الجمعة، 11 يوليو 2008

في مسلخ جانغي

لن يستطيع هذا التقرير أو أي عمل لاحق فك طلاسم اللغز المحيط بمذبحة قلعة جانغي التي التجأ إليها مئات من أسرى طالبان والقاعدة وما أعقبه من أحداث متضاربة. حيث لم يدون أحد رحلة الصيد للمنتصرين التي انتهت بإبادة 578 أسير ، سوى بعض المنظمات الإنسانية الدولية الجريئة والتي أبعدت قسرا ما أن همت بفتح هذا الملف الأكثر مرارة في حرب أفغانستان.
يعرف الحقيقة قلائل جدا ويعدون على أصابع اليد : الضابط الأمريكي القتيل الذي راح ضحية أسئلته الاستفزازية على يد شيشاني فجر به قنبلة يدوية ، وجنرالات التحالف عبد الرشيد دوستم وعطا أسود وحجي ألماز. واتفق هؤلاء الشهود على نتيجة واحدة وهي إلقاء الذنب على الأسرى وحملوا رجالهم المسؤولين على حراستهم " التقصير " مما حصل. ويبقى ما حصل على ذمة الشهود الأحياء. فكل الأسرى لقوا حتفهم.
قنبلة الشيشاني
والتركيز على قنبلة الشيشاني تهميش لواقع الحال. فهذه القنبلة فجرت الى جانب أحشاء الضابط الأمريكي ، الكثير من الأسئلة يتعلق أغلبها بظروف الانتصار السريع الذي حققه الحلفاء والاتفاقيات السرية والعلنية التي عقدت مع قادة طالبان في مزار شريف الذين سلموا المدينة بدون قتال عمليا.
الاتفاق العلني
كان الاتفاق ينص على انسحاب المدافعين أمام المهاجمين حفاظا على أرواح السكان وعدم إراقة المزيد الدماء ، في ظل إصرار أمريكي على تحقيق أي تقدم على مسرح العمليات العسكرية بعد أكثر من شهر على بداية الحملة " المضادة للإرهاب ". وكان الوقت يسير لغير صالح الأمريكان بعد فقدان أعصابهم وقبلها أرواحهم وأموالهم وسمعتهم في 11 سبتمبر.
لم يكن الوضع العسكري هينا على كل الأطراف. ولم تحسم القاصفات الأمريكية المعركة على الأرض. وبقى المدافعون ( نقصد بهم طالبان وأنصار القاعدة ) متحصنون بشكل قوي في مطار مزار شريف والجبال المحيطة بها.
ومع تزايد المستشارين العسكريين في حاشية الجنرال دوستم ، كانت آمال الأمريكان تتضاءل أمام كسل الجنرال الأوزبيكي وأعذاره.
واستخدم دوستم وجنرالاته كل أساليب التضليل والحرب النفسية والإغراء وأطلقوا من الوعود الى المدافعين ما عجزت عن تسجيله الأوراق المتوفرة. وكان القرار النهائي لدوستم يتلخص في دخول المدينة بلا قتال. واتخذه بعد توصله الى اتفاق مع قادة طالبان في المدينة. أي أن الاتفاق لم يشمل مقاتلي القاعدة ولم يكن معهم. ومن هنا بالمستطاع فك العقدة الأولى للغز مذبحة جانغي.
اتفاق أم غدر ؟
ولكي لا نتجاوز على التاريخ بإعطاء تلميحات غير موثقة ، وحسب شهادات الجنرالات والأسرى والمقاتلين الذين التقينا معهم فيما بعد ، يرجح أن قادة طالبان في مزار شريف لم يطلعوا القادة الميدانيين لقوات القاعدة على حقيقة اتفاقهم مع دوستم. أو أطلعوهم على جزء من الاتفاق وتركوا لهم حرية الخيار : الانسحاب من المدينة أو القتال حتى الرمق الأخير أو الاستسلام.
وحصل أن قادة طالبان وأتباعهم انسحبوا الى الأمام وسلموا أنفسهم وأسلحتهم الى دوستم الذي تلقفها وتلقفهم بالأحضان وتركهم لأيام يسرحون بحرية في المعسكرات المطلة على المدينة. وبقى في مزار شريف ، وبشكل أدق في المواقع الجبلية المحيطة بها مقاتلو الحركة.
تركوا الأجانب
ولأسباب كثيرة ، أهمها أولا ، عدم وجود علاقة معروفة بين قادة الحركة الميدانيين ودوستم وحاشيته ، ثانيا ، اعتراض الأمريكان على إجراء أي نوع من المباحثات معهم. ثالثا ، تعطش الأمريكان في تلك الأيام للحصول على المزيد من أسرى القاعدة لأسباب نفسية ودعائية ولإرضاء المزاج الشعبي الأمريكي الجائع للانتقام. رابعا ، الهوة الأيدلوجية الشاسعة بين المتفاوضين المحتملين أنفسهم. فكيف يتم الحوار بين طرف دوستم - الأمريكان الذين يعتبرون مقاتلي القاعدة إرهابيين بلا قيد أو شرط وبين القاعديين الذين يعدون الطرف الآخر منافقين وكفرة وغير ذلك. خامسا ، عدم وجود قيادة واضحة ومعروفة ومتفق عليها لأنصار القاعدة في مزار شريف ( وغيرها كما تبين فيما بعد ) يمكنها الاتفاق أو عدمه. وفي الحقيقة كانت لكل تشكيلة مسلحة قيادتها وتنظيراتها ورؤيتها الخاصة وشهدت حوادث تقاطعت فيها هذه " الرؤى " ، مما أدى الى حدوث اشتباكات غير قليلة بين أنصار القاعدة أنفسهم.

فوضى وعشوائية
وكان هذا العامل ، أي فقدان قيادة موحدة للقاعدة ، أبلغ الأثر في الفوضى التي اعترتها وزيادة عدد قتلاها وأسراها. كانت ظروف الحركة صعبة للغاية وكان من المستحيل عمليا الإشراف على تحركاتها وحتى الاتصال بقادتها الميدانيين من قبل " المكتب السياسي " أو العسكري ، الذي لم يكن أحد يعرف لهم طريق أو مكان. باختصار ؛ كانت حرب المبادرات الشخصية والارتجال في أقصى درجاته والقرارات اتسمت بالعشوائية. ولم يكن لأي " قائد " في القاعدة أي اتصال بقيادته ( إن وجدت) ، لذلك اعتمد كل شيء على الدراية الشخصية والموهبة المتاحة والصبر المتبقي وطول نفس الأنصار والعدة والعتاد.
القشة الباكستانية
ومع ذلك وللإنصاف ، واجه هؤلاء أيام صعبة للغاية بعد انسحاب طالبان من مزار شريف ، أيام اختفت فيها وسائل العد بالثواني أو الدقائق. وبدلا من مواجهة العدو المشترك ، راح " الأخوان " يضربون يمينا وشمالا بعضهم في البعض الآخر. وكان آلاف المتطوعين الباكستانيين الأميين في كل شيء حتى في استخدام السلاح عالة على المحترفين من العرب والشيشان وأنصار " حركة أوزبكستان الإسلامية " ومقاتلي
" حزب التحرير ". الذين دفعت بهم القاعدة كقوة ضاربة بأمل إيقاع هزيمة بالأمريكان وقوات التحالف الشمالي في مزار شريف بالذات وعدم نقل الحرب البرية الى كابول أو قندهار.
وأدت طلائع المستسلمين الباكستانيين الى انهيار خطة القاعدة ومعنويات قوتها الضاربة على السواء. وكان الباكستانيون كرماء جدا في إعطاء المحققين الأمريكان كل المعلومات الضرورية حول التحصينات والإعداد المتبقية في المدينة وضواحيها ، معلومات كان القادة الأمريكان في أمس الحاجة إليها.
وبعد هذا الانكسار الذي لم يتوقعه لا دوستم ولا مستشاريه الأمريكان ، كانت المدينة مفتوحة تقريبا أمامهم ، لأنها بالأساس كانت خالية من المدافعين الذين فضلوا الاستقرار في الجبال القريبة والتي لم تكن مجهزة بما فيه الكفاية.

لا رصاصة في المزار
ولم تحصل في مزار شريف ، خلافا لكل التصريحات التي أعقبت ذلك ، أية معركة تذكر. ولم تستطع أية كاميرا تسجيل ولو أثر لرصاصة واحدة على جدار أو أية بقعة أخرى في المزار. دخل دوستم وأسود وخليلي وحجي ألماز ومجيد روزي المدينة دون أن يقاومهم أحد. وكانت المشكلة اللاحقة تنحصر في العرب والشيشان وأوزبيك جمعة منغنماي ( رئيس حركة أوزبكستان الإسلامية ) المرابطين في الجبال.
انشغل " المنتصرون " باحتفالية رضى عنها الشارع الغربي وصممت إرضاء له. احتفالية انتصار بدون معركة ، بل بدون إطلاق رصاصة واحدة. وبدأت الحرب الإعلامية والنفسية تضخ للرأي العام ما يلي : ثمة فلول للقاعدة ومقاومة عنيدة تبديها في جيوب المدينة.
لا ، لم يحصل ذلك بالمرة. لقد بقت هذه " الفلول " كما كانت قبل الانتصار ، في الجبال القريبة ، التي كانت تمطرها الفانتوم بالقذائف وتفرش عليها قاصفات بي 52 سجادات القنابل الثقيلة. ولم تكن هناك معارك بالمعنى التقليدي : ناس تحصنوا بالجبال وآخرين يقصفونهم بالطائرات.
الخيارات الثلاثة
عندما وضع قادة طالبان في مزار شريف حلفائهم في القاعدة أمام ثلاث خيارات : القتال حتى الموت ، الانسحاب ، الاستسلام. اختار القاعديون الخيارات الثلاثة في النتيجة ، كل حسب صبره ودرجة إيمانه. استسلم القسم الأكبر الذين لم يكونوا أعضاء في القاعدة ، بل مجرد متطوعين جاء أغلبهم من باكستان ، وصمد قسم في الجبال حتى الموت وفضل القسم الآخر الانسحاب.
أما الأسرى فكانوا " كشكول " الخيارات الثلاثة : هم المنسحبون الأوائل من طالبان ( الأفغان ) ، المنسحبون اللاحقون من المتطوعين غير القدامى والجدد ، الذين لم
" يستشهدوا " لسبب عدم وقوعهم في سجادة القنابل حسب نظرية الاحتمالات ، من أطلق النار ببندقيته على الطائرات الشاهقة الارتفاع حتى انتهت ذخيرته ، من تقطعت بهم السبل ، من لم تسعفه قوته الجسدية للانسحاب الى قندوز أو جنوبا ، الدعاة والخطباء وأهل الكلام والموظفين والإداريين العاملين في مؤسسات القاعدة ( فليس كل أعضاء الحركة حملة سلاح ).


الأسرى الأوائل
هؤلاء الأسرى رأوا منذ اللحظات الأولى من وقوعهم في الأسر ما لم يره أسير من قبلهم. كانت الأسباب واضحة : هم أول الأسرى في حرب سادتها أكثر من حطبها. شهوة الانتقام التي لا تقوم لدى الشماليين والأمريكان على السواء ضد أي شيء له علاقة بالقاعدة ، طباع الجبان عندما تضعه الظروف في موقع القوي ، حرق المراحل وعدم روية الشماليين والأمريكان وفقدانهم للحكمة في وقت كان يسير بطيئا جدا عليهم وفجأة انطلق بسرعة البرق ، تخلف الشماليين على المستوى الحضاري والإنساني والعقلي ، قسوة الحرب الأفغانية بحد ذاتها ، طول هذه الحرب وما حملته من مآسي شخصية لكل أبطال التنكيل ، السقوط الغادر الأول لمزار شريف بيد طالبان وما أدى من أعمال دموية لم يستطع الشماليون نسيانها ( الغريب أنهم غفروها لطالبان الأفغان ولم يفعلوا الشيء نفسه لطالبان الأجانب !! ) ، الاستعراض الأول لنصر كان بعيد المنال للشماليين ، انتصار لم يتحمله وعيهم وأفقدهم المروءة في التعامل مع الطرف المهزوم.
هكذا إذن ، ينبغي أن تفهم كل هذه العوامل قبل تسليط الضوء على مذبحة جانغي. أسبابها ودوافعها وما إذا كانت انتفاضة أو انتحار جماعي أو إعدام بالجملة.

أسرى قبائل
لم يكن للتحالف الشمالي يوما ما جيشا ، ولم يكونوا قوات تمتلك أدنى درجة من الانضباط العسكري. هم مجرد مسلحو قبائل. كانت مهمتهم الأساسية الدفاع عن أنفسهم وقبائلهم من طالبان والقبائل الأخرى. ولم يتعلم هؤلاء حرفة الحرب في أكاديمية عسكرية ولم يفقهوا أساليبها. فالسواد الأعظم كانوا يعرفون استخدام السلاح فقط ، وقادتهم وجهاء قبائل.
وحّدهم القادة الميدانيون الذين أنجبتهم حرب المجاهدين ضد السوفيت. جمع أحمد شاه مسعود مسلحو القبائل الطاجيكية وأمرائها وكذلك فعل عبد الرشيد دوستم عندما كان برتبة رائد في جيش نجيب الله وحكمتيار وإسماعيل خان وغيرهم من الأسماء المعروفة. وهكذا ظهرت التشكيلات المسلحة المبنية على أساس أثني. تحاربت فيما بينها كثيرا حتى ظهرت طالبان لتوحدهم بما أطلق عليه فيما بعد " التحالف الشمالي ". ومن التسمية فأن " التحالف " يعني وقتي لمواجهة عدو مشترك. وبإزالة هذا العدو فلا يوجد أي رابط يجمعهم.
تاليا ، فهؤلاء الذين حققوا بفضل الأمريكان نصرا لم ينتظروه. ويمكن إدراك ما فعلوه مع أول أسرى وقعوا تحت قبضتهم ، لا سيما وأن كل الآلة الدعاية والإعلامية والنفسية والاجتماعية مكرسة ضد هؤلاء الأسرى ، وفوق ذلك فهم إرهابيون ويقاتلونهم عمليا. غرباء احتلوا دورهم ومدنهم ونسائهم وكل شيء.
هذا باختصار شديد ما يكنه كل شمالي لأي أجنبي في طالبان أو القاعدة. فماذا يفعل به لو وقع تحت قدميه ؟
ومن جهتهم ، الأسرى لا يحملون أفكارا فحسب ، بل يؤمنون بها. وكلها موجهة ضد الشماليين والأمريكان وحلفائهم. فكيف ستكون النتيجة ؟
لم يقدر من كان في الميدان هذه العوامل في وقت كان عصيبا على الجميع. حتى جاءت غطرسة الضباط الأمريكان لتفجر قِدر الضغط التاريخي كله وتسجل كسبب مباشر للذي حصل بعد أن توضحت الأسباب غير المباشرة.

الزهو غلب الحيطة
ساقوا الأسرى الى معسكر خال من الجدران. وألقوا بأسلحتهم على مبعدة أمتار منهم. أضف الى ذلك كانت أسلحة قوات التحالف موجودة أيضا في المكان نفسه. تركوهم في ساحة المعسكر بلا طعام وشراب أو تلبية أغراض أخرى. بقوا في الساحة حتى اليوم الثاني. لم يتحدث معهم أحد ، واكتفوا بالنظر إليهم والتمتع بذلتهم والنكاية بهم والتشفي والضحك غير المبرر. تحول الأسرى الى سينما مجانية وحديقة حيوانات لمن يريد التصوير.
شاهد الأسرى وأغلبهم مقاتلون محترفون ومنحدرون من عائلات محترمة هزالة سجانيهم وضعفهم وفوضاهم. واستكثروا على أنفسهم وقوعهم أسرى لدى هؤلاء ! وكان تجميعهم في ساحة واحدة سببا في اتفاق الأسرى على عمل شيء ، طالما أن كل الأمور سائبة في المعسكر الى الحد أن بعض الأسرى يمتلكون قنابل يدوية وهم في الأسر!
عندما وصل الضباط الأمريكان كان كيل الأسرى قد طفح وزيادة. وما أزاد في هذا الكيل تصرفات المحققين ؛ فهم أمريكان أولا وضباط ثانيا ومخابرات ثالثا ، أي كل الأسباب التي تجعل " الاستشهاد " واجبا مقدسا لمن حمل أفكار الأسرى.
الشرارة
وكانت نصف ساعة كافية لاندلاع " الانتفاضة " وسيطرة الأسرى على مقدرات الأمور في المعسكر وقتلهم لنحو 30 من قوات التحالف وضابط التحقيق الأمريكي. ولم يكن وجودهم في المعسكر بعد أن تحرروا له معنى. خاصة وأنهم سيطروا أيضا على كل مستودعات الأسلحة فيه.
وهكذا حملوا ما استطاعوا من أسلحة وتوجهوا بفوضى الهرب الى أي مكان حتى قابلتهم قلعة جانغي.

أخطاء أم انتحار ؟
لسبب غير معروف التجئوا الى القلعة وكان ذلك خطأ فادحا لمن أراد الهروب من الأسر. والغريب أنهم حتى داخل القلعة تحصنوا في قسم واحد فيها. والأغرب أن الكثيرين منهم حتى لحظة مصرعهم وجدوا مقيدي الأيدي. بمعنى أن رفاقهم لم يفكوا حتى قيودهم ، لماذا ؟
ولماذا اللجوء الى قلعة تنتشر على سهل مفتوح ، بينما تمتد سلسلة جبال على بعد كيلو متر أو أثنين من القلعة ؟
كيف يمكن لأسرى فارين الاحتماء بقلعة غرفها مفتوحة على العراء حجارتها غير سميكة ، والأهم معزولة وتعد هدفا ثابتا وواضحا لأي طائرة وبنائها وطريقة تصميمها تفرض الحصار على من فيها ؟
لقد حاصر الأسرى أنفسهم داخل بناية معزولة ودخلوا معركة خاسرة من البداية.
التفسير الوحيد لهذا الخيار ، أنهم فضلوا الموت في معركة بعد المهانة التي وجدوها في الأسر. ولم يقرروا الهرب حتى النهاية ، فالطريق الى الجبال والتلاشي هناك كان مفتوحا أمامهم ، لذلك لم يستمروا وعزلوا أنفسهم بمشيئتهم على الأرجح.

القتل الجماعي
والأمريكان بدورهم أمعنوا بالخطأ ، وربما أمعنوا بالانتقام وفقدان الأعصاب ، خاصة بعد مصرع ضابطهم فجاءوا بطائراتهم ليقصفوا بناية أثرية قديمة لا تتحمل مدفع رشاش من العيار العادي بقنابل ثقيلة وبعد ساعتين من الحادثة ، وبدون موافقة أو اتفاق مع حلفائهم الشماليين كما اعترف بذلك دوستم فيما بعد. ولربكتهم قصفوا سيارة لصحافيين لحسن الحظ كانوا أخلوها قبل لحظات. في حين كان بإمكانهم السيطرة على " التمرد " بقنابل الغاز التي تستخدم لمكافحة الشغب في مدنهم أو بعض الكلمات الطيبة للتهدئة. وفي أسوأ الأحوال ترك الأسرى لحالهم حتى نفاد ذخيرتهم ومؤنهم واستسلامهم الحتمي.
وبعد ظهور القاصفات الأمريكية ظهرت شجاعة مقاتلي التحالف فجأة والذين هربوا بأسلحتهم أمام أسرى مقيدين ، ليكملوا ما لم تفعله الطائرات وينفذوا إعداما جماعيا لكل من بقى في القلعة التي حولوها فيما بعد الى مرحاض عام لقواتهم.
هل ثمة حاجة للدخول في تفاصيل المذبحة ؟
أنكر كل قادة التحالف حصول الإعدام الجماعي ولا يريدون حتى الحديث في هذه المسألة. والأمريكان اعتبروها صفحة مطوية من الحرب لا داعي لتقليبها والتحقيق فيها حتى من قبل منظمة إنسانية أمريكية. رفضوا حتى إعطاء بيانات واضحة بأسماء ضحايا المجزرة وعددهم وجنسياتهم.
هكذا إذن ، اختفى ضحايا جانغي من التاريخ ،،
ولم يخلفوا ورائهم سوى 578 حكاية لرجال فضلوا الموت بمعركة وليس شيئا آخر. فمن يستطيع سرد هذه الحكايات ؟.