السبت، 12 يوليو 2008

من يسيطر على غروزني ؟


أدناه معلومات مؤسسة على أحاديث لشهود عيان معنا والذين كانوا يشغلون في غروزني ولمدة طويلة مناصب قيادية في الهياكل العسكرية أو الإدارية على السواء

ولابد من التنويه الى أنه من الصعب على المواطن الروسي العادي ، ناهيك عن المواطن العالمي وبسبب نقص المعلومات تصور تفاصيل الوضع في العاصمة الشيشانية. وبداية يجدر القول أيضا أن المدينة تعرضت خلال حربين واجهتهما لوحدها في غضون خمس سنوات الى تدمير شديد وشديد للغاية وسط المدينة وأحيائها الصناعية ودمرت بالكامل كل المعدات المتعلقة بالطاقة الكهربائية والغاز والنفط ، ويعاني السكان من صعوبة بالغة من أجل قطرة ماء. وباختصار لا تعمل في غروزني منشأة صالحة واحدة. هناك مثلا معمل " المطرقة الحمراء " ( ! ) المنشغل بصناعة أمور تافهة كإنتاج إكسسوارات المنازل ( غير الموجودة أصلا ) ، في حين كان ينتج قبل الحرب كل المواد الإنشائية الخاصة بالبيوت. أما فاعلية مؤسسة الكهرباء " غروز إنيرغو " فما زالت محدودة بالرغم من محاولات إنعاشها من المركز الفيدرالي. ويبدو أن الشيشانيين هذه الأيام يخبزون فقط ، لأن كل المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية تصلهم من الخارج.
القوات الروسية
القوات الروسية في غروزني كافية جدا ، بل أكثر من الحاجة. يبلغ تعداد القوات التابعة لوزارة الداخلية نحو 3 آلاف شخص بالإضافة الى 3 آلاف آخرين من الميليشيات الخاصة وقرابة ألفا شخص من قوات المشاة المدرع. وبدون حساب ففي المدينة قوات كثيرة ومتنوعة موجهة أساسا لصد أي محاولة لـ " تحرير " المدينة كما حصل في 5 أغسطس 1996. غير أن مهمات هذه القوات الآن محصورة في الدفاع عن نفسها وتأمين قوتها اليومي.
وخصصت كافة طرق المدينة لمختلف هياكل القوة التي أخذت على عاتقها مسؤولية أمنها. فمثلا تشرف قوات الداخلية على 62 كلم من الطرق والميليشيات 30 كلم تقريبا وسلاح المهندسين 40 كلم. والوحدات الأخيرة تفحص يوميا كل الطرق لتأمينها من الألغام أو العبوات المتفجرة عن بعد وغيرها ، أي أنها تفحص يوميا 120 - 140 كلم من الطرق.
غير أن نشاط جنود الهندسة لا يعطي نتائج عملية في الغالب ، فبعد انتهاء الفحص اليومي تبدأ السيارات بالانفجار وتمزق معها أشلاء الناس والمدرعات ، فالشيشانيون تعلموا بمهارة العمل في مدينتهم وأتقنوا ببراعة طرق زرع العبوات المتفجرة المدارة بالريمونت كونترول ويفجروها متى شاءوا.
تدمير السوق
كان تدمير السوق المركزي في غروزني آخر عملية يقوم بها العسكريون الروس ووصفوها بالبديعة ! لكن حتى الذين دمروا السوق بأيديهم لم يدركوا أهميتها أو حساسية سوق المدينة الجيواستراتيجية. ومع ذلك تصر القيادة الأمنية على أن السوق كان مصدرا لقتل العسكريين وترويج المخدرات والأسلحة ، لذلك جلبوا أفضل الضباط لتنفيذ " تصفية " السوق وشاركت في هذه العملية كتيبتا استطلاع وفوجين للمشاة المدرع ولواء مظلي ووحدة هندسة وقرابة ألفا شخص من ميليشيا الداخلية واستخدمت لنقل كل هذه القوة الجرارة عشرات الدبابات وناقلات الأشخاص المدرعة وشاحنات نقل الأفراد.
لقد خربوا ودمروا السوق والبنايات المحيطة به ، ومع ذلك أعاد السكان السوق المسكين بعد عدة أيام من مغادرة القوات ، وكانت النتيجة واحدة كالعادة : تغذية حقد الناس بكل وسيلة !
باسبورات
وزعت القوات الروسية باسبورات على السكان بكرم ، حتى اكتشفوا بعد الحساب النهائي أنهم منحوا كل شخص باسبورتين ! ونتيجة إدخال نظام الباسبورتات يتحرك الجميع بحرية في المدينة حاليا. وتجدر الإشارة الى واقعة احتراف الشيشانيين بتزوير الوثائق ووصل عدد الوثائق في غروزني الى 40 نوعا.
حراسة وتمشيط
كان لاستخدام نظام الباسبورتات أثره السلبي على عمل نقاط الحراسة ومراكز السيطرة ، بحيث يستطيع أي مقاتل اجتياز هذه المواقع بعد إبراز أي وثيقة لازمة يستحيل معرفة حقيقتها بالعين المجردة ، حتى أن بعض المقاتلين يمرون على نقاط السيطرة بأسلحتهم حاملين وثائق حيازتها وكل ما يثبت بأنه مواطنا صالحا مطيعا للدستور الروسي. وبعد مائة متر من الموقع يحمى الوطيس.
وعمليات التمشيط غير مجدية أيضا ، فمثلا تجري عملية تمشيط حي ما في المدينة ، وتخصص كالعادة قوات كبيرة لذلك ، ومن الفجر تسمع المئات من محركات الشاحنات والمدرعات العتيقة وهي تزمزم وما أن يحتل أفراد المشاة وضع الانطلاق لا يمكنهم العثور على أحد يشتبه في توقيفه.
وفي هذا الشأن ، يجدر الاعتراف بأن المناورات والحركات الجميلة التي تصاحب عملية التمشيط تصلح لتصوير فيلم سينمائي أو دراسي ، لكن النتيجة واحدة : تقترب الآليات المدرعة وسيارات حملة البنادق بسرعة ويتم تطويق القرية أو الحي وبعد التمشيط لن يعثروا إلا على عجائز يحملون وثائق تثبت أنهم يعيشون في غروزني منذ عام 1957 ( بعد عودتهم من المنافي الستالينية ) ولم يغادروها أبدا !
باختصار ، هذه العمليات الكبرى لا تمنح القوات الروسية سوى الضجة ومتعة التبختر ، أما العمليات الصغيرة المستندة على معطيات أمنية مؤكدة قد تكون فعالة. غير أن الكثير من الهياكل تنشغل في آن واحد بها ولا تحيط علما بعضها البعض ، الأمر الذي يؤدي الى الإرباك المعروف في مثل هذه المواقف ومن أمثلته : تقبض قوات مكافحة الجريمة الاقتصادية من هو مطلوب لقوات مكافحة الإرهاب وبالعكس وتوقف المخابرات من سرق دجاجات سائبة ويقبض أفراد جهاز الأمن الفيدرالي على مروج للإشاعات وفي حالات كثيرة وبدم بارد يطلق أفراد الأجهزة الروسية المختلفة النار على بعضها البعض عند وصولهم في آن واحد لوكر لم يتفق عليه ، وهكذا تنشأ أحقاد ثأر تربى عليها من أقام في الشيشان أكثر من أربعين يوما.
وهناك عامل الوقت ، فجميع ممثلي القوات الروسية يقومون بمأمورية ما لفترة قصيرة جدا للعودة الى حياتهم الطبيعية ، ولا يهتمون بالمآثر الحربية وعزة روسيا ومجدها ولا يرغب أحد في أخذ مسؤولية على عاتقه أكثر مما يجب ولا يهمهم إذاعة صيتهم في وسائل الإعلام التي تصفهم بـ " مبيدات الشعب الشيشاني ".
الأجر الشيشاني
منظر السكان الشيشان الآن مطيع ، لكن في المدينة يوجد على الأقل ودائما من 3 - 5 آلاف مقاتل مزودون بالبنادق الآلية والرشاشات والرمانات وهم على استعداد وتوثب دائم للرمي. وهذا العدد يمكن أن يزيد ليصل الى 10 آلاف أحيانا ، لهذا السبب لم يمر يوم دون أن يطلق النار على ضابط أو جندي أو يصادف لغما أو عبوة متفجرة.
ليس في غروزني الآن مصدر للرزق أو أجر علني معين ويكسب الكبار والصغار بطريقة أو بأخرى من الحرب. فمثلا ، الصبيان بعمر 8 - 12 يكسبون أجرهم ككشافين ، ويتقاضون 15 - 20 دولار مقابل كشف كل هدف ودل المنفذين لتدميره. والأشخاص من عمر 18 فما فوق يقاتلون القوات الروسية ويختفون في الخرائب الكثيرة ومكامن المرابطة المجهزة منذ مطلع التسعينات. إلى ذلك يغير الرماة هذه الأماكن باستمرار ، ولم يتسن للقوات الروسية اكتشاف هذه المواقع بالرغم من تفجيرها الكثير من خطوط المواصلات التحت أرضية.
وهكذا كلما ازدادت القوات الروسية في غروزني يسهل مهمتها رصدها من الكشافين الشيشان.
ووضع الشيشان منظومة للحافز الاقتصادي لمن يميل الى هذا الجانب أكثر من ميله للواجب الوطني ، فمقابل كل قتيل أو أسير من القوات الروسية هناك تسعيرة حددها الرئيس أصلان مسخادوف بنفسه : من وكم يساوي ضحية القوات الروسية وبكافة الرتب العسكرية من الجندي حتى الجنرال فمثلا : يساوي الجندي 15 خروفا وجندي الداخلية 20 خروفا ، والمميز أن السعر يتم قياسه بالخراف من الجندي حتى العقيد وعندما يصل الأمر الى الجنرالات تحدد التسعيرة بالثيران وقد يصل سعر الجنرال الى 40 ثورا أو أكثر. وثمة في الشيشان تسعيرات روسية وخاصة ما يتعلق بفدية الأقارب الواقعين في الأسر ويلعب عمر السجين دورا هاما بالسعر ويحددونه بكل ما تحمله الحرب من وقاحة : لغاية 20 سنة ، حتى 40 سنة ، أكبر من 40 ،،،
الليل في غروزني
ما أن تظلم الدنيا في غروزني تقفل كافة مراكز ونقاط الحراسة وتتربس أبواب الوحدات العسكرية ويحل وقت نظام منع التجول والرماية المشوشة التي تهدأ تارة وتحتدم تارة أخرى حتى الفجر. وهناك انطباع بأن القوات الروسية وحدها تمتنع عن التجول ! فالشيشانيون لا يلتزمون بهذا النظام ولا تنقطع حركة سياراتهم. وتهاجم مقار الوحدات الروسية كل 10 - 15 دقيقة ، هكذا تكون معمعة حياة الليل الشيشانية حيث تزينها الى جانب الدماء المقاهي الليلية وصالات البليارد وحمامات الساونا !! وبعبارة قد توصف كل شيء : الليل للشيشان والنهار للروس. يرقص الشيشان ويطربوا على صوت الكناري ، بينما تبدأ حياة الروس مع صوت البلبل.
ليس هناك مثالا واحدا على قيام القوات الروسية بعملية في الليل وفقا لقوانين الحرب ، إذ يستحيل عليها القيام بعمليات التفتيش أو المداهمة وبالأخص في الخرائب آخذين في الاعتبار تجهيزاتها المادية والتقنية ، وليس عمليا تنظيم دورية حيث لا يضمن أحد عودتها الى وحدتها.
ما العمل ؟
لا يريد أحد تحمل المسؤولية لا بين صفوف العسكريين ولا في وزارة الداخلية أو جهاز الأمن الفيدرالي والهياكل الأخرى. ليس ثمة برنامج عمل واضح ودقيق ومفهوم للجميع ، ولا يوجد مثل هذا البرنامج لدى قيادة الجمهورية أيضا وإن تكلموا عنه كثيرا وخاصة محافظ غروزني بيسلان غانتيميروف الذي استقال من منصبه أكثر من 10 مرات منذ عهد الجنرال جوهر دوداييف وحتى الآن ويحلو له ترديد عبارات عن رغبته في بناء " مدينة الشمس " وعبارات عن عودة التضامن واتهامات السلطات الفيدرالية بعدم إعطائها الأموال اللازمة لأعمار المدينة.
وبالمناسبة ، لا يسكن أي من قادة الإدارات الشيشانية غروزني ، فهؤلاء يرون نادرا في النهار ويبيتون في أوكارهم الموروثة بعيدا عن المدينة بحراسة جرارة. وبدون مبالغة فأن كل غروزني مضاءة بواسطة مصباح واحد يقع في بوابة مؤسسة الكهرباء.