الأربعاء، 9 يوليو 2008

في أقفاص طالبان


يحل أسرى طالبان ضيوفا غير دائمين في واحدة من القواعد السوفيتية البرية السابقة بنوها خلال وجودهم في أفغانستان تنتشر على مساحة غير واسعة في إحدى وديان بانشير الآمنة لإحاطتها بموانع طبيعية من سلسلة الجبال الشهيرة التي تحصن فيها الشماليون طوال سنوات العزلة.
ويبدو السبب مواتيا لاختيارها لتتحول الى أكبر سجن للتحالف. وليس من الصعب التكهن بهوية زواره.
قال آمر السجن علي أوغلي بأنه لم يستطع أحد الفرار من هذا المكان. وحتى لو حالفته المنية وفعل ذلك ، فأن قواته التي تحيط بالمكان ستعيده الى " الأقفاص " ، هذا في حالة عدم تحوله هدفا للرهان لقياس أفضل الرماة بين الحراس.
تراوح عدد زوار السجن ، فقبل فترة كان يعج بنحو 5 آلاف طالباني ويضم في لحظة وصولنا أكثر من 400 أسير.
والأسرى أو السجناء يختلفون مع الفصول والذنوب والحروب ، فثمة أسرى الاقتحام الأول أيام عصر طالبان الذهبي وانهيار إمبراطورية المجاهدين ، أسرى التنازلات والصفقات السرية ، أسرى مكافحة الإرهاب والدفاع عن الحريات ، مهربو المخدرات وحفظة الكتب السماوية والدنيوية ، الزناة وقطاع الطرق ؛؛ هنا الحياة لا تتقبلك كفرد واحد : منقسمة على الدوام ، حيث تتأرجح عصا الحراس.
ويردد أوغلي عبارات مسجلة : أطلقنا السابقين بناء على اتفاقيات تبادل الأسرى وأحيانا بدخل مشايخ البلاد. وفي حالات محدودة يتم إطلاق بعض الأسرى بعد التأكد من وقوعهم في قوات طالبان نتيجة ضغوط كبيرة عليهم وبضمان قبائلهم بعدم عودتهم الى صفوف طالبان.
ولا نستطيع أن نمرر هذا الكلام المندى بالشفقة دون التوقف عنده. فالعبارات الأخيرة شفافة للغاية وتحمل وتتحمل الكثير من التأويل ( حالات محدودة .. بعد التأكد .. ضغوط كبيرة .. بضمان ... ) هذه القياسات كلها شخصية وليست قانونية ، حيث لا قضاء ولا محاكم ولا حكومة وباختصار الأرض تحكم نفسها بنفسها ، حيث لا دولة ولا شرائع ولا تشريع ، فمن يحدد أفعال العلة وأفعال الخيانة ؟ هل من المجدي البحث عن كرة الزئبق في أرض الشقاء هذه ؟ الحقيقة التي يسطرها من يريد بأسطر منسقة. ولكي ندخل بالموضوع بدون تأجيل لابد من ذكر التالي : هنا أقفاص للضائعين والمقطوعين وللمعزولين وللذين لم يجدوا من يدفع ثمن حريتهم. وهذا الكلام مستند على ما دونته في مفكرتي اللعينة من أفواههم.
هنا نخاسة الرجال الذين هوت مطرقة الحرب عليهم ؟
هل يجدر بي أن أصدق كلمات الشفقة بعد أن هجرت عدة مكتبات وغابات من الأصدقاء ، الى هذه الخلوة الموحشة حيث المواطن يتحدث بلهجة المستعمر والجاني والمجني عليه لا يبعثون في النفس الأمل ، بل المرارة والنفور.
ولهذا ليس من المستغرب تقسيم السجن الى ثلاثة نجوم :
النجمة الأولى تضم أيدلوجيو طالبان والدعاة والمؤمنون أفضل من غيرهم باليوم الآخر.
النجمة الثانية ، فيها أنصار الحركة والذين يقاتلون معها بقناعة.
والثالثة فيها المجبرون على الانخراط تحت لوائها.
ويعيد أوغلي الكلام المسجل : هذا التقسيم يتم بعد إجراء تحقيقات شاملة ومفصلة مع كل شخص منهم بدعم معلوماتي كاف من مصادر مختلفة.
وتفصل هذه الأقسام جدران من الطين ويفضل القائمون على إدارة السجن عدم اختلاط بعضهم مع البعض الآخر.
ويحتوي كل قسم على خمسة أقفاص ، مساحة كل منها نحو 100 متر مربع. وفي حالة ازدياد عدد الأسرى هناك بعض القاعات الكبيرة تنتظر الزوار الجدد في غضون المعارك الحالية.
يتناول الأسرى بانتظام ثلاث وجبات يومية ويسمح لهم بالتجول في باحة المعسكر ، كما أنهم يؤدون صلاة الجماعة وفي الأوقات الخمسة في الباحة أيضا.
والمفارقة ، أن القسم الخاص بـ " المفكرين " هو الأكثر ترتيبا وتنظيما ويمكن اعتباره قفص 5 نجوم. لا يوجد أثاث تقليدي ، فالجميع يفضلون جلسة الأرض. لكن من الواضح أن السجاد المفروش على الأرض والمعلق على الجدران والوسائد الشرقية توحي بأن ضعهم أفضل بكثير من " قسم المجبورين ".
ويبدو أن وضعهم القيادي يحافظون عليه حتى في الأسر. فهؤلاء يهتمون بهندامهم ويتمتعون بحظوة واحترام من قبل حراسهم.
قال عبد الله أسد بأنه قبل مجيء طالبان كان يدرّس الشريعة في واحدة من مدارس كابول ، ولم يجد صعوبة في اعتناق أفكار طالبان التي يعدها تصحيح للسابقين واللاحقين.
وآخر كان يسكن مزار شريف ، يرى بأن دوستم سيعيد " الفجور والكحول " الى مدينته.
ولاحظنا أن قسم " المفكرين " يؤيدون موقف طالبان بعدم تسليم أسامة بن لادن وأعربوا عن ابتهاجهم للصاعقة التي تعرضت لها الولايات المتحدة على حد وصفهم.
وخلافا للطالبانيون الأقحاح ، ينشغل المجبورون بتأدية نشاطات أكثر إنسانية من الثرثرة : يعتنون بزهور المعسكر ، يطبخون ، ينظفون السجاد والملاءات ، حتى عثر من بينهم على الخياط الوحيد الذي يتولى مهمة خياط الأسرى.