الجمعة، 3 يونيو 2011

اعلان الجهاد

وادت عملية تسييس الاسلام واعلان الجهاد كشعار للمقاومة الشيشانية الى امالة القسم الاكبر من الشيشانيين نحو الاسلام وكانت الشيشان الاقليم الاسلامي الوحيد في روسيا الذي ظهرت فيه بوادر انشاء دولة اسلامية. فقد صرح جوهر دوداييف لمراسل الجريدة الاميركية 'تايم' بكل وضوح: 'دفعتنا روسيا للسير بطريق الاسلام ولم نكن مستعدين لاستيعاب القيم الاسلامية'.
ومن البديهي ان 'العامل الاسلامي كان موجودا في السياسة الشيشانية قبل دخول القوات الروسية في ديسمبر 1995 للشيشان (الاجتياح الروسي للشيشان بدأ في فجر 11 ديسمبر 1994 -). ولجأ الشيشان الى الاسلام من اجل تجاوز الخلافات بين العشائر والمصالح المختلفة بين التشكيلات المسلحة وبالدرجة الاولى بصفته اداة للضغط على الخصوم، وكان انصار دوداييف وخصومه على السواء يستشهدون بالتعاليم الاسلامية لاتهام بعضهم البعض في مسائل مثل اغتصاب السلطة والحق في قول الكلمة الاخيرة، واظهر نظام دوداييف في عام 1992 تعلقه بالمؤسسات التقليدية (العشائرية والدينية وغيرها) ولم يكن تعليق المعارضة بها اقل.
ودفع عجز محمود غاركايف لتأمين ولاء المفتية لدوداييف الى تغييره في عام 1994 بمحمد حسين السابيكوف الاكثر حزما.
ولاحظ الباحث أ . كودريافتسيف بان اغلبية رجال الدين في الشيشان 'اشركوا في الصراع السياسي الداخلي الحاد، حيث ايد الجزء الاكبر من رجال الدين العاديين نظام دوداييف واعتبروه امام الشيشان، اما رجال
الدين الآخرين وبخاصة المفتي ارسانوكايف وانصاره وكذلك النقشبنديون فبقوا يعارضونه'، وننبه الى ان الصراع السياسي الداخلي فجر الخلاف بين مريدي الطريقتين النقشبندية التي ينتمي اليها سكان السهول والقادرية التي يتمسك بها الجبليون امثال دوداييف'.
ونشأت في الشيشان عدا المفتية والمركز الاسلامي، منظمة سياسية اجتماعية اخرى استعانت برجال الدين وهي 'ميخك كهيل' (مجلس الشيوخ)، وكان هذا المجلس يتولى حل المشاكل بين العشائر كمهمة رئيسية لوجوده ولكن اضفى عليه طابعا دينيا وتحول الى اداة لتأييد دوداييف، غير انه اظهر بعض الاستقلالية وانتقد الرئيس دوداييف من وقت لآخرِ استغلال الاسلام ولم يهتم الجزء الاكبر من المثقفين الشيشانيين بمحاولات استغلال الاسلام في الصراع السياسي، وكان نفس الموقف اتخذ من الجاليات الشيشانية التي تسكن موسكو والمدن الروسية الاخرى ولم ينسبوا انفسهم لاية طريقة صوفية.
وتعامل المثقفون الشيشانيون مع مسألة ادخال احكام الشريعة الاسلامية في الجمهورية بتحفظ واعتبروا ذلك احيانا بانه امر غير مسموح به وغير ممكن، ولم يراع هؤلاء القواعد الاسلامية في حياتهم لكونهم تربوا خارج البيئة التقليدية ولم يلتزموا باداء الصلاة والممنوعات الاخرى وكانوا يكنون العداء للعيش حسب احكام الشريعة.
وادى اعلان الجهاد الى تخلي المجاهدين عن تعاطي المشروبات وكان ذلك بمثابة الدفعة المباشرة لنشر الاسلام، وكان الكثير من السكان المحليين ينتقدون علنا اعلان الجهاد لمعرفتهم بان المقاتلين الذين يظهرون
تمسكهم بالاسلام لم يعرفوا آية واحدة من القرآن ولا يوجد لديهم ادنى تصور عن الاسس العقائدية لهذا الدين.
ونظر الخبراء والعسكريون الروس الى المجاهدين كقطاع طرق يزايدون بالاسلام واعترضوا على صبغ المقاومة الشيشانية بالاسلام لان ما جرى بنظرهم لا يعدو كونه 'معارضة غير مبدئية اثيرت لاسباب شخصية'ِ واعتقد هؤلاء متأثرين بالتصورات الراسخة من الاوقات السوفيتية بان من المستحيل بعث الدين في وعي الشباب.
وكانوا واقعيين الى حد ما لان الاسلام لم يعين وعي الشباب عشية الحرب. غير ان تحول الصراع الداخلي الى حرب بين غروزني وموسكو دفع العدد الاكبر من الشعب للتضامن مع شعار الجهاد في سبيل الدينِ وتحول هذا الشعار بعد تدمير العاصمة الشيشانية وبعض القرى الى رد فعل طبيعي على ما يحدث. وجرى في الوعي الاجتماعي اعادة الظاهرة التي يطلق عليها 'ذاكرة التاريخ' التي تعيد 'ترابط الازمنة المتلاشية خلال سنوات السلطة السوفيتية'ِ وشعر الشيشانيون من جديد بقربهم للاسلام
وقربه منهمِ وعاد الجهاد كما كان في زمن الشيخ منصور ايديولوجية النضال من اجل الاستقلالِ ومن البديهي عدم مطابقة الحالة التي كانت في نهاية القرن الماضي معها في نهاية القرن الحاليِ في الحالة الاولى كان الناس متمسكين بتقاليد ما قبل الاسلام وفي الحالة الثانية تأصلت في المربين 'قواعد الشيوعية الاخلاقية' المبنية على عدم احترام الدينِ
وفي الحالتين كان التصور السطحي للغاية عن الاسلام هو السائد بين من يسمى مسلما بالاسم، ولكن شعور الفرد بذاته وتأثيره في المجتمع اكتسب هنا اهمية حاسمة.
وكان الشيشانيون مهما كانت ضحالة تنورهم الديني يثبون ذاتيا للاصطدام مع روسيا ليس لدافع قومي فحسب، بل كنتيجة لكل العوامل الدينية والاثنيةِ وحسب الاستطلاع الذي اجراه معهد الابحاث الاجتماعية والسياسية التابع لاكاديمية العلوم الروسية يوافق 60% من الشيشانيين على 'اعطاء الدين الدور القيادي في مجالات الحياة كلها'.
ونرى بان كلمات الرئيس الشيشاني السابق سليم خان ياندرباييف العقلانية عن ماهية الجهاد تستحق التوقف.
قال مثلا: 'لا اظن بان الاسلام في الشيشان كان منتهكا الى تلك الدرجة التي يحتاج بعثه الى ثورةِ تجري عملية بعثه بالفعل غير ان مفهوم الغزو والجهاد اكثر ملاءمة لتفسير العملية الحاصلةِِ من البديهي ان الكثير من الشعوب الاسلامية الاخرى المشتعلة بنار الجهاد اشركت في هذا النضالِ وبالتالي لا يمكن الحديث عن ثورة اسلامية، بل عن الجهادِ
والمتمسكون الجدد بالدين يرون في خدمته تكفيرا عن ماضيهم الخاص، ويعطي الانفصال بعدا شرعيا في عيون المسلمين في حالة لو كان جهاداِ وفي الوقت نفسه يوطد السمعة الاجتماعية للمجاهد وخاصة الشابِ الم يؤد
ذلك الى تهميش دور الشيوخ الذين لم يستطيعوا المشاركة بالحرب بسبب عمرهم؟ وليس هذا فحسب، بل كانوا ينظرون اليهم كحملة روح 'الماضي السوفيتي الاستعماري'.
ان المشاركة بالجهاد في ظروف حرب العصابات الشرسة تعطي الاحساس بان كل شيء مباح ضد العدو الكافر بما فيه الاعمال الارهابية واحتجاز الرهائن فضلا عن نداءات تشير الى تفوق المجاهدين على سواهمِ جاء في الانذار المرسل الى صحيفتي 'كازاتسكيه فيدميستي' و'تيرسكي قازاق' مايلي: 'ايها المخلوق الروسي الدنيء سنقوم بما لم يتسن لهتلر القيام به نحن المسلمون المؤمنون!'ِ واطلقت الفصيلة الانتحارية على نفسها 'مقاتلي الله' واشارت الى انه 'اذا دمرت الشيشان فسنكون مستعدين لتدمير روسيا ايضا'ِ وتوجه احد انصار الارهاب الاكثر بأسا سلمان رادوييف ( مات في ظروف غامضة في سجن ليفرتيفو في موسكو في 2002 ) في منشوراته الموجهة لجميع القوقازيين 'ببدء الغزو باسم الله وقتل الجنود الروس ".
والخاصية الثانية لنشر الاسلام في الشيشان تنحصر في تحويله الى ايديولوجية رسمية واستخدام احكام الشريعة لبناء الدولة المستقلة عن روسياِ وكما الحال في الجهاد بدأت فكرة انشاء الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة كاعلان عادي ترسخ بالتدريج في الوعي الاجتماعي كدليل على اصالة الشعب الشيشانيِ وحظر العامل الخارجي الجاهز من جديد وهو مواجهة روسيا كباعث لبناء الدولة الاسلامية.