الأربعاء، 1 يونيو 2011

حكم ذاتي في إقليم كردستان ليس حلا للمسيحيين


يطالب منفذو مجزرة «كنيسة النجاة» بالإفراج عمن يقولون بانهن «سجينات مسلمات» يقبعون في الأديرة المصرية، في حين أن لدى ما يسمى بـ«دولة العراق الإسلامية» سجينات وسجناء مسلمين.. والبابا بنديكت السادس عشر يستقبل عراقيين مسيحيين أصيبوا في تلك المجزرة ويتلقون العلاج في ايطاليا، في إطار عملية نظمتها وزارة الخارجية بدعوة من المسؤول الثاني في الفاتيكان الكاردينال تارسيسيو برتوني. ومن باريس، يدعو بطريرك إنطاكية للسريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان المجتمع الدولي الى التدخل لضمان «سلامة المسيحيين» في العراق.
في عينكاوة، الواقعة على مشارف مصيف صلاح الدين في إقليم كردستان العراق، مقر رئيس الإقليم مسعود البرزاني، تقف مئات العائلات المسيحية النازحة بناء على دعوته بانتظار استلام المساعدات الطارئة. وبالنسبة لمن نزح إلى الشمال، أو من يقف في طابور القنصليات في عاصمة الإقليم، تعتبر هذه الأرض مرحلة مؤقتة بانتظار المحطة النهائية للهجرة.
شعبنا المسيحي
في موازاة ذلك، عقدت القوى والأحزاب السياسية المسيحية اجتماعا موسعا لإيجاد حل لمشكلة النازحين واقناعهم بعدم المغادرة الى الدول الأوروبية.
واعتبر النائب يونادم كنا، أمين عام «الحركة الديموقراطية الآشورية» أن «الاجتماع خطوة نوعية يدعو أطياف شعبنا (الكلدان والسريان والآشوريين) للتحدث بخطاب موحد ومناقشة سبل مواجهة التهديدات التي نتعرض لها في العراق»، مشيرا الى أن مبادرة الرئيس العراقي جلال الطالباني «إقامة محافظة للمسيحيين» في سهل نينوى، أساسها «الدستور الذي يكفل حقنا في المادة 125». لكنه استدرك قائلا: «ربما لا يجوز القول محافظة للمكون الفلاني ولكن لكل مكونات هذه المنطقة لأنها فعلا مظلومة وأصابها إجحاف كبير طيلة العقود الماضية».
لا للهجرة
ورغم أن الآشوريين ينددون بخطوة بعض الدول الأوروبية منح اللجوء لمسيحيي العراق، «لأنها تلتقي مع أجندات إفراغ البلد»، فإنهم يؤيدون فكرة إقامة منطقة حكم ذاتي للمسيحيين، ويرون (على لسان كنا) أن «الحكم الذاتي مخرج وحيد للخلاص»، الأمر الذي يعارضه الكلدانيون (على لسان بطريرك الكلدان في العالم الكاردينال عمانوئيل دلي وسائر أحبار الكنائس)، ويصفون الفكرة بـ«غير عملية، يستحيل تطبيقها على أرض الواقع».
من سيحكم المحافظة المنشودة؟
يقع سهل نينوى في غرب الموصل، ويتألف من ثلاثة أقضية (الحمدانية والشيخان وتلكيف)، غالبية سكان هذه الأقضية هم من المسيحيين مع تواجد للأكراد والتركمان واليزيديين والشبك والعرب. ويتركز السريان في هذه المنطقة بشكل خاص، كما تتواجد فيه الكنائس العراقية الرئيسية (الكلدانية الكاثوليكية، وتعرف أيضا بكنيسة بابل الكلدانية وهي شرقية مركزها بغداد وتتبع المذهب الروماني الكاثوليكي وبابا روما)، والكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والسريانية الكاثوليكية، وكنيسة المشرق القديمة وكنيسة المشرق الآشورية.
يعتبر غسان شذايا مؤسس المجلس القومي الكلداني، الكلدان والآشوريين والسريان قومية واحدة لا ثلاثا، متبنيا مصطلح «الآشوري- الكلداني- السرياني لجميع أبناء هذه الأمة الواحدة»، ووثقه في ابريل 1999 كمصطلح نهائي غير قابل للتغيير في جميع إحصاءات أميركا.
ويقول شذايا إن المعارضين لصيغته كانوا جميعا من «المتطرفين الآشوريين.. وحماتهم من الكنيسة الآشورية»، بينما في عام 2009 كان المعارضون للمصطلح التوحيدي- كلداني سرياني آشوري- هم من رجال الدين الكلدان ومجموعة من مثقفيهم الذين يخشون أن تقوم القوى السياسية الآشورية باستخدام هذا المصطلح الجامع لمصالحها الخاصة. وتساءل: ما هي أوجه الخلاف «القومي» بين اتباع الكنيسة الكلدانية وأخوتهم أتباع الكنيسة الآشورية؟ إذا كانت المسألة أن أحدهم يتبع روما والآخر لا يتبعها، فهنا داء المشكلة ومأساتها في رأيه، لكون الأمة انهزمت بانشقاق أبنائها نتيجة «اختراع قوميات كنسية»، خدمة لطموحات القساوسة.
الأكراد سيشقّونهم
لكن بطرس كاراتاي، المبعوث الخاص لجمعية الآشوريين الكلدانيين في فرنسا، وبعد زيارة للعراق، كتب التالي: بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني وقنابل أخرى كالنفط والماء والتطرف والتوتر المستمر بين الأكراد فيما بينهم من جهة، وبين عرب الموصل وكركوك من جهة أخرى، فان المسيحيين لا يواجهون أي توتر مع أي طائفة أخرى، لكنهم في المقابل يعانون من صعوبات جدية للوصول إلى حقوقهم الأساسية، بالرغم من أنهم منوهون في الدستور، إلا أن إطار حرياتهم الأساسية والاثنية لم يحدد ولم يظهروا في دستور كردستان.
واعتبر أن في ذلك يكمن عامل القلق والخشية، فيونادام كان يمثل المسيحيين في البرلمان العراقي، وسركيس أغاجان (يقود المجلس الشعبي للكلدان السريان الآشوريين) ونمرود بيتو وجورج منصور أعضاء في حكومة كردستان كوزراء، مجلس الشعب الآشوري الكلداني السرياني، رجال الدين، سبعة أو ثمانية تجمعات سياسية صغيرة وأخيرا الآشوريون الكلدانيون الأعضاء في الحزب الديموقراطي الكردستاني. وهذا باعتقاده دفع الأكراد الى بث الشقاق في صفوف المسيحيين بتأسيس تجمعات سياسية صغيرة، تتنافس (أو تتناحر) فيما بينها ليتم التحكم بها أكثر.
وبالنسبة لمبادرات الرئيسين (الطالباني والبرزاني) لإيواء المسيحيين (وهم سكان البلد الأصليون)، فمن الأولى للزعيمين القوميين الكرديين إيواء المهجرين من أبناء جلدتهم والذين يسكنون «قرى الصفيح» في تخوم مدنهم المزدهرة.
تسليح المسيحيين
وحول دعوات الحكومة لتسليح المسيحيين، أكدت أحزاب مسيحية رفضها لمشروع تسليح المسيحيين وبينت أنها لا تريد ما أسمته «ميليشيات أو صحوات مسلحة»، وحمّلت بهذا الصدد الحكومة المركزية المسؤولية عن حماية المسيحيين وغيرهم معلنة ترحيبها بالدعوة التي وجهت لإقامة محافظة مسيحية خاصة.
ويرى أسعد البصري ضمن سلسلة مقالات مثيرة وعميقة ينشرها في موقع «كتابات» أنه حينما عرض نوري المالكي على المسيحيين تزويدهم بالسلاح عام 2007 لحماية أنفسهم، رفضوه، لأنهم «يعلمون أن السلاح هو المسمار الذي دُق في جسد يسوع.. وقد أراد الأب، الذي حدثه المالكي في أمر السلاح، أن يعظه ويعلمه حكمة العراق ومعنى الوطنية»، مشبها «فرق الموت» بنسخة من فرق «محبي الآلام» في تاريخ المسيحية: ان المسيح هو الذي وهب الحياة للحياة، فلا موت من بعدها أبداً، فما حاجة المسيحي العراقي إلى سلاح المالكي.
وتتبنى «عشتار العراقية» وهي كاتبة ومترجمة عراقية مخضرمة تنشر بنشاط في مدونتها «غار عشتار» فكرة مفادها أن هدف المجازر والاعتداءات التي يتعرض لها المسيحيون هي من أجل توحيدهم لغرض إقامة «وطن قومي» لهم على اختلاف قومياتهم (كلدانية – سريانية– آشورية)، والتي كانت ومازالت موضع صراع جوهري بين مسيحيي العراق.
والوطن القومي، برأيها، يحتاج الى هولوكوست. والمطلوب أن يهاجر المسيحيون من كل أنحاء العراق ويتجمعون في سهل نينوى الذي سينضم الى إقليم كردستان!