الجمعة، 29 فبراير 2008

حصباء الإنترنت


المنامة - د.جمال حسين علي:


التفكير والرأي اذا حوصرا فسيجدان لانهاية من الاساليب والطرق من اجل الظهور، فلا يمكن لاحد مهما كانت قدرته منع البشر من التفكير، وان اختلفت محاولات التعبير عن هذا الفكر، فحتى المبعثرة منها تلتئم ما ان تقترب منها النار، تحوط لابد منه لاستمرار البقاء. ومسالة الصحافة الالكترونية في البحرين والمدونات الخاصة والمواقع الشخصية منها والحزبية، وتلك التي تمثل الجمعيات السياسية واغلبها مرخص له بالعمل ولديه مقرات مدفوعة الايجار، تشغل الاوساط السياسية والثقافية والاعلامية والاجتماعية والمهتمين بحقوق الانسان في البحرين، واخذت من وقتهم واعصابهم ومناقشاتهم الكثير، حتى باتت 'قضية' مبتكرها لا يقوى على الخروج منها. المجموعات الالكترونية الرائدةالجمهور البحريني يمتلك شغفا طاغيا بالسياسة ويهتم بالشؤون العامة، ومولع بالتعبير عن رأيه، وعلى هذا الاساس لا يكتفي البحريني في تنظيم موقعه الشخصي او مدونته فحسب، بل ينشط في الاشتراك مع مجموعات الكترونية تناقش لساعات يوميا عبر 'الشات' الشؤون والشجون الداخلية، ثقافية كانت ام سياسية ورياضية منها وشخصية. مثل هذه المجموعات الالكترونية لابد من ذكر : - 'اوال' - وضمت مثقفين وادباء وسياسيين واعلاميين. تأسست عام 2001 وكانت اول مجموعة تظهر بعد الانفراج السياسي الذي شهدته البلاد في هذا العام. وكانت تشهد نقاشات مفتوحة بين جميع الاتجاهات السياسية والثقافية في البحرين واسست تقليد المجموعات الالكترونية وعبر الانترنت انشأت علاقاتها وادارت عملها في المجالات المذكورة. لكنها اصيبت بالانتكاس بعد اجراء التعديلات الدستورية ورأى اعضاء هذه المجموعة بان هذه التعديلات التي جاءت من طرف واحد اضرت بالمشروع الاصلاحي الذي كانت تطمح اليه جميع القوى السياسية والثقافية في البلاد. - 'المجموعة الحوارية' - وضمت شبانا من الاوساط الجامعية الذين كانوا يتداولون الشأن السياسي والثقافي والعام ويتبادلون المعلومات وما يستجد من نشاطات وآراء حول مختلف القضايا المحلية منها والعالمية. - 'مجموعة دروب' - وهي ليست مفتوحة كالاخريات وتتطلب اشتراكا نظرا للامور الحزبية والسياسية الخاصة التي تطرح فيها واغلب اعضائها من جمعية 'وعد' الناشطة في المجال الاصلاحي والديموقراطي.
الشريان الحصري
هناك في البحرين شركة واحدة توفر خدمة الانترنت منذ دخوله الى البلاد منتصف التسعينات وهي 'شركة الاتصالات السلكية واللاسلكية - بتلكو' وهي الوحيدة التي تمتلك الخيار الفني والرقابي الذي يمكنها من قطع ومنع دخول الزوار المتواجدين في البحرين من مشاهدة اي موقع تقرره الشركة (هناك العديد من الشركات حصلت على تراخيص للقيام بخدمة الانترنت لم يبدا أي منها لاسباب قيل عنها فنية). وحسب احصائية حديثة فان هناك نحو 170 الف مشارك في هذه الشبكة (عدد سكان البحرين 720 الف نسمة ثلثهم اجانب). ولا يعجب اغلب المشاركين المذكورين سيطرة شركة واحدة على حرية تنقلهم عبر المواقع التي يرغبون بها وكذلك في تأسيس المنتديات الخاصة بهم. وعبر الكثيرون ممن التقينا معهم عن استغرابهم لتصرفات هذه الشركة في طلب ترخيص لانشاء مدونة على الانترنت، فهذا الشيء لم يسبق ان طلبه احد في تاريخ الانترنت، فيمكن لشخص ان يؤسس مدونته في اي مكان في العالم ولا يتطلب الانجرار نحو مثل هذه القرارات. غير ان الرئيس التنفيذي لشركة 'بتلكو' بيتر كاليارو بولوس احصى زبائنه في البحرين بنحو 60 الفا واعلن خفض النفقات بنسبة 10 % خلال العام الجاري ليتسنى لشرائح اوسع العمل في الشبكة التي تشرف عليها شركته. تعطيل ومنعوزارة الاتصالات بدورها قامت باجراءات تعطيل بعض المواقع التي وصفتها بانها 'تثير الفتنة بين الناس وتحرض على الطائفية'. هذا الامر ادى الى اعتراض جمهور ضم بعض المتضررين امام مبنى 'بتلكو' معتبرين ان هذا العمل يعد انتهاكا لحرية التعبير في البحرين السائرة في طريق الاصلاحات الديموقراطية. حين تحدثنا مع ممثلي المواقع الممنوعة قالوا بانهم لا يعرفون معنى قواعد الحوار الذي تحدده شركة للاتصالات واي حوار ينبغي لهم الدخول فيه واي حوار ينبغي ألا يخوضوا فيه. وهل ان هذا الامر يخص حرية الموقع ومؤسسيه، ام انه شأن موظفي الشركة التي يفترض ان تقدم الخدمات الفنية فحسب. وقضية الانترنت في البحرين طالما نوقشت في البرلمان الذي لم يرض بعض نوابه على فتح مقاهي الانترنت للخليجيين الذين يقضون اوقاتهم في تصفح المواقع الاباحية فيما اسموه 'كبائن مغلقة' تحت خدمة آسيويين لا يهتمون كثيرا بعادات البلد وخصوصيته.
وتجاهل أخرى
وقالوا في جمعية شباب البحرين لحقوق الانسان بان شركة الاتصالات تتجاهل المواقع الاباحية وتلك التي تستغل الاطفال في الدعارة ومعظم الافلام الرخيصة المتداولة في السوق يتم اخذها من مواقع الانترنت الاباحية التي يمكن الدخول اليها من اي كمبيوتر في البحرين، في الوقت نفسه تشدد الشركة رقابتها على مواقع تعد 'ملجأ الناشطين السياسيين والحقوقيين' وان مواقع الانترنت فقط تساعد على فهم الوضع السياسي في البلد ومعرفة اخبار القرى والمدن فيه التي لا تملك الصحافة المكتوبة سقفا للتطرق اليها. تجدر الاشارة الى ان وزارة الاعلام البحرينية اصدرت قرارا عام 2006 منعت بموجبه كل المواقع الاباحية وتلك التي تمس بالآداب العامة في المملكة وذلك بعد النقاشات الحامية في البرلمان التي انتقدت ما يحصل في مقاهي الانترنت. وتساءلوا عن السبب الذي يجعل الشركة تسمح بالعديد من المواقع الالكترونية التي يستخدمها افراد وجهات تابعة للحكومة قاموا بحملات تشويه ضد نشطاء حقوق الانسان ومنظماتهم وسياسيين مرموقين وبطريقة اخفاء اسماء الكتاب الذين يقومون بشن مثل هذه الحملات التي وصفتها ب 'غير الاخلاقية'. المواقع المحجوبةوعموما هذا الجدل والاعتراضات لم ينفعا في وقف تعطيل المواقع التالية وتوقيف بعض القائمين عليها : منتدى الصرح الوطني، ملتقى البحرين، منتديات البحرين الثقافية، اللجنة الوطنية لضحايا التعذيب وشهداء البحرين، منتديات مدرسة النعيم، موقع 'الفجر' موقع 'باب البحرين'، منتدى 'براحة البحرين'، منتدى 'جنان الخلد'، منتدى 'الدراز' الثقافي، منتدى كرزكان'، منتدى 'المنار'، موقع 'بيانات' (الخاص بالسيد محمد حسين فضل الله) .. ومع ان هذه المواقع اغلقت فان هناك اكثر من 6 آلاف موقع بحريني عاملة وتنشط في مجالات مختلفة. ولا ينسى الشارع البحريني ما جرى خلال اعتقال جلال علوي، حيث سجن لمدة 18 شهرا بسبب تعامله بالانترنت مع حركة 'احرار البحرين' واعتقال المشرف على موقع 'ملتقى البحرين' علي عبد الامام ونشطاء في الملتقى مثل محمد الموسوي وحسين يوسف، علما بان المذكورين مسؤولان ايضا عن موقع 'البحرين اونلاين' الذي لا يزال يعمل ولم يوقفه احد.
تكاليف باهظة
وحسب تقرير 'المبادرة العربية لإنترنت حر' فان استخدام الانترنت الفائق السرعة داخل المنازل البحرينية مكلف جدا وبذلك يعتمد المشتركون على خطوط الهاتف (في البحرين نحو 200 الف خط هاتف ارضي) وهي لا تسد الرمق لكونها بطيئة وتهدر الوقت ولا يستطيع من يريد انشاء مدونته الخاصة الاعتماد على سرعتها، كما انها تشل محرك المجموعات الالكترونية التي تتناول القضايا اليومية على مدار الساعة. وحتى الانترنت بالغ السرعة فلا يناهز 15 غيغا، وهذا مؤشر على ان ثمة تعمدا في حصر مجال الانترنت على الغالبية العظمى، فالمواطن الذي لا يتجاوز مرتبه 150 دينارا لا يستطيع دفع ثلث هذا المبلغ لخدمة الانترنت السريع في المنزل، ناهيك عن الطلاب والعاطلين والذين يتلقون اجورا أبسط.
مدونات المجهولين
الضغط الذي يتعرض له المدونون في البحرين وخشيتهم من المساءلة والاعتقال جعلهم يكتفون باطلاق مدوناتهم بوحي مستعار نقتص من مدونة الزميلة باسمة القصاب بعضا من هذه الاسماء الاثيرية التي لا تعني لاحد من هواة التقارير شيئا : المسكوت عنه، صوت المواطن، مدخنة الرياش، حشد بلا وجه، مداس آية الله، سراديب الصمت، مارون الراس، درب الفراشات، صندقة الملا، طاحونة الادرج، بحرين فوكس، فوبيا، عرين محمود، زرنوق بحراني، جدل، شقيقي 72، ان كنت ذا راي، بحرانية، فوضى، السواد الاعظم، ازاميل، تأملات، تراتيل الانتظار، ارض دلمون او ما تبقى من اوال، اللامنتمي، جدار مخطط، مزاجية، الاميرة، قصر الامبراطور، هذيان، هوامل، اثر الفراشة،، واكثر من هذا العدد لا نعرفه. هذه الاسماء اختفت لانها غير محمية ولانه لا يوجد قانون يؤمنها، وحتى قانون الصحافة لا يتدخل في شؤون المدونين، ربما هو حل نهائي ومبتكر لعدم زج النفس في اتون الخيارات المرة.
المتنفسالاهتمام بالسياسة الذي يتميز به البحرينيون يجعلهم يتشبثون بالانترنت كمعادل موضعي لتوقهم إلى متنفس يعبرون من خلاله عما يرونه مناسبا وليس بالضرورة مفردة 'مناسب' الذي تضمنه شركة 'بتلكو' كشرط لمن يوقع معها عقدا لتلقي خدمتها الالكترونية. لم يكن بالصدفة اشتراك عشرات الآلاف في موقع واحد يزورونه باستمرار وفجأة لا يستطيعون تصفح الموقع من داخل البحرين. ولا يستطيع من ناقشناهم في هذه القضية فهم 'الاوامر القضائية' التي تصدر عن وزارة الداخلية والقاضية باغلاق هذا او ذاك من مواقع الانترنت وهل ان مثل هذه الامور من تخصص الداخلية او الاعلام او وزارة العمل؟ ان الشاب والسياسي والمثقف البحريني يبدأ يومه بتصفح الانترنت، سواء في البيت او العمل او المقهى وهو بلا شك حق انساني بسيط في العالم الراهن كذلك انشاء المدونات الخاصة التي تريد ادارة المطبوعات والنشر في وزارة الاعلام البحرينية تسجيلها لديها او منحها اجازة، فالشبكة ملك الناس اجمعين وليس لأحد فضل فيها او منة على آخر ولم تفكر فيه اي دولة في العالم. وبدلا من هذه القرارات التي اثارت معارضة الكثيرين وسخرية ما تبقى منهم، يمكن الاتفاق على اسس لا يتم تجاوزها من كل المعنيين والاطراف، لان التشهير والسب واتهام الآخرين بدون وجه حق لا يعني حرية التعبير وهو خارج نطاق الآداب العامة والعدل واصول الديموقراطية التي تدعي كل الاطراف بامتلاكها. لذلك ينبغي حصول توافق غير مكتوب بين كل الاطراف يضعون فيها مصلحة البلد وسمعته في المقام الاول والابتعاد عن استغلال الانترنت في تسريب اخبار غير مثبتة او التعرض لاشخاص بعينهم وبث اشاعات تنهك الحالة السياسية في بلد يمضي وئيدا نحو استقرار في امس الحاجة اليه في هذه الاوقات العصيبة التي مرت وستمر في المنطقة.