السبت، 12 يوليو 2008

حوار مفتوح مع مواطنين شيشان


توضح الصور الخرائب التي حلت في المدن الشيشانية . ثمة بيوت دمرت كليا والقسم الآخر لم يعد صالح للسكن. وعموما فأن البيوت المهجورة أكثر من المأهولة بكثير. والسكان يستقبلون ضيوفهم بدفء وحب. لا يشعر حتى الروس بحقدهم المميز في عام 1995 عندما شهدت المدينة معارك طاحنة. شاهدنا الناس يحيطون بالعسكريين ويناقشونهم بـ "ديمقراطية" وحتى يرفعون أصواتهم عليهم. ولم نلحظ غطرسة ما في أجوبة الجنرالات ولا استعلاء هناك محاولات استرضاء ممزوجة بكذب محترف.
وقال أحد سكان المدينة بأنه يشعر لأول مرة في السنوات الأخيرة بأنهم " لا يعاملونهم مثل الكلاب " وأن السكان يريدون أن يعيشوا كالبشر في الكرة الأرضية مع الغاز والكهرباء والماء والغذاء وبلا دماء.
مع الحاكم العسكري
واشتركنا في حوار ضم " الحاكم العسكري " للمدينة مع المواطنين. كان الجنرال يسمع في بداية الأمر مطالبهم بهدوء . وهذه المطالب انحصرت في توفير مستلزمات الحياة الأساسية لهم طالما لعبوا الدور الأساسي في فتح المدينة وحقن دماء الجانبين. ولم يجد القائد العسكري الروسي أمامه سوى تكرار وعود السياسيين . وعندما اشتد الضغط عليه انفجر بالقول : ماذا عمل لكم مسخادوف وبساييف طوال السنين الماضية ؟ هل تريدوننا تحقيق كل هذه الأمور بأسابيع قليلة ؟
إدارة المدينة
ولم تعجب الشيشان وخاصة الشباب طريقة اختيار إدارة المديـنة وأثرنا مسألة تكرار سيطرة مراكز القوى على المدينة وعبر عن وجهة نظر الناس الذين لم يشعروا بتغيير فقد تم استبدال مسلحين ضد موسكو بآخرين موالين لها في الوقت الحاضر الأمر الذي قد يترك المدينة دائما تحت برميل البارود. فما أن يشعر هؤلاء بتضارب مصالحهم مع السكان أو موسكو حتى يشهروا السلاح مجددا ويعلنوا العصيان. لذلك ستضطر موسكو دائما لإرضائهم على حساب الأموال المخصصة لدعم الضمان الاجتماعي والصحي.
واتفق جميع المشاركون في هذا الحوار على أن المسلحين يتكلمون دائما من خلال فوهات بنادقهم بغض النظر عن توجهاتهم الدينية أو السياسية أو مصالحهم البراغماتية. وسيبقون في واد والشعب في واد آخر ولا توجد ضمانة من تكرار أعمال المسلحين السابقين في فرض السطوة والأتاوه والرأي وممارسة الطغيان بكل أنواعه على الناس المسالمين والمتعلمين والمتنورين.
محررون ومحتلون
أن الأسلوب الذي تتبعه القيادة العسكرية الروسية في الأراضي التي فرضت السيطرة عليها هو أسلوب احتلالي بما فيه سياسة " فرق تسد " واللعب على التناقضات الدينية والعرقية والعشائرية - المحلية واستخدام مستلزمات هي أبسط حقوق الإنسان مثل الكهرباء والغاز والماء كورقة رابحة للمساومة ( هذه القضايا تمثل عصب الحياة الأساسي في المناطق الباردة جدا وتكرار الحديث عنها كونها بأهمية الهواء للكائن الحي ). ومن المعروف أن روسيا لو كانت تشعر بأن هؤلاء مواطنيها ( من الدرجة الأولى ) من المعيب عليها مساومة شعبها بكم كيلو واط من الكهرباء وبعض الأمتار المكعبة من الغاز !! ولدى اقترابنا من مزاج المواطنين الشيشان فقد لمسنا صلابة وعزة نفس غير محدودة حتى في اللحظات التي يصرخون بها مطالبين بحقوقهم. ولو استمرت روسيا باستخدام العصا والجزرة والترهيب والترغيب فستصطدم عاجلا أو آجلا بما لا تحمد عقباه حتى من أكثر المسالمين.
طفل رهينة وآخر إرهابي
وتحدث مدير شبكة كهرباء غروزني السابق والذي أعطيت له مهمة الإشراف على عملية تزويد غوديرميس بالغاز بأن أفراد العصابات اختطفوا في مدينة بياتيغورسك أبنه البالغ من العمر 8 سنوات وبقى لديهم رهينة لمدة 8 أشهر الى أن حرره أقربائه باقتحام مخبأ قطاع الطرق وقتلوا منهم 11 شخص. وقال بعصبية : " نريد أن يقضوا عليهم على هذه المرة وهذه أمنية 90 % من سكان الشيشان ".
وقال شاب سمع هذا الحديث بأن القوات الروسية قبضت على صبي عمره 8 سنوات أيضا بدعوى أنه " إرهابي " وتسائل بسخرية : كيف تسنى لصبي بهذا العمر التحول الى إرهابي !
جنة تحت ظلال الحراب
وإذ يعلن معظم سكان المدينة عن ارتياحهم لرحيل المقاتلين فأنهم أكدوا بأنه حتى الحياة في الجنة تحت ظلال الحراب غير مرغوب بها. وعندما أثرنا هذه المسألة في حوارنا مع الحاكم العسكري عقب عليها قائلا بأن المدينة " حررت " منذ فترة ولا يمكن اعتبار ما نراه قاعدة للمستقبل. وأوضح بأنهم قرروا تدريب الشباب الذين تجاوزا سن الجندية وتشكيل وحدات نظامية تابعة للقوات الفيدرالية منهم. لذلك فأن الحراب التي نراها الآن سيحملها أبناء المدينة بدلا من الجنود الروس. ومما لاشك فيه أن عملية التجنيد بما فيها جمع الراغبين في ذلك وتدريبهم وتجهيزهم وإعدادهم بشكل مناسب سيتطلب فترة لا تقل عن 6 أشهر. وإلى أن يحين ذلك الوقت لا يمكن لأحد الآن التكهن بتطور الوعي الاجتماعي الشيشاني إزاء ما يحصل.
البديل
واستمرارا للحوار الذي كان سياسيا في معظمه طرحنا عليهم مسألة البديل كما يرونه. وأشار أغلب الشيشان فوق الثلاثين بأنهم يرون في روسلان حسب اللاتوف خير قائد للشيشان في المرحلة القادمة لما يتمتع به من موهبة وذكاء وإخلاص للشيشان. فيما عبرت الأقلية عن حيرتها في قدرة حسب اللاتوف في لملمة الصف الشيشاني الذي تتعقد تشكيلاته يوما بعد يوم. وأكد بعض الشيوخ بأن كل الحلول التي تطرحها موسكو الآن ستفشل وأن أية عملية استيراد حكومة من الخارج ستجابه بالفشل ، غير أنهم استثنوا حسب اللاتوف من هذه القاعدة وعبروا عن ثقتهم به رغم أخطائه ( دوره في سقوط دوكو زفغاييف رئيس مجلس السوفيت الأعلى الشيشاني والذي أيد الانقلابيين في موسكو الذين قاموا بحركة تمرد في 19 أغسطس 1991 ضد غورباتشوف وتشجيعه دوداييف بالقيام بانقلاب عسكري أطاح بزفغاييف في سبتمبر 1991 وانتزاع تأييد رسمي له من موسكو ومن ثم سحب هذا التأييد وحشد كل قواه لإسقاط دوداييف. وكذلك دوره الكبير في أحداث 3 -4 أكتوبر المأساوية في موسكو والتي فقد على إثرها منصب رئيس مجلس السوفيت الأعلى لروسيا الاتحادية).
ولا يؤيد أحد من الشيشان ما يسمى " حكومة المنفى " التي يترأسها سعيد اللاييف واعتبروا محاولات موسكو بدعم محافظ غروزني السابق بسلان غانتيميروف إعادة لسيناريو سيرغي شاخراي الفاشل في عام 1993 والذي أدى الى كل المصائب التي تشهدها الشيشان. ( كان سيناريو نائب رئيس الحكومة الروسية سيرغي شاخراي وقتذاك يتلخص في ضرب الشيشانيين بعضهم مع البعض الآخر دون تدخل من القوات الروسية ولذلك كانت موسكو تدعم بلا هوادة المعارضة الشيشانية المسلحة التي كان أبرز رموزها : بسلان غانتيميروف وعمر أفتورخانوف وروسلان لابازانوف ووجوه معروفة مثل البروفيسور روسلان حسب اللاتوف والبروفيسور سلام بيك حاجييف وعمر أفتورخانوف الذي كان محافظا لعروس مرتان الخارجة عن سيطرة دوداييف بعشائرها وشعبها ودوكو زفغاييف الذي كان يسيطر تماما على عشائر المناطق الشمالية. غير أن هذا السيناريو مني بفشل ذريع بعد فشل هجوم تشكيلات المعارضة الشيشانية المسلحة على غروزني من أجل إسقاط نظام دوداييف بدعم من القوات الروسية في نوفمبر 1994 ، الأمر الذي أدى الى اتخاذ قرار اجتياح الشيشان من قبل القوات الروسية مباشرة بعد أسابيع في حرب كانت أبرز نتائجها الحرب الحالية ).
صعوبات الحياة
وتحدث الرجال عن الألم الذي يشعرون به نتيجة فقدان فرص العمل وانعدامه عمليا الأمر الذي يعقد حياتهم ويحيلها الى بؤس حقيقي.
وأكدت النسوة بأن الحياة صعبة جدا بدون أية خدمات وموارد مالية وينظرن الى المستقبل بقلق طالما أن الحرب مستمرة ولا يجدون أمامهم خيار سوى تصديق الوعود الروسية والتشبث بها كأمل أخير.
900 غرام طحين عبر التلفزيون
وذكرت ربات البيوت بأنه تم توزيع 900 غرام من الطحين وبعض المعلبات لكل عائلة. وسألتهم : هذه الكمية يومية ؟ وأجابوا بالضحك: لا ، هذا ما أعطونا إياه منذ وصولهم حتى الآن ؟ قلت : كيف ؟ ماذا ستفعل عائلة كاملة بـ 900 غرام من الطحين ؟ فسروا ذلك بأن الأمر كان من متطلبات الدعاية حيث حضر كل مراسلي القنوات الروسية ليصورونا ونحن نستلم هذه المساعدات !!
وأشارت النسوة بأنهم يعانون من انعدام الماء . وتصل شاحنات تحمله لغرض بيعه وفي أحيان كثيرة لا يجدون النقود لشراء الماء الذي تحول الى وسيلة للتجارة.
وعن الأدوية فهي تباع في الشوارع بأسعار غالية حيث لا تعمل مستشفى المدينة منذ زمن طويل. ولهذا السبب هاجر الأطباء المحليين ولا يوجد طبيب واحد في المدينة الآن.
ماجستير بلا عمل
وقالت فتاة شيشانية تقف مع أمها بأنها حاصلة على شهادة الماجستير بالاقتصاد وتحاول جاهدة منذ سنوات البحث عن عمل. وهمهمت بأن البلد الذي يلعب بمقدراته من لم يكملوا حتى المدرسة ولا يوجد فيه اقتصاد لا يحتاج الى ماجستير في الاقتصاد. وأضافت بأنها أخيرا حصلت على عمل بعد أن افتتحوا إدارة المدينة ( المحافظة ) وستلتحق به اعتبار من يوم غد. مشيرة الى أنها ستقطع مسافة كيلومتران مشيا يوميا ذهابا وإيابا ومع ذلك فعلامات السعادة تبدو عليها بعد حصولها على عمل أخيرا رغم أنه إداري بحت ولا يتعلق باختصاصها.
الحكايات الروسية
وكانت طفلة مع أمها تحمل حكايات وقصص باللغة الروسية. وسألت أمها هل تتقن ابنتها اللغة الروسية ؟ أجابت بأنها معلمة وعندما كانت المدارس تعمل كان الأطفال يحبون مادة اللغة الروسية. وفسرت ذلك بأن كل الكتب ومجلات الأطفال وأفلام الصور المتحركة بهذه اللغة. ونادرا ما تجد أحد يتحدث باللغة الشيشانية سوى بعض الشيوخ فيما بينهم.
لماذا لم يرحلوا ؟
ووضحوا أسباب عدم رحيلهم من المدينة وتلخصت في قلة مواردهم المالية ، لأن الوصول الى انغوشيا يتطلب أكثر من ألفي روبل وهذا المبلغ غير متوفر لمعظم من بقى في المدينة. وقال شيوخ بأنهم يشعرون في بيوتهم كسلاطين ويرفضوا مهانة اللجوء حتى لو ماتوا في دورهم. فيما قالت بعض النسوة بأن لديهن أطفال كثيرين ورضع ولا يتحملوا الرحلة الى المجهول. كما توجد أسر فيها رجال ونساء طاعنين في السن لا يقوون على مشاق الطريق ومن المستحيل تركهم لوحدهم.
علقوا أبنه
وقال أحد الشيوخ بأن المسلحين قتلوا أبنه وعلقوه بجسر المدينة لأنه رفض الانخراط بهم ودعاهم الى مغادرة المدينة وعرض علينا الصحيفة التي اتهموا فيها أبنه بالتخاذل وحكموا عليه بالإعدام الفوري وبشكل وحشي أمام كل الناس ليثيروا رعبهم . وقال بأن أبنه الثاني بطل العالم بالمصارعة وكان مطلوب منهم أيضا لأنه قاد حركة مسلحة ضدهم ولكن مع اشتداد الضغط تمكن من الهرب وهو في باكو الآن.
وأضاف بأن الغرب طامع بثرواتهم أكثر من روسيا ويسعى للسيطرة على القوقاز. وتسائل : ماذا يمكن أن تصنع لنا ألمانيا أو الولايات المتحدة ؟ روسيا جارتنا ولا يستطيع أي منا تغيير خريطته. لذلك يرى أن الضغط على روسيا سيؤدي الى نتائج عكسية على شعوب المنطقة التي لن تر من الغرب غير الكلام الذي يصب لمصلحتها السياسية.وذكر بأنه استقبل حسب اللاتوف شخصيا في بيته في عام 1994 وأعرب له عن ثقته بقيادته. غير أن حسب اللاتوف ، برأيه ، رغم الشعبية الهائلة التي يتمتع بها في الشيشان فضل العيش بهناء في موسكو ولم يتحمل المسؤولية في وقت كانت فيه آمال كبيرة معقودة عليه. وأشار لنا بيده الى الساحة التي نقف فيها قائلا: " أنظر .. لقد امتلأت هذه الساحة عن بكرة أبيها وتسلق الناس الأشجار والبيوت .. لم يبق أحد في غوديرميس ألا وخرج لاستقبال حسب اللاتوف . وقال بمرارة : كيف يسمح لنفسه إضاعة هذه الفرصة ؟. وأردف بحيرة : مسخادوف ضعيف وارتمى بأحضان بساييف وحسب اللاتوف مستكين وسلبي رغم عبقريته وغانتيميروف سارق وقاطع طريق وسلام بيك حاجييف أبعد من أن يكون رجل دولة رغم أنه عالم مرموق وزفغاييف مليء بالعقد وارتمى بأحضان موسكو وأحرق كل الجسور وتحول الى موظف عادي في هياكلها ( الآن سفير روسيا في تنزانيا ). وأطلق حسرة : الله وحده سيحل مشكلة هذه البلاد !
كيف خرج المقاتلون ؟
شرح لنا سكان المدن الشيشانية التي سقطت بيد القوات الروسية عن كيفية خروج المقاتلين من مدينتهم كالتالي : انصرفت الوحدات التي كانت تحت قيادة روسلان غالاييف المتكونة من 600 شخص تقريبا مع 20 مدرعة وانتقلت سيطرة المدينة بشكل عملي الى تشكيلات الشقيقين ياماداييف الذين منحتهم السلطات الروسية الحق في حمل السلاح. وقامت القوات الروسية بعملية تطهير ظاهرية لأغراض دعائية بحتة حيث تم الاتفاق مع المقاتلين وخرجوا حتى بحماية المروحيات الروسية وتحت بصر الجميع وضح النهار.
والأخوين ياماداييف هما أيضا من القادة الميدانيين المعروفين والذين قاتلوا القوات الروسية في الحرب السابقة. لكنهم في الوقت الحاضر في وفاق مع مفتي الشيشان أحمد قادروف لسبب واحد وهو اتفاقهما على معاداة الوهابيين. وتحرس تشكيلات ياماداييف المفتي وتقوم بدوريات في المدينة. وهؤلاء أيضا مسلحون بشكل غير شرعي ولكن طالما موسكو راضية عنهم ومواتيين لها فهم ليسوا برجال عصابات !
وتحالف قادروف والأخوين ياماداييف ، على الأرجح ، وقتي فرضته ظروف الحرب وتعتبرهم موسكو " حصن للنفوذ الروسي ". ويحاولون الآن الحصول على نصيبهم من المساعدات الواردة من روسيا والأموال المخصصة لإعادة البناء. وإذا استقر الوضع لصالح روسيا كليا في الشيشان وظهرت فيها حكومة مدنية فلا يعرف كيف يمكن نزع سلاحهم.
وعينت مالكة حمزييفا وهي مديرة مدرسة سابقة في غوديرميس نفسها محافظة للمدينة بمباركة المفتي والأخوين المسلحين وتقابل المسؤولين الروس القادمين من العاصمة على أساس هذا المنصب. وعينت موسكو أيضا إدارة للمدينة. وثمة اقتراح يحتاج قرار سياسي من الكرملين لتنفيذه وهو اعتبار غوديرميس عاصمة للشيشان كخطوة واضحة لتقسيمها الى جنوبية وشمالية على الطراز الكوري والفيتنامي …الخ.
وأصبح واضحا أن التحالف الحالي في العاصمة المستقبلية للشيشان في حالة عدم سقوط غروزني أو إلغاء اقتحامها مؤسسا على اتفاق المفتي والإدارة المدنية والأخوين. وهؤلاء التقوا لأنهم يتبعون الطريقة القادرية التي يحاربها الوهابيون مثل كافة الطرق الصوفية ( الشيشان مقسمون الى نقشبنديين وقادريين ). وكان أصلان مسخادوف وهو من أتباع القادرية قد أرسل وفدا الى أحد أطراف بغداد وقابل الكردي محمد كسنزاني الحسيني الذي يدعي بأنه زعيم الطريقة القادرية في العالم وكان الوفد برئاسة أحمد حاجييف قاديروف مفتي الشيشان قبل خلعه من قبل جماعة بساييف.
ومن الواضح أن موسكو تلعب على وتر التناقضات الدينية في الشيشان ، إذ أن قادروف ومسخادوف كانا قد أعلنا قبل سنتين بأن حربهما القادمة لن تكون مع الروس ، بل مع الوهابيين. وبعد أن انصاع مسخادوف لتأثيرهم لم تجد موسكو سوى قادروف الذي استقبلته في الأسبوع الماضي بكل حفاوة وقابله فلاديمير بوتين الذي وصف المفتي بالرجل المحترم الذي لم يلطخ يديه بالدماء. وأضاف " لا يمكن وصف قاديروف بأنه شريك ملائم جدا للتباحث فله رأيه في كل مسألة ولكنه يستحق الاحترام ويمكن توليته الثقة ".
والتقينا المفتي أحمد قاديروف قرب حاكمية المدينة ( أصبح فيما بعد رئيسا للشيشان واغتيل في منتصف عام 2004 ) وكان محاطا بغابة من البنادق وتحاورت معه في أمور كثيرة وخاصة عن مستقبل البلاد بعد العملية العسكرية. وكانت آرائه تتفق تماما مع ما ذكره الناس. وأكد بأن الأهالي هم الذين أوفدوه الى موسكو لمناقشة سبل تطوير الأوضاع في غوديرميس. وعبر عن اعتقاده بأن العام الجديد سيشهد تحولات كبيرة على صعيد تطوير الحياة في المدينة وإعادة كل المرافق الاجتماعية التي كانت مغلقة.
ولاحظنا طبيعة العلاقة التي تربط المفتي بالأخوين يامادييف وتركت لدينا انطباع بأنها أبعد من أن تكون علاقة بين مفتي وحراسه الشخصيين. فهم يبدون وكأنهم عصابة مسلحة وشكل المفتي وطريقة حديثه تجعل منصب " المفتي " آخر شيء يمكن أن يصفه به شخص لا يعرفه مسبقا !