السبت، 12 يوليو 2008

بماذا اختلفت الحرب الشيشانية الأولى عن الثانية؟


قال قائد القوات الشيشانية موسى مونايف بأن القوات الروسية ستقتحم العاصمة غروزني نهاية أكتوبر 1998 ، ويبدو توقع القائد العسكري الشيشاني معقولا عند أخذ التغييرات في الأحوال الجوية التي سيشهدها القوقاز بنظر الاعتبار.
واعتبر مونايف عبور القوات الروسية للضفة اليمنى من نهر تيريك والامدادات العسكرية الروسية التي وصلت في القطاعين الشمالي والغربي علامات التحضير لاقتحام غروزني.
ويأتي تصريح فاليري مالينوف نائب رئيس هيئة الأركان الروسية بأن قواته لن تدخل غروزني بالدبابات والمدرعات التقليدية ، إشارة الى وجود مخطط اقتحام العاصمة الشيشانية في حسابات هيئة الأركان الروسية. وعلى الأرجح أن الخطة الروسية ستكون جديدة ولا تشبه ما حصل في عام 1995 عندما تحولت غروزني الى مقبرة للدبابات الروسية.
وما مكشوف في الخطة الجديدة هو استمرار القوات الروسية التي تحاول فرض طوق صارم على غروزني في استنزاف المدافعين عنها الى أقصى حد ممكن ، يساعدها في ذلك انقطاع التيار الكهربائي والغاز وعدم وصول الإمدادات العسكرية الكافية والتموينية الكافية. وبطبيعة الحال فأن المخزون الشيشاني سينفد بمرور الأيام والأسابيع.
ومن جهتهم يحرص كل الرجال في غروزني على بذل ما بوسعهم للتصدي للهجوم الروسي المحتمل. ويحاول القادة الشيشان كما قال مونايف استغلال العناصر المتطوعة التي تمتلك خبرة القتال في تشكيل وحدات جديدة ، بينما أرسل الرجال الذين لا يجيدون القتال لأداء مهمات كحفر المتاريس وخدمة المقاتلين.
وأكد قائد القوات الشيشانية بأنهم في غروزني يمتلكون قدرة على الدفاع أكثر بأسا مما كانوا عليه في عام 1995 ووعد القوات الروسية بمجزرة حقيقية.
وبعيدا عن حرب التصريحات فأن القوات الروسية أيضا استفادت كثيرا من دروس الحرب الفاشلة الماضية ، كما أن غياب قائد يمتلك الجاذبية كجوهر دوداييف سيجعل توحيد فصائل المقاومة الشيشانية أمرا صعبا ، بالرغم من ان الشيشان كانوا في وقت دوداييف أيضا منقسمون على أنفسهم كثيرا كما هو حالهم الآن ، الا أن الخطر الروسي الموجه للجميع بلا استثناء جعلهم يقتربون من حالة وعي المصير المشترك. وهذه الخلفية السيكولوجية موجودة في العنصر الشيشاني ومتوارثة. وفي هذا المعنى يمكن إدراك عمق الخطأ الروسي المزمن بعدم فهم الطبيعة الشيشانية للآن والمتمثلة في الاتحاد عند مواجهة الخطر المشترك.
وكما ستقاتل روسيا الشيشان بشكل آخر ، فأن المقاتلين الشيشان سيقاومون على نحو مختلف كما قال موسى مونايف. وأفضل خطوة قام بها المقاومون هي إبعاد النساء والأطفال والرجال غير القادرين على فعل شيء خارج العاصمة الشيشانية مما يسهل من مجال المناورة وحركة المقاومة الشيشانية ويبعد عن المقاتلين الضغوط النفسية المعروفة.
وتم تقسيم غروزني الى قطاعات مستقلة يشرف عليها قادة مخضرمون وتعمل لصالح الشيشان عوامل أخرى الى جانب معرفة خصائص وأسرار المدينة مثل الاستعداد للدفاع عن المدينة قبل وقت مناسب وليس كما حصل في نهاية عام 1994 ومطلع عام 1995 عندما أخذ الشيشان على حين غرة ولم يتوقع خبرائهم قيام القوات الروسية بعملية اقتحام مباشر بكل أنواع الأسلحة. وثانيا ، يتميز المدافعون عن المدينة الآن عن المدافعين في الأعوام المذكورة بخبرة القتال التي اكتسبوها في الحرب الماضية. وزحف القوات الروسية البطيء باتجاه غروزني أعطى متسعا للوقت للقادة الشيشان لعمل خطة دفاعية ، الأمر الذي لم يكن موجودا في الحرب الماضية ، حيث كان الارتجال السمة التي ميزت المقاومة الشيشانية في الأشهر الأولى من الحرب رغم ما أبدته من صمود واضح. وأخيرا ، تمتلك الشيشان الآن أسلحة أفضل وأكثر مما كانت تمتلكه في الحرب السابقة.
ويؤكد ممثلو وزارة الدفاع الروسية بأنهم أكملوا بناء " الطوق الأمني ". ومن الواضح أن المقصود هنا أمن روسيا. أما " العصابات " داخل الطوق فتأمل القوات الروسية في إبادتها. وتكون الطوق الروسي من ثلاثة خطوط " دفاعية ". احتلت وحدات وزارة الداخلية ( 30 ألف شخص ) والقوات الخاصة الخط الأول المسؤول عن مراقبة الحدود في الاتجاهين وجهز تكنيكيا ليكون مركزا للحصار والنقاط الخفية والمخافر لمنع توغل المقاتلين الشيشان عبر الأراضي الجورجية الى داغستان وانغوشيا وأوسيتيا الشمالية. وأعطي الخط الثاني والثالث لقوات وزارة الدفاع.وستعمل قوات الخط الثاني على مشاغلة التشكيلات الشيشانية في حالة اجتيازها الخط الثالث تساعدها قوات الداخلية في تكثيف الحزام الناري. وتمتلك وحدات الخط الثاني كل الأسلحة الثقيلة تقريبا من مدفعية ومدرعات وراجمات صواريخ. وتقع في الخط الثالث تشكيلات من قوات التدخل السريع التي يمكن نقلها الى أي خط أو أي قطاع يواجه المتاعب. وتغطي الخطوط الثلاثة القوة الجوية بشكل دائم.
ويصل هذا الطوق الأمني لمسافة 15 كيلومترا عن غروزني. علما أن القوات الروسية لم تدخل الى بعض القرى الشيشانية بالاتفاق مع شيوخها الذين تعهدوا بإخراج المقاتلين بالحسنى كما حصل في مناطق ناورسكي وشيلكوفسكي.
وتتابع القيادة العسكرية الروسية تحركات التشكيلات الشيشانية المسلحة بمنظومات الاستطلاع وطائرات التجسس بدون طيار " ستروي - ب " القادرة على ممارسة عملية الاستطلاع الجوي بلا انقطاع وإعطاء الإحداثيات الدقيقة الى قوات المدفعية والصواريخ وكذلك للطيران. وكانت روسيا قد استخدمت هذا الأسلوب على نطاق محدود جدا في الحرب السابقة.
ومن الواضح أن كل ما ذكر هو مجرد خطط هيئة الأركان الروسية الموضوعة على الخرائط والورق. فليست لموسكو الأموال الكافية ولا الوقت ( يكلف تجهيز الكيلومتر الواحد للحدود في أدنى تقدير للاحتياجات نحو 400 ألف دولار ). ولهذا السبب تعد التحصينات الروسية بسيطة ومتواضعة في المفهوم العسكري وهي عبارة عن خنادق عمقها مترين وارتفاعها ثلاثة أمتار. أما القطاعات التي سيطرت على الجبال فلا يحميها سوى الطيران.
وبهذا الصدد صرح الجنرال أناتولي كورنوكوف قائد القوة الجوية الروسية بأن روسيا تسيطر بشكل تام على الجو " فوق الأراضي المتمردة ". ولم يأت الجنرال بشيء جديد طالما القوات الشيشانية لا تمتلك سوى طائرة شخصية لشامل بساييف دمرت في أيام العملية العسكرية الأولى.
وتدل كل تصريحات العسكريين الروس بأن الأمور تسير نحو اقتحام غروزني. قال الجنرال فاليري مالينوف بأنه : " ليس لدينا الحق في استبعاد أي شكل وأسلوب للأعمال العسكرية يحل المهمة الرئيسية لقواتنا في تدمير التشكيلات الإرهابية في الأراضي الروسية بما في ذلك قواعدها ومصادر وجودها ". وقال الجنرال غينادي تروشيف قائد التشكيلات الروسية الموحدة في داغستان بأن العمليات العسكرية
" ستشمل كل بقعة أرض يوجد فيها الإرهابيون ".
ومع ذلك ، يدرك العسكريون الروس صعوبة إغلاق الحدود تماما مع الشيشان. وما زالت مسألة الممر الجورجي تعقد حالة " الطوق الأمني ". وحسب تقدير هيئة الأركان الروسية ثمة في الشيشان 6 آلاف مقاتل محترف . ويعتقد الجنرال مالينوف بأن عددهم سيزيد الى 10 آلاف قريبا. وصرح شامل بساييف مؤخرا عن تشكيل فصيلة من الانتحاريين يبلغ عددهم 400 شخصا.
ويرد الجنرال تروشيف على هذا المعطيات بقوله : " من الحماقة أن نجلس لنكش الذباب ونحن نرى العدو يقوي نفسه ". ويقترح للتغلب على عامل الوقت إنشاء نوع من " الدفاع الديناميكي " عن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها. لأنه من الصعب فرض الحصار لمدة طويلة على محاربين أشداء. وبالتالي يطالب تروشيف بزيادة رغبة العسكريين في قطع " العقدة الشيشانية بعمل حاسم ". ولا يشك بأنه يقصد اقتحام غروزني.