الأربعاء، 1 يونيو 2011

قمة «طرد الأشباح».. علاقة روسيا مع الناتو

انتهت الأسبوع الماضي أول قمة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا منذ أزمة الحرب في جورجيا عام 2008 بمشاركة الرئيس ديمتري مدفيديف، عقدت في لشبونة البرتغالية وبحث فيها الطرفان مسائل كثيرة، أبرزها الدفاع الصاروخي وحماية أراضي وشعوب أوروبا والمناطق الساخنة التي تورط فيها الحلف في القرن الجديد.
حسب الأمين العام للناتو، فان القمة كانت فرصة لطرد «اشباح الماضي»، فيما اعتبرها مسؤول آخر خطوة أخرى «لطيّ صفحة في علاقاتنا والتوقف عن توجيه التهم الى بعضنا البعض والمضي قدما»، وشاطره الرأي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوله ان «موسكو لم تعد تعتبر الحلف بمنزلة تهديد لها».
ونجد من المناسب تسليط الضوء على علاقة روسيا مع الناتو منذ البداية ولغاية الآن، نظرا للدور الكبير الذي تلعبه هذه العلاقة في الأمن والسلام العالمي.
بداية احتفالية
أنشئ «مجلس الناتو - روسيا» بقمة روما في 28 مايو 2002 كمنطلق رئيسي لتعزيز العلاقات بين روسيا و 26 دولة عضو في الحلف للعمل كشركاء على قدم المساواة وتنفيذ أنشطة مشتركة.
وكانت البداية الحقيقية للعلاقة تعود إلى 1991 بعد انضمام الأولى إلى مجلس التعاون للحلف (أعيدت تسميته في 1997 إلى مجلس الشراكة الأوروبية - الأطلسية)، الذي تأسس بعد انتهاء «الحرب الباردة» كمنتدى لتعزيز الشفافية وتعميق الحوار بين الطرفين.
وبعدها في 1997 وقعت روسيا والناتو وثيقة تأسيس العلاقات المتبادلة والتعاون والأمن والتي أرست لعلاقة رسمية، وقد أدى هذا التوقيع الى تطوير البرنامج الثنائي للتشاور والتعاون في إطار المجلس المشترك الدائم PJC.
أما مجلس «الناتو - روسيا»، فهو الهيكل الرئيسي الذي تعمل فيه عدة مجموعات عمل ولجان لتعزيز التعاون، ووضع آلية للتشاور في الكثير من القضايا الأمنية.
وهكذا فقد تم تأسيس عدة مجموعات عمل ولجان لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووي وحفظ السلام والدفاع الصاروخي وإدارة المجال الجوي، وحالات الطوارئ المدنية، وإصلاح المؤسسة العسكرية ومشاكل المجتمع الحديث وقضايا لوجستية أخرى.
الدفاع الصاروخي التكتيكي
وبالرغم من أن مسالة «الدرع الصاروخية» تتقدم على سواها من الأزمات بين الطرفين، فان روسيا وبلدان الأطلسي تعاونوا منذ 2003 في مجال الصواريخ التكتيكية.
في هذا الاتجاه، وقعت روسيا عدة معاهدات (في الولايات المتحدة مارس 2004 ، والثانية في هولندا مارس 2005 والثالثة في روسيا في أكتوبر 2006 والرابعة في ألمانيا يناير 2008)، كما شاركت بنشاط في مناورات خاصة بالحرب الالكترونية ومحاكاة الحاسوب وساهمت في التشغيل البيني وتطوير الآليات والإجراءات للعمليات المشتركة في الدفاع الصاروخي التكتيكي.
التعثر الأول
وعلى الرغم من الروح البراغماتية التي سادت الأجواء الاحتفالية المبكرة، فان الخلافات السياسية حول بعض القضايا كانت تبرز كأولويات استراتيجية، ومن ثم تحولت إلى تحديات تقدمت اجتماع القمة الثاني في بوخارست (أبريل 2008)، لغاية 19 أغسطس هذا العام، حيث دان الناتو روسيا لاستخدامها «القوة العسكرية المفرطة في جورجيا»، وهو ما يتعارض مع دورها في حفظ السلام وحل النزاعات بالوسائل السلمية المنصوص عليها في وثيقة هلسنكي، الأمر الذي جعل وزراء خارجية الاطلسي يقررون عدم «الاستمرار في بناء العلاقات»، ودعوا موسكو الى أن تثبت كلامها بالأفعال.
وفي 22 أغسطس 2008، أنهت روسيا بدورها التعاون مع الناتو، وفقا لممثلها الدائم لدى الحلف ديمتري روغوزين في القرار الذي أعلنه وقتذاك باعتباره مؤقتا لكنه «سيبقى ساري المفعول».
والآن وبعد مضي أكثر من 8 سنوات على تأسيس «الناتو -روسيا»، يعتقد المحلل الروسي فيكتور كريمنيوك ان مدفيديف بالرغم من مخاطرته الكبيرة في قمة لشبونة، فانه يحاول تحقيق بعض الأهداف في غضون اتصاله المباشر مع الزعماء الغربيين، منها الحصول على دعمهم في سياسة «تحديث روسيا» التي ينتهجها، زائدا الرد على معارضي روسيا في الدول السابقة أعضاء حلف وارسو.
المساواة بالصواريخ
وتبقى قضية «الدرع الصاروخية» الأكثر حساسية، ولطالما وصلت المباحثات (كما في مرات سابقة مع عدة أطراف) إلى طريق مسدود، كون روسيا ،حتى الآن، لا تعرف إلى أي حد تهدد درع الناتو قدرتها الاستراتيجية - بتعبير سفير روسيا لدى الحلف ديمتري روزغين - وهل بإمكانها أن تكون شريكا متساوي الحقوق مع باقي أعضاء الحلف.
ومع ذلك، حاول زعماء الناتو تبديد الشكوك الروسية في سبتمبر 2009 بإلغاء خطط الدرع الخاصة باستهداف الصواريخ البعيدة المدى، واقتصارها على القريبة والمتوسطة، في إشارة واضحة لـ «الخطر الايراني».
غير ان هذه الخطوة لم تبدد المخاوف الروسية نهائيا، لأنها بحاجة إلى دراسة مطولة من الخبراء. وللتغلب على هذه الأزمة، اتفق زعماء الناتو في لشبونة على بناء درع صاروخية تشمل دول الحلف تربط صواريخ اعتراضية أميركية طويلة المدى بأنظمة أوروبية لصواريخ أقل مدىً. وتهدف الدعوة إلى إقناع موسكو بأن الخطة لا تستهدفها.
الإنذار المبكر
ان لدى روسيا والولايات المتحدة أنظمة متطورة مضادة للصواريخ، وتنحصر خطة الناتو في إنتاج برنامج حاسوبي يستطيع الربط بين جميع أنظمة الناتو، والسماح لها بمشاركة روسيا في الإنذار المبكر.
ذلك ليس دعوة إلى المشاركة في صنع قرار أو في البناء، بل يتعلق بتبادل المعلومات والتعاون، ويعتبره قادة الحلف فرصة جديدة لروسيا لتكون أكثر قبولا وثقة من وجهة نظر أمنية.
هكذا فهمت الأمر المستشارة الألمانية انجيلا ميركل واصفة هذه الخطط بـ «العلامة الفارقة» في العلاقات. وإذا قبل مدفيديف القرار، فإنه سيمهد الطريق أمام روسيا والناتو لبدء مباحثات فنية بشأن طرق محتملة لربط الأجزاء المختلفة من أنظمتهم ببعضها، بحسب الأمين العام للناتو أندرس راسموسين.
تفاؤل حذر
غير أن أحدا لا يغامر بالتفاؤل في أن مباحثات قريبة ستؤدي الى اتفاق لربط الأنظمة، اذ ما زال الجانبان يتخوفان من التجاذب المفاجئ، وان اتفقوا بالفعل على بعض القضايا العاجلة مثل توسيع حقوق العبور لشحنات الناتو التي لا تشتمل على مواد فتاكة بالوصول إلى أفغانستان عبر أراضيها.
ويمكن القول ان قمة لشبونة تعتبر انطلاقة جديدة للعلاقة بين الطرفين، أنهت القطيعة التي صاحبت الأزمة الجورجية ومبشرة بتعاون له آفاق ايجابية على الأمن العالمي.