السبت، 12 يوليو 2008

ماذا جرى في الشيشان ؟


راقب المجتمع الدولي الوضع في الشيشان بشكل غريب لم يسبق له مثيل. حيث قاس المبعوثين الأوربيين وغيرهم الحالة في هذه القطعة المنسية من الأرض من خلال زياراتهم الى معسكرات اللاجئين في انغوشيا. وهكذا قرروا في زياراتهم ، بأن وضع حقوق الإنسان قد تحسن في القوقاز.
ورد الكرملين على هذا التجاوب فورا بتعيين فلاديمير يلاغين وزيرا يتولى مسؤولية تطور الشيشان الاقتصادي والاجتماعي. أي وزيرا لشؤون الشيشان. وكان في وقت سابق محافظا لمقاطعة إيرنبورغ.
وهذا الإجراء ليس جديد تماما ، فكان الكرملين يعين دائما شخص ما لإدارة الشيشان. وفي بداية الحرب جلبوا الجنرال نيكولاي كوشمان ليتولى هذه المسؤولية بمنصب نائب رئيس الوزراء. وفي الحرب الأولى توالى المسؤولين على هذا المنصب الشفاف للغاية.
وتوقع البعض أن يكون يلاغين رئيسا للشيشان فهو " وزير حر " ولا يرتبط بهذه القوى أو تلك. وأحمد قاديروف فقد غروزني بضغط من موسكو لحساب بيسلان غنتميروف الذي هدم المقاتلين الشيشان بيته قبل أيام وسلم من محاولة الاغتيال الأخيرة والدورية. وفقد قاديروف شركة غروزنفط بعد أن ابتلعت الشركة الروسية " روسنفط " كل أسهمها. وتنتشر الإشاعات على طرد قاديروف كونه " ليس ذلك الشخص الذي يمكنه توحيد الشيشان ".
غير أنهم في الكرملين لا يرون بديلا لقاديروف حتى الآن وإذا عينوا غير شيشاني في هذا المنصب فستصبح روسيا نظام محتل. وتلائم المفتي السابق الأدوار المرسومة له ولحيته وغطاء رأسه والفرو الاستراخاني وربطة العنق التي لا يفارقها في المؤتمرات الدولية.
وتذكر بعض المصادر أن أهم أسباب فشل الجنرال كوشمان في منصبه هو ارتباطه بقرابة مع إحدى العشائر المحلية. ويعتقدون أن فلاديمير يلاغين سيأتي الى الشيشان وهو متحرر من أية صلة بالعشائر.
أموال وأعمار
وتوصلت هيئة الرقابة الفيدرالية التي يترأسها رئيس الوزراء الأسبق سيرغي ستيباشين الى أن الأموال تصل الى الشيشان بشكل سيئ كالسابق. زد على ذلك لم يصل روبلا واحدا الى الشيشان منذ يوليو 2000.
ووصل 3 , 1 بليون روبل الى الشيشان من يناير الى يوليو 2000 فقط وشكل هذا المبلغ نسبة 54 % من الأموال التي خصصتها الحكومة الروسية والبالغة 2 , 4 بليون روبل. وكان ينبغي أن تصل هذه الأموال الى ما وصفوها بـ " إجراءات الدرجة الأولى " والمفسرة حسب القرار الحكومي بعبارة شفافة أيضا وهي " تأمين العمل الطبيعي لاقتصاد الشيشان ودعم المجال الاجتماعي لعام 2000 ".
وقدر أكثر الخبراء تواضعا حاجة الشيشان لهذا العام الى ما لا يقل عن 7 بلايين روبل لكي يسير اقتصادها بشكل طبيعي.
وفي غضون ذلك يمعن الموظفون في المركز الفيدرالي في التفكير بطريقة ينفذون بها التزامات الحكومة تجاه الشيشان. وإذا كان الرئيس فلاديمير بوتين قد عين وزيرا للشيشان فعلى الموظفون تنفس الصعداء حيث انتقل كل شيء الى هيئة المراقبة الفيدرالية التي يشرف عليها بوتين بشكل مباشر.
ومع ذلك أعلن رئيس هيئة المراقبة سيرغي ستيباشين بأن 65 مليون روبل من الـ 3 , 1 بليون التي وصلت الى الشيشان " لم تستخدم بشكل هادف " وتسنى للمفتشين وضع أسماء عدد من الموظفين المقصرين والذين لهم ضلع في المكائد والتلاعب بالأموال العامة وبعض العاملين في إدارة الشيشان لرفعها الى النيابة العامة.
وشكا رئيس إدارة الشيشان أحمد قاديروف بعد اجتماع غرفة المراقبة للصحافيين بقوله أن " حجم التمويل لا يرضيني ولا توجد لدي أية صلاحيات ومسؤولية ". بينما قال ستيباشين أن " الأعمال ستتوقف في الشيشان لغاية معرفة الأهداف التي ستصل إليها الأموال ".
وتستمر الغرابة مع تسلم فلاديمير يلاغين " وزارة الشيشان " ذات الاقتصاد والبنية التحتية والفوقية المدمرة ورعاية سكان لا أحد يعرف عددهم حتى الآن ، فحسب معطيات وزارة المالية يبلغون 574 ألف إنسان وحسب قوائم وزارة الداخلية فسكان الشيشان 995 ألف نسمة.
اللاجئون
إلى ذلك ، يبقى عدد اللاجئين الشيشان وحالتهم في معسكرات انغوشيا بالنسبة للغرب دليل على التزام موسكو بحقوق الإنسان ونجاحها في تحقيق التسوية السلمية وفي إعادة بناء اقتصادها المدمر.
منذ معارك اقتحام غروزني وتدفق 200 ألف لاجئ الى انغوشيا ووفود الأمم المتحدة ومنظمات كالمؤتمر الإسلامي والأمن والتعاون الأوربية والمجلس الأوربي وغيرها قبل وبعد انتخاب فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا الذي اعتبر المال هو حجر العثرة في المشكلة الشيشانية ، فيما اعتبر الغرب التسوية السياسية لب المشكلة.
وعقد الدوما جلسة خاصة بمناسبة تفقد وفد من مجلس أوربا أحوال اللاجئين الشيشان. وأقر النواب الروس في جلسة مستعجلة مسألة " تأمين حياة سكان الشيشان والأشخاص المنقولين مؤقتا في ظروف الشتاء ". ودعوا الى هذه الجلسة ، التي يعود الفضل الى انعقادها للوفد الأوربي ، كافة ممثلي الهياكل الفيدرالية المعنية لغرض " وضع اليد " على المشكلة الشيشانية. وفي نفس الوقت عقد فلاديمير بوتين جلسة عاجلة في روستوف ( جنوب روسيا ) لغرض " فتح الأبواب المغلقة " للمشكلة الشيشانية وتوصلوا لأهم شيء حسب تعبير بوتين الذي قال بأنه " حتى لو وجدت مساكن في الشيشان ، فلا يوجد فيها عمل ولا أمن ". ومع ذلك لا يوجد للكثير من السكان منازل خاصة بعد أن دمرتها الحربين.
واعترف مجلس الدوما بأنه لم يحدث انتقال للاجئين الشيشان من انغوشيا الى وطنهم ويساوي عددهم الآن كالسابق نحو 175 ألفا. ونوه النائب الأول للمثل الرئيس المفوض في المنطقة الجنوبية فاسيلي كوروبنيكوف في غضون ذلك الى أن " معسكرات اللاجئين تحولت الى بؤر للجريمة وتعاطي المخدرات ".
وبعبارة أخرى ، فأن الموفدين الغربيين لا يمكنهم تجاهل حقيقة تعد الأهم في جولتهم وهي أن التسوية السياسية وإعادة بناء الاقتصاد الشيشاني لا تزالان في نقطة الجمود.
وماذا بعد ؟
فما السياسة التي تنتهجها القيادة الروسية في القوقاز ؟
على هذا السؤال قال فلاديمير بوتين بأن " القيادة الروسية طالما افتقرت الى سياسة واضحة في شمال القوقاز " ، مشيرا الى أن شمال القوقاز " منطقة نزاعات أصلا ". ويبدو أن المسؤولين عن الملف القوقازي تركوا كل شيء في ميزان النزاع. ويضيف مساعد الرئيس الروسي سيرغي يسترجيمبيسكي الى أن هناك مؤثرات خارجية تواصل فعلها ، في إشارة الى ما يسمى المنظمات الخيرية. وهكذا فستبقى الورقة الشيشانية حاضرة طالما أن هياكل القوة الروسية كسبت الحرب وخسرت السلام في الشيشان. فمثلا لا تحرس القوات الروسية في الشيشان النظام والدولة هناك ، بل تحرس أنفسها فقط. وليس من المصادفة طلب فلاديمير بوتين بعد حوادث التفجير التي تعرضت لها ثكنات الجيش الروسي علنا من وزير الداخلية فلاديمير روشايلو الى " الانتقال بشكل حاسم الى تشكيل هيئات الدولة من المواطنين المحليين ".