الثلاثاء، 8 يوليو 2008

رفع النقاب عن الجمال الأفغاني

" جميلة أنا الى جانبك"
من الشعر النسائي الأفغاني


الجمال عندما يصبح بهذه السعة والكثرة كما في أفغانستان يستهل كل الأحاديث ويصوغها. وتأجيل التفكير فيه يسكر الكبد ويبلع الاستنباط ويؤخر النتائج الوردية. ولعل ركنه ليجيء آخر عمود في الصفحة الأفغانية ، ليس لغيابه أو استرخاءه ، بل لحضوره الشاق ولأنه محاولة أليمة لانتشال الحب من بين أنقاض الحرب.
أيتها الغائبة
بيديها تكوّر خيمتها اليومية على ظلالها المحترقة شوقا للحياة لتمضي ماسحة الموجودات ، متوهجة كمصباح لابد منه لتطبق على المدينة العقيمة : الفتاة الحقيقة.
لا تظن بهيئتها ، واثقة من نضوج ثمارها وأبهة جمالها الذي تسطع كل الأشجار وتنحني له عند مقبلها. غادرت دميتها الأليفة ، الوحيدة لتعرّي المكابرة وتخلط الإمتاع وتغري المؤانسة. تحسم مساورة الشك بالرجولة. ناهشة ، دوّامة ، تسابق الريح التي تستحيل أرجوانية ما أن تهبط على شجرتها : هي الأفغانية المخفية بوشاح السماء ، من بداية الطريق حتى اكتمال النوافذ.

ساندريلا
في اللحظة التي تقرر تحول النقاب الى كهف مفتوح. بزهو وتمايل وإعادة تركيب التبعية إليه. مهما طال أو قصر أو تغيرت ألوانه أو امتزجت ، هو التابع وليس المتبوع للوحدة المصقولة التي يسمونها الجمال. فالثياب هي التي تفخر بانطلاقها الأثير من تلك الأصابع المحفوفة غير المحتملة. والأقدام ساندريلا غريزية تكاثفت في بضعة سنتمترات متصدرة الساق : أغصان أزهار ابتكرتها الجنة ومسرى لانغماس المقل. تعود بالزمان في المرور الذي لا يقاوم. أظافر كالمناقير تنساق إليها النقوش متدلية بإثرها حملقات الخلق. ناعمات كفيضان بطيء ، راقص. سريان مترنح لكتلة من الزينة بلا وزن : هذه الأقدام وحدها تبرق بسندريلا فريدة … أقدام فقط تطنّ في اللوحة : فكيف لو كان الطيف كله يصيب مروحة الفؤاد ؟
الجمال المبهم
تعرف أنها أثمك وعذابك ورداءك الصوفي.
ممسكة بعصا فتنتها لتمقت ثائرتك كي ترسل حياتها بين يديك.
تنبئك بالذي أقوى من الفيافي وأحلى من الريب وأخدع من الأشباح ،،،، تخبرك بلا إطالة بأنها الماسكة بدفة الزمان ، بلا كلمات. تستجمع قواك لتحصي ذرات الغبار التي تخلفها ذيولها. رمس مصنوع بلا نقيصة كأن أبهر الشعراء حاك هذه الصورة. فكيف التسلق الى برجها : أفي الإغراق في إلا وكيف ؟
الجمال حين يتفنن

خشخشة أساوري ، يا حبيبي ،
ستدلك على الطريق
من الشعر النسائي الأفغاني


طرق لا تحكى وأساليب لا تستمع وكيد ما بعده غشاوة ، ما تبنيه الأفغانية قبل الشروع بصيد المعذبين. وبالرغم من أنها تأنّ من محاصرة الكهف الأزرق أو الأسود أو الأبيض ، إلا أن لديها مجال لمناورة النداء : كفوفها وأقدامها والرياح العابثة بوشاحها وتطفل شعرها عند زوايا النقاب.
العوامل الأربعة هذه من تحكمها : فمرة تستغل واحد منها وأخرى الأول والثالث وأحيانا الرابع والثاني وإذا تطلب الأمر تفجرهما عليك دفعة واحدة كي تتأوه بلا شفقة: يا مأربي ومأساتي !
ونظرا للظرف الموضوعي للغاية الذي شيدت الوزارات على أساسه وأطلقوا ما تيسر لهم من عسس من أجله ، فقد تحولت التجارة المرتبطة بزينة الكف والقدم وبضعة سنتمترات من الساق الأكثر شعبية وشرعية. وتركزت جهود المختصين على جعل هذه المناطق الأكثر بياضا وجمالا لما تبقى منهن !
أكفّ ناضجات مزروعات بوهج نباتات متسلقة. دائبات التهدج ، متحليات بكل ما يحطم الجمال لكي يبقى لا يفارق ثراء العيون. أقراط وأساور ومحابس ونهايات خمرية للقميص ، أو رباط يكاد يحدثك ويسلسل تأملاتك باتقاد خطوط وألوان متناسقة ليست كالثرثرة. همّها تدوين الجديد في فسحتها السارية من الذهول المسموح به. لمعان من الغربة ؛ أثر يقتفي أثر على واجهة الكف المصبوب الذي إن صعقك تشهق باللوعة المتاحة : ماذا أرى ؟!
ولو اجتمعت كل السوبر موديلات في الكون لما قلدن مشيتهن : يا لها من تماثيل حذقه. لا تجذب فحسب ، بل تصفق أدراجك وترتقي بخيولك الجامحة. الآن وهنا فقط، تجري الأوراق الزاهية وسط الزحام لتفضح كل طغيان الدنيا وكأنهن يضبطن صمام الوجع وخلوة الروح.
ترفرف سيقانهن كعناق استيقظ توا في حديقة. أي أرض تعلق بها ولم الستار من الأشرطة المدلاة بحرائق تخضعهن للنظام. وميض الأقدام هذه لا يعرف المشيب : خذها زورقا يبتكر السد.
والعامل الثالث المرتبط بالرياح البريئة التي تداعب الوشاح فلا حرج عليه طالما الرياح تسير بأمره. فإذا وهبت لحظة خيال وتجاذب أو ذهول فهو يوم بهي ، ملهم ، زرع قنطرته عبورا للجمال. وإذا لم تفعلها الرياح ، تفعلها هي بوفاء عابر : بعثرة أو عطف ، باعوجاج متعمد أو التقاط شيء ما لا يقع منها إلا في اللحظة التي اقترب القلب من السقوط معها. وكلما أطلت النظر الى غزالتها ، تمادت في تحيتها وعنفها غير المرئي بتناغم وسر لا يدركه إلا من غاص في هندسة الكيد المتأصل ؛ العظيم !
أما الباب الرابع فيناديك بفضفضة الشعر أو جزء منه البارق أو الحارق أو الصاعق. ومهما عمل الخياطون لستر الخصلات المدمرة ، إلا أن عينيك تتناول خميلتها في اللحظة والدقيقة والساعة واليوم والشهر والفصل الذي تشاء فيه ، هي وحدها،لخطف دمدمتك الخالية من التعبير ، حتى تصل الى أعماق تباين خطوط شعرها وسرحانه المبيد.
تضاد جماعي
هذا الجمال أنقذ العالم بتأكيد ديستويفسكي. وهو الوحيد الذي حافظ على نضارته في هذه البلاد. ولكن النقاب عكس كل ما قيل عنه ربما أنقذ أولئك الذين تمر السنون دون ملاحظة وجه امرأة. تناقض غير مراقب يصعب إثباته.
هي واحدة المخلوقة الحسناء ، ويقول المهذبون دائما بأن كل امرأة جميلة وخاصة الأكثر نفاقا منهم أو من يحاول تدارك حٌسن امرأته. ولكنه وحسب كافة المقاييس فأن قصاصة جمال من أية أفغانية تفوق ما تملكه الأمريكية أو الاسكندنافية أو نساء شعوب أخرى.
لا تلمس البدانة لدى الأمريكية ولا صفرة النرويجيات ولا ضآلة الصينيات : يافعات ، ساخنات ، يتركن شعور لا يكل بالفرجة. متأججات بوحدتهن ، يجمعهن عمر صبية طائرة.
الجمال والأمن القومي
ولا يمكن استبعاد كل هذا الجمال عمّا حصل في البلاد وسيحصل لها. ربما كان لاستقرار الكثير من الرجال الغرباء هنا علاقة بالجمال. عندئذ يجوز اعتباره أحد العوامل السياسية التي أفضت فيما بعد للأمنية والعسكرية. لاسيما وأن معظم الغرباء تزوجوا من أفغانيات. ولو صحت هذه الفرضية فأن الجمال الأفغاني جدير في أن يغرق العالم بأسره بالحب والحروب.
ولعل الحرب الأمريكية ضد أفغانستان والغرباء فيها قد خلفت وستخلف ورائها المزيد من الغموض والفوضى فيما يتعلق بمصير آلاف العائلات : النساء والأطفال ، التي غاب عنهم فجأة صاحب الدار.
القوّامون عليهنّ
والملاحظ أن الأفغان يفضلون الارتباط بأفغانيات ، ولا يلعب انتمائهن العرقي دورا كبيرا سوى في مباحثات المهر. وحتى المهر لا يرتبط بشكل أساسي بوضع العائلة ومركزها الاجتماعي ، قدر تعلقه بالعروس نفسها ، وتحديدا بجمالها. أما المشاكل المتعلقة بالفوارق الطبقية المعروفة ، فتكاد تختفي مع اختفاء الطبقات في أفغانستان.
أما الأفغانية فلا يفرق عندها الأمر عندما تكون لا مبالية. ولو تجيبك بصراحة وحرص فتجدها تفضل الأجنبي. ويمكن فهم ذلك على أساس رغبتها في التحليق بعيدا عن الطيش والجروح والقمع الذي رأته من رجال بلادها وكل ما يحيط بها من القوّامين عليها !

اقتناص الجمال
لا يستطيع حتى محترف وضع خطة بعينها لعمل تقرير صحافي عن الجمال. فهذا النوع من الموضوعات تصب فيها عصارة الموروث من الخبرة والمكر والقدرة على فك الأغلال. لذلك فهو الأصعب في بلد حكم دستوره إخفاء معالم الجمال. فما العمل ؟
لم نترك الأمور على عواهنها لنرثي عجز العدسة. ولابد من التأكيد بأن الصور التي تظهر في هذا التقرير لم تأت بالصدفة ، بل تدخل في تحميضها ثلاثة وزراء على الأقل ! وللإيجاز فأن طريقة البحث حتى للمحققين البوليسيين تبدأ في الإجابة عن الأسئلة المعروفة : الباعث ، المستفيد ، الدليل المادي.
ولكي ترفع النقاب عن الجمال لابد من العثور عليهن أولا. وثانيا ، يجب أن تعرف بأنهن في هذه الأماكن يرفعن النقاب بلا حياء وبشكل رسمي. وثالثا ، أنهن يمتلكن هذا القدر أو ذاك من الجمال.
وكان لتتبع هذه الآثار فائدة اندهش لنتيجتها أكثر الزملاء نشاطا ولا نعتقد بأن من عمل هنا خرج بمئات الصور الخالية من النقاب كما تسنى لنا. وكان ذلك بفضل تقفي أثرهن بلا هوادة أينما وجدن : لا يمكن أن تقيس قلادة الذهب أو قرط ما دون رفع النقاب ، لا يستطيع الطبيب الكشف عليها بالنقاب ، لا تتلقى المحاضرة داخل غرفة الدرس بالنقاب وغيرها من الفرص.
بعضهن وخاصة عندما يكون الأستاذ امرأة وفي لحظة اقتحامنا لقاعة المحاضرة يرتدين النقاب على عجل. وكانت جملة واحدة ننطقها كافية لأن يرفعنه من جديد : لو كنتم أنتم مثقفات البلاد تفعلن هذا الشيء وفي هذا المكان فكيف حال النساء في القرى والجبال ؟
ليس استفزازا ولو بدا كذلك ، بل دفعة متعمدة لتبسيط ما ترسب في أعماقهن. ومع ذلك لم يأت كل شيء بالصدفة فقد كنا نستند الى تصريح خطي من وزيرة الصحة ووزير المعارف ووزير التعليم العالي للدخول والعمل بحرية في حوزتهن. أما عمليات الصيد في الشوارع والأسواق فذلك من فضل المثابرة.
مكرهون حقا
وما أن يتآلفن معك ، حتى تبدو الأشياء وقد سحبت منها كل اللعنات. وبعد ثوان تشعر بأنهن مكرهات فعلا على التغليف والتعليب المفروض عليهن. تتقافز وجوههن بفرح وتطل أعناقهن ملاقيات الهواء وبأنفاسهن الناعمات تسطع بهجة الحياة. والجمال واثق من وجوده ، مقدد ، يلحّ بانبساط. ومع انتهاء الثواني الأولى وانتهاء مهلة التعرف ، تعرض فسحة التفاهم وتنبسط آفاق الود بين عيونهن والعدسة. حسم الأمر وبان جوهر الجمال بإرادتهن وكأنها محاولة لإزاحته عن كاهلهن. يظهرنه من ثناياه بتكامله الذي لا يشبع : في الهزيع الأخير من المرارة وآهات منتصف الليل ، في حيل الزمان وقراراته الزائفة لأن تذعن حركة الأمواج لمشيئته ، في الأنس المارق والوحدة القصية.
احتفال أخير بالجمال
أسقطنا حملهن ولو للحظات ، تلك التي يعود فيها البصر بعد نفثه بدخان لانهائي. ليخرجن من الغلاف محمومات الرغبة وكأنهن اكتسين لأول مرة سر الضوء وأسم الوردة. قسمات ورموز نافرة ، مسرة قلع الحائط الزائد والجدار الرابع نحو الشاطئ لنثر العناق والأزهار والبراعم على أجنحة الجمال.