الأربعاء، 9 يوليو 2008

الطبيعة قسمت أفغانستان أثنيا أيضا


وضع رئيس الحكومة الأفغانية المؤقتة حامد كرزاي مسألة إنشاء شبكة طرق في البلاد في مقدمة الأولويات أمام حكومته الانتقالية أو أية حكومة قادمة.
ولم يأت اهتمام الحكومة الحالية بتعبيد الطرق الأفغانية من باب الرخاء ، بل فرضته الحالة السياسية والعسكرية والاقتصادية في أفغانستان.
فالكثير من المدن معزولة عن السلطة المركزية بسبب عدم وجود طريق سالكة إليها. وهذا يعني لا سيطرة على المركز عليها لا سياسيا ولا عسكريا. بالإضافة الى ذلك فلا حديث عن تبادل السلع بينها والمدن الأخرى. فهي في النتيجة معزولة عمليا حتى من النواحي الاجتماعية.
وبالإضافة الى العوامل الطبيعية وما فرضته التضاريس الجبلية المعقدة ، ثمة ظاهرة انتشرت خلال حرب المجاهدين مع السوفيت واستمرت لاحقا أثناء الحرب الأهلية ، وهي أن كل تشكيلة مسلحة تؤمن نفسها بتدمير كل الجسور التي تربط الجبال والمؤدية الى المناطق التي تتمركز فيها هذه التشكيلة أو تلك.
لذلك حرص السوفيت أبان وجودهم في البلاد ، على بناء شبكة طرق مواصلات متكاملة ، لا لرغبتهم في تشييد البنية التحتية لهذا البلد ، بل لفرض سيطرتهم العسكرية عليه. وكان ممر سالانغ الاستراتيجي الذي يشق جبال سالانغ وجبل السراج بأكثر من 50 كيلومترا واحد من أهم الطرق الجبلية التي حرصت جميع الأطراف على الحفاظ عليه ، لأن إعادة بنائه مستحيلة عمليا للجهد الفريد الذي بذله " الجيش الأحمر " وآلياته وآلاف البناءين والمهندسين وأشهر طويلة حفروا فيها الصخور الأسطورية.

غير أن الممرات الجبلية التي تحلق آلاف الأقدام عن سطح البحر لا تمثل تهديدا لأمراء الحرب ، مثل الجسور التي تربط سلاسل الجبال المنتشرة ، التي لا يتطلب تدميرها سوى عبوة متفجرة وبضعة دقائق ، بينما يطول بنائها سنوات.
وتستطيع قوة من مجموعة مسلحين إيقاف جيش كامل في حالة تدمير إحدى الجسور لأنها ستكون هدفا سهلا أولا ولأنها تعجز عن الحركة بمعداتها العسكرية ثانيا.
يذكر أن موسكو دفعت بكل ثقلها أيام زحف طالبان نحو الشمال لدعم قوات أحمد شاه مسعود لغرض عدم التفريط بممر سالانغ ، الذي اعتبرته الممر الوحيد الذي سيمهد وصول طالبان الى حدود بلدان آسيا الوسطى المرعوبة حينذاك من زحف الطلاب.

وهكذا فأن حرب الجسور كانت مستمرة بين الجبال والوديان ، الأمر الذي أدى الى خلو أفغانستان الحالية مما يمكن تسميته شبكة مواصلات. فلا رابط يجمع بين الحلفاء ولا ثمة طريق يساعد على مجابهة الأعداء.
لقد قسمت الطبيعة أفغانستان أثنيا هي الأخرى وساعدت التشكيلات الأثنية الطبيعة في تحويلها هذه الروابط المتمثلة بالجسور الى حطام ينتهي به كل منعطف جبلي وفارضة تقسيم البلاد كواقع حال لا مفر منه. ويبدو أن الجميع راض على هذا التقسيم.