الجمعة، 11 يوليو 2008

أطفال الحرب

أطفال الحرب الأفغان انقسموا كالكبار : أطفال تحالف الشمال ، أطفال طالبان ، أطفال المخيمات. وكذلك حسب الدول التي تأويهم.
ويعاني الأطفال الأفغان دون أن يشعروا بضغط الكبار عليهم وبتحميلهم ما لا طاقة لطفل عليه ويجبرون على اعتناق أفكار لا يفقهون منها شيئا.
وإذا كان هذا بحد ذاته يمثل ضغطا نفسيا لا يمكن ممارسته على الأطفال لعواقبه الوخيمة التي يدركها مربي محترف ، فأن إجبارهم على حمل السلاح في هذه السن واعتبار ذلك مقياسا للرجولة والبلوغ ، يمثل واحد من الكوارث التي يزرعها الآباء للأبناء.
وكما هو حال الكبار ، فأن كل شيء يمارسه الأطفال الأفغان له علاقة مباشرة بالحرب. علما أن الكثير من الآباء بدورهم لم يروا غير الحرب. لذلك من الصعب عليهم تنشئة أطفالهم على غير ما شبوا عليه. ولعل تركيبة العائلة الأفغانية تعقد من هذا الأمر. فكيف يمكن تصور شابا بعمر لا يتجاوز الثلاثين عنده 8 أطفال من ثلاث زوجات ويعيشون كلهم بغرفة أو أثنين من الطين.
من الطبيعي أن يكون العراء هو الأرض الوحيدة التي يبدأ فيها يومهم لينهوه متراصين على الحصران في عملية تشبه الهجوع لا النوم تحت سقف ينز رطوبة وغبار وتمرح فيه كل الحشرات الممكنة. وأحيانا تشاركهم هذا الهجوع الحيوانات على اختلاف مشاربها بما تحمله من روائح وأمراض. أما الحديث عن الأفرشة والأغطية فذلك لم يخطر على بال أحد.
وهكذا تتلقفهم الشوارع منذ تنافس الديكة على الصراخ فجرا وحتى مغيب الشمس.
وإذا كان من الصعب تصور ما كان يميز يومهم قبل إعلان الحرب رسميا على طالبان ، فأن الوضع اختلف كثيرا مع انخراط مئات الصحافيين الأجانب في مجتمع الشمال الأفغاني.
ونرى بأن وجود هذا العدد الكبير من الصحافيين في مساحة محدودة من الأرض ساهم كثيرا في نقل وسائل وأساليب المدنية الى وعي الأطفال بفضل غريزة الفضول والقدرة الفطرية على اكتساب الخبرات واستعداد للتعلم ولو من باب التقليد. بمعنى أن طريقة اللبس والتعامل وتناول الطعام واستخدام الأجهزة والشفافية ستؤثر فيهم.
لذلك ليس من المستغرب أن يصطحبك في رحلتك اليومية بحثا عن الجديد عدد لا يستهان به من الأطفال ، يرافقونك بلا اتفاق أينما تذهب ويعودون معك ما أن تعود.
وهذه الصحبة غير المعلنة تستمر طوال وجودك في الحي. والطريف أن الأطفال وبدون اتفاق قسموا بينهم الصحافيين. فهم يرافقون ويتجولون مع صحافي معين ولا يتركونه ليذهبوا لآخر. يبقون معه حتى يغادر منطقتهم.
ومجموعة التي الأطفال التي رافقتنا دائما تتكون من أعمار 5 - 10 سنوات. وهؤلاء يتظاهرون باللعب بالقرب من " بيتنا " الخشبي وما أن نظهر حتى تبدأ الرفقة.
يمكن إعطائهم النقود لشراء ما تطلبه منهم أو تنفيذ أية حاجة : جلب المياه من البئر ، شراء خبز أو خضار ، شراء دجاجة ليطبخوها لك في بيتهم ، جلب سجائر وغيرها من الرغبات.
ويحب الأطفال الأفغان التذكارات ، أي ما تتركه خلفك ، حافظات أفلام التصوير ، بطاريات مستهلكة ، أقلام أو أوراق لا حاجة لك بها وغيرها من أدوات الشغل.
وعمليا تشعر بأن الأطفال بخدمتك دائما ، مع محافظتهم على ملامح المجتمع الشرقي. فمثلا ، لا يلعب الأولاد مع البنات ولا يختلطوا عن قرب. فلكل طرف اهتماماته وتجمعاتهم مقسمة على هذا الأساس.
والصبية مسالمون. فلا عراك أو ألعاب خشنة. وحتى ألعابهم مفيدة لأهلهم. وتراهم يقومون طوال اليوم بأعمال شاقة أحيانا لخدمة البيت وعادة ما يرافقون آبائهم في كل أعمال الكبار.
ومهمات الصبايا تنحصر في جمع الأغصان اليابسة لاستخدامها كحطب وجلب المياه من البئر وتنظيف باحة البيت والاعتناء بالحيوانات والغسيل …
وإذا كان هذا الوضع في القرية أو الحي ، فأن الجبهة لا تخلو من الأطفال. وكما ذكرنا فأن المقاتلين يحرصون على أن يرافقهم أولادهم حال بلوغهم 12 سنة أو أكثر مستغلين حب التبختر وإدعاء الرجولة الغريزي عند الفتيان والتباهي أمام الآخرين.
ووجود الأطفال في الجبهة يسبقه إعداد أولي في البيت على استخدام السلاح. بالإضافة الى قيامهم بخدمة الكبار في الجبهة بأعمال مثل تحضير الأكل وتنضيف السيارات والمدرعات وملئها بالوقود وترتيب الملاجئ وملأ الأكياس بالرمل وجلب الصخور لتقوية المخابئ ومهام غير قتالية أخرى. بمعنى أن نشاطهم اليومي له علاقة مباشرة بالحرب. هم جنود حقيقيون ، متفرغون للعمل في الجبهة. فلا حديث إذن عن المدرسة أو التعليم أو القراءة أو كل ما يتعلق بتطوير ذهنية الطفل ورعايته العقلية. فالكل منشغل لأعداد أجيال جديدة للحرب.