الأربعاء، 1 يونيو 2011

الخطة الخمسية الصينية بلا مفاجآت أو تفاصيل


انتهت أعمال المؤتمر الوطني العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بلا مفاجآت أو حتى تفاصيل، ما عدا ما بثته وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) التي تحدثت عن «الخطوط الإرشادية» و«الأهداف» و«المهام والتدابير الرئيسية»، معتبرة أن الفترة من 2011 ـ­ 2015 ستشكل «فترة القضايا الصعبة لتعميق الإصلاح وعملية الانفتاح في إطار تسريع وتيرة تحول نموذج التنمية الاقتصادية».
ينحصر دور المؤتمر، وهو الدورة الـ 17 للحزب الشيوعي الصيني لإقرار الخطة الخمسية الـ12 (2011 ـ 2015)، في بكين بمشاركة 370 عضوا، منهم 24 أعضاء اللجنة المركزية (أعلى قيادة تنفيذية في البلاد)، باستعراض نظام الانتخابات وتقارير المندوبين ولوائح الحزب وبنود الدستور إذا لزم الأمر. كذلك يقع على عاتقه اختيار أعضاء اللجنة المركزية، وهو أهم القرارات، لكونه يحدد القيادة الرئيسية للصين، وتعيين أعضاء جدد في اللجنة العسكرية المركزية، بالإضافة إلى إجراء تغييرات في القيادة العليا للبلاد.
وكما توقع المراقبون، فإن المؤتمر لم يتطرق للإصلاحات السياسية، لا سيما أن انعقاده كان بعد أسبوع واحد فقط من منح المعارض المعروف ليو تشياو بو جائزة نوبل للسلام، الحدث الذي صاحبته دعوات دولية لمزيد من التحولات الديموقراطية وإطلاق الحريات في أحد أهم معاقل الشيوعية المتبقية في الكوكب.
سرية كالعادة
والخطة الخمسية، كما يحلو للشيوعيين تسميتها، انحصرت في الأولويات التي تؤمن للصين النمو الاقتصادي، في عالم تجتاحه العديد من الأزمات المالية والسياسية.
ولابد من التأكيد على أن مؤتمرات من هذا النوع، عادة ما تحاط بسرية مبالغ فيها، بحيث لا يستطيع المراقبون أو المحللون تحويلها إلى مواضيع للنقاش، ولا مفر لمن يحاول متابعة حدث مهم كهذا المؤتمر الذي لا يحدد المستقبل الاقتصادي والسياسي للصين فحسب، بل للعالم برمته، وذلك للدور الذي تلعبه هذه الجمهورية الاشتراكية في الاقتصاد العالمي. كما ينعقد المؤتمر وسط ظروف معقدة من المتغييرات الاقتصادية وتطور طريقة التفكير لدى القيادات الصينية الجديدة، التي ستبلغ مداها الراديكالي مع انتهاء المدة المقررة لرئاسة هو جين تاو ورئيس الوزراء وين جياباو عام 2013. وقد يكون المؤتمر فرصة لنائب الرئيس الحالي تشي جينبينغ (57 عاما)، للاقتراب من السلطة العليا بارتقائه الى نيابة رئاسة اللجنة العسكرية المركزية.
الديموقراطية آتية
وسواء كان الطاقم الجديد مقدما بزي قديم، أو قديم موشح بالجديد، فإن الدعوات لتحسين «حرية التعبير» تزداد داخل المؤسسة الحزبية الصينية، وآخرها كان التصريح المفاجئ لرئيس الوزراء بأن «الحرية ستفرض نفسها» في النهاية. كذلك رسالة حملت مائة توقيع من الرعيل القديم للقادة الذين طالبوا الحزب بإصلاحات، خشية من «الموت الطبيعي».
واجبات المؤتمر
والمؤتمر الوطني العام يعقد مرة واحدة كل خمس سنوات. وهو «نظريا» أعلى هيئة داخل الحزب الشيوعي الصيني، لكن في الممارسة العملية واتخاذ القرارات المهمة المعروضة على الاجتماع. ومنذ عام 1987 يعقد المؤتمر الوطني في شهري أكتوبر أو نوفمبر، وكان مكان هذا الحدث، ابتداء من عام 1956 هو قاعة الشعب الكبرى فى بكين، ويستمر لخمسة إلى عشرة أيام. وفي العقدين الماضيين كان للمؤتمر الوطني دور أساسي في تغيير القيادة في البلاد، لذلك اكتسب اهتمام وسائل الإعلام. ولا ينبغي الخلط بين المؤتمر الوطني العام والمؤتمر الشعبي الذي يعتبر الهيئة التشريعية للصين الذي أصبح أكثر حزما منذ مطلع التسعينات، بتقديمه الكثير من الوجوه الجديدة في النسق الأعلى للقيادة الصينية.
الخطوط العامة
الخطة الخمسية التي ناقشها الأعضاء الدائمون للمؤتمر والمندوبون، لم يثقلها خبراء اللجنة المركزية بالمفاجآت ولا بالتفاصيل، وحددت الأطر العامة للمطالب الداخلية وحجم الصادرات ونوعيتها، فيما أوضح الرئيس جين تاو أن المؤتمر ركز على «تعزيز النمو الشامل» و«تحسين الدخل» للعمال والفلاحين. وهذه عبارات عامة كانت تسمع منذ الأربعينات من القرن الماضي، كما هو شعار المؤتمر «من أجل بناء مجتمع مزدهر». كما حددت الخطة تدابير للحفاظ على النمو الاقتصادي وتوسيع نطاق مزاياه والحد من التدهور البيئي ودعم الزراعة وتحسين الأمن الاجتماعي في الريف وتضييق الفجوة بينه وبين سكان الحضر وإعادة الهيكلة والتحديث الصناعي والحفاظ على المياه وتنظيم العقارات وترشيد الطاقة وتعزيز التجارة الخارجية والكفاءة في الانتفاع برأس المال الأجنبي وإصلاح آلية سعر صرف العملة النقدية ومراجعة ما تم تنفيذه من الأهداف الرئيسية التي وضعت خلال الخطة الخمسية الـ 11 (2006 ـ 2010).
أرقام النجاحات
إن الأرقام التي ناقشها المؤتمرون وأولئك الذين أعدوا الخطة الخمسية مشجعة ولها آفاق، فقد اجتذبت الصين استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 74.3 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بزيادة 16.6 % عن الفترة نفسها من 2009، كما أن تدفق الاستثمارات شهد انتعاشا خاصة بعد انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية في 2001، ولا ينسى إسهامها بنسبة %50 من النمو الاقتصادي العالمي خلال العام 2009.
واللافت أن الواردات الأميركية من الصين زادت هذا العام ووصلت إلى مستوى قياسي بلغ 35.3 مليار دولار، في حين تجاوز احتياطي النقد الأجنبي الصيني 2.64 تريليون دولار نهاية سبتمبر الماضي، ناميا بنسبة %16.5. وأشارت الأرقام أيضاً إلى أن احتياطي الذهب في الصين مازال 33.89 مليون أوقية. كما بلغت قيمة الفائض التجاري الصيني في سبتمبر 16.88 مليار دولار، وارتفعت الصادرات بنسبة 25.1 %، في وقت يواصل فيه اليوان (العملة الصينية) صعوده البطيء مقابل الدولار الأميركي.
عال في الفضاء
ولعل الصين الدولة الأكثر نموا في بناء صناعتها الفضائية وبرنامجها الطموح الذي يثير قلق الولايات المتحدة الآخذة في التراجع في هذا المجال، الأمر الذي منح الصين الفرصة لتضع أقدامها كممثل ثان لسكان الأرض على القمر، لاسيما بعد أن تخلّت الإدارة الأميركية عن برنامج «كونستيليشن» (كوكبة النجوم) لكلفته العالية (10 مليارات دولار، أي ما يقارب عشرة أضعاف موازنة برنامج الفضاء الصيني بحسب أرقام رسمية في الجانبين)، ويتضمن استخدام القمر كمحطة ثابتة لغزو الفضاء.
وهكذا، فإن لدى الأعضاء والمندوبين للمؤتمر العام ما يشجعهم على ترسيخ سياستهم لسنوات خمس أخرى، غير مبالين بالدعوات الخجولة داخليا، والصريحة خارجيا، بتوسيع نطاق الحريات العامة والحد من التضييق والقرارات الحزبية التي تحدد مسار مؤسسات الدولة ورعاياها الذين كانوا المادة الرئيسية لشعار المؤتمر فحسب.