السبت، 12 يوليو 2008

الأموال تعطى للشيشان بالأكياس

بعد القرار الروسي بإشراف الكرملين المباشر على إدارة جمهورية الشيشان التقى الرئيس فلاديمير بوتين بأعضاء الحكومة لمناقشة الإجراءات الخاصة بإعادة تعمير الشيشان. ووصف بوتين الحالة في الجمهورية قائلا بأنه : " تم القضاء نهائيا على قطاع الطرق ولا توجد لديهم أية سلطة هناك ". وأضاف بأنه " لا يوجد أمامنا الآن سوى منح الإنسان إمكانية العيش بشكل طبيعي " و " من الضروري لتحقيق ذلك إعادة بناء مؤسسات الوقود والطاقة والصحة والتعليم " مشيرا الى أن " هذه الأعمال ينبغي أن تكون شفافة ".
وحالا ، أظهرت الحكومة " شفافيتها " بإخراج الصحافيين وراء أبواب القاعة التي عقد فيها هذا الاجتماع الذي اشترك فيه كل أعضاء الحكومة تقريبا والذي اعتبر مغلقا بسبب غياب وسائل الإعلام.
وبدلا من المؤتمر الصحفي التقليدي الذي يعقد بعد اجتماعات الحكومة عادة ، اقتصر اللقاء مع ممثلي الإعلام ببضعة كلمات لممثل الحكومة في الشيشان نيكولاي كوشمان أجاب فيها على أسئلة الصحافيين في إحدى الأروقة.
وتبين من هذه الأجوبة أنهم خصصوا قرابة 5 , 7 بليون روبل من الميزانية الفيدرالية لإعادة تعمير الشيشان حتى نهاية العام الجاري. ولم يوضحوا فيما إذا كان الأمر بحاجة الى هذا المبلغ ( حوالي ربع بليون دولار ) بالفعل خاصة وأن برنامج إعادة الأعمار غير معد للان ؛ وكيف استطاعوا تحديد المبلغ بدون إكمال البرنامج ! ويبدو أن هذا السؤال لا يحير أحد في الحكومة. وسيحصل أنهم سيخترعون أهدافا لإنفاق هذا المبلغ. وحسب معلومات صحافية سيتم تمويل إنشاء محطات الاتصالات الهاتفية الفضائية وتطوير الرياضة في الجمهورية المحتاجة الى رغيف الخبز !!
وأكد كوشمان بأنه تم إنفاق 680 مليون روبل لإعادة أعمار الجمهورية وستقوم إدارة الرقابة في وزارة المالية في عمليات التفتيش والمراقبة على سير العملية بالتعاون مع دائرة الأمن وهياكل وزارة الداخلية المحليتين. وفي غضون ذلك لا يستبعد تكرار الحالة التي حصلت بين عامي 1995 - 1996 عندما كان الشيشان الموالون للمركز الفيدرالي " يتغذون " جيدا من أموال الميزانية المخصصة لبناء البنية التحتية لوطنهم. وكيف كانت اللجان الحكومية تزور " المنشآت المعمرة " التي فجرتها العصابات قبل دقائق من وصول اللجان من موسكو !! والسيناريو مرعب ومعروف : لكي "تشطب" الاختلاسات سيحتاج الأمر الى حرب جديدة ولو بعد سنتين. وحسب مختلف التقديرات بما فيها تقديرات غرفة المراقبة التابعة لوزارة المالية سرقت في " حقبة إعادة التعمير " السابقة 7 بلايين روبل وفتحت المئات من القضايا الجنائية التي لم تغلق أكثريتها حتى الآن ، ويبدو أن هذا أيضا لا يحير الحكومة.
وتلعب الحاكمية الروسية بشخص نيكولاي كوشمان دور صاحب الطلب والمنسق لكافة الأعمال في الوقت الحاضر. وقال كوشمان بأنه " تقدم باقتراح لإنشاء مصلحة خاصة لتنظيم عملية إعادة البناء تشرف بنفسها على المراقبة أيضا ". وهذا يعني إنشاء حلقة بيروقراطية جديدة سينفقون عليها أكثر مما ينفقوا على إعادة الأعمار. ومن غير المعروف كيف سيتم توزيع الأموال " تقنيا " ، وثمة أمر واحد معروف فقط وهو أن كل شيء يسير على هدى حملة الأعمار السابقة.
وعلم أن تحويلات وزارة المالية ستقع في خزينة جمهورية أوسيتيا الشمالية في موزدوك وسترد النقود على حساب مديرية إعادة التعمير للحاكمية الروسية وستذهب من هناك الى رؤساء الإدارات المحلية للشيشان والقومندانات الروس. ولكن ما الذي تغير في آلية إيصال الأموال للشيشان ؟ ستصل الى موزدوك وستنقل بأسلوب الأجداد بواسطة الأكياس الى الجهات المذكورة. وتعليقا على ذلك يقول كوشمان :
" سيدون كل شيء في الدفاتر وسنسجل كل ما سيتم بنائه ".
وعند الأخذ بنظر الاعتبار عدم معرفة أية جهة عدد سكان الشيشان ولا حتى بشكل تقريبي لا يمكن العثور على حسبة صحيحة في الدفاتر. وما سيحصل هو أضعاف عدد القضايا الجنائية التي ظهرت في داغستان بعد محاولة موسكو تعويض المتضررين من هجوم التشكيلات الشيشانية السيء الصيت والتفجيرات التي أعقبته. وسيزيدون أسعار إعادة بناء المنشآت 3 - 4 مرات على أقل تقدير.
وفي هذا الصدد قالت نائبة رئيس البنك المركزي الروسي تاتيانا تشوغونوفا أن " شبكة بنوك الميدان ستفتتح قريبا في الشيشان ". وهذه البنوك ستكون مقارها الحاويات المنقولة بواسطة الشاحنات الكبيرة. وبذلك ستظهر لأول مرة في التاريخ " البنوك ذات العجلات " أو " البنوك المحمولة " أو " البنوك المتنقلة "! وستسيل الأموال المخصصة من البنك المركزي الى الجيوب المشرفة على البنوك المحمولة وسيتساءل بعدها كل المسؤولين الروس عن مصيرها ابتداء من نائب رئيس اللجنة الحكومية للإنشاءات البيرت مارشيف وانتهاء بالرئيس فلاديمير بوتين.
وبنوك الميدان هي فروع البنك المركزي التي ترابط حيث يوجد الجيش الروسي وتوجد أحيانا خارج روسيا ؛ منها في منطقة بايكونور الكازاخية وسيفاستوبل الأوكرانية. وتعتبر العمليات الجارية فيها من أسرار الدولة. وعندما تصل فضائحها الى النيابة العامة لا تعد أسرار دولة ، ولكن تاتيانا تشوغونوفا تصفها بأنها " تتحلى بالانضباط العسكري ". ومع ذلك فأن هذا الانضباط العسكري لم يمنع من توجيه الأموال التي بحوزتها لتشكيل الرأسمال الأولي لعشرات البنوك الروسية. ومن المستحيل التأكد من ذلك لعدم وجود مراقبة مدنية على هذه البنوك المتحلية بالانضباط العسكري والتي تحمل أسرار الدولة العليا !
ويحصل المخطط الشيق عندما تحصل الاختلاسات غير المباشرة لأموال إعادة التعمير بعد أن تدون في " دفاتر كوشمان " معطيات لا يعثر عليها على الأرض كون الأموال خصصت لمهام حكومية سرية. وهذا ما اشتهر بتسمية صحافية " شراء الجو ".
وبعد اجتماع الحكومة الروسية المذكور أعلاه قال رئيس لجنة الإنشاءات البيرت مارشيف الذي اشتغل بخرابات غروزني بعد الحرب الشيشانية الأولى أيضا بأن العاصمة الشيشانية لوحدها ستكلف الخزينة الفيدرالية نصف بليون روبل.
وأدلى سيرغي ستيباشين رئيس الوزراء السابق والذي عينوه قبل أسابيع بمنصب رئيس غرفة المراقبة والتفتيش برأيه بصدد الأموال المخصصة لإعادة أعمار الشيشان بقوله أن الأموال ستنفق بمتابعة شخصية من الرئيس فلاديمير بوتين وأنهم ينوون إجراء مراجعة كل شهرين أو ثلاثة أشهر لذلك برأيه " لا يستطيع أحد شراء الجو في الشيشان بعد الآن ".ولكن لا يمكن لمراقب واحد تصديق هذا التصريح لأن وزارة الدفاع غير مستعدة لكشف " دفاترها " أمام موظفي غرفة المراقبة والتفتيش لأن الحديث عندها سيدور حول أمن البلاد وأسرار الوزارة !
وثمة أمر آخر لا يوضحه ظهور " البنوك ذات العجلات " وهو الزعيم الشيشاني الذي ستتعامل معه موسكو والذي سيشرف على الإدارات المحلية. علما أن نائب رئيس الحاكمية الروسية في الشيشان بيسلان غانتميروف كان قد أخرج من السجن بعد الحملة العسكرية الأولى ضد وطنه بعد إدانته باختلاس أموال إعادة الأعمار عندما كان محافظا لغروزني. والمباحثات مع الرئيس أصلان مسخادوف تملأ أعمدة الصحف فقط بدون أي تقدم حقيقي. يحدث ذلك في ظل انعدام وجود أية إدارة مالية في الجمهورية المدمرة.