الثلاثاء، 26 فبراير 2008

عنفوان المجرة - مملكة الماء الأزلية




الأهوار - تحقيق وتصوير - د . جمال حسين علي :


" - قبل مجيئي هذه المرة فكرت أنه لا تمكنني رؤية الأهوار أو أي أحد منكم
مرة أخرى. ظننت أنكم انقرضتم هكذا.
- انقرضنا ؟ نحن المعدان ؟ هل تعتقد أني يمكن أن أختفي إلى الأبد ؟ "
- كافن يونغ -



أزفت اللحظة لنسبر وإياكم مسالك الجنة، وآن وقتها لنطل معكم على الجزء الطيب من عنفوان المجرة وفيض ألوانها الصحيحة وبلسم حنانها، ممسكين بأرفف الأزهار وندى الأوراق مدونين حركات شفاه الخلق النابضين بالود ورجفة الإنسان الصاغرة لوجدان الطير، وتطلع السمكة وأجيال القصب وتآلف البردي مع الموج وصلة السماء بوخز القلب وحفيف الغابات المائية بمشاعر البجعة و تطلع الصغيرة لقيمر الصباح النقي من روح الدابة المتلعثمة وسط الوجوه المشعة صفاء وصبايا يصدرن البياض وألسنة لم تكذب وقسمات تعلــم الجمال وهمم رجال كلهم تاريخ.
في تقصي خارج عن المألوف والمحسوب والمدون، نروي لكم هوينا المذراة وصرير الأكواخ ودكنة المساء وطفيليات تراخوما البراءة وشمس الحشائش والموائد التي تحيك خبزها وصلصال القرارات التي جففت وأماتت وأيبست مملكة الماء الكبرى في الكوكب وأذعنت في بث التدرن في الصدور ونشر الجوع في البطون والقحط في السواقي، تشريدا وحرقا كسكب الحريق على الورد، ونتف ريش الطائر الفرحان وتكسير ثمار السلة وبعثرة مباهج الغلال. آن الأوان لنسهب في سرد حكاية طمر الجنة و قهر ينابيعها مزيحين الستار عن بغض الآلة ومزلاج الدنيا حين يغور في كبوة الطيور وخنق الأسماك وذوبان الأمواج فيما يخصها ويشمل كل من نطق ولو بحرف أمل منحه البهجة بدءا بمن فرش لنا الحصيرة المتاحة وقدم لنا عصارة جهد اليوم، مرورا بالعلماء والخبراء، وصولا الى الفتيان وزوارقهم، اللصوص والمضحكين، وفاتحي الفال والمنجمين، وشيوخ العشائر والرواة والمطربين، والأطباء الشعبيين والحكماء والقضاة ومن بيدهم الحل والربط، مناكب النسوة ودمعة الرضيع وشقوق سيقانهن وأكفهن حين يغزلن الحياة ودروبها، كالحجرات التي ما ان تفتح قدراً من أهميتها حتى تفضي بك لحجرة أخرى تحمل أسرارها واكتشافاتها وولعها وصدماتها. نقدم هذا العمل إسهاما بإيقاع ننجزه كدين حمله الناس على أعناقنا، صغيرهم وكبيرهم وطيرهم وبقرتهم، توسلات من أضاع حقه الدهر كله، متضرعين لاستقامة الحرف وعدل الكلمة لأن ننقل «الصورة الكاملة» بعمقها ودلوها باعتيادها ومقصدها وهجعتها ساعة اقتناص أسرار الماء، حاسرة، مستسلمة لآمال الناس ومن تبقى منهم هناك، في المملكة السومرية وجنة عدن وزهو الطبيعة بإبصار خاص واستثنائي نعرض لكم القصة الكاملة لمسلة القصب وروح الطين في الموعودة دائما منذ الخليقة الأولى: الأهوار!