الجمعة، 3 يونيو 2011

العامل الإسلامي في روسيا

على السواءِ واذا قبل تعريف 'المسلم' في الاغلب كدليل على انتساب الجار او المواطن الى سلالة ثقافية معينة فيحدث مع الاسلام احساس غير مفهوم وحتى عدائيِ وينتج عن هذا الاستغراب المنتشر بين 'البسطاء' حقيقة ظهور الاسلام في الاراضي الروسية قبل الارثوذكسية وان النهر الروسي الفولغا لا يسير عبر الاراضي الارثوذكسية فحسب، بل عبر الاراضي الاسلامية ايضاِ ولا يحدد فهم الاسلام بوعي الجماهير ولا بالتأملات الفلسفية عن المبدأ الانساني العام لكل الاديان الكونية، ولا بعدم الاطلاع على الاسلام (غير الموجود عمليا بالكامل) ولا بعدم احترام آثار الاسلام التاريخية الحضارية غير الكثيرة في روسيا، بل يحدد بوسائل الاعلام التي أنشأت بوعي او من دون وعي لدى الانسان العادي صورة الدين الجامد والقاسي الغريب ليس على روسيا وحدها، بل على العالم بأسرهِ ووجد الاسلام نفسه مرتبطا بالاصولية كصفة ملازمة له في اغلب الاحيان 'المفسرة بشكل بدائي وبصورة سلبية كالعادة' والتطرف والارهابِ وتصور النزاعات الواقعة في الحدود الاسلامية ـ المسيحية والمواجهات بين السكان المسلمين والمسيحيين كنتيجة لعدوانية الاسلام دائم.
وتتشكل في روسيا خفية ظاهرة شاذة يسميها بعض الباحثين الروس والمسلمون انفسهم ب 'كراهية الاسلام' (او 'الخوف من الاسلام')ِ ولا تشكل هذه الظاهرة اليوم خطرا على الاستقرار في روسيا غير انها قد تزيد مع ازدياد التوتر عند حدود روسيا مع العالم الاسلامي وسيزداد خطر كراهية الاسلام في حالة نشوب نزاعات تخل بالاستقرار (وليس لاسبابها اهمية).
وتوجد الآن معلومات موثوق بها تدل على ان الاسلام يدخل في عداد العوامل 'المؤثرة' على وعي السكان في روسياِ فحسب معطيات الاستطلاع المجرى من قبل مركز الابحاث الثقافية السياسية لعموم روسيا في يناير
1996
احتلت الاصولية الاسلامية المرتبة الثانية ب 10% من الاصوات بين 'خصوم روسيا' متنازلة عن المرتبة الاولى للولايات المتحدة (41%) وسابقة اسرائيل (3%)ِ وتفهم هذه الحالة درجة المطابقة بين
لاسلام والاصولية الاسلامية لان الانسان العادي يعتبر الاصولية صفة الاسلام النموذجية.
نظم معهد الابحاث وعلم الاجتماع في موسكو في اكتوبر 1994 استطلاعا عن موقف سكان موسكو من الدين والكنيسة وتبين في سيره بان موقف 5 . 16 في المائة من المشاركين بالاستطلاع من الاسلام سلبيِ ومن وجهة نظر الكراهية احتل الاسلام المرتبة الثانية متنازلا عن 'الاولى' لطائفة تواجه حالات التعصب اكثر منه.

ومن المفهوم عدم اعتبار نتائج هذا النوع من الاستطلاعات حقيقة مطلقة. ومع ذلك تعتبر مؤشرا يجب اخذه بعين الاعتبارِ ويمكننا تفسير مثل هذا الموقف من الاسلام بدرجة ما بعدم اطلاع المجتمع الروسي الاولي على تقاليد الاسلام وتاريخهِ ولم يكن في وسائل الاعلام وخاصة التلفزيون برامج مناسبة مخصصة لغير المسلمينِ وظهر هذا البرنامج بعنوان 'الف ليلة وليلة ـ موسوعة الاسلام' في التلفزيون الروسي في عام 1998 فقط بمساعدة صندوق 'اقرأ' وبرعايته وبفضل الصحافي المعروف ياتشمينيفِ
ويدل الاستجواب المذكور المجرى في موسكو بان موقف 5،44% من سكان العاصمة من الاسلام حيادي وموقف 5،13% ايجابي (ليس من الصعب ملاحظة ان الرقم الثاني قريب من نسبة السكان المسلمين في موسكو)ِ اما 'الحياديون' فيتوقف موقفهم على الوضع السياسي ومدى تسرب المسلمين الى الهياكل الاقتصادية وقبل كل شيء في المراكز التجارية للمدينة وسيتحول هذا الحياد الى السلبيةِ ويرتبط بنشاط رجال الاعمال المنحدرين من القوقاز الذي ولد مع الاقتران باعمال العصابات القوقازية مفعول 'كراهية القوقاز' المرتبطة ولو بشكل غير مباشر بكراهية الاسلامِ وجرت في بداية التسعينات في وسط روسيا موجة من الانتفاضات المضادة للقوقازيين التي سببتها زيادة عدد التجار القوقازيين في اسواق المدنِ ونظمت هذه الاعمال العصابات المحلية التي خافت من فقدانها السيطرة على تجارة السوق واحيانا من الشرطة واحيانا باتحادهما معاِ
وجرى الحديث عن حملات التطهير العرقي لانتساب التجار الى دين (ليس ديننا)ِ وجاءت التعليلات الفكرية للانتفاضات المضادة للقوقازيين كثيرا ما من المنظمات القومية الروسية.
وفي اواسط التسعينات ظهر في قاموس عاملي وزارة الداخلية مصطلح 'المافيا الروسية' وطرحت مسألة صلات المنظمات السياسية والاجتماعية الاسلامية بالمجرمينِ واتهموا مثلا، رئيس المركز الثقافي الاسلامي بصلاته مع زعماء البيئة الاجرامية المنحدرين من داغستان والشيشان وتتارستان.
واقتحمت القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في اكتوبر 1996 جامع موسكو واعتقلوا المصلين المتواجدين هناكِ وقال آمر فصيلة الاقتحام بانه تلقى الاوامر من الادارة العاملة للداخلية في موسكو
بتوقيف المشبوهينِ وظهر في موقع الحادث عضو قيادة حركة 'خيار روسيا الديمقراطي' والنائب في مجلس الدوما سيرجي يوشينكوفِ
وحاول رئيس المركز الثقافي الاسلامي نيازوف اضفاء طابع سياسي على هذه القضيةِ وكانت هناك عدة روايات لما حدث: البحث عن مخالفين للقوانين اختفوا في الجامع، محاولة الضغط على المركز الثقافي الاسلامي من جانب السلطات، واخيرا رغبة واحدة من التشكيلات الاسلامية استخدام الميليشيات الحكومية ضد منافسيها.
ومهما كان الامر تحول هذا الحادث الذي نشر على نطاق واسع في وسائل الاعلام الى حجة دورية للحديث عن 'عدم ملائمة الاسلام لروسيا والذي يضيف مشاكل اضافية للسلطة والمجتمع'.
وتشهد احتجاجات سكان مناطق كونكوفا وتوبلستان وتروباريوفو في موسكو في عام 1994 على بناء مركز اسلامي هناك، حيث احبط المتجمهرون مراسم وضع حجر الاساس (وبعد وضعه تم طلاؤه بدهان احمر في الليلة نفسها ). وعارضت المنظمة القومية المتطرفة 'النظام الروسي' انشاء هذا المركز في موسكو (لغت سلطات موسكو فكرة تشييد المركز فيما بعد )ِ وفي غضون ذلك تعرض رئيس تتارستان منتمير شامييف الى الانتقاد من جراء ابداء رأيه بضرورة اخذ 'العامل الاسلامي' بعين الاعتبارِ وكتب احد كتاب جريدة 'النظام الروسي' فلاديميروف بان 'روسيا دولة علمانية وفيها جمهوريات للتتار والبشكير لكن لا توجد
فيها جمهوريات اسلامية'ِ واحتج برلمان موسكو على بناء جامع في الحديقة العامة 'بوكلوننيا' في موسكو (لاسباب بيئية )ِ ومن المعروف ان جزءا من سكان مدن سامارا وأوليانوفسك وبعض المدن الاخرى أبدوا استياءهم من بناء المساجدِ وابدى بعض القساوسة الارثوذكس في احاديث خاصة مخاوفهم من " النشاط الاسلامي ".
فهل يمكننا الحديث عن نمو مزاج 'كراهية الاسلام' في روسيا؟ تكون الاجابة بنعم على الارجحِ لان المجتمع الروسي لم ينضج بعد لادراك صورة روسيا المتعددة الاديان وللاعتراف بجذور الاسلام التاريخية والحضارية
في 'التربة الروسية'ِ ولا بد لوجود مثل هذه العقليات في البيئة الاجتماعية الميالة للنزعة القومية.
وتساعد على ذلك الاحاديث المنتشرة منذ عام 1997 عن ضرورة خلق 'الفكرة الروسية' والوضع الخاص للدين الارثوذكسي في الدولة. وتدفع احاديث المتطرفين التتار والشيشان وغيرهم الذين يؤمنون بفكرة تفوق
الاسلام على الاديان الاخرى الى رد فعل ما من الاغلبية السلافية.
وبعد فشل فكرة البلاشفة بتكوين 'الجامعة الجديدة' وهو مصطلح لوصف الشعب السوفيتي، تكون العودة الى الحصن الثقافي والديني والسلالي امرا طبيعيا وحتمياِ وترتبط هذه الظاهرة عضويا بتشكيل النخبة السلالية الجديدة في جمهوريات روسيا الاسلامية التي يحتاج تثبيتها الى تأمين ايديولوجي وفي هذه الحالة الى تأمين دينيِ وزد على ذلك تستخدم التشكيلات السياسية والمالية المختلفة والعشائر الاقليمية والهياكل الاجرامية العودة الى التقاليد الاصلية لخدمة اهدافها المغرضة. ويساعد كل ذلك بشكل غير مباشر على تقوية تأثير 'العامل الاسلامي' في علاقات الكرملين مع اطراف الاتحاد الروسيِ كانت الاوساط الحاكمة الروسية تنظر الى العامل الاسلامي قبل احداث الشيشان كعامل عابر ليست له اهمية
كبيرة في الحالة السياسية، ولم تأخذ الحسابات التكتيكية بنظر الاعتبارِ وكانت تنظر الى المسلمين بشكل استثنائي كتجمع قومي ونظام اجتماعي وثقافي آخر.
ويبقى موقف السياسيين الروس المنتسبين لحزب السلطة والمعارضة على السواء متمسكا بالاتجاه الاوروبي المسيحي التقليدي واعتبار الاسلام دين ثانوي بالمقارنة مع المسيحية (لا يبدي احد هذا الرأي جهارا)ِ
ومن جهة اخرى لا يزال الاسلام في رأي هؤلاء الملحدين حتى الايام القريبة تقليدا باليا ولم يتطور الا قليلا منذ القرون الوسطى.
ان وحدة المبدأين الدنيوي والروحي في الاسلام غريب على العقلية الاوروبية والسوفيتية. ويشكل بعض المثقفين من المستشرقين والذين حملوا تجارب العمل في الشرق استثناء من هذه القاعدة العامةِ ولا
يمكننا الا ان نذكر وسط هؤلاء الساسة رئيس الوزراء الروسي 'السابق' يفغيني بريماكوف الذي عمل الكثير في الثمانينات لتطوير علم الاستشراق السوفيتيِ.
وهناك من بين الذين يحاولون ادراك الاسلام ومكانته في حياة روسيا الاجتماعية والثقافية والسياسية وزير العدل السابق نيكولاي فيودروف الذي نشر في عام 1993 مقالة نادرة لسياسي روسي عنوانها 'الاسلام
مصيرنا ايضا' اشار فيها الى ان الادراك الاوروبي والروسي لم يقترب من قواعد التقاليد الاسلامية وان 'ِِ يفترض الاعتراف بالاسلام كجزء لا يتجزأ من الثقافة الروسية ويجب ان يسير ذلك سوية مع الدراسة الجادة للحضارة الاسلامية وانجازاتها المعاصرة ويفترض حل المسائل الحقوقية غير البسيطة الخاصة بعمل المؤسسات الاسلامية وضبط حياة المسلمين اليومية وفقا لاعتقاداتهم وتقاليدهم الدينية والاخلاقية الحقوقية'.
ويتضامن مع هذا الموقف العديد من الخبراء الروس المستقلين والمختصين بدراسة الاسلام، وخاصة سيوكياينين التي توفت في عام 1995 والمؤرخة بولونسكيا ويراسوفِ ويناقش المختصون اكثر فأكثر مسألة استخدام احكام الشريعة التي لا تتناقض مع التشريعات الروسية لتطبيقها في الجمهوريات والمناطق التي يسكنها المسلمون بشكل مكثفِ
ويبقى موقف الليبراليين الروس من الاسلام متحفظا ولا مبالياِ وعندما اختاروا نهج الاقتراب من الغرب كاتجاه وحيد وصحيح لهم، تجاهلوا بدرجة كبيرة الصلات المتكونة في الاوقات السوفيتية مع الشرق الاسلامي
ولا يلاحظون وجود ملايين المسلمين في روسياِ ولم يهتموا بالاسلام الا لاظهار تطرفه: الحرب الاهلية في طاجيكستان واعمال منظمات ارهابية في الشرق الاوسط.
وكانت بعض التغييرات التي حدثت في اواسط التسعينات بسبب ادراك عدم فاعلية الاتجاه الوحيد للغرب. وتجسد ذلك بتغيير وزير الخارجية اندريه كوزيريف بيفغيني بريماكوفِ واتخذ في هذا الوقت المحاولات
لاعادة سمعة روسيا ولو بشكل جزئي في الشرق الاوسط وجرى الحديث عن اهتمام روسيا بالمحافظة على مواقعها في آسيا الوسطىِ ونشط حينذاك انصار 'النزعة الاوروبية ـ الآسيوية الجدد القريبين من البلاط' الذين
وجدوا في الاسلام حليفا طبيعيا لروسيا والاسلام كركيزة اساسية للثقافة الاوروبية ـ الآسيويةِ وقال وزير الخارجية في مارس 1994 كلمات مشهور: 'لا اعرف اذا كان احد في المؤسسات الحكومية يستخف بدور
العامل الاسلاميِ آمل ان هذا غير موجود وقوله 'تقف روسيا في طليعة بلدان العالم كنموذج للتعايش السلمي وِِِ التفاعل بين الاديان الكبرى'ِ
وقل شعورهما في عام 1994 بأهمية 'العامل الاسلامي' في الحياة السياسية الروسية بعد انصراف حزب النهضة الاسلامي من المضمار السياسي وتأسيس حركة 'نور' واتحاد مسلمي روسيا بعد اكثر من سنةِ وظلت امكانية حل النزاع الشيشاني بلا ألم نسبيةِ وتحولت الصحوة الدينية الى عملية عادية وحتى روتينية ولم تثر الاصولية الاسلامية خوفا مذهلا كما كان الحال عليه في السابقِ ووصف المؤلف الحالة في ذلك الوقت ب
'
التوقف الاسلامي' و'دقق' لقد تعودنا على كل شيء ولا نعتقد بحدوث ما هو طارئ كل شيء هادئ في العالم الاسلاميِِ هادئ للغاية.
واذا كان موقف النخبة الحاكمة الروسية من العالم الاسلامي الخارجي متزنا وبراغماتيا، فان نظرها الى الاسلام في داخل روسيا لم يكن كذلكِ ويشبه الى حد ما موقف السلطة السوفيتية الذي كان الاسلام بالنسبة
لها يقسم الى خارجي يتميز بصفات حميدة ويعطون الحق لوحدة الدين والسياسة واسلام 'منزلي' لا يعدو اكثر من تقليد ثقافي تاريخي وفولكلور تمنع عليه السياسة ولا يمكن مقارنته بالاسلام 'الخارجي' من حيث
تأثيره على المجتمع.