الأربعاء، 1 يونيو 2011

ماذا وراء التوتر العرقي في روسيا؟

لا يرتبط الاحتقان العرقي في روسيا الاتحادية، الذي امتد لعاصمتها الشتوية سان بطرسبيرغ، بمقتل مشجع نادي «سبارتاك» اثر شجار تقليدي مع أشخاص قيل إنهم ينحدرون من أصول قوقازية في الخامس من الشهر الجاري، حسب فلاديمير كولوكولتسيف رئيس مديرية الداخلية في موسكو.
هذا الحادث تكرر وقوعه منذ الضربة الأولى لكرة القدم. وقد وصل الأمر الى حد أن مفتي روسيا رافيل عين الدين، المعروف بصلاته وعلاقته الايجابية بالكرملين، أطلق التحذيرات من نمو ما أسماه «العداء للاسلام» في روسيا، وبالتالي فإن الأمر بات يحتاج إلى نظرة أعمق وتحرير أدق لأخبار «المذابح»، حسب وصف الرئيس ديمتري مدفيديف للمصادمات الحاصلة في كبرى المدن الروسية، طالبا من وزير الداخلية رشيد نورعلييف «اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية للحفاظ على النظام العام».
قد لا تكفي الإجراءات الأمنية «الصارمة» التي اتخذها رئيس الوزراء فلاديمير بوتين على هذا النوع «المزعج» و«المستجد» من التطرف في روسيا. فالذي حصل، وعلى الأرجح سيستمر حتى الصيف المقبل، لم يكن فقط مصادمات لحليقي الرؤوس المعروفين بتسمية «النازيون الجدد» ــ وهم شبان راديكاليون يرددون شعارات مثل «روسيا للروس» و«نظفوا العاصمة»، وينفذون تهديداتهم بقبضاتهم. ليس لكون بوتين، أو مجموعة الأرثوذكس القوميين، يغذون هذه الروح بالتعامل مع الجمهوريات ذاتية الحكم أو الحروب والاشتباكات المستمرة مع جمهوريات القوقاز وما وراءه فحسب، بل أن المؤسسة الأمنية وأولئك الذين يفرضون القانون في شوارع المدن الروسية، يتعاطفون مع آلة التطرف التي تعتمدها تلك الحركات القومية الراديكالية، إن لم يكونوا جزءا منها.
إن ما يحصل يوميا من إهانات وتمييز ونفور ونظرات وحسّ متعالٍ يبديه الكثير من الروس تجاه الجنوبيين (الذين كانوا يرددون يوما: بيتي الاتحاد السوفيتي)،
هؤلاء لهم في روسيا، ما لدى السلافيين الروس أيضا. لأن البلد يحكمه نظام فدرالي ودستوره وجيشه فرضا هذا الأمر. كما أن موسكو هي العاصمة الفدرالية التي فيها التتار والشيشان والآفار والبشكيريين وقوميات داغستان المتنوعة وغيرها. هؤلاء مواطنو روسيا الاتحادية يقدمون إلى عاصمتهم لقضاء حاجياتهم أو العمل وهذا من حقهم، كما الروس الذين يذهبون إلى أقاليمهم للعمل والمصاهرة والسياحة والتهريب ..الخ. كما أن موسكو لم تعد الهدية للجنوبي، فهو يعمل ويكد فيها من مطلع الفجر، بينما الموسكوفي لا يمتهن الكثير من الأعمال التي اقتصرت على الجنوبيين وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
لنناقش هؤلاء المتطرفين ولنعرف ماذا يريدون في شعار «روسيا للروس». وإن كان بالإمكان أن يوضح لنا أحدهم مفهومه للفكرة الوطنية الروسية.. حدود روسيا .. تعريف شعبها .. ديانتهم .. أصولهم .. حدود الروس كي يتجنبها «الأغراب»! لماذا الحديث عن الوحدة الوطنية، في الوقت نفسه ينفرون من الآخر ويلغونه.
لماذا يقلبون الدنيا على عمدة موسكو سيرغي سوبيانين ما إن يوافق على بناء مسجد في حي فولزسكي وظهور احتجاجات ومطالبات بمساحات خضراء وبناء حدائق بدلا من المساجد؟!
تطور الحركات القومية
أجرت مؤسسة تطور السياسات «أر إي بي» الروسية مسحا حول موضوع «كراهية الأجانب»، وآخر يخص تطور الحركات والمشاعر القومية المتطرفة في مناطق روسيا، وكانت نتائج الاستطلاع وخيمة في ما يخص كراهية الأجانب، قرأها المحللون على أنها واحدة من أكثر الاتجاهات السياسية «خطورة» في المجتمع الروسي في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي. ويحذر خبراء من أن «المعركة» وشيكة وأصبحت واقعا، لن تستطيع قوى الأمن إيقافها إذا اندلعت، «فالشرطة لا يمكنها فرض الطابع الاجتماعي والثقافي المرتبط مع تطور الدولة الروسية».
وعاجلا وقد حان موعد «آجلا»، وجدت القوى الأمنية نفسها في مواجهة الطرفين، ناهيك عن تحول هذه المواجهات إلى ممارسة سياسية تشكلت حولها حركات وقوى تتحدث أكثر من غيرها عن ديموقراطية بلا رقابة.
إن الحس القومي لكل الاثنيات السائدة على الأراضي الروسية كان ضعيفا لكون الدولة شيّدت على أساس «تعدد الأعراق»، وهذه العقلية تبنتها السلطات السوفيتية (كدستور وأيدلوجيا)، لكن القوميات العشرين الرئيسية التي شكلت الاتحاد السوفيتي بدأت تنشط في السنوات 1990/1980، الأمر الذي مهد لانهيار الإمبراطورية الشيوعية.
الدولة القومية
لقد فضلت القوميات المذكورة، دولتها الخاصة على أفكارها «الأممية» و«الأيدلوجية الشيوعية كانت فوق الوطنية»، التي أصبحت الثمن. وعلى النقيض، ازدادت حدة المشاعر القومية، ولم تنفع الثقافة التقليدية للتحول إلى صمام أمان لحروب الأشقاء السابقين، وقادت الحركات القومية المتطرفة في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفيتي.
وقد أدى فقدان الأفكار «الأممية» التدريجي تلقائيا إلى صعود أيديولوجية بديلة توحد هذه الشعوب؛ في دول منفردة أو في دولة متعددة الجنسيات كروسيا الاتحادية.
ومنذ مطلع تسعينات القرن الماضي، بدأ الإحساس القومي يتطور إلى صراع عرقي واضح في الشوارع والضواحي. وكلما ابتعدنا عن موسكو تزداد الميول الانفصالية لأسباب عرقية مغلفة بإطار ديني أحيانا، وتتسبب باشكاليات عرقية ــ سياسية، كما حصل في شمال القوقاز والفولغا والاورال وتوفا وياكوتيا وأوسيتيا وانغوشتيا وتتارستان وباشكيروستان، وغيرها من الجمهوريات التي رفضت أن تكون «شعبا فخريا» يقوده الأرثوذكس الروس.
الانتماء المزدوج
بدأ «موكب السيادات» يجتاح النار ويصب الزيت والملح عليه. بالمقابل ارتفع صوت القوميين الروس الذين وجدوها فرصة مثالية ليعلنوا ما كانوا يضمرونه في دواخلهم.
فقد أظهرت الأبحاث أن المواطنين في شمال القوقاز لا يميلون إلى ترك روسيا، غير أنهم يشكون من الحقد والكراهية والمعاملة غير العادلة من المركز الفدرالي، أو ما يسمى الدور التقليدي الروسي كونه «الأخ الاكبر»، الذي لم يدرك بعقلانية أنهم بحاجة إلى محكم خارجي لتسوية النزاعات الخاصة بين الأعراق.
إنهم لا يحبون فصلهم دائما كقوقازيين ولا يريدون أن يصور التلفزيون الروسي مناطقهم كبؤر للانفجارات المستمرة وأعمال الإرهاب.
داخل روسيا القوية
في روسيا اليوم العديد من المجموعات التجارية الكبيرة ذات أصول تتارية أو قوقازية وتعمل على نطاق واسع. هذه الأعمال لا تستوعبها دولة صغيرة مستقلة، وينبغي تأمين مساحة روسيا لتعطي الفرص للجميع.
ومع ذلك، لا يزال ابن العاصمة والمدن الكبرى يناضل من أجل الوظائف ويشعر بالمنافسة مع «الغرباء» من القوقاز وآسيا الوسطى. هذا الصراع يعتبر المادة الخام المثالية للقوميين الجدد بحركاتهم الرسمية، مثل «رودينا» التي تلعب دورا مهما في الأحداث الأخيرة والتي تملك مراكز لتعليم الشباب «مكافحة التطرف»، كما تدعي، لكنها في الواقع حاضنة النازيين الجدد وصالون حلاقة رؤوس الشبان الخاوية.