الاثنين، 25 فبراير 2008

تهريب النفط في البصرة






البصرة - د . جمال حسين علي :

القى وزير النفط حسين الشهرستاني المسؤولية عن تعثر صادرات العراق النفطية على المهربين والارهابيينِ ويبدو ان الطرفين سيلعبان الدور التخريبي الاكثر تاثيرا على المصدر الرئيسي لتمويل البلاد المتعطشة للمال.لكن مواجهة المهربين والارهابيين مسؤولية جماعية لكل مؤسسات الدولة واجهزتها، بما في ذلك المواطنون.وعملية انشاء مركز للانذار المبكر للتبليغ عن تفجيرات انابيب النفط، والمهربين الذين وضعوا ايديهم على حصة كبيرة من النفط، ومكاتب الشكاوى المزمع فتحها في البصرة لا يمكن ان تؤدي الى لجم التهريب والعمليات التخريبية ضد المنشآت النفطية والانابيب، فهذا المركز سيكون حلقة ضمن الحلقات الضعيفة في اجهزة الدولة المتورطة بالفساد واللامبالاة وعدم الحرفية ووضع اشخاص غير مناسبينِ وبدون تضافر الجميع لا يمكن ان يعبر العراق هذه المرحلة الصعبة بنجاح، اما شبكات التهريب فتدخل فيها احزاب كبرى تحكم البلاد والبرلمان ومتغلغلون في السلطات جميعها التنفيذية والتشريعية والقضائية وحتى الاعلامية، ومهماكانت رغبة الوزير الجديد في الحفاظ على الامانة الكبرى وتحقيق زيادة في الانتاج وتطوير المنشآت القديمة وتحديث اغلبها واكتشاف مكامن جديدة وغيرها من مهام كبيرة جديدة ملقاة على عاتق اهم وزارة عراقية، فانه يحتاج بلا ادنى شك الى عمل جماعي مخلص وليس الى طعنات في الظهر كما يحصل الآن وكمافعلوه بالشهرستاني حتى قبل ان يستلم وظيفته رسميا.هناك ثلاثة اجهزة للشرطة في البصرة مسؤولة عن تأمين تصدير النفط وهي شرطة الحدود والجمارك وشرطة شركة نفط البصرة.لكن للمهربين ايضا شرطتهم في الشرطة وخارجها، والشرطي مهما كانت رتبته حين يقف بطريقهم ويمنع الصهاريج من السير والسفن من ان تمخر سيقتلونه وينكلون بمن يتبقى من عائلته باحثا عن الثأر.أمام الشرطة الرسمية اكثر من مائة مرسى غير شرعي، اغلقوا في غضون ثلاث سنوات نحو 70 مرسى، لكن العصابات تعرف كيف تبني المراسي في مدينة كلها انهار وجزر وموانئ، ومرسى التهريب لا يحتاج الى وقت طويل وتكنولوجيا عالية، يبنونه بأية طريقة لانهم يعرفون ان وجوده مؤقت.للشرطة نقاط تفتيش، كثيرة وكثرتها مثل قلتها، فهي تؤدي فقط الى انتعاش جيوب الشرطة من الرشاوى التي يتقاضونها كي تمر الشحنات المهربة عبرهم، ولا يمكن السيطرة على الخط النهري لشط العرب الذي يفصل العراق وايران، ولو تمت السيطرة على الشطر العراقي من النهر فان المهربين يهربون الى الجانب الايراني
الذي يؤمن لهم الحماية والعملية كلها لا تستمر اكثر من دقائق معدودة، فعرض النهر ليس كبيرا ومجال المناورة فيه يكفي لتهريب اي شيء وفي اي وقت. يتحدث رجال الشرطة علنا بان تصديهم للشحنات المهربة يعني موتهم، والمهربون مرتبطون بالعملية السياسية، وحين يجدون الشرطي مقتولا، لابد وانهم حضروا سلفا سببا لاغتياله، لقد امتزجت السياسة بالتهريب والجريمة والادعاءات بالشكل الذي ارهق فعلا المدينة ومن فيها وصارت النزاهة في خبر ضاع. ان التمويل الاساسي للاحزاب والحركات التي ظهرت في البصرة وعسكرتها واعالة آلاف من انصارها وقوتها الضاربة من تهريب النفط، وبذلك يمكن الفهم ان النفط المهرب يمول صناعة الشخصيات السياسية والاعلام والانتخابات، وباختصار غرقت السياسة في وحل النفط المهرب.
طرق بدائية
مدير شركة نفط الجنوب جبار لعيبي اعترف باستخدام طريقة'الذرعة' لقياس كميات النفط المصدر في الموانئ، في زمن الاجهزة والعدادات الالكترونية البالغة الدقة، وهذا يعني ان البواخر حتى التي تحمل اوراقا رسمية فالرقم الذي على الورق لا يتناسب باي شكل مع كمية النفط الحقيقي الموجود في الخزانات والعنابرواحواض السفن. وهناك عقد بين شركة نفط الجنوب واحد المقاولين الاميركان يمثل 'شركة رويال داتش شل' ضمن مشروع pco بموجبه ينبغي ان ينشئوا منظومة قياس في الموانئ العراقية كواحدة من المشاريع الاميركية الموقعة على الورق والتي لم تنفذ لاسباب ليست بالضرورة تكنولوجية او فنية، فثمة الكثيرون المستفيدون من طريقةقياس'الذرعة' لا يحبذون وجود منظومة عدادات متطورة.يقولون ان العدادات في محطات قياس النفط الخام تعرضت للتلف وصارت بالية ولا نعرف لماذا استهلكت في هذه الاوقات، بالاضافة الى ان المهربين يوهمون بحقيقة الحمل الحقيقي للباخرة بوضع رفوف تحت مقياس الباخرة 'الساوندك' الامر الذي يجعل عد النفط الخارج من البلاد صعبا للغاية.
النفط أنواع
واذا كان المهربون انواعا، فالنفط المهرب انواع ايضا، هناك تهريب المشتقات النفطية وتهريب النفط الخام الذي يحتاج الى طرق معينة للتعامل معه ومصافي ولابد ان يتتبعه الخبراء في سوق النفطِ لان النفط الخام لا يذهب الى المستهلكين، بل تستفيد منه الدول التي تمتلك صناعات لتكرير النفط، ومن هنا فان تتبع مسار النفط العراقي المهرب يمكن ان تنتهي عند تلك المصانع.الصعوبة في التعامل مع النفط الخام، جعل المهربين في البصرة يركزون على مشتقات النفط التي يحتاج اليها العراق جدا لان كل شيء يعمل على النفط في العراق في ظل غياب الخدمات الاساسية وتضطر الحكومة لانفاق 200 مليون دولار شهريا لاستيراد النفط المكرر من تركيا وايران والسعودية لتغطية احتياجاتالسوق المحلية.
عشائر النفط
لجأت قوات التحالف الى العشائر لحماية انابيب النفط منذ الاوقات الاولى لادارتها البلاد ولاول مرة في تاريخ النفط، توقع الدول عقودا رسمية مع العشائر لقاء مبالغ مفتوحة شهريا لكي يتناوب افراد العشيرة المعينة لحراسة الانابيب على مدار الساعة.المحليون يشبهون الامر بتأمين القط لحمة، فالعشائر هي التي تفجر انابيب النفط ليس كعمليات مقاومة ضد الاحتلال كما يشيعون، بل لتغطية الاماكن التي يفتحون فيها ثغرات في الانابيب ويحولونها بطرق ما نحو الخزانات الخاصة التي تهرب النفط الى السوق المحلية والخارجية.وتفجير الانابيب المستمر هو عملية ابتزاز في شقه المخفي للمسألة، لكي تعطي العشائر اهمية لما تقوم به ولكي تزيد من مبالغ العقود ولغرض الاثبات بأنها تقوم بعمل خطير وهكذا يفجرون الانابيب لكي يزيدوا من المبالغ التي يحصلون عليها والعملية مستمرة.ويمكن فهم التفجيرات المستمرة في الانابيب كعملية منافسة ما بين العشائر، فالعشيرة تفجر الانبوب لانها خسرت العقد على حساب العشيرة، ولكي تثبت بأنها الأحق في العقد.في النتيجة، وعلى الرغم من كل الاموال التي اهدرت على العشائر لحماية الانابيب هل يمكن تصديق الرقم التالي: حصلت 3 آلاف هجمة ضد الانابيب والمصافي والآبار والشاحنات والقاطرات والخزانات النفطية ادتإلى مقتل 1376 شخصا، في غضون ثلاث سنوات فقط!وكيف يفهم قيام العشائر التي ينبغي ان تحمي الانابيب تقوم بمنع تدفق النفط في ثلاث آبار في حقل غرب القرنة لان الشركة تأخرت في دفع المرتبات التي هي اتاوة في جوهرها.
عوامل بشرية
الاعتداءات المهولة التي تتعرض لها الانابيب اجبرت وزارة النفط على استخدام الصهاريج لنقل النفط، واضافة الى ان هذه الطريقة بطيئة ومكلفة، فهي قد ادخلت 'العنصر البشري' بتعبير وزير النفط العراقي الاسبق ابراهيم بحر العلوم، هذا العنصر الذي يعتبر الاهم في معادلة الفساد في العراق.وزارة النفط التي تعتبر خدمية - فنية حولوها الى سياسية - امنية وهذه ليست من اختصاصها، وهذا الذي يجعل الصراع على هذه الوزارة والنفط دمويا دفع المفتش العام لوزارة النفط (تلقى تهديدات بالقتل بعد تصريحاته) إلى اتهام الحكومة بالتواطؤ مع شبكات تهريب النفط الخام والمشتقات النفطية وتمكين الميليشيات من عرقلة صناعة النفط التي اخرت 30 % من مشاريع الطاقة المقررة، مؤكدا ان العراق مقبل على اوقات صعبة اذا عجزت الحكومة عن حماية منشآت النفط.ما يؤكد كلام المفتش العام تصريح لاحد القادة الامنيين في البصرة لم يفصح عن اسمه لاسباب اصبحت واضحة، قال بالنص ان: 'مسؤولين كبارا في البصرة طالبوا بفتح المجال لتهريب النفط عبر المنافذ البرية والبحرية وغض الطرف عن قوافل الصهاريج والسفن الناقلة للنفط المسروق والتهديد المباشر للرضوخ لهذهالاوامر'ِ ويضيف هذا المسؤول: 'ان بعض المسؤولين يطالبوننا بالسماح لمواطني دول مجاورة بعبور الحدود بدون الحصول على وثائق رسمية ولهؤلاء علاقات بعمليات التهريب".موظف كبير في الجمارك يقول التالي مؤيدا الاثنين: 'ان الذين يقومون بتهريب النفط هم من مراكز القوى وسيملأون افواه المعترضين بالرصاص'.
تهريب الوثائق
يقودنا حديث المسؤولين الثلاثة حول تورط حكومي بتهريب النفط الى حادثة خطيرة وقعت ومرت من دون ان يتوقف عندها احد ولم تعلن نتائج التحقيق عنها، لو حصل مثل هذا التحقيق لتم احباط عملية تهريب وثائق وملفات رسمية تابعة لوزارة النفط في ميناء ابو الفلوس كان المهربون ينوون ادخالها إلى ايرانِهذه الوثائق سرية وخطيرة بوصف اللواء الركن علي حمادي قائد المنطقة الرابعةِ ويعود تاريخ الوثائق للنظام السابق والحالي وقيل ان طابعها استراتيجيِاحبطت المحاولة من قبل ضباط شرفاء، ولكن من يعلم بآثارها وفيما اذا تم تهريب نسخ منها، وما الذي حصل لمعرفة ومعاقبة المتورطين بهذه الفضيحة التي تلاشت لوحدها في غبار الأزمات السياسية والأمنية الكبرى للبلاد
.