الأربعاء، 9 يوليو 2008

عصابات بيانج

لو لم يقع نهر بيانج بين أفغانستان وطاجيكستان لتحول الى أجمل المناطق السياحية في العالم. ومن يتذوق مائه سيشهد بأنها أعذب من مياه الشرب في دوشانبه.
وعبر موجاته الهادئة ، يسلك القاطنون في الضفتين أهدافا مختلفة ولكن بوسائل واحدة. يكفي أن تصنع بيديك ما يحملك الى الضفة الأخرى برص مجموعة من قطع الأشجار بعناية واستخدام أي شيء لتوجيه قاربك البسيط مستغلا حركة الأمواج التي تشبه رقتها نعومة النهر وجريانه الخالد.
هذه الزوارق أو " الأكلاك " هي العدو رقم 1 لحراس حدود رابطة الدول المستقلة الروس وزملائهم الطاجيك والفرقة الخاصة التي تسمى الحرس الوطني الطاجيكي التي تؤمن حماية الرئيس إمام علي رحمنوف.
يستغل مهربو المخدرات في الجانبين ، وأغلبهم في أفغانستان ، وحسب المسؤولين الطاجيك ، بمباركة وإشراف قادة طالبان ، بعض الفقراء الذين تكمن مهمتهم في شحن أطنان الحشيش والهيروين عبر الأكلاك بغية إيصالها الى الشاطئ الطاجيكي ، ومن هناك يستلمها المهربون ويضخونها عبر روسيا الى كل الدول الأوربية.
تجدر الإشارة الى أن الجميع يتاجرون في المخدرات عبر نهر بيانج وليس طالبان وحدها : باكستانيون ، طاجيك ، أوزبيك ، روس ، عرب. بالإضافة الى أن تجارة المخدرات لا تعرف ملة أو قومية أو سياسة ، فهنا الجميع من الملالي مرورا بالشيوعيين وحتى جماعة مسعود ورباني يمارسون هذه المهنة التي تعتبر حسب المقاييس المحلية والوعي الاجتماعي للناس ، مجرد عمل ، والحشيش والهيروين من الكثرة بحيث يكفي الجميع. ومرتفعات بامير وسهولها من السعة لتتسع جميع الطوائف والأجناس. المهم لديك 20 رجلا يحملون الكلاشنكوف ، لتصبح مسؤولا عن عصابة تسيطر على كيلومتر أو أكثر من الشاطئ.
ولهذا السبب ، أي كثرة العصابات المسلحة القاطنة عند شواطئ بيانغ ، تعتبر رؤية جثة طافية منظرا مألوفا للمشاهدين.


ومن مفارقات هذه الحرب لابد من التوقف عند واحدة تخص العاملين على تغطيتها. فالموانع التي تجابه الصحافيين أجبرتهم على التعرف على هذه العصابات ، فهي الوحيدة التي يمكنها نقل الأشخاص من دون " فيزا أفغانية " الى الشاطئ الآخر لنقل أحداث وأنباء قوات تحالف الشمال.
بالطبع هناك القنوات الرسمية الأفغانية وحرس الحدود الروسي والسلطات الطاجيكية التي توفر للصحافيين فرصة الوصول الى قوات التحالف.
غير أن مثل هذه الفرص تعتمد على بيروقراطية ونحاسة القائمين على الوضع وكذلك على قواعد الأمن التي تفوق عدد بنود ميثاق الأمم المتحدة. أي أن العبور الى الضفة الأخرى ، يكلف الصحافي أسابيع وأعصابا وأموالا قد لا يكون مهيئا لها.
لذلك فأن عصابات " نقل " المخدرات هي الوحيدة التي تؤمن الانتقال عبر نهر بيانج ، ولأنها بغريزة السارق تعرف الأمان جيدا. وكمهربين محترفين لديهم ناسهم في هذه الضفة أو تلك والذين يباشرون في استقبالك وإرشادك الى طريق التحالف.


عموما ، حذرنا الجميع ، بمن فيهم الصحافيين ، من عدم اختيار طريق المهربين للوصول الى أفغانستان. ولم نصدقهم بالطبع ( ثمة قاعدة ذهبية عرفناها بالتجربة : لا تصدق منافسا لك خلال العمل في النقاط الساخنة ! ). وبالفعل ، تبين بعد يومين فقط من المعاشرة بأن لمعظمهم علاقة ومعرفة مع مهربي المخدرات الذين يتكفلون بإيصالهم الى الجهة الأخرى.
ومع بعض الخطورة في هذه المسألة وعدم شرعيتها حسب قوانين الرفق بالصحافيين ، إلا أن النقاط التالية جديرة بالاهتمام :
- أن نقل الصحافي الواحد عبر بيانج في غضون 5 دقائق يعني ربحا للمهربين يقدر بـ 100 - 150 دولارا. وهذا يعادل نقل 50 كيلوغرام هيروين ( ينقلون الكيلو الواحد لقاء 3 دولارات فقط ). وبالمناسبة الصحافيون الغربيون واليابانيون هم وراء صعود الأسعار حيث كانت 10 - 20 دولارا للشخص الواحد.
- أن غريزة المهربين في الحفاظ على البقاء تجعلهم يختارون أكثر المناطق أمنا وبعدا من قناصي طالبان والقوات الأخرى.
- هم حريصون عليك لأنك ستعود غليهم إذا أو بعده. وهكذا فماذا يفعلون لو سرقوا كاميرتك ومصروف بسيط في جيبك. سيخسروك وسيخسرون سوقهم.


كما أن هؤلاء يوفرون لك مرشدا يوصلك يدا بيد مع وحدات التحالف. وبالمناسبة فأن المرشدين هم أيضا من قوات التحالف. وهناك يجلسون مع أقربائهم ويأكلون وينامون حتى يحين موعد عودتك.
وفي حالة عدم تمتعك بلياقة بدنية عالية أو كنت ممن لا يتحملون المشي لساعات حتى قوات التحالف أو كنت تحمل معدات تلفزيونية ثقيلة ، فهؤلاء يمكنهم أن يوفروا لك حمارا ينقلك أو ينقل حاجياتك على أن تطعمه لقاء 5 دولارات في الساعة الواحدة.
طبعا أجرة حمار تحالف الشمال في الساعة تفوق أجرة التاكسي في موسكو وربما في نيويورك الجريحة. وأفضل طريقة وأكثرها نفعا أن تشتري لك حمارا وتسجله عند جماعة الرفق بالحيوان لكي يسمحوا لك تركه في كراج الفندق. وإذا طاب لك المقام في هذه الحرب التي لا تريد أن تنتهي بسرعة ، فاشتر عددا من الحمير وشغلها على خط بيانج - بانشير فذلك مردوده أجدى من العمل في الصحافة !.
وللإنصاف لابد من القول ، أن مهربي المخدرات ولكثرة العشرة معهم ، أحب أن أصفهم بـ " ناقلي المخدرات " ، فهم الأكثر فقرا في هذه البلاد ولا يعرف هؤلاء الرؤوس الكبيرة وشرحوا لنا حكاية " الجثث الطافية " في بيانج بأنها لكل من تسول له نفسه نقل كيلو غرام واحد لحسابه الخاص.
وإذا ما كانت الحرب والقضاء على طالبان ستوقف دورة المخدرات من أفغانستان الى الأقاليم المجاورة ، فقد أوضحوا لنا بأن هذا العمل توارثوه عن أجدادهم ! أعتقد أن هذا الجواب بسيط وكاف جدا.
وقالوا أن النهر طويل و" كريم " ، فمن طاجيكستان ينقلون بالعبارات الأسلحة والمواد الغذائية كل ليلة بلا انقطاع الى أفغانستان. وسألونا : هل يوجد فرق ما ينقلونه لنا وما ننقله لهم !؟.