كما ذكرت. في موضوع ربيع الثقافة جاء الأخوة وقالوا حصلت تجاوزات في واحدة من ممارسات المهرجان، ونريد إجراء تحقيق، ما المشكلة في ذلك، حسنا، قلنا لهم، توكلوا على الله وأجروا التحقيق. هل وصلت الثقافة إلى مرحلة من القداسة بحيث لا يمكن ان يرد عليها، ما هذه الفكرة؟ هل كل ما يصدر عن الثقافة بعناوين الأدب والفن والغناء صار مقدسا لا يجوز التساؤل حوله؟ هل وصلنا إلى هذه المرحلة؟ فإذا اجبتني ب'لا' سأقول لك لماذا إذا كل هذه المشكلة.
انشغلت الدنيا والإعلام والبرلمان في أمر هذه المسرحية كأنها الهم الوطني الأول؟
- من شغل الدنيا؟ انا أيضا أسأل: إذا وقف إمام الحرمين وتكلم في مكة والمدينة على منبر في بيت رسول الله، أليس من حقنا ان نسأله ونحاكمه ونقول له ان كلامك غلط أم ليس من حقنا؟ أليس كل يوم تثار بأن الخطبة في المجلس الفلاني تجاوزت حدودها؟ ألم نعط لأنفسنا القول له انك على خطأ وتفكك المجتمع ولا تلغي الآخرين وتقصيهم وهو إمام مسجد يفتتح كلامه باسم الله الرحمن الرحيم وقال الله تعالى، فمن أعطى القداسة لأي نص فني أو ممارسة فنية بالا تحاكم أو تسأل؟ لم يصادر أحد الثقافة ولا الأدب ولا مشاعر الناس نحن ميالون بطبعنا لمعرفة الحقيقة.
ألا تعتقد أن التحقيق حصل كاتفاق بينكم وبين كتلتي 'المنبر' و'الأصالة' كنوع من المحاباة لتمرير استجوابكم لوزير الصحة؟
- كان ثمة توافق سابق في شأن ملف الصحة، ولا نحتاج إلى اتفاق. وطرحت كل الكتل أن هناك ملاحظات في هذا المجال، المسألة بسيطة جدا، قالوا ان هناك مخالفات نريد إجراء تحقيق، هل أقول لهم لا تجرون تحقيقا؟ من أي منطلق؟ هم أصحاب مشروع أخذوا المبادرة وسياستنا تفعيل الأدوات البرلمانية، فلتفعل، وكل الذي طلبوه تحقيقا في القضية، أين المشكلة في ان يطلب أحد ما إجراء تحقيق. الذين هندسوا ربيع الثقافة هذا الذي قدموه، انتم من جهتكم ما الذي قدمتموه للثقافة غير المهرجانات الخطابية والاحتفالات الدينية؟ - هي ليست مهرجانات ثقافية بالمعنى الذي تقصده، فنحن ننطلق من رؤية دينية، يأتون ويعملون فرق انشاد ومسرحيات اجتماعية وذات دلالات دينية واناشيد انسانية هذا النوع من النشاطات التي نمارسها، وما ان بدأ المجتمع يتنفس سنحاول العمل في مجالات الشعر والأدب।
هل صحيح ان المسافة بينكم وبين الموالاة بدأت تقصر بحيث صارت غير موجودة؟
- بيننا وجهات نظر مختلفة في القضايا السياسية واللائحة الداخلية و اعتقد ان خطاب الوفاق لم يتراجع عن ثوابته الوطنية التي أعلنها قبل قيام التجربة الإصلاحية مرورا بمرحلة الميثاق وحتى الآن. لا زلنا نتكلم عن الانتقال السلمي للسلطة وعدالة الدوائر الانتخابية ونعارض التمييز والتجنيس ومشاريعنا ومواقفنا البرلمانية في هذا الاتجاه.
الحرب الرابعة
واحدة من القوى الكبيرة في المنطقة التي ذكرتها تأتي إيران التي بدأ الحديث يكثر عنها هذه الأوقات، انتم في البحرين حتى من الناحية الجغرافية قريبين من حرب قد تحصل، فما استعداداتكم لحالة طوارئ كهذه؟
- ثلاث حروب مدمرة لم تجلب اي فائدة، أحيانا يمكن ان نجني من الحروب بعض الحلول، ولكن حروب الخليج المتتالية كانت خسائرها هائلة। علينا منع وقوع الحرب ضد إيران حكومات وشعوبا وقوى سياسية। لا نريد ان نكون جزءا من الحرب الرابعة وأدعو الحكومات الى ان تخبر الولايات المتحدة بأنها ترفض الحرب وتقول للحكومة الإيرانية ان عليها إعطاء الضمانات لأن يكون برنامجكم النووي سلميا لكي لا تعطوا الذريعة لأحد بمهاجمتكم.
ضد الدولة المذهبية
البحرين دائما تتأثر بما يحيطها، فما تداعيات التغيير في العراق على وضعكم بعد ان سيطرت الأغلبية الشيعية على مقاليد الحكم هناك؟
- مع شديد الأسف ان الأمور تنطلق من ابعادها الطائفية لأن ذلك يؤسس إلى صراع فإذا يوجد من يفرح بأن رئيس الوزراء أصبح شيعيا وليس لأن ذلك هو استحقاق برلماني شعبي وديموقراطي فهذا يقود إلى صراع لا نهاية له. في العراق يوجد محيط يؤثر فيه، كما انه يتأثر به أيضا. اعتقد ان النظرية التي يمكن ان تنجح هي حركة الشعوب وإرادتها في اتجاه اختيار حكوماتها، إذا كان الذي تحقق في العراق هو إرادة حرة للشعب العراقي في ان يختار فلان أو فلان فسنكون سعداء، أما ان يكون التقسيم بناء على استحقاقات لطوائف معينة فهذا أمر لا أحبذه لأنه سيدفع ببلدي وبالبلدان الإسلامية إلى تطاحن بلا نهاية. ليس أمامنا من خيار انشاء دول مذهبية لا للسنة ولا للشيعة.

السبت، 13 أغسطس 2011

هياج أولاد العالم الافتراضي.. يهز بريطانيا


ها هي أهم عاصمة غربية تقليدية تعصف بها موجة عنف غير مسبوقة، لتجد نفسها أمام محترفين للقمع ينصحونها بـ«ضبط النفس»، وكأنها تتذوق من الكأس الشديدة المرارة التي طالما أسقتها للآخرين।
ويكاد الأسلوب يتشابه، باختلاف المقاصد والأهداف، بين حركات تغيير أطلقوا عليها بدون اتفاق «الربيع العربي»، والشكل العام الذي بدت عليه حركة الشارع الفوضوية الميالة للعنف وخرق القانون الذي تفتخر المدينة بتصديره للشعوب.
ونفسه، الإنترنت، بعالمه الافتراضي الواسع الذي بدأ الخروج عن السيطرة، مربيا جيله الذي لا يمشي على الأرض.
لقد اكتسب الفتيان تجاربهم من «البلاك بيري» و«البلاي ستيشن» وأفلام العنف والفنتازيا المشوشة، ونمت معها عضلات غير متوافقة مع طموحاتهم، وطاقات غير مواتية لأحلامهم، فكان خيارهم الحصول على الهدف بأقصر الطرق حتى لو مالت أساليبهم إلى العنف وخرق قوانين الكبار، طالما أن الكبار أنفسهم هم الذين سمحوا لهم بالعيش الافتراضي، وسط هرولة الطبقة الوسطى وما دونها لتكفل النفقات الآخذة بالتوسع في عالم لا يرحم.
كما أثر «وهم الاستقرار» وسراب خطط الحزب الفائز بالسنوات المقرّة، في أن كل شيء على ما يرام ومن الممكن «التحرش» وزيادة أقساط الدراسة، وطالب العلم قد يصبر على بطنه، لكنه سيثور لو حرموه من عقله، فكانت احتجاجات الطلبة الإنذار المبكر لما سيحصل.
المظلوم لا يعرف السلام
لا يحتاج الأمر للفلسفة والسيكولوجيا لتبرير العنف، لكن «حرق لندن» لا ينصاع للتصريحات ولا يتم إطفاؤه بالحجج، فالشعب المظلوم يلجأ إلى الشغب للحصول على العدالة، وبالتالي لا يمكن أن نتصور مجتمعا مسلوب الحق يعيش بسلام.
من جانب آخر، نشهد أن العواصم التي تبنت «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» أكثرها عرضة لخرقه، فالناس– حسب الإعلان– لديهم حق التجمع والتنظيم والاضراب والاعتصام والعصيان والمقاطعة، وفي ظروف أعسر، لها الحق في التمرد (كما هو الحال في المدن البريطانية اليوم).
بموازاة ذلك، من غير الممكن تخيل الحصول على الحق في سلك العنف والشغب.
إن الشعوب تحصل على حقوقها، ليس بانتزاع القوي منها والذي يخرق القانون العام، على الغنائم، من جاره أو ممتلكات شخصية أو عامة، فسرقة موبايل وجهاز تلفزيون أو جينز وتبييض الوجه ببودرة مسلوبة لم يكن أبدا عملا ثوريا، بل هو تعبير عن إحباط من عدم الحصول على «الكعكة الاقتصادية»، والفطيرة الريعية التي بدأت تتقلص يوما تلو الآخر.
وأما في الغرب، الذي نعتقد أنه مقبل على «حرائق» مماثلة، فهناك استياء في المجتمع لأن الآلة الرأسمالية دفعت الناس إلى الهامش، ويصحون كل يوم على أنباء فقدان العمل، والعاطلون بالنتيجة، يتضاءل أملهم في الحصول على عمل. ناهيك عن اتساع الهوة بين الأغنياء والجميع، وهذا يحصل على نطاق واسع. فماذا يفعل الشبان في هذه الحالة؟
التململ وأساليبه
لا بد أن يندفعوا إلى الاكتئاب الذي يفرز الغضب الذي يقود إلى الكحول والمخدرات والعنف البدني الأسري، الذي يتبناه المضغوطون من الفشل والرفض من منظومة دولة بدأت تدير ظهرها لحلول هيكلية تعالج فيها مكامن الظلم في المنظومة الاجتماعية.
الآباء سيسكتون الفتيان بجهاز «بلاك بيري» في يوم الميلاد، ليغوصوا معه في العالم الافتراضي الذي يجدونه أفضل من منظر الوالدين البائسين بالقروض والأقساط والسيارة المعطلة والتهديد المذلّ بالطرد من العمل، وسيختارون أفضل وسيلة لتلهية أوجاعهم، ذلك بالحصول على ما فقدوه وحرموا منه بأيديهم.
يقول جاك ليفين، وهو أستاذ في علم الاجتماع وعلم الإجرام في جامعة نورث إيسترن، إن معظم أعمال الشغب تتشكل من مرحلتين: الأولى إسقاط هوية فرد أو مجموعة، والثانية محاولة هذا الفرد أو المجموعة الإعراب عنها (الشخصية)، سواء كانت عنصرا أو سلبا لحق (ظلم). ويمكننا أن نضيف عليه حافزا ثالثا– حسب تجارب ثوراتنا– وهو توفر كل المبررات من أجل التغيير.
التاريخ يتكلم
في هذا الصدد فقط سنلجأ الى التاريخ، لأن المؤرخين كانوا الأجدر في إثارة أسباب العنف في أوروبا عن زملائهم علماء الاجتماع والنفس. والتاريخ يشهد على قائمة طويلة جدا من أعمال الشغب حدثت في أوروبا. لذلك يبدو أن عدم التنبؤ باشتعال نيران سببتها انت هو «حمق سياسي».
والطريف في الأمر، أن أسباب الحكومة وأسباب الفتيان واضحة بما يكفي، فحصر الاتهامات بـ«بلطجية لندن» و«الأجندة الخارجية» أمر مثير للشفقة.
وسنذهب إلى أبعد من ذلك، فمنظومة السلطة في الغرب لم تفشل سياسيا فحسب، بل أمعنت في الفشل الأخلاقي. فهي لم تكن الأب الرحيم، ولا الحاكم العادل، لم تراع الضغوط الكامنة التي تصنع المجرمين وتولد العنف، وتركت «أبطال الركود» طلقاء يعيثون بالاقتصاد عبثا، فيما تنتشل المجرمين الصغار في هوامش المدن وتحرمهم حتى من القمامة.
لم تحاسب من اقترف الأخطاء المدمرة في الاقتصاد والحروب الخارجية التي أدت إلى الركود الحالي. والشبان يرون كل شيء سائرا نحو الأسوأ على حساب الإنفاق في المجالات الاجتماعية والبرامج العامة التي تمسهم مباشرة، لذلك ليس أمامهم غير ممارسة «متعة» العالم الافتراضي، لكن هذه المرة في شوارع المدينة وبدلا من تحطيم العدو في لعبة فيديو، هناك الكثير من الرموز الواقعية يمكن النيل منها.
انتصار العالم الافتراضي
لقد فشلت الأساليب التقليدية بشكل ذريع في معالجة الأزمة، فصفارات سيارات الشرطة لا تخيف أحدا، والوضع في الإعلام هو الآخر تغير. وتراجع التحرير الميداني، وكان مثيرو الشغب أبطال التغطية أيضا عبر «تويتر» باستجابتهم الفريدة والمباشرة لما يحصل ولأنه غير خاضع للرقابة و«الأعراف المهنية».
هكذا تحولت مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية إلى أهم مصدر لتنظيم العمل الجماعي ووفرت الاتصالات الفورية وتكتيك التمويه والخداع. ولم يكن لدى شرطة لندن غير إلقاء اللوم على «تويتر» (تماما كحال منظوماتنا الأمنية)، متهمة الموقع بقيادة أعمال الشغب.
عدوى الثورات
يتساءل الكثيرون، محاولين ربط ما يحصل في لندن بالثورات العربية، إن كانت فعلا قد وصلتهم «العدوى».
علماء النفس والاجتماع يعتقدون أن أي إنسان يمكن أن تداهمه «نوبات النهب»، ولكي ينتقل إلى مرحلة «الشغب» ينبغي أن ينضم إليه المزيد من الأفراد الذين يعرفون بعضهم بعضا، وبفعل ضغوط الأصدقاء يتشجعون للقيام بأعمال خارجة عن المألوف لكي يدعموا شعورهم بالظلم، وربما يكون هذا «الظلم» بسبب قرار تحكيمي خاطئ في مباراة رياضية أو ما هو أسخف من هذا السبب.
لذلك، لا ينبغي التركيز على «العنصر الجنائي» في الأحداث الكبرى التي تهزّ المجتمعات المستقرة، لأن في ذلك إصرارا على تغييب المشكلة الحقيقية، ولأن من الصعوبة التنصل من الأخطاء السياسية واعتبار ما يحصل عمليات إجرامية و«عصابات مسلحة وإرهابية»، كما تفعل الأنظمة الدكتاتورية.
أخيرا، نستغرب من حكومة كان أسلافها ينتدبون ليحكموا مستعمرات العالم، تقدم على التقشف مع الطلبة وتحاصرهم برزقهم العلمي، ويزيد استغرابنا، أن أحدا في الحكومة لم يتنبأ بالنتيجة وبالمصير المحتوم، فعندما تشعل الفتيل، لابد أن تنتظر الحرائق।

رابط المقال

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

أوروبا تدفع ثمن تغاضيها عن يمينها «المجنون»


عبر البرلمان الأوروبي في بيان مطول نشر قبل عامين، عن قلقه من تصاعد نفوذ الحركات والأحزاب القومية والدينية المتطرفة في أوروبا، وقال إن أي دولة لا تجد نفسها في مأمن من التهديدات التي تسببها هذه التشكيلات المتطرفة التي حققت النجاح في انتخابات دول عرفت بتاريخها الديموقراطية ومجتمعها المفتوح.
بناء على ذلك، فان الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، لم تلجأ إلى تنظيم صفوفها ونشاطها في السر، كما كانت تفعل سابقا، بل تكسب الشعبية وتنصهر في العملية السياسية في بلدانها، وتسجل حضورا لافتا في الانتخابات، كالنجاح الذي حققه حزب الجبهة الوطنية بزعامة الفرنسية مارين لوبن، و حزب الحرية الهولندي الذي يتزعمه الشوفيني المعادي للإسلام غيرت فيلدرز الحاصل على تأييد نسبته تجاوزت 15 %، وحزب التقدم النرويجي الذي انتمى اليه سفاح أوسلو اندرس بيرينغ برييفيك لأكثر من 7 سنوات، والذي نجح في تبوؤ المركز الثالث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بحصوله على تأييد 22 % من الشعب، وحزب الفلنديون الحقيقيون اليميني القومي الذي حصل على أكثر من 19 % من تأييد الناخبين، وحزب الشعب الدنماركي المعارض للهجرة 13 %، ومثيله النمساوي حزب الحرية الحاصل على 17 %، وفلامس بيلانغ البلجيكي بأقل من 8 %، و رابطة الشمال الإيطالية، و جوبيك المجري القومي المتشدد، والحزب القومي الديموقراطي الألماني، والقومي البلغاري المتطرف (أتاك)، وشبيهه المجري (جوبيك) الذي يقترف الجرائم اليومية بحق الغجر، والحزب القومي البريطاني المتطرف، ومقاتلو الحرية الكرواتية، وبقايا جيش تحرير كوسوفو، وحركة الفجر الذهبي اليونانية، والجيش الوطني الألباني، وحركة إيتا (حرية الباسك)، الإسبانية، والمقاومة الآرية البيضاء- السويد، وفي التشيك حزب العمال العنصري المعادي للأجانب، أما في روسيا فيبرز اتحاد روسيا الشابة، والمائة السود، وبامت (الذاكرة)، وحزب الشعب الوطني، والحزب الاشتراكي القومي الروسي، والاتحاد القومي الروسي.
الكراهية المعلنة
وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الحركات المتطرفة، ترسل خطاباتها عبر لقاءات سرّية، فهم الآن يوجهون كراهيتهم للأجانب والإسلام بشكل خاص، ويجاهرون بها عبر كل وسائل الإعلام المتاحة.
ووفق معطيات جمعها مركز ساوذرن بوفرتي لوو سنتر، فان عدد الحركات والأحزاب العنصرية ازداد في الولايات المتحدة وحدها، بأكثر من 60 % منذ العام 2000، فارتفع من 602 الى أكثر من ألف العام الماضي، لافتا الى أن نشاطها توسع منذ انتخاب باراك أوباما رئيسا لاستيائها من وصول رئيس اسود الى البيت الابيض.
وحتى دوائر الأمن المتخصصة في أوروبا، لم تعتبر اليمين المتطرف مصدر «تهديد جدي» لأمنها، كما كانت تفعل بمواجهة «الخطر الإسلامي»، كما رأت الشرطة النرويجية في تقريرها لـ «تقييم المخاطر». في الأثناء، حثت الشبكة الأوروبية لمكافحة العنصرية (أي أن ايه آر) في بيان، القادة الأوروبيين للنظر لهذا الامر «كناقوس انذار عاجل».
المعركة الحاسمة
في السياق، تطرح الحركات اليمينية المتطرفة المنتشرة في أوروبا، أسئلة تنحصر في الخوف من الإسلام، ومن المجتمع المتعدد الثقافات. هذه الحركات الشعوبية تعتبر نفسها تخوض «المعركة الحاسمة» لإنقاذ الثقافة الغربية المسيحية من الانهيار بفعل «الخطر الوهمي» الذي ابتكروه وصدقه البعض، وقد يبرز أحدهم ليفجر المجزرة. ولا ينبغي الأخذ على محمل الجد بالنفي، و«الشجب» لأحزاب يمينية دخلت المعترك السياسي، وتستفيد منه لتتطور وتفرض سلطاتها لتصرف سفاح أوسلو، رغم أنه خرج من معطفهم، ونمت أفكاره وسارت في الرافد الوحيد الذي يديم وجودهم. ويحاولون الآن تبرير نتاج «كفاحهم» بأن بريفيك قام بعمل فردي، وهو «مختل عقليا»، مع أنهم في ربع القرن الأخير خلقوا مناخا متوترا ضد مجتمعاتهم {التي لوثها الأجانب}.
غير أن هذا «العمل المنفرد» لم يأت من فراغ، بل مر بسلسلة طويلة من اللقاءات والنشاطات السرّية، قسم منها علني عبر المنتديات الإلكترونية واتصالات شخصية، وخلايا جار البحث عنها، بعد اعتراف القاتل النرويجي الأخيرة.
انتباه أوروبي
وكرد فعل، دعت الصحف الهولندية فيلدرز الى توضيح خطابه، وسألته عما ينوي فعله مع مسلمي أوروبا. والمنزلق الخطير الذي ستقع في الحكومات ودوائرها الأمنية، وخاصة التي تنشط على أراضيها الحركات الأصولية المتطرفة، اعتبارها ما حصل في النرويج «عملا فرديا» بطله يعاني من اضطرابات نفسية واجتماعية، ولا يوجد من يشاطره هذه الأفكار أو يحول السماد إلى نار.
إنذار مبكر
ان بريفيك وباعتراف الشرطة النرويجية لا يخالف القانون أبدا، فكيف والحال هذا تملك هذه المجتمعات المفتوحة «أجهزة الإنذار المبكر»، وإدراك الأخطار. بالتأكيد، لم يأت اجتماع مجلس الأمن القومي البريطاني بلا سبب. فقد صدرت أوامر للشرطة وأجهزة الأمن {أخذ تهديدات الجماعات اليمينية المتطرفة على محمل الجد}.
ثورة المتطرفين
لقد اعترف بريفيك في «مانيفستو استقلال أوروبا» أنه تم تجنيده على يد اثنين من المتطرفين البريطانيين، وحاول تأسيس «فرسان الهيكل» للقيام بـ «ثورة محافظة» في أوروبا.
لكن الشوفينيين نفوا، وكان عليهم أن يفعلوا ذلك، وارتاح الأمنيون لأنهم لا يملكون الأدلة، أو لكونهم يؤيدونهم في الباطن، وهذا الرأي أيدته حملة «سيرشلايت» المناهضة للفاشية.
ومع ذلك، يؤكد التقرير الأمني البريطاني الأخير «عن استراتيجية مكافحة الإرهاب»، بأن «المصدر الأكبر للتهديد هو تنظيم القاعدة»، وتناست لندن أن بريفيك كان نسخة من روبرت كوتاج الناشط في الحزب القومي البريطاني، الذي سجن عام 2007 بتهمة حيازة ما قالت الشرطة نفسها إنه «أكبر كمية من المتفجرات تضبط في حوزة شخص واحد في بريطانيا»، وهناك أيضا تيرنس جافن المسجون بتهمة تصنيع كمية من مختلف أنواع المتفجرات والقنابل والأسلحة.
ومع ذلك، لم يدرجوا «الحزب القومي البريطاني» كمنظمة إرهابية لدى وزارة الداخلية، بل إنه حزب شرعي يخوض الانتخابات البريطانية، وله عضوان في البرلمان الأوروبي.

الأربعاء، 27 يوليو 2011

حقيقة أزمة اتفاق نقل السلطة إلى العراقيين

عندما وقع رئيس سلطة التحالف بول بريمر ورئيس مجلس الحكم للدورة الفائتة جلال الطالباني اتفاق نقل السلطة الى العراقيين بما يتضمنه من قانون إدارة الدولة ومصير القوات المسلحة الأجنبية في العراق، وصلاحيات السلطة الانتقالية أو الحكومة المؤقتة وكيفية تشكيلها وكذلك الاتفاقات الأمنية وطريقة اختيار المجلس التشريعي أو ما أطلقوا عليه المجلس الوطني وآلية سن الدستور، كان بريمر قد عاد توا من واشنطن، فيما هرع أعضاء المجلس المسافرون كالعادة، للحضور الى هذا الاجتماع المنعقد في 15 نوفمبر والذي قدر له أن يسفر عن اتفاق، تملص من كان يشارك فيه من بنوده ما أن أطلق المرجع الديني السيد علي السيستاني فتواه بشأنه والتي شابهت، الى حد كبير، تلك التي أطلقها بعد إعلان تشكيل هيئة دراسة آلية إعداد الدستور والتي يمكن حصرها في موقفه القاضي بضرورة العودة الى الشعب لكي يعطي رأيه بالقرارات المصيرية التي تخص مستقبلهِ
والمعروف ان المراجع الدينية العراقية كانوا دائما وفي أقسى ظروف القمع التي شهدتها الساحة السياسية العراقية في العقود الأخيرة، يضعون الثوابت الأساسية في نظر اعتبارهم ولا يحيدون عنها ولم يسجل لهم موقف متردد أو خانع واحد، وكلفهم ذلك قافلة طويلة من الشهداءِ
فحوى الفتوى
السيد السيستاني لم يأت بجديد عندما طالب المعنيين بعدم القيام بشيء يخص الشعب داخل الغرف المغلقة مطالبا بأن يعلنوا كل شيء واشترط موافقة الشعب عليه وأن وطنية أي منهم تقاس بقدر خروجه من الشعب، كما قال مؤخرا لوفد مجلس الحكم لدى استقباله لهِ
والوثيقة التي تقدم بها سماحته ركزت على ضرورة إجراء انتخابات عامة في الربيع المقبل لاختيار أعضاء المجلس المفترض به أن يشكل في مايو المقبل الحكومة المؤقتة التي يفترض أن تستلم السلطة من قوات التحالف في يونيوِ
ونصحت وثيقة السيستاني المعنيين بإجراء الانتخابات على أساس ما يعرف ب 'البطاقة التموينية'، واقترح على اجراءها في المناطق الآمنة التي تشكل 80 % من مساحة العراقِ
وعن الدستور أكد السيد السيستاني على ضرورة 'المحافظة على الهوية الإسلامية لأي دستور مقبل في العراق' وأن لا تتعارض القرارات الصادرة مع مبادئ هذا الدستور، مع ضرورة أن 'يتحمل العراقيون قضية الأمن في بلادهم ومنح دور واسع للشعب في تولي الحكم ليعوض مدة الاضطهاد والإبعاد التي عانى منها بكل طوائفه وفي كل مناطق البلاد'ِ
هذا الرجل!
هكذا، فأن السيد السيستاني ليس 'هذا الرجل'، كما يصفه مرة بريمر ومرة أخرى الرئيس جورج بوش، ويمعن الرجلان في جهلهما لواقع الحال في العراق عندما يصرحون بكل ثقة: 'كان علينا أن نأخذ آراء هذا الرجل محمل الجد'ِ
ويفهم الشعب العراقي مواقف السيد السيستانيِِ مواقفه كلها وليس فتاواه المطبوعة، فهو للآن لم يوافق على استقبال أي أميركي، رئيسا كان أم صحافيا، وحافظ على تقاليد علاقته بالصحافة، عندما يجيب على أسئلتهم تحريريا كما فعل لمرة واحدة فقط مع 'واشنطن بوست'ِ
في عنق الزجاجة
تاليا، وضعت فتوى واحدة للسيستاني أبطال اجتماع 15 نوفمبر والاتفاق الذي خرجوا أو أخرجوا به في عنق زجاجة ارتضوا لأنفسهم الدخول فيها بلا حساب دقيق لواقع الحال العراقي الراهن الذي لا يشبه بالتأكيد، ذلك الحال الذي أعقب سقوط النظام بأيامِ فلا المرجعية ولا الشعب ولا الكثير من الأحزاب يمكن أن توافق على تحمل مسؤولية هذا " الحال الموجع " الذي تمر به البلاد، بناء على أخطاء أو ظروف موضوعية بالغة الصعوبةِ
لجنة تولد لجانا
بعد أن قال السيستاني كلمته، توالت اجتماعات مجلس الحكم لثلاثة أيام بلياليها ليخرجوا بقرار متوقع وهو تشكيل لجنة تقع على عاتقها دراسة 'أفضل السبل لاختيار مجلس تشريعي مؤقت'ِ
ما الذي يمكن أن تفعله هذه اللجنة؟
أول ما فعلته هذه أنها شكلت أربع لجان! ونسوا المثل القائل: 'إذا أردت إفشال مسألة، شكل لحلها لجنة'ِ
هذه اللجان الأربع قالوا أنها 'ستعالج استحقاقات المرحلة المقبلة لنقل السلطة بموجب الاتفاق الموقع بين سلطة التحالف ومجلس الحكم' وهي كالتالي:
الأولى، ستتولى اختيار الآلية المناسبة لانتخاب أعضاء المجلس الوطني الانتقالي (نعتقد بأنها ستنتخب أعضاء المجلس المذكور)ِ
الثانية، ستتولى مشروع كتابة مسودة قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية (ستكتب قانون إدارة الدولة، وقالها غازي الياور عضو المجلس بأن المجلس اختار مجموعة من الخبراء القانونيين فضلا عن بعض أعضائه لكتابة قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية)ِ
الثالثة، العمل مع سلطة التحالف والمؤسسات غير الحكومية لوضع آليات قانون الانتخابات (ستكتب قانون الانتخابات وتم المباشرة في هذه المسألة وفق الآلية في البند أعلاه)ِ
الرابعة، ستنسق مع سلطة التحالف بشأن المجالس البلدية في المحافظاتِ (ستنتخب أعضاء المجالس البلدية بناء على مبدأ 'التوافق' الذي اخترعته السياسة العراقية الراهنة)ِ
ملاحظة: ما وضع بين الأقواس الكبيرة، نتوقع أن يقوموا به ولم يذكرون لأسباب حقوقية ـ سياسيةِ
فتوى وليست اقتراحات
اللجان الأربع أعلاه أرادوا من خلالها مراعاة دعوى السيستاني، الذي أكد على إجراء انتخابات على كل شيء: ممثلي المجلس التشريعي وأعضاء هيئة الدستور والحكومة وغيرهاِ
لكن أعضاء مجلس الحكم يدركون بأن أعضاء المجالس المحلية في المحافظات عينوا من قبل سلطات التحالف، كما تم تعيينهم أيضا في وقت سابق من شهر يوليو الماضيِ فكيف سيجدون الحل الذي يرضون بالسيستاني (وليس بالتأكيد الشعب، فهم تذكروا الشعب بعد أن ذكرهم به سماحة السيد) وفي الوقت نفسه يرضون به سلطة التحالفِ
ومن غير المشكوك فيه أن أحدا في مجلس الحكم لا يريد إجراء الانتخابات، فبعضهم سيفوز على الأرجح، لا سيما أولئك المستندين على أحزاب قوية، لكنهم سياسيون براغماتيون، يدركون بأن إجراء الانتخابات مسألة تواجهها صعوبات جمة، يرددون أن أهمهما غياب إحصاء سكاني دقيقِ
فالاجتماع الأخير الذي عقده مجلس الحكم يوم الأربعاء، دعا سلطة التحالف الى تسليم الملف الأمني الى العراقيين، كما دعا إليه أربعة رؤساء لمجلس الحكم قبل عبد العزيز الحكيم الذي ترأس الدورة الحاليةِ
لقد انتقدوا في اجتماعهم الأخير ما آلت إليه الأوضاع في سامراء بعد سقوط عدد من الأبرياء المدنيين صرعى عملية 'المطرقة الحديدية' للاميركيين، وراقبوا بلا حذر من أعضاء المجلس، لا سيما موفق الربيعي الذي 'استبشر خيرا' عبر فضائية معادية للمجلس بنتائج عمليات الحويجة والدبس في ضواحي كركوكِ
وهكذا فأن الدعوة في نقل الملف الأمني التي كررها خمسة رؤساء للعراق الانتقالي، جوبهت بمطرقة حديدية على رؤوس الخلق في وسط وشمال البلاد، وكأن الأميركان يمعنون أكثر فأكثر في 'صناعة المقاومة' العراقية التي لا نشك كمراقبين، بأنها جاءت في جوانب منها، نتاج أخطاء مريعة ارتكبتها قوات التحالف وقيادتها السياسيةِ
كساد وركود
لقد مر مجلس الحكم بفترة كساد، استمرت من أغسطس وحتى نهاية نوفمبر، بمعنى: غياب أي فعالية سياسية مؤثرة في الساحة العراقية، ولا نعتقد بأن المسألة مرتبطة بشعبية هذا أو ذاك من الرؤساء الذين تعاقبوا على المجلس، فكلهم متفقون على الثوابت ولم ترصد حالات تناقض مباشر فيما بينهما في المسائل الأساسية، لكن الكساد الذي أعقبه الركود في الوضع، بالتوازي مع اضطراب فظ للوضع الأمني والاجتماعي والاقتصادي والخدمي، وضع مجلس الحكم ومن معه في زاوية لا تليق بتاريخ تلك الأحزاب المنضوية فيه وسمعة الشخصيات الأخرى الممثلةِ
لذلك لم يفاجأ عراقي واحد بورود بند يقضي بإلغاء مجلس الحكم ما أن تشكل حكومة انتقالية، فقد مر وقت على العراقيين نسوا فيه هذا المجلس وأعضاءه وتندروا عليه كفاية واختتموا هذه العملية بآخر نكتة وهي أنهم في النهاية سيدعون صدام لعضوية المجلس ما أن يقرروا توسيعه، ليعدمهم جميعا!
الحلقة نفسها
والنقاشات الدائرة في الاجتماعات الحالية تكاد تدور في الحلقة نفسها مع عدم اختلاف المشكلةِ
فالعراقيون غير مؤرقين في مسألة نقل السلطة، قدر تعطشهم لحياة هانئة مطمئنة، وجميعهم لم يروا قيادتهم إلا خلال الثواني المسموح بها في تقارير الفضائيات، ولكي يطالعوا صحف اليوم ويجدوا فيها بأن المجلس اجتمع امس وناقش 'الصيغ والمعايير والإجراءات' التي يمكن للانتخابات أن تجرى على أساسها وأن المبدأ الأساسي هو 'الرجوع الى الشعب وتحكيم إرادته'، فلا يجد هذا الشعب المسكين الضال نفسه في الصيغ والمعايير والإجراءات، قدر تعلق الأمر بيومياته الخربة ومساءاته المظلمة والنفق الذي أودعوه فيه دون أن يدري الجهة التي تخرجهِ
ان أكثر ما يزعجنا كمراقبين وفي المهنة خاصة، الانتظار ساعات لكي يخرج علينا ممثل مجلس الحكم ليتلو لنا ما تيسر له من عبارات هضمها الذين من قبلنا مثل 'اللجوء الى الشعب ِِ'، 'العمل جار للتوصل الى حل يرضي جميع الأطرافِِ '، 'نريد إقامة عراق ديموقراطي تعددي ِِ'ِ
العمل ينبغي أن يكون جاريا ليرضي طموحات الناس واحتياجاتهم وليس 'لإرضاء كل الأطراف'، فالشعب غير معني بالأطراف وإرضائها ومرادها وتكتيكاتها ومبغاهاِ
دورهم بالمساعدة
والطرف الآخر الأهم في العملية برمتها والمقصود سلطة التحالف، يبدو أنه أقل ما يتكلم في موضوع 'نقل السلطة للعراقيين'ِ فبول بريمر قال ما لديه في مؤتمر صحفي واحد وفسر الاتفاق على أنه 'سيرسم للعراق المسار الواضح لاستعادة سيادته'ِ
وأكد أن آلية تنفيذ الاتفاق ستتم بأيد عراقية بكل مراحلها و سينحصر 'دور سلطة التحالف بالمساعدة'ِ
أما بشأن القوات الأجنبية المتواجدة على الأراضي العراقية، فبرأي بريمر أن هذه المسألة 'سيتم التوصل الى حل بشأنها في اتفاق مع مجلس الحكم يتضمن في إطاره دعوة من المجلس لقوات التحالف للمكوث في العراق للعمل على استتباب الأمن فيه'ِ
ولابد من التوقف ومناقشة التصريح الأخير من وجهة النظر الحقوقية والواقعية والسياسية: أولا، أن مجلس الحكم باعتراف سلطة التحالف وقرارات مجلس الأمن وكل تصريحات قادة التحالف، ناقص السيادة من وجهة النظر الحقوقية، فهو بذلك غير مؤهل قانونيا لعقد معاهدات استراتيجية من نوع استقدام أو دعوة قوات أجنبية أو ما شابه ذلكِ ثانيا، أن الدعوة للمكوث تختلف عما يجري الآن من تصرفات للقوات المسلحة الأجنبية على الأراضي العراقية، وما يحدث هو عمليات عسكرية تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة للغاية، فدور 'المساعدة' تعدى 'المكوث' جداِ ثالثا، كيف يمكن للمجلس الانتقالي توجيه الدعوة الى قوات عسكرية أجنبية وهو ملغي أصلا حسب 'اتفاق نقل السلطة'؟! رابعا، لم تناقش أو تطرح مسألة العلاقة بين السلطة الوطنية العراقية وقوات التحالف مع أية مؤسسة مدنية أخرى، ناهيك عن مصادقتها، غير مجلس الحكم المعين أصلا من سلطة التحالف، فيبطل بذلك أي قرار استراتيجي تتخذهِ
أزمة الانتخابات
وتواجه الانتخابات أزمة مماثلة، بل تتعدى 'الأمر الواقع لوجود قوات التحالف على الأراضي العراقية'، التي يبحثون الآن على 'صيغة' تجميلية لوجودها، فحسب معاناة بريمر نفسه والتي عبر عنها قبل أيام بقوله: 'ستستغرق الانتخابات 15 شهرا، إذ أن النظام البائد لم تكن لديه أية إجراءات أو آليات انتخابية، فلم يكن هناك قانون للانتخابات أو للأحزاب السياسية، كما لم يحدد علاقة وسائل الإعلام مع الانتخابات وعدم وجود أية لوائح انتخابية أو حدود للمناطق الانتخابية فضلا عن غياب أي تعداد للسكان'ِ
تعليق بريمر مهم وصحيح، لكنه لبلد كهولندا أو النرويج، وليس لبلد كان الذي يتحدث فيه عن الانتخابات يفصلونه من الحياة ويقطعون لسانه قبلهاِ
فعن أي قانون للأحزاب السياسية أو لوائح انتخابية أو علاقة مع وسائل الإعلام يتحدث بريمر؟ فالأحزاب السياسية في العراق كلها خارجة من نضال مرير ودموي ولا يوجد حزب مناضل واحد عاد الى العراق بكامل نصابه، فقد خلف آلافا من الشهداء والمغيبين سواء في قواعده أو قياداتهِ
ومع ذلك، لم يطلب أحد شرعية وجوده من سلطة التحالف ولم يعترض حزب واحد على تشكيل قانون الأحزاب أو قانون للانتخاباتِ فروسيا عندما كونت نفسها بعد إلغاء الاتحاد السوفيتي، صاغت قانون الأحزاب والانتخابات في غضون شهر وأجرت الانتخابات العامة (الرئاسية والبرلمانية) بعد سبعة أشهر، ولم يكن الوضع فيها سهلا على الإطلاقِ ولا التاريخ ولا حتى المهزومين ولا ديموقراطيي الجامعة العربية سيعترضون على نتائج الانتخابات مهما كانت 'عليلة'، فالمهم إجراء ولو 'بروفة انتخابية'، بكل ما تحمله من متاعب، فذاك أفضل في كل الأحوال من تشكيل مجلس أو حكومة حسب توازنات عرقية وطائفية وبقرارات مختصين في البيت الأبيض أبعد ما يمكن أن يستوعبوا 'الحالة العراقية'ِ
أعراض جانبية
يقول بريمر أن الحكومة الانتقالية الجديدة سيتم تشكيلها عبر انتخابات يتم تنظيمها في مايو، وهذه الحكومة ستشرف على الانتخابات التي ستجري 'وفقا للمعايير المتعارف عليها عالميا كي تنال المشروعية الدولية ومباركة الشعب العراقي'ِ
انتخابات مايو المذكورة أكثر ما يصدع أهل السلطة في العراق بشقيه التحالف والحكمِ فالمجالس البلدية التي أنيطت بها مسألة 'اختيار' ممثلين لها سترفع المرشحين الى مجلس الحكم وبدوره سيعرضها على سلطة التحالف وبدورها ستعيد القوائم الى مجلس الحكم ليصادق عليها ومن ثم يعيدها الى المجالس البلدية لتتمم ما اتفق عليه مسبقاِ
هذه انتخابات مايو بعرف اتفاق 15 نوفمبر بين بريمر والطالباني وهذا ما يعترض عليه بشدة السيد السيستاني (حوزة العراق) وبعنف مقتدى الصدر (ممثل الحائري ـ إيران) والكثير من القوى والحركات والأحزاب العراقية بمن فيها أحزاب مؤثرة في مجلس الحكم كالمجلس الأعلى والشيوعي والدعوة ـ تنظيم العراق والديموقراطي الكردستاني وحركة الديموقراطيين المستقلين وربما غيرهمِ
فكيف سيبارك الشعب العراقي 'صيغا ومعايير وإجراءات' يقوم بها جهاز هو بالأساس يعترض عليها؟!
وأي حكومة ستشرف على انتخابات 'تنال المشروعية الدولية' لو كان بريمر نفسه يقول العبارة التالية بعد هذه العبارة بثوان معدودات وهي أن 'الميزانية المقترحة من الرئيس جورج بوش قد خصصت للحكومة العراقية ِِِ'ِ أي أن ميزانية الحكومة العراقية المستقلة ذات السيادة التي ستشرف على انتخابات 'تنال المشروعية الدولية ويباركها الشعب العراقي' تعمل بميزانية يقترحها شخص دخل وخرج من البلاد متنكرا؟!

أخطر رجل في العراق


شارك في الهجوم الأول على مركز التجارة العالمي ويقود تنظيم القاعدة في العراق
هرب من نيويورك إلى باكستان ومنها إلى إيران واستقر في العراق
من هم الأربعة الذين يعرفون بوجوده في العراق؟
أعلن بوش: 'أريده شخصيا'ِِ فارتفعت جائزة القبض عليه إلى 5 ملايين دولار
60 ضابطا في الإف بي آي يطاردونه في العراق بلا جدوى
قال 'ليس عبد الرحمن فقط يضرب أميركا فسيأتي يوم يضربها كل العراقيين'

اسمه الكامل عبد الرحمن سعيد طه ياسين، العراقي الأصل، الاميركي الجنسيةِ والعراقي الوحيد الذي شارك في الهجوم الأول على مركز التجارة العالمي في نيويورك عام1993ِ وهو الوحيد الذي بقي طليقا ممن خططوا ونفذوا الهجوم، غير أن الجدل لا يزال قائما، في ما يخص مشاركته في عملية 11 سبتمبر، وشهادته تتعطش لسماعها وإعلانها الإدارة الاميركية عن دوره في أحداث سبتمبر، فهي التي ستعزز الاتهامات الاميركية التي كان المسؤولون الاميركيون يرددونها دائما عن تورط النظام العراقي بتنظيم القاعدةِ
فعبد الرحمن ياسين دخل الى العراق وأصبح تحت سيطرة المخابرات العراقية منذ 1993 ولغاية سقوط النظام، وكل تحرك كان يقوم به كان تحت إشراف مباشر من صدام حسين، ولو اعترف بمشاركته في 11 سبتمبر فهذا سيحسم موضوع تورط النظامِ
من هنا تكمن الأهمية الحقوقية الأولى لعبد الرحمن ياسين، أضف إليها الأهمية الاستراتيجية المنحصرة في كونه الآن يقود عناصر القاعدة ونشاطها في العراق، بل وقعت على عاتقه أخطر مهمة في تاريخ التنظيم وهي بناء 'القاعدة' في العراقِ
ونظرا لما تقدم، طالب الرئيس جورج بوش دائرة التحريات الفدرالية 'أف بي آي' أن يجلبوا له ياسين بأي ثمنِ قال هذه العبارة لأحد مصادر 'القبس' ، ضابط كبير في هذا الجهاز، وواحد من 60 ضابطا ألقيت على عاتقهم مسؤولية واحدة ومهمة ألفها وياؤها تنحصران في الاسم الذي عانت منه أعتى أجهزة الأمن في التاريخ: عبد الرحمن ياسينِ
حصل عبد الرحمن على الجنسية الاميركية بالوراثة من والده ياسين، ذلك العراقي المهاجر في الخمسيناتِ
أكمل كلية الهندسة الكيميائية في بلاده (الولايات المتحدة) ولم يكن غير شاب قصير، ضعيف البنية، لا يتجاوز وزنه 50 كلغم، ولم يفترض أحد من أصدقائه أو معلميه بأن هذا الصبي الذي يعاني من مرض الصرع، سيشغل حاسبات البنتاغون والسي آي أيه وإف بي آي وغيرهم لأكثر من عقد ونصف العقد وسيوضع اسمه في مقدمة أعمال جدول اجتماعات الرئيس في البيت الأبيضِ
بداية، ملأت رأسه جماعة الملا عمر عبد الرحمن بالأفكار المعادية لاميركا، وراحت تحثه على التطرف بذريعة أن الدنيا فانية وأن مثواه الأخير في الجنةِ
هكذا زرع به 'الجهاد' كباقي أقرانه في التنظيم، وبعد أشهر معدودات أثبت ياسين بأنه مؤهل للقيام بالأعمال الكبرى بعد سفرتين الى أفغانستان، تلقى خلالهما تدريبات خاصة روحية وفيزيائيةِ
الدخان الأول
وياسين هو اول من تسبب في الدخان الأول الذي ملأ نيويورك المسالمة والراقية بعد الاعتداء الأول الذي تعرض له مركز التجارة العالميِ
هو الذي هيأ السيارة المفخخة بالكامل ومنها أصبح المهندس الأول في تعبئة السيارات بالموت الذي كان يقرر مكانه وزمانه في أفغانستانِ وقد أرهق طبيب الأمراض الجلدية التابع للمخابرات العراقية كثيرا، قبل أن يعالج البثور والحفر و'الأكزمة' التي خلفتها المواد الكيميائية المتفجرة التي كان يحضرها على كفيه ومناطق متفرقة من ساعديهِ
بطاقة عائلية
توفي والده ودفن في اميركا وترك للعائلة بيتا في حي الجامعة الواقع في مركز العاصمة العراقية حيث تسكن فيه حتى الآن والدته وشقيقه الصغير طه والكبير سامي قبل أن ينتقل ليسكن في بيت مستقل في منطقة السيديةِ
ونظرا للصيت الخطير جدا الذي تركه الولد عبد الرحمن على العائلة برمتها، لم يحضر أحد الى مجلس الفاتحة الذي أقيم بعد وفاة والدهِ ولم يتبق من عائلته الرئيسية غير أخويه وعمه عبد الملك وعمته مليكة الذين يسكنون في حي الخضراء في بغداد أيضاِ أما أخوه منتصر، فقد تزوج من اميركية وفضل العيش عند 'الشيطان الأكبر'ِ
هذه المقدمة ليست لأغراض التعريف، بل لأن البيوت والأشخاص المذكورين يقعون حتى الآن تحت مراقبة سوبر مشددة، وتطبق كاميرات الأقمار الصناعية على رقبات ومداخل البيوت أعلاهِ
لكن أحدا من هؤلاء المراقبين لم يستطع تسجيل علامة شك واحدة تشير الى اقتراب عبد الرحمن من بيوت العائلة في بغداد، بالرغم من أنه دخل العراق منذ عام 1993ِ فكيف كانت قصة دخوله؟ِ
الهروب والعودة
بعد تنفيذ عملية نيويورك الأولى، لا يستطيع أحد الحديث عن الطريقة التي تمكن بها عبد الرحمن المراقب أصلا قبل العملية من قبل الأجهزة الاميركية، ونجاحه بعدها بالافلات من الولايات المتحدة والوصول الى باكستان في عام 1993ِ
ومن الواضح أنه أجرى الاتصالات الضرورية بالجماعة في أفغانستان، حيث لم تكن طالبان قد سيطرت على البلد وانتهت هذه الاتصالات بالاتفاق على عودته الى العراق عن طريق إيرانِ
نجح في عبور أفغانستان الى إيران وأتم الخطوات الأولى لعبوره منها الى العراق، لكن الصدفة أو قوة المخابرات العراقية وقتذاك، وربما لوشاية أحد أو لاتفاق مسبق بين العراق وإيران أو بين العراق وشخص ما في القاعدة أو باكستان، علمت المخابرات العراقية بخطة دخوله الى العراق، حيث كانوا باستقباله ما ان وطأت قدماه أرض العراقِ
تعاون وابتزاز
تبقى العلاقة التي بدأت بين عبد الرحمن والمخابرات العراقية غير واضحة البداية فهي أمر من اثنين لا ثالث لهما : الأول، بعد القبض عليه (في الناصرية)، في حالة إذا قبض عليه أصلا، تم إجباره على التعاونِ الثاني، ثمة تعاون مسبق بينه وبين المخابرات العراقية أو بين ولاته وهذه المخابرات، وتم التظاهر (من الجانب العراقي) على أساس أنه ألقي القبض عليه في العراقِ
كان العراق في تلك الفترة يحاول فتح أي ثغرة في جدار المقاطعة الاميركي الصلب، واعتقد صدام بأن ياسين قد يكون ورقته الرابحة في يوم ما، وبالفعل فقد كان عبد الرحمن ضمن أهم بنود التنازل التي قدمها صدام للإدارة الاميركية قبل الانقضاض عليه بأيامِ
وهذا اما اكدته الصحافة الاميركية الاسبوع الماضي في كلامها عن وساطة قام بها رجل اعمال لبنانيِ
وأيا كان شكل العلاقة، فالنهاية كانت واحدة وكما أرادها الطرف العراقي بطبيعة الحالِ ومباشرة وبعد توجيه صدام وإشرافه المباشر ألقيت مسؤولية رجل القاعدة الخطير على اثنين من النسق الأعلى للمخابرات العراقية وهما رئيسها طاهر جليل الحبوش ومساعده حسن عزبة، وعلى الثالث وهو الضابط محمد الدليميِ
الظل المعدوم
كلف محمد الدليمي الذي كتب عليه ملازمة ياسين كظله طوال 10 سنوات بهذه المهمة، أي أن يلازمه ويبقيه على قيد الحياة وكما قال له حسن عزبة بأن صدام حسين قال له شخصيا بأنه لو تم كشف أمر عبد الرحمن ياسين أو جرى عليه شيء أو هرب فان ذلك يكلف الثلاثة حياتهمِ وعلى هذا الأساس بنيت خطة الاحتفاظ بياسين ببالغ السرية لمدة 10 سنوات، على مبدأ عدم حرمانه من أي شيء، عدا النساء والخروج من البيت الذي فرضت عليه الإقامة فيهِ
السجينان
وجد الدليمي نفسه وحيدا مع عبد الرحمن، فقد كان من غير الممكن أن يطلع على السر شخص آخر غيره وغير الثلاثة الكبار المذكورينِ فكان الدليمي يجلب له دواء الصرع ويعالج قدمه اليمنى التي أصابها الفسخ جراء مطاردة فاشلة من الاميركان له في جبال باكستان وكانت السبب في الانزلاق الذي تعرضت له فقراتهِ
فتح الدليمي لياسين سجلا طبيا في مستشفى 'بلاط الشهداء' في بغداد تحت اسم مزيف، وكان هذا المستشفى المتخصص الوحيد في علاج الأمراض المزمنة كالصرع والفقرات وغيرهاِ
هكذا، لم يسمحوا له بالاقتراب من الباب الرئيسي للدور المتعاقبة عليه في العقد الذي وجد نفسه فيه أسير الدلال العراقي والمداراة التي لم يفهم ثمنها بالضبطِ
توالي البيوت
بدءا أسكنوه في بيت خاص للمخابرات يقع في الكاظمية، ومنه نقلوه الى بيت في حي الجامعة، ثم الى آخر مشابه في الكرادة وبعدها نقلوه الى بيت في الجادرية بالقرب من سجن الحاكمية التابع للمخابراتِ
ولعل صدام أدرك أن الاميركان لم يتقبلوا عروضه في 'الصلح' وفي الأيام الأخيرة قبل الحرب التي أطاحت به، أمر بإيداعه في سجن أبو غريبِ
وضع الحبوش وعزبة الخطة للدليمي، وكانت تتلخص في فتح ملف خاص وباسم مستعار لياسين كمحكوم بقضية خاصة وإيداعه في زنزانة انفرادية في سجن الأحكام الخاصة في أبي غريبِ
وبالفعل، أخذ الدليمي رفيقه ياسين الى سجن أبو غريب وأودعه هناك ولم يتبق للحرب أكثر من ساعاتِ وكانت المرة الأخيرة التي يراها فيها وليس صدفة ما دفع ياسين ليقول لمحمد الدليمي لحظة توديعه : ليس عبد الرحمن الوحيد الذي سيضرب الاميركان، سيأتي يوم سيضرب العراقيون كلهم هؤلاء الاميركان!!
المحظوظ
لم يستضفه أبو غريب طويلا، فقد كانت منطقة السجن واحدة من ميادين أهم المعارك التي شهدتها الحرب الأخيرة، والتي أدت الى سيطرة القوات الاميركية على السجن وحولته الى معسكر لقواتها قبل سقوط النظام بأيام معدوداتِ
وكان للتخبط الاميركي وعدم وجود تنسيق بين الأجهزة الاميركية بشأن مسائل كثيرة من بينها مصير السجناء في أبي غريب وغيره من السجون العراقية، فقد تم إطلاق سراحهم جميعا، وبالمناسبة، فان أغلب السجناء كانوا قد أطلقوا سراح أنفسهم، بعد هروب الشرطة والسجانين مباشرة، ولا تتحمل القوات الاميركية إلا الوزر البسيط في عملية تحرير السجناء الكبرى في العراقِ
وفيما يخص بطل حكايتنا، فقد وجد نفسه أخيرا حرا، حاله كحال آلاف السجناء، في بلاد ضيعت سلطتها وقادتها وكل ما يتعلق بها كدولةِ وكخبير في التخفي والهرب وله باع طويل فيها، لم يجد صعوبة في الحصول على مأوى والانطلاق منه، قبل أن يرتب الاميركان أنفسهم، فقد شعر في تلك اللحظات بأن أعداءه اللدودين ركبوا المحيطات والبحار وقدموا إليه، وفي هذه الأثناء بدأ التخطيط لاستئناف المعركة التي أشعلها في ديارهم واستكمال 'الجهاد 'ِ
الممتلئ
تحول ذو الخمسين كيلوغراما الى رجل مربوع ومملوء ويحمل 93 كيلوغراما حسب آخر مرة قاس وزنه فيها محمد الدليمي، فلم يكن يمارس شيئا طوال 10 سنوات غير الأكل ومشاهدة الأفلام 'الهابطة'! وأدت هذه التغييرات التي طرأت على شكله العام الى ارتباك الفريق الاميركي المكلف بالبحث عنهِ
وكانت الأشهر الثلاثة الأولى التي أعقبت دخول قوات التحالف الى العراق، كافية لأن يعود عبد الرحمن ياسين الى وظيفته القديمة، فقد نجح، حسب الاميركان أنفسهم الذين اعتبروا جائزة صيده 5 ملايين دولار، أي أكثر بأربعين مرة من جائزة صيد المسؤولين العراقيين التقليديين، في بناء أو إعادة بناء فرق ضاربة للقاعدة في العراق، ولعل أسلوب السيارات المفخخة الذي نفذ به أول عمليات القاعدة، غير بعيد عن لمسات كفيه اللتين عالجتهما المخابرات العراقية من البثورِ
وسيكتب التاريخ مزيدا من الأحداث وستتناسب عدد البثور والحروق في كفيه طرديا مع كل سيارة تتطاير أشلاؤها مع عراقيين أو غرباء، حتى اليوم الذي سيجلس فيه طبيب أحد الأجهزة المخابراتية، يتفحص فيها كفيه من جديد، ليكتب لشخص يشبه الدليمي أفضل مرهم لإزالتها منه.

دي ميللوِِ الرجل الذي أجابنا عن كل الأسئلة


هناك لحظات تمسك بنا لسنين، تفكك أوصالنا وتلمها في باقة واحدةِ
منذ يومين، يلح علي صحافي صديق، كنت أمازحه دائما بالقول: انك آخر الأصدقاء الأحياءِِ فلنذهب،، يقولها ويكرر القول،، تعال معي إلى المؤتمر الصحفي لمنسق الغذاء في العراقِ فندق القناة جميل وخدماته قد تنسينا حر بغدادِ
قلت له إن لدي أسلوبي في العمل، لا أذهب إلا في الأحداث الكبيرةِ اذهب أنت واخبرني، لو بشركم أحدهم هناك بإلغاء البطاقة التموينية واستبدالها بالدولار، فهذا ما يريدون عمله، مقدما، أقولها، فلا يقوى أحد منهم على تحمل هذا العبء وعد أكياس الطحين والرز والسمن، فمهربو البلاد قاموا بالواجب وأكثرِ كان مقررا للموجز اليومي أو الأسبوعي أن يقدمه أبو الغذاء العراقي في مقر الأمم المتحدة في فندق القناة الساعة الرابعة عصراِ وفي هذا الوقت كنت مرتبطا بموعد عمل شاق لمسؤول يأتي أو لا يأتيِ
أكتب لك يا صديقي وقد تكون تحت إحدى صخور القناةِِ جافة يداك وشفتاك، بينما أسطر لك سطورا لا تريد التأجج، فهي الساعة الرابعة صباحا ولم يبق في نفسي شيء من بكاءِ
كنت أتوسل للرجال الأميركيين الذين يمارسون عملهم بأني أسمع صوتك تحت الحجارة، لكنهم جنودِِ وأنت تعرف الجنود، سؤال أحمق، يمضغ الحشرجة في الحلقومِِ
أهي أمانيك التي كانت تتصدر فقاعات المبنى، كأني أشعر بأنك مستلق هنا، رب، اجعل هذه اللحظة ماثلة، لم يراودني القلق عليك، كما تفرقنا اليومِِ قلت لك، سأذهب الى القناة في حالة واحدة فقط، لو أرتب موعدا مع دي ميللوِِ نبيل لا، ولا غسان، حتى لو كان وزيرا سابقا، أو صديقكِِ
أتذكر، كيف كنت تقول اسمه كما لو ولدت برتغالياِِ ضحكنا، يا دي ميللو،، ضحكنا، حتى بدأت أنطق اسمك بالبرازيليةِ
في هذا المبنى لم يسقط رجل عادي، في هذه الرقعة من الأرض اهتزت بهجة البلاد وأدركنا في هذه اللحظات بأن هذه الحرب لا تريد أن تنتهيِ
سحقا ان كلماتي تقصر في الإفصاح عن الألم وعن تلك الأجساد التي تتدفق بجراح لا تقترب منها الدماء وان حياتنا الصحفية وحياتهم واحدة على هذه الأرض التي لا تكل من الاغتسال بالأرواح.
من أسماها القناة، أي باشا عثماني الذي أسرف في مياهها، ها هي الآن نهير يرتد الى الوراءِِ وراءنا، لقد انتهت الأشياء التي تسير بنا الى الأمام في هزيع الرابعة وخمس أربعين دقيقة من الثلاثاء الأسود علينا أجمعينِ
المهد قبل الولد
قلت لي: إنك غير معقولِِ تحضر المهد قبل الولد
قالها بعد أن كتبت صفحتين عن سيرجيو دي ميللو، يفترض أن أضعها في مقدمة حوار وشيك معهِ تصرخ بي: تكتب مقدمة عن الرجل ولم تقابله بعد؟
أجبتك: هي جزء من النضالِِ لكي لا تشغلنا معاركنا اليومية في بغداد وتنسيني اللقاء، لكي أحرص وبلا هوادة من أجل لقائه.
وماذا أقول عن البرازيلي الذي لم ينسه غبار بغداد وحرها ووجعها، أناقته التي تبرزه كما لو كان خارجا للتو من صالون للتجميلِ الخمسيني الذي يتحدث في قاعة قصر المؤتمرات الكبيرة ويشعر كل من في القاعة بأنه ينظر إليه، أي يتحدث له وحدهِِ هذه الكاريزما التي تقول كلمات قلائل، لكنها تدق كالساعة ناثرة موجات الرضى على الزمان والموجوداتِ
لم يقل ولم نسمع من دي ميللو كلمة واحدة، بل فكرة واحدة، ليست لصالح العراقِ
لم يتحاش سؤال صحافي واحد، كان يقول كل ما يعرفه، ويتحملنا جميعا، الأسود والأبيض والأشقر والأشهب والأصفر، فهو الذي عمل في راوندا وكوسوفو ولبنان وتيمور والعراقِِ آخ العراق، الذي لم يمنحك نهارا آخرِِ
لم تضيف البرازيلي الوسيم كما يجب، لم تحبه كما أحبك، هكذا تفعلها حتى معهِِ مستندا على شاهدة قبرك بعد أي من السنوات، لأقول إننا سنفقد الرجل الذي لم يقل كلمة واحدة لا يريد أن يفعلهاِ
لم يجد عنان في كل طوابق الأمم المتحدة التي أرغب في تسلق مصعدها الكهربائي قبل الموت، في كل فروعها وهيئاتها المنتشرة في كل العالم، أفضل منك ليرسله الى العراقِِ لأنه ببساطة، لا يوجد أفضل منك يا أيها الإنساني الكبير.
ولن يعثر العراق، لا حصاته ولا أنهاره على أفضل منكِِ
فلكي أوضح: قرأ دي ميللو أكثر منا جميعا عن العراق قبل أن يصل إليهِِ كان لديه أعمق شيء يمكن أن يمتلكه مندوب سامي أو دبلوماسي يحترم نفسه وعمله هو 'الرؤية'ِ.
اكثر المسائل وجعا
كان لدى ميللو رؤيةِِ لذلك فرض نفسه على كل من وطئت قدماه أرض الرافدينِِ فرض نفسه على الوطنيين والمحتلين والعملاء والأشاوس السابقينِِ وكان يجيب عن أكثر المسائل وجعا: داوى العراق، غذى أيتامه وعجائزه، كفه غلالة بيضاء وشحت مستشفيات البلاد المنهوبة، في غضون شهر، كان أكثر من خمسين مستشفى تعمل في بغداد وحدها بكامل قواها العقلية والطبيةِِ
من يفعلها غير دي ميللو؟
من لا يجلس في مكتبه غيره؟
من كانت تقاريره تصل الى كل الصحافيين والوكالات في بغداد مطبوعة أنيقة مثله؟
من كان يتوجع لأي ذبابة تطير على وجه طفل عراقي؟
من أصلح مواسير المياه والمجاري وقنوات التصريف الصحي؟
من أزاح القذارة السائرة تحت أقدامنا وحول مياهنا فضة مجانية؟
من الذي حلم مثله بعراق أجمل وأبهى؟
من الذي كان يعلم ساستنا ضرورة الانفتاح على العالم؟
من الذي سافر الى الجوار يقنع هذا أو ذاك من القوميين أسرى الألحان والألوان بمد اليد للعراق في محنته؟
البرازيلي الأنيق وحده الذي كان يلم الشمل العربي!
البرازيلي المثقف من كان يطالب بالحرية والسيادة وخروج المحتلين
لو تنظرون الى كمبيوتره، ستجدون لجانا ومئات الآلاف من العاملين في برامجه،،
هو الذي كان يعمل هذه الأيام ليبرمج أفضل طريقة لإحصاء سكان هذا البلد التعيسِِ
هو الذي كان يقلق على الدستور أكثر من قاضي قضاتنا،.
هو الذي كان يردد عبارات السيادة أكثر من أي ماركسي حارب في الأهوار والجبال والسويدِِ
هكذا فرض نفسه على كل الألوان والمسميات في العراق، ولم يستطع أحد التعامل معه دون أن يحبه، فأسلوبه جاد وجديد وصادق، رسم للقضية العراقية شكلا شرعيا في الأمم المتحدةِِ
أي طفل وعجوز وصبي وشاب لم يجد عملا بعد هو الخاسر الأكبر بغياب دي ميللوِِ
دور قيادي
لم تعد الأمم المتحدة الى اللعبة، بل كانت تقودها بكيفها، وبحرفنة دي ميللو، دخلت صوتا وعمقا هادرا في العراق،، فمن كان يريد أن يجرح العراق مرة أخرى؟
سأطل على هذا السمو الذي صنعته يا صديقنا البرازيلي، سأجلس على مائدة كلماتي لأروي كل مرة بأني فقدت آخر الأصدقاء الأحياء في تلك اللحظة التي هدموا فيها أناقتك ولامسوا بشرتكِ
من أجل هذا سيقدم لك العراق لو قدر له أن يبقىِِ الشكر والأسف، وبمزيد من الرضا، سنذكرك في فتات الخبز وبقايا الفاكهة والماء النظيف ولقاحات الأطفالِِ
عذرا لأولادك وزوجتك وكل من ينتظرك،
حمدا لهذه الحياة التي قضيتها سحابة ترمي مطرها على الجميع، ولا تتلبد.
شد أزرنا فنحن خائرو القوى، مرغت أنوفنا أرذل الأيام
جبهتك صافحت السماء، ولم يمسسها تراب العراق.
حان الوقت لأستأنف البكاء عليكم أجمعين.

موسكو بين الغاز والألغازِِ وتصرفات الخاطفين والمقتحمين

المسرحية التي تحولت الى مأساة في المسرح الموسكوبي، لاتزال تكشف عن فصول اضافيةِِ واسرار الغاز الذي استخدم لدى اقتحام المكان يشكل واحدا من هذه الفصولِِ وكذلك الملابسات المحلية والخارجية لهذا التطور العاصف في الازمة الشيشانية وفي نهج القيادة الروسية التي اعلنت امس ان 'حربها على الارهاب' لن تقف عند اية حدودِ

لدى استعادة بانوراما الساعات الستين يتضح ان عدد الخاطفين بلغ حسب الإعلان الرسمي في النهاية 53 شخصاِ بعد تنفيذ العملية تم قتل 18 امرأة و 32 رجلا واعتقال 3 بينهم امرأتانِ بلغ عدد الرهائن من 700 - 750 (لم يذكر أحد رقما محددا حتى الآن) وأطلق الخاطفون سراح 190 رهينةِ
نفذت عملية الاقتحام في الساعة الخامسة والدقيقة 40 من صباح 26 أكتوبرِ وتقول السلطات الروسية بأن العملية استمرت 40 دقيقة ، غير أنها استمرت أكثر من ساعتين لأن أول رهينة تم تحريرها كان في الساعة السابعة و 22 دقيقةِ تم قطع بث كل قنوات التلفزيون الروسية والراديو في هذا الوقتِ وتدعي السلطات بأن الاقتحام جرى بعد أن بدأ الخاطفون تنفيذ تحذيرهم بإطلاق الرصاص على الرهائنِ ولكن أي شيء من هذا القبيل لم يحصلِ لأن السلطات بدأت بنشر الغاز الذي يصيب الإنسان بالشلل والإغماء منذ الساعة الثانية ليلا ، أي قبل الاقتحام بنحو خمس ساعاتِ
لحسن الحظِِ المسرحية شبابية
استخدمت السلطات 'غاز الإنكاباسيتان' الذي لا تملكه غير روسيا والولايات المتحدة في العالمِ وقد تم إنتاجه في السبعينات من قبل معهد الأبحاث الكيميائية والبيولوجية في لينينغراد (بطرسبورغ حاليا)ِ
لا يؤدي الغاز الى وفاة الأصحاء ولكنه يسبب قتل المدخنين والمصابين بالقرحة والربو وكبار السن والأطفال والذين يعانون من متاعب في الدورة الدموية والقلب والجهاز العصبيِ ولو لم تكن المسرحية شبابية وجمهورها بالبداهة كذلك ، لهلك جميع الرهائن لو كانوا من الجمهور التقليدي للمسرح في موسكوِ
والغاز مخدر يصيب الإنسان بشلل تامِ ولأنه جديد من الناحية التكنولوجية والعلمية فان قائمة المواد الكيميائية والبيولوجية المحظورة التي وقعها الاتحاد السوفيتي عام 1925 لم تتضمنهِ
تقول الأجهزة الخاصة بأنها بدأت بنفث الغاز في قاعة المسرح قبل نصف ساعة من بداية عملية الاقتحامِ غير أن مصادر علمية روسية تؤكد بأن الموعد قد يكون قبل ذلك بثلاث ساعات على الأقلِ وفي كل الأحوال تؤكد المصادر بأنه يفترض أن يعطى المصاب بهذا الغاز حال إنقاذه حقنة مضادة تحتوي على مادة 'انتي بدوت'ِ لكن هذه الحقنة لم تصل الى الرهائن الذين سحلوا أو حملوا من خارج القاعة من قبل القوات الخاصة التي كان يصرخ بعضهم : أين الأطباء؟ ألا يوجد أطباء هنا؟
الحقنة الانقاذيةِِ غائبة
كان يفترض للذين خططوا استخدام الغاز توفير كادر طبي وتمريضي كاف لزرق هذه الحقنة مباشرة بعد إنقاذ الرهائنِ غير أن الرهائن وجدوا أنفسهم ممددين في الباحة المطلة على المسرح تحت المطر واحد فوق الآخر بدون أن يسعفهم أحد غير أفراد القوات الخاصة الذين كانوا يصرخون بدورهم بحثا عن الأطباءِ
مسؤولو الأجهزة الخاصة أكدوا بأنهم أضافوا الى العصير الذي أدخلوه للقاعة على مادة تخفف من وطأة الغاز ، لكن هذا العصير كان بكميات قليلة وربما لم يصل الى الجميعِ كما لا يوجد ضمان بأن الخاطفين سيعطونه للرهائنِ زد على ذلك فان عربة العصير وصلت الى المسرح قبل يومين من تنفيذ الاقتحام ، فهل كانت الجرعة كافية لتحمل الغاز المستقبلي؟
سربت الأجهزة الخاصة الغاز عبر أنابيب التهوية، الامر الذي أدى الى إصابة كل من كان داخل البناية المغلقةِ وسلم منه فقط الذين كانت مناوبتهم في الممرات وعلى سطحها وقرب النوافذ المفتوحةِ ويفسر ذلك أن بعض الخاطفين قاموا بمقاومة القوات المقتحمة وأوقعوا بها خسائر باعتراف بعض أفراد القوات الخاصةِ
ممثلا وزارة الصحة الروسية الطبيبان نيكولاي لوجنيكوف وأندريه سولتسكوفسكي عقدا مؤتمرا صحفيا يوم الاثنين الماضي وقالا انهما لا يعرفان الغازِ فكيف يعالجان الناس ولا يعرفان ضد أي شيء يعالجونهم ؟ أيعقل هذا ؟ طبيب يعالج مريض ولا يعرف سبب إصابته ؟
وفوق ذلك يقول أطباء آخرون عبارة رنت في الأوقات الستالينية: الغاز أحد أسرار المخابرات ! طيب، قل لنا هل هو طبي
ِِ عسكري ِِ مخدر ؟
يجيب : هذا سر !
هو غاز يعرفه من عمل في هذا المجال وأراد انقلابيو أغسطس 1991 استخدامه ضد المجلس الأعلى للبرلمان عندما اعتصم به بوريس يلتسين ورفاقه ولكنهم أحجموا عن استخدامه لخطورتهِ
معركة مع النيام
لدى اقتحامها ، أطلقت القوات الخاصة النار على الخاطفين وهم نيام وأغلبهم من النساءِ وربما كانت الأوامر التي تلقوها هكذاِ أما لخشيتهم من استخدام أحدهم زر تفجير العبوات الناسفة التي يحملها والتي أطلق عليها 'حزام الانتحاريين'، أو لأن السلطات في غنى عن أسرهم ومحاكمتهم بشكل 'ديموقراطي '، الأمر الذي سيحول محاكمتهم الى فتح ملفات الحرب الشيشانية أمام القضاء والرأي العام العالمي والمحليِ وثمة سبب ثالث الخشية من حدوث عمليات مشابهة يطالب فيها الخاطفون المستقبليون إطلاق سراح رفاقهم وهكذا تستمر العملية بلا نهايةِ لهذه الأسباب صدرت الأوامر على ما يبدو بتصفية كل الموجودين بلا استثناءِ أما الثلاثة الذين تم القبض عليهم كما أعلن، فلم يتأثروا بالغاز وقد تحتاجهم السلطات لاستكمال التحقيقِ
إخفاء الجثث
رفضت السلطات تسليم جثث الشيشان الى ذويهم، ورفضت أيضا إخبارهم بالمكان الذي ستدفنهم فيهِ هذا الإجراء يثير تساؤلات إضافية أخرى أولها التقليدي : لماذا؟ وهل تريد إخفاء ما يمكن تسميته 'سر الغاز' معهم وطمره في واحدة من حفر موسكو؟
هل تخشى قيام أهالي الشيشان القتلى بتشريح الجثث في الخارج لإثبات هذه أو تلك من الحقائق التي لا تريد السلطات أحدا أن يعرفها؟
وكيف الحال بجثث القتلى من الرهائن الروس ؟ هل سيسلمونها الى ذويهم بتوابيت لا تفتح ؟ هل سيسمحون لأهلهم التصرف بها ؟ على الأرجح سيستلم ذوي الضحايا الجثث من المشارح ويقيمون عليها الصلاة ويدفنونها مباشرة بدون إجراءات أخرى وستراقب السلطات العملية هذه وستشرف عليها بمعرفتهاِ
لا يعرفون شيئا عن الاسلام
ويوم 27 أكتوبر انقشع الغاز واختفت أصوات الرصاص واستمر الرهائن في نومتهم في المستشفيات المختلفةِِ وفيه ظهرت البرامج بشكل مخطط له للتأكيد على الأشياء التالية وتثبيتها في الوعي الاجتماعي الروسي: أولا، الاقتحام كان حتميا لأن الخاطفين كانوا سيفجرون المبنىِ ثانيا ، عملية الاقتحام جرت بمنتهى الروعة والحرفيةِ
وشارك في هذه الحملة كل المسؤولين الروس تقريبا واستخدموا شخصيات معروفة كيوري لوجكوف محافظ موسكو الذي وصفها بالعملية الرائعة والمدهشة، ويفغيني بريماكوف الذي تحدث عن لقائه مع اختفاء الشاهد الآخر بعد مقتل قائد المجموعةِ وقال بريماكوف مبررا ما حصل انه لا يوجد عنده أدنى شك بحكمة تصرف قيادته وأن الإرهابيين كانوا قد نفذوا وعودهم وانه قال لبارييف انه يعرف القرآن أفضل منه وأنه طلب منه أن يحترم الأكبر منه حسب التقاليد الشيشانية ووصف الخاطفين بأنهم لا يفقهون شيئا لا عن الإسلام ولا عن الوهابيةِ وقيل أكثر من ذلك بكثيرِ
كيف دخلوا بكامل اسلحتهم؟
لقد تمكن الخاطفون من إدخال متفجرات وأسلحة زنتها حسب التقديرات الرسمية طنانِاستخدموا في عملية نقل الأسلحة 4 سياراتِ حسب الخاطفين تم التخطيط للعملية مدة شهرينِ ولغاية هذه اللحظة يقف ميكروباص استخدمه الخاطفون أمام بوابة مبنى المسرحِ فكيف تسنى لهم التحرك بحرية أمام رؤوس الأشهاد ؟
نسمع التبرير الحكومي: مسرح بيت الثقافة كبير بما فيه الكفايةِ وتعرض فيه عدة مسرحيات في آن واحد ويتطلب الأمر نقل ديكورات وأجهزة وغير ذلكِ علاوة على ذلك تجرى فيه عمليات الترميمِ ولذلك فان وصول شاحنات مختلفة الأحجام الى المسرح مسألة تعود على رؤيتها رجال الشرطة المسؤولون عن المنطقة وكذلك حراس المسرحِ
والأهم في التبرير الحكومي قولها: يوجد عمال في المسرح لهم أصول شيشانية! بمعنى ان هؤلاء العمال قد ساعدوا الخاطفين على إدخال الأسلحة إلى المسرحِ ولابد من التعليق على هذه المبررات : أولا ، كل المسارح في موسكو تعرض أكثر من مسرحية في آن واحد وتبدل ديكوراتها بشكل سلسِ ثانيا ، أعمال الترميم تجري حتى في الكرملين فهل هذا مبرر لإدخال أطنان المتفجرات لمقر الرئيس مثلا؟ ثالثا ، الأيدي العاملة الرخيصة في موسكو أغلبها من القوقاز وآسيا الوسطى ومولدافيا ، فما الجديد في حالة مسرح الثقافة؟ وماذا بخصوص الروس الآخرين الذين يعملون في المسرح ، حراس وإدارة وغيرهم؟ رابعا ، هل ان السؤال ينحصر في إدخال المواد المحظورة الى المسرح ، أم أنه أكبر من ذلك بكثير ِ كيف وصلت هذه المجموعة الكبيرة بكامل أسلحتها الى موسكو قاطعة الطريق من الشيشان ومنهم معروف لدى الأجهزة الروسية باعترافها بمشاركتهم مع شامل بساييف في عملية احتجاز رهائن بوديونوفيسك عام 1995؟ ِ
القرار اتخذ وبقي التمويه
لقد قررت 'مجموعة الأزمة' المكلفة بالإشراف على هذه المشكلة، منذ اللحظات الأولى، توجيه من بوتين بوضع خطة اقتحام المبنىِ بغض النظر عن نتائج المباحثات مع الخاطفين أو مطالبهم ِ وأضافت السلطات المباحثات مع الشخصيات السياسية المذكورة لكسب الوقت لا أكثر واتباع تكتيك التمويه لتضليل الخاطفين بأنها سائرة في طريق المباحثات السلميةِ
ان من درس أسلوب الرئيس بوتين في تعامله الحازم مع القضية الشيشانية ، كان يدرك أنه لن يستجيب لأي مطلبِ
كما ان معرفة بسيطة بأمور الغاز وما يتعلق بتنفيذ عملية معقدة، تؤدي الى الاستنتاج بأن السلطات كانت بحاجة الى وقت كاف للإعداد وليس الى نصف ساعة كما صرحواِ المسألة تتطلب دراسة خريطة المبنى من كل الجوانب وهندسة التكييف وتصميم النوافذ ِِِونقل الغاز وتثبيته جيدا (هم أنفسهم صرحوا بأنهم زجوا مع العصير الذي قدموه ليشربه الرهائن داخل المسرح مواد مضادة للغازِ والعملية هذه جرت قبل الاقتحام بيومينِ
تصريحات متناقضة
وقد اعترف نائب وزير الداخلية فلاديمير فاسيلييف بحدوث خسائر بين القوات الخاصة المقتحمةِ غير أن أحدا لم يذكر هذه الخسائر بعد تصريحهِ وحتى فاسيلييف لم يصرح بعد ذلك بأي شيءِ وأكدت مصادر رسمية مختلفة فيما بعد عدم حدوث خسائر في صفوف القوات الخاصة المكلفة بالاقتحامِ وتضاربت تصريحات المسؤولين حول فرار بعض الخاطفينِ ِ ففي الوقت الذي قال فيه رئيس المخابرات باتروشيف ان أحدا من الخاطفين لم يتمكن من الفرار ، وزعت شرطة موسكو على المخافر صورا تقريبية لخاطفين هربوا بعد العمليةِ ووزير الداخلية بوريس غريزلوف أفاد بأنه تم اعتقال 30 شخصا في موسكو ادعى أنهم ساعدوا الخاطفينِ ولم يوضح ظروف اعتقال هذه المجموعة الكبيرة ولماذا قبض عليهم بعد العملية وليس قبلهاِ
حصار إعلامي
ولغاية يوم الاثنين بلغ عدد القتلى في صفوف الرهائن 117 شخصا حسب الإعلان الرسميِ وتفرض السلطات حصارا إعلاميا على وضع 349 رهينة لم يغادر أحد منهم المستشفىِ والكثيرون رأوا أقاربهم في التلفزيون فقط، وتعم حالة من فوضى شديدة المستشفيات، ولا أحد يعطي معلومات عن حالة الرهائن، كإشارة الى الوضع الصحي المتردي بفعل إصابتهم بالغازات السامةِ ووصلت تعليمات الى كافة وسائل الإعلام الروسية بعدم الخوض في مسائل الرهائن ووضعهم الصحي والتهويل فيما حدث وعرض أفلام سينمائية تمجد الروس وبطولاتهم وعرض تقارير وبرامج تؤكد على 'إرهابية' الشيشان وفتح ملفات عملياتهم السابقة ودور الدول الأجنبية في تأجيج الوضع في القوقازِ وذلك لتقليل مشاعر التعاطف ومعارضي استمرار التدخل الروسي في الشيشانِ وتسابق المسؤولون الروس في الإعلان عن رغبتهم في استبدالهم بدل الرهائن لنيل الشهادةِ وكان أهالي الرهائن وبعض المواطنين في روسيا قاموا بتنظيم مظاهرة قرب المسرح طالبوا فيها بوقف الحرب في الشيشان وعدم اقتحام المبنىِ كما أكد استطلاع للرأي العام بأن 70 % من الروس لا يؤيدون تنفيذ عملية الاقتحامِ وتدل هذه الفعالية التي أقيمت بشكل سريع ومرتجل على نمو تيار معارض للممارسات الروسية في الشيشانِ ما حصل عليه معظم أقارب الرهائن أرقام هواتف للاتصال الأول : 2518300 لمعرفة حالة الرهائن المرضى والثاني 2908159 لمعرفة مصير المفقودين ، أي الذين لم يوجدوا لا بين الأحياء ولا بين الأمواتِ وعند اتصال الناس بهذه الأرقام يتلقون الإجابة الوحيدة التالية : لا معلومات ! ولمن يريد التأكد عليه الاتصال بالأرقام المذكورة ليسمع الجملة المعتادةِ
أخطاء الخاطفين وما أكثرها!
يبدو ان من خطط للعملية ونفذها لم يتوقع الهجوم الكيميائي، لذلك لم يجلبوا معهم أقنعة وقائية ضدالغاز ولم يفتحوا الشبابيك للتهوية أو يغلقوا فتحات التكييف التي عبر الغاز منها داخل المبنى المغلق ويدل ذلك على عدم درايتهمِ والى جانب التمويه، زودت الشخصيات التي دخلت الى القاعة وقابلت الخاطفين السلطات الروسية بمعلومات كاملة عن وضعهم ودرجة استعدادهم والأسلحة التي يستخدمونهاِِ الخِ ويرجح ان السلطات دست بعناصرها خلال الساعات الأولى عندما كان الوضع لم يسيطر عليه من الخاطفين، وأدى ذلك الى معرفتهم بما يحدث في الداخل، بالاضافة الى ذلك، سمح الخاطفون لحملة الهواتف الجوالة الاتصال بأهلهم وكذلك اجراء المقابلات الصحفية بشكل حر، وأفادت معلوماتهم السلطات الروسية كثيراِ
كما ان الفرصة الوحيدة التي أتيحت للخاطفين للتعبير عن آرائهم لم يستثمروها بشكل كاف واكتفوا بترديد عبارات محددة كما لو كانوا يحفظونها عن ظهر قلب دون درايةِ
ويبدو ان الشيشان أرادوا بشكل ما كسب ود الرهائن ولعلهم ألقوا عليهم بعض الخطب العاطفية، لذلك كانت القاعة تدوي بالتصفيق بين الحين والآخر، خاصة في الساعات الأولىِ
الخاطفون ارادوا مفاوضة اليهود فقط!
لوحظ أن كل الذين طلب الخاطفون مقابلتهم كانوا يهودا ما عدا إيرنيا خاكامادا وهم : بوريس نيمتسوف وإيرنا خاكامادا من حزب اتحاد القوى اليمينيةِ ويفغيني بريماكوف رئيس غرفة التجارة والشخصية السياسية المعروفة وغريغوري يفيلينسكي رئيس حركة 'يابلكو ' ويوسف غبزون المطرب وعضو مجلس الدوماِ يلاحظ عدم وجود أي روسي بينهمِ
ورفض الخاطفون دخول أي طبيب روسي الى المسرحِ وطالبوا بأطباء أجانب ومنظمة أطباء بلا حدودِ والطبيب الوحيد الذي سمحوا بدخوله هو البروفيسور ليونيد راشال وهو يهودي أيضاِ
تجدر الإشارة الى أن كل الذين قابلهم الخاطفون منعوا من الإدلاء بأي تصريح صحفي واختفوا عن الأنظارِ ولكنهم ظهروا فقط بعد انتهاء العمليةِ
مسخادوف المغضوب عليه
تقول السلطات الروسية ان الخاطفين نفذوا اوامر الرئيس الشيشاني اصلان مسخادوف، على الرغم من ادانة هذا الاخير لهاِ
واعتمدوا على قول موفسار باراييف قائد العملية في حديثه الوحيد لقناة 'انِ تيِ في' داخل المسرح بانهم كمقاتلين يحسبون لمسخادوف الحساب ويحترمونهِ وقال بالحرف: 'العملية جاءت تنفيذا لاوامر القائد العام للقوات المسلحة في جمهورية ايتشكيرا شامل باساييف'ِ ولم يتطرق الى مسخادوف بغير ما قالهِ ولا يستطيع اي حقوقي او مراقب منصف اعتبار هذا الكلام دليلا على علم او مشاركة مسخادوف بعملية موسكوِ
ان اقحام مسخادوف في هذه العملية هدفه واحد: افشال محاولات ايجاد حل سياسي للازمة الشيشانية وقطع الحوار المفتوح معه سرا مرة وعلانية مرات اخرىِ
العامل الإسلامي وتورط السعودية؟!
في محاولة منها لإبراز 'العامل الإسلامي' أكدت كل وسائل الإعلام الروسية في اليوم الأول على أن الخاطفين أطلقوا سراح المسلمين فقطِ وهذا لم يحدث كما ذكروا ، لأنهم أطلقوا مسيحيين من جورجيا وحتى نساء روسيات وثلاث أذربيجانياتِ ووافقوا على إطلاق سراح الأجانب شرط تسليمهم مباشرة الى سفرائهمِ غير أن سببا ما منع السفراء من دخول المسرحِ
وكان إطلاق رئيس مجموعة الخاطفين الشيشان موفسار بارييف على مجموعته تسمية 'رياض الصالحين' ، أثار الكثير من الجدل والتعليقات، حيث أشارت بعض قنوات التلفزيون الروسي ومنها الأولى والثانية و أن تي في الى أن " رياض الصالحين 'تعني' الرياض " عاصمة السعودية !! وادعت ليس بغباء بالطبع أن ذلك يعني تورط جهات في المملكة العربية السعودية في هذه العمليةِ فهل يوجد إرهابي في العالم يسمي مجموعته بعاصمة مموليه ؟
وعرضت الأجهزة الخاصة في التلفزيون تسجيلا مشوشا ليس من الصعب على أي شخص تركيبه ، خاصة أن الشهود كلهم أموات عند ربهم ، ادعت فيه ان للخاطفين مسؤولا اتصلوا به في الخارجِ ورافق ذلك عرضهم لتأكيدات بوتين ونيكولاي باتروشيف رئيس المخابرات على أن منفذي العملية لديهم اتصالات في الخارجِ
أين اختفوا ؟
والسؤال المحير يتعلق بما يسمونهم المفقودينِ فالمعروف أن ساحة الحرب كانت قاعة المسرح ومنافذها ونوافذها كانت محكمة لكي يمنع تسرب الغازِ ودخلت القوات الخاصة وأخلت الرهائن واحدا اثر واحدِ فكيف أصبح من عداد الرهائن مفقودون؟ وأين ذهبوا؟ وما حل بهم ؟ هل هي ساحة معركة بآلاف الكيلومترات المربعة حتى يفقد فيها أحدِ لم تكن سوى قاعة صغيرةِ وإذا كان المقصود الرهائن الذين لا يحملون معهم وثائق تدل على شخصياتهم ، فان أقاربهم عادوا الى أساليب الحرب العالمية الثانية وتعامل الناس مع مفقوديهم بحمل صورهم ولصقها على يافطات والتجول في المستشفياتِ
لقد تم الإعلان عن أن 349 رهينة في المستشفيات يتلقون العلاج وأن 117 منهم لقوا مصرعهم ، سيكون المجموع 466 رهينة معلوم أثرهم بين الأحياء والأموات ، أين ال284 شخصا الباقون إذن؟ لو حسبنا العدد التقريبي للرهائن بنحو 750، على الرغم من أن كل التصريحات متضاربة حول العدد النهائي للرهائن والكل يجمعون على أنه ما بين 700 - 800 ولا أحد يقول رقما محدداِ
الرهينة الخاطفة!
بينما كانت إحدى الطبيبات في المستشفى رقم 13 تتفحص إحدى الرهائن ، بدا لها أنها ضمن الخاطفين ، معتمدة على ملامح شكلها الذي يشبه الشيشان وعلى آثار في أصابعها تركتها المواد المتفجرةِ اتصلت مباشرة وتم تطويق المبنى وفرض حراسة مشددة على الرهينة أو الخاطفة المحتملةِ
غير أن المصادر الرسمية لم تؤكد تحول الرهينة الى خاطفة حتى الآنِ ولا يوجد في قانون العقوبات ما يعاقب به المرء على الملامح الشيشانية ، وحتى هذه الملامح يحملها كل سكان القوقاز وربما يحملها روس متزوجون من هناك ِِِالخ وحتى لو كانت المريضة شيشانية بالفعل ، ألا يحق لها دخول المسرح ومشاهدة العرض حالها كباقي خلق الله وتعرضها لما تعرض إليه الآخرون؟ِ
تحديد الجنسية بالنظر
حالة ارتجالية اخرى بطلها فاليري شانتسيف نائب عمدة موسكو، عندما اثار ضجة اخرى بقوله البطولي: 'تجولت في المبنى ورأيت بام عيني الارهابيين القتلى وكان بينهم عربي وافغاني'ِ
شانتسيف لم يشاهده احد طوال الساعات الستين، وظهر فقط عندما اصبحت بردا وسلاما ليتفحص الجثث باقدامهِ ولا احد يعرف كيف ميز الافغاني عن العربي عن الشيشاني وكلهم خلقة واحدة ومتشابهون، وهل يمكن لانسان عند النظر الى شانتسيف نفسه تمييزه اذا كان روسيا او اوكرانيا او بولونيا؟

السبت، 18 يونيو 2011

الكرملين وأزمة الكويت (المقدمة)


تأليـف : الكسندر بيلونوغوف

ترجمة : د . جمال حسين علي

موسكو - دار أولما بريس 2001

مقدمة المؤلف للطبعة العربية

لم أشأ أن يطلع القارئ الروسي فقط على كتابي الخاص بأزمة الكويت الصادر في موسكو عام 2001 ، بل كان في غاية الأهمية أن يطلع القارئ العربي عليه أيضا.

لقد شاركت في الكثير من الأحداث الدولية المتعلقة بالأزمة الكويتية وساهمت مع الآخرين في البحث عن طرق لتذليلها. وأرى من واجبي المعنوي أن أتحدث بإخلاص وبشكل موضوعي حول كل شيء كنت اعرفه عنها. وأنطلق من حقيقة أنه لا ينبغي تكرار تلك المأساة التي حدثت في عامي 1990 – 1991 مع الكويت وشعبها اللذان أصبحا ضحية عدوان مسلح واحتلال ونهب وعنف وقسوة ، في أي مكان وفي أي زمان.

أن الوقت يجري ، للأسف ، بسرعة ويتبدل الجيل القديم بشكل طبيعي بجيل جديد. وقد لا يعرف هذا الجيل حسنا عما حدث في الماضي وكيف حدث. ويمكن أن تعينهم ذكريات شهود العيان للأحداث الهامة وأولئك المشاركين في صناعتها ، لا سيما لو وضعت على الورق. وهي ليست خدمة للمعاصرين فحسب ، بل للأخلاق أيضا. لأن على الذاكرة الإنسانية أن تعي دروس التاريخ. وآمل في أن كتابي سيكون من وجهة النظر هذه ، مفيدا لدرجة ما بالنسبة لسكان روسيا والعرب على السواء.

أفتخر بذلك الدور الذي لعبه الاتحاد السوفيتي في لجم العدوان العراقي وإعادة بناء الكويت كدولة ذات سيادة. ولكن الاتحاد السوفيتي غير موجود في الوقت الحاضر ، وهناك روسيا. ويجب أن يكون لقادتها وساستها ودبلوماسيها وقيادتها العسكرية تصور مضبوط جدا عما كانت تفعله موسكو في مراحل الأزمة الكويتية. وتكمن هنا مهمة كتابي بالنسبة للقارئ الروسي ، لأني أريد أن تبقى لسياسة روسيا في الشرق العربي كل فضائل سياسة الاتحاد السوفيتي الخارجية في هذه المنطقة.

أما القارئ العربي فآمل أن يكون بالنسبة له مفيدا النظر الى أحداث ذلك الوقت من زاوية موسكو وأن يستمد منها شيئا جديدا له وخاصة موقف موسكو وسلوك الطرف العراقي في اتصالاته معنا على سبيل المثال.

وخلافا للتوقعات العامة ، فلم يتغير في العراق إلا القليل جدا من الناحية السياسية في السنوات الماضية والتي أعقبت هزيمته من قبل القوات المتعددة الجنسية. ولا ينحصر في الأمر ، أنه بقى في الحكم الأشخاص نفسهم الذين أوقعوا العراق مرتين في حروب ضد الجيران ، بقدر عدم ظهور دلائل مقنعة على شعورهم بالندم لما قاموا به وإعادة إدراك دروس الماضي واستعدادهم للتخلي عن قصد لأسلوب القوة والعنجهية العسكرية بصفتها أداة رئيسية لوصولهم الى أهدافهم في علاقاتهم مع جيرانهم.

من هنا ينطلق شعور عدم الثقة ببغداد ونوايا القيادة العراقية المستطردة وخاصة مساعيها في اقتناء أسلحة الدمار الشامل.

لن تعجب أي دولة بالطبع إجراءات الرقابة الدولية المفروضة والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وغيرها من التدابير الإجبارية ، ولكن ألم تكن القيادة العراقية نفسها وفي الدور الأول مذنبة في اتخاذ جملة من التدابير ضدها عام 1991 وأبقتها على فاعليتها وقوتها لحد الآن ؟

أن قصة علاقات بغداد مع مفتشي الأمم المتحدة أحسن دليل على هذا. واظن بأن نهج بغداد السياسي تجاه الكويت يدل على هذا أيضا. وفي النتيجة يؤثر التوتر في الإقليم والحمى في العلاقات مع بغداد وعدم تسوية الحالة مع العراق على هيبة الأمم المتحدة.

وبصفتي دبلوماسيا محترفا فأنا نصير الحلول السلمية. وأدرك جيدا بهذا القدر بأن مثل هذه الحلول ممكنة. ولكن في تلك الحالة فقط ، عندما يسعى إليها بشكل مخلص. لذلك لا أفهم سلوك القادة الذين يلعبون بالنار خلافا لمصالح شعوبهم وأي منطق.

لا أنسب لنفسي في شؤون الشرق الأوسط علاقات سياسية خاصة مع بلد عربي معين. فأعامل جميع شعوب العالم العربي بعطف واحترام وبشكل متكافئ. ولكني طوال مدة الأزمة الكويتية لم أستطع إلا أن أكون الى جانب ضحية العدوان وكنت أسعى الى استرداد العدل إليه. ولم يعقني العطف على الكويتيين وسروري بتحرير وطنهم ، التوصل في الوقت نفسه الى وقف العمليات الحربية في أسرع وقت لتجنيب السكان الآمنين غير المذنبين بشيء مزيدا من المآسي. أما المذنبين فأنهم نجوا رغم الخوف الذي تملكهم لبعض الوقت ، لكن هذا الخوف زال بسرعة حالما أدركوا بأن لا شيء يهدد حكمهم بعد كل الذي جرى.

والآن وعندما أكتب هذه السطور تتوتر الغمائم حول العراق من جديد بصورة ملموسة. ومهما كان الأمر ، فأن رائحة البارود تفوح من جديد في المنطقة التي كانت تعاني من جراح حروب كثيرة في الماضي.

وأرى أن ازدياد الاهتمام ببواعث الأزمة الكويتية ودروسها أمر طبيعي تماما. فمن المعلوم أن القوة لا تكمن في السلاح فحسب ، بل في معرفة التاريخ أيضا.

لهذا السبب أرى أن نشر كتابي باللغة العربية عن هذه الأزمة جاء في وقت ملح جدا.

أشكر ناشري الكتاب العرب ومترجمه الدؤوب الكاتب والصحفي الدكتور جمال حسين علي الذي عمل كثيرا في النقاط الساخنة ويدرك ماذا تعني الحرب.

متمنيا لجميع قرائي العرب السلامة والازدهار.

الكسندر بيلونوغوف

نائب وزير الخارجية السوفيتي السابق

موسكو أكتوبر 2002

حاشية المترجم

يعد هذا الكتاب أول منشور باللغة الروسية يتحدث بالتفصيل عن الغزو العراقي للكويت وما رافقه من أحداث مأساوية لغاية تحريرها.

ويسرد المؤلف الكسندر بيلونوغوف الذي كان يشغل في تلك الأشهر العصيبة منصب نائب وزير خارجية الاتحاد السوفيتي كمشارك في الأحداث عن كيفية تشكيل موقف الاتحاد السوفيتي حيال الأزمة وعن تقلبات محادثات موسكو المختلفة ويحاول الإجابة عن السؤال: لماذا لم يتسن لأحد إيجاد مخرج سلمي للأزمة بالرغم من كافة الجهود.
وسيعرف القارئ لأول مرة في هذا الكتاب الذي نعربه من الروسية مباشرة ، الكثير من الظروف الغامضة التي أحاطت بواحدة من أكثر أحداث القرن العشرين دراماتيكية في العالم ومنطقة الخليج، دون أن تفوتنا الإشارة الى أن ذلك سيكون من 'وجهة نظر موسكو' بتأكيد المؤلف نفسه.