
مقاهي أفغانستان عموما مطاعم - مقاهي. قد تجد فيها كل شيء وقد لا تجد فيها شيئا. ساكنة ، خجلة ويكاد جسمك يتقلص ما أن توشك على الحركة فيها.
أحيا ضجرها التلفزيون بلا منازع. وتتشابك فيها الأذرع والأجساد لو حل فيها الفيديو جالبا البخت لأصحابها.
لذلك لم تكن في أوقات طالبان مقاه بالمعنى الحرفي للكلمة. كانت مطاعم فحسب. وتحولت بعد التحول الى قاعات يرمي فيها المرء ثقل القرون.كانت ملجأنا الوحيد في الاختصاصين : المطعم والمقهى. نزيح فيها تعب النهار ونطمئن المعدة على البقاء.
والمقاهي تقسم الى قسمين ظاهرين : غربي وشرقي ! هكذا يسمونها. الجناح الغربي فيه كراسي ومناضد ، أما الشرقي فالجلوس فيه على الأرض. ورواد هذا الجناح أو ذاك يتلقفون الروائح نفسها والسكون المعلق بصوت التلفزيون وارتماء الأحضان على مطربة الفيديو الإيرانية.
وقلنا قسمين ظاهرين ، لأن في كل مقاه أفغانستان توجد غرف سرية ، أو بعبارة أرق ، غرف معزولة. لم نكتشف طلاسمها بعد. ولكن هناك افتراضات فقط : مخصصة لمن يصحب معه عائلته ، للضيوف الخاصين جدا ، لتعاطي بعض الأمور غير المسموح بها وغير ذلك من الظنون.
تجدر الإشارة الى أن هذه الغرف المعزولة كانت طوال تواجدنا بلا رواد ، بالرغم من تهيئتها بحيث تكون مستعدة لاستقبال الضيوف المستعجلين.

هناك الرقيب الذي تحدثنا عنه مرة ، في كل مقهى. وهو مسؤول الرموت كنترول للفيديو والتلفزيون. ومهمته تسريع اللقطات غير المرغوب بها. وأفضل اللحظات بأسا للمشاهدين هي تلك التي تظهر فيها اللقطة والرقيب مشغول بأمر أهم.

الطريف فيما حملته المقاهي الأفغانية لنا وهو أن صحافيا يابانيا سمينا كنت أصادفه أمامي كلما أذهب الى مطعم في دوشنبه. وتكرر الأمر نفسه في أماكن متفرقة من شمال أفغانستان ، كل ذلك كان يحصل بلا تدبير مسبق. فهل يمكن التصديق بأنني أراه أمامي كلما أغير المقهى في كابول أيضا ؟!
هو انتبه كما انتبهت لهذه " المصادفة " ، غير أنني خشيت بأنه يظنني جئت لأفغانستان لكي آكل فقط ، تماما كاتهامي له. وأعرف أنه محتار الآن في تفسير الفارق بين وزنينا مع أننا نرتاد المقاهي نفسها !