الخميس، 10 يوليو 2008

ماذا تفعل القوات الدولية في أفغانستان ؟


ما أن تحل في مطار المدينة حتى ينطبع في قناعتك شيء لابد منه : قسموا كابول والبلاد الى مناطق نفوذ وحولوا عالمها الى متعدد الأقطاب.
في المدينة ترى الآن كل الملل. لكن يبرز الأمريكان والبريطانيون أكثر من غيرهم لأن لديهم قواعد أصبحت ثابتة. يليهم من حيث التواجد الفرنسيين والألمان. والترتيب ليس حسب الحروف الأبجدية ، بل يرتبط بالعدد والعدة والهمة وما تضمره النفوس.
أما الروس فيهتمون بالخدمات الاجتماعية التي ترتبط بالناس مثل المستشفيات والمدارس ودور الرعاية الصحية وجامعة كابول ووزارة الإعلام والثقافة. ومع ذلك فلديهم نحو 40 رجل مخابرات حاضرين دائما في العاصمة لا يعرف مقرهم بالضبط. ويمتلكون أجهزة وسيارات حديثة ويشرفون على أعمال الروس هناك بما في ذلك عمليات إقلاع وهبوط الطائرات من مطار كابول وحماية المسؤولين الروس الذين يزورون العاصمة الأفغانية باستمرار.
كما أن الروس ينسقون جيدا مع أهم ثلاثة وزارات يسيطر عليها الطاجيك من جماعة التحالف الذي خلقته روسيا وهي الداخلية والخارجية والدفاع. ويداومون مع الآخرين في هذه الوزارات ولهم الكلمة الفاصلة فيما يخص القضايا الأمنية.

الأمريكان يشاهدون باستمرار في الشوارع والمحلات وفي كل مكان تقريبا. ولا يعرف أحد ما الذي يفعلونه في كابول سوى التجول بسياراتهم الفاخرة المدججة بالأسلحة بسبب أو بدونه. يشعلون أنوار سياراتهم حتى لو كانت الشمس تنفرد في إضاءة كل الموجودات. يحرص الأمريكان على الظهور في المناطق العامة. ويوقفون بعض السيارات للتثبت من وثائق أصحابها بمساعدة البوليس الأفغاني وأحيانا يفتشون حتى هذا البوليس الذي أنعمه القدر على الرعية وحبلت به الظروف !
كل أفراد القوات الدولية التي رأيناهم من الشباب غير العدوانيين إطلاقا ، غير أن رعبا موروثا يتملكهم إزاء أي حركة قريبة لقريب أو غريب ، لشحاذ أو بائع تحف ، لصحافي أو قارئ كف.
يبدءون صباحهم كما الحال في كل الجيوش بالتعداد اليومي خشية من فقدان أحد. وما أن يتناولوا إفطارا مدفوع الحساب من أولياء الأمر البعيدين ، حتى ينهبون بسياراتهم الأرض وفي كل الاتجاهات.
وسياراتهم هي الأبهى والأفخم ليس في أفغانستان وحدها ، بل في كل الإقليم على الأرجح. وحتى الأفغاني البسيط تعود على تمييزهم من طراز سياراتهم ، فهذه الجمهرة لأمريكان وتلك للإنكليز ، أما هذه فللألمان. وحسب خبرتهم فأن وجود الألمان في مركز المدينة يعني الحصول على تقويم جديد أو غطاء رأس أو قميص رياضي أو تذكارات أخرى من " الخارجيين " ( ترجمتها عن الأفغاني : الأجانب ).
والخوارج يبقون هكذا في الوعي النفسي والاجتماعي الأفغاني طالما كانوا مدججين بالأسلحة وطالما لم تعرف لهم مهمة ولا أحد يستطيع الإجابة عن السؤال الحتمي : ما الذي يفعله كل هؤلاء هنا ؟
جاهد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان على الإجابة عن هذا السؤال في مؤتمر صحافي عقده مع رئيس الحكومة المؤقتة حامد قرضاي وتبارى الاثنان في إطلاق العبارات الغامضة ، حتى أن صحافيا أمريكيا يشعر في كابول أنه من أهل البيت وتربطنا معه رفقة عشاء الفندق البارد همس لنا بخبث : حسنا فعلت أمريكا أن عينت أمينا عاما لا تفهم شيئا من كلامه ورئيسا لأفغانستان كل شيء عنده OK !
اختصر لنا هذا الصحافي العجوز عشرات من المقالات التحليلية في عبارة واحدة ليس من العبث تكرارها هنا. فهي أفضل مدخل لمعرفة حقيقة دور القوات الدولية في بلد كأفغانستان.

اتفقوا في بداية الأمر على أن يكون تعدادها ألف شخص في كل أفغانستان حسب طلب وزير الدفاع محمد قاسم فهيم ومن ثم ازداد العدد ليصل الى 5 آلاف ، غير أن مراقب عادي يمكنه عدهم بطريقة تقليدية صرف ليجد أضعاف هذا الرقم في كابول وحدها.
وبالمناسبة ، تركز القوات الدولية تواجدها في كابول جنوبا حتى أفغانستان ، وتكاد لا ترى في الشمال الأفغاني ، عدا القوات الأردنية في مزار شريف التي يصعب رؤيتها في المدينة. أما القوات الفرنسية فقد أتمت انسحابها من مطار شبنغهان في إقليم بلخ بعد أن جهزت المطار بالمعدات اللازمة وأجرت عمليات الترميم المطلوبة عليه وسلمته للجهات الأفغانية أفضل حالا مما كان عليه أيام طالبان.
لذلك ، فأن التواجد الكبير للقوات الدولية في كابول وقندهار فقط. أي المقصود التواجد المرئي ، بغض النظر عن القواعد التي لا تصل إليها العين المجردة.
يقضي أفراد القوات الدولية حاجياتهم الأساسية بود في أغلب الأحيان ولا يشاهدون في المطاعم أو المقاهي ويركزون اهتمامهم على شارع يكاد يكون الوحيد في كابول ، ذلك الذي تنتشر فيه محلات التحف والأحجار الثمينة والسجاد الفاخر وأسواق السلع المستوردة من باكستان والإمارات العربية في الغالب.
أما مهماتهم غير المعروفة في المدينة فلا يقومون بها بسلاسة ، فما أن تتوقف حافلاتهم المتنوعة ، حتى يتجمهر حولهم الخلق من كل الأصناف والأعمار. ولا يستطيع أحد التكهن بسر هذه اللوحة : ما الذي يريده هؤلاء من أولئك ولا أولئك من هؤلاء. فالعلاقات الغامضة دائما تكون متعبة لكل الأطراف ، وسيأتي اليوم الذي يناشد فيه الأفغاني العادي نفسه : ما الذي فعلوه لنا ؟

أليس من حقه توجيه هذا السؤال الذي ردده كوفي عنان أيضا وأضاف إليه الرجاء التالي : أتمنى أن تصل المساعدات والجهود الدولية الى أفغانستان بسرعة.
ما الذي يكون عليه إحساس المواطن الأفغاني وهو يسمع هذه التمنيات ؟ وإذا كان الأمين العام يتمنى حاله كحال هذا المواطن فيمكن تصور خطورة تذبذب السؤال الذي يلد آخر : ممن يتمنى الأمين العام إذا كان المجتمع الدولي اختاره ليقود المنظمة الدولية التي تشرف على هذا النوع من المسائل ؟ وهكذا تتزاوج الأسئلة في رحم السؤال الأول : ما الذي يفعله كل هذا الجمع في مدينة لا تتسع لغرباء أكثر ؟
هل انحصرت مهام القوت الدولية بتفحص وجوه المارة بحثا عن طالباني أو قاعدي متخف وهو ما يفعلوه منذ الصباح ؟ هل من صميم مهامهم إزالة الستائر من السيارات الأفغانية وتبديل الزجاج القاتم وهو ما يقومون به دائما ؟ هل يحق لهم منع صحافي من تصويرهم طالما أننا جميعا " خارجيين " في هذه الأرض ، الأمر الذي جعلنا نصرخ مرة بأننا نمارس عملنا مثلهم بالضبط ؟ أكان ضروريا استفزازهم لجمهور مباراة تقليدية للخيول بتطويق الجمهور من كل النواحي خوفا ، حسب اعتقادنا ، من استغلال أحدهم التجمع الجماهيري لافتعال أعمال شغب ؟
وللإنصاف لم يحصل في كابول أو في أي مكان تتواجد فيه القوات الدولية المكروه المعتاد حتى الآن ، ويحرص الشبان الدوليون على أن يكونوا لطافا قدر الإمكان مع سكان البلد الأصليين.

ويؤاخذ على القوات الدولية أنها اختارت أفضل البنايات في كابول ، على سبيل المثال ، واحتلت كل القواعد العسكرية المجهزة وكذلك المطارات العسكرية والمدنية. وإذا علم أن هذه المنشآت تعد من أساسيات البنية التحتية للبلاد فهل من حق الخارجيين الاستمتاع بها على حساب الأصليين ؟ وفي جوهر الأمر : من يساعد من في هذه المعادلة المتعبة ؟
ولعل رؤية فتاة دولية في خضم ازدحام براقع النساء في الشوارع الأفغانية الفرصة الأجمل التي التقطتها عدستنا للشرطية الإنكليزية الحسناء وكانت فريدة لأنها المرأة الوحيدة التي جلبتها الصدف الى أرض الشقاء.

بالنسبة للطائرات الأمريكية ، يكفي التوقف ساعة واحدة بالقرب من مطار كابول لوحده لمشاهدة عدد الطائرات الأمريكية الهابطة والمقلعة منه. فلا تمر 10 دقائق دون هبوط أو إقلاع على مدار النهار وإذا عكسنا الأمر على المطارات الأفغانية الأخرى تكون النتيجة ، أن السماء الأفغانية لا تخلو لحظة واحدة من التواجد الأمريكي
وفي كل الأحوال ، القوى الكبرى متفقة بشكل ودي على تقاسم مناطق النفوذ في أفغانستان والعلة ليست في اتفاقهم أم عدمه ، بل في الأفغان أنفسهم. حيث تتطور بؤر الخلاف فيما بينهم بشكل واضح. وحتى داخل المدينة الواحدة. وإذا كان هذا الأمر غير واضح في كابول في الوقت الحاضر لوجود القوات الأمريكية والسي آي أيه والأف بي آي وكل الأجهزة الأمريكية. وحسب تعبير أفغاني بسيط : كلهم جاءوا عدا المستر بوش ! فمناطق مثل خوست ومزار شريف التي زرناها تقسم المدينة نفسها بالشوارع الى مناطق نفوذ بين أمراء الحرب وأنصارهم المدججين في كل لحظة بمختلف أنواع الأسلحة. وتحصل بينهما أحيانا كثيرة مصادمات على أبسط شيء ، وبدا لو كانوا يتفاهمون فيما بينهم بلغة السلاح ، الأمر الذي يجعل اشتعال حرب أهلية هنا او هناك في المناطق الأفغانية مسألة طبيعية جدا.
وقد يكون الخشية من تصادم الرفاق أو تسلل الأعداء السبب المعلن من وراء تواجد القوات الدولية ، لكن ما يزيد في الحيرة هو أن كل المناطق الملغومة بمثل هذا النوع من المصادمات تخلو من تواجد القوات الدولية التي ارتضت التجول في المناطق السالكة والهادئة والانتشار في المساحات الأكثر تعميرا.