الجمعة، 3 يونيو 2011

مؤتمر ساراتوف

وانتشر حزب النهضة بين المثقفين وسط روسيا وكان ابرزهم والي احمد سادور وحيدر جمالِ وحاول الحزب بامكانياته المتواضعة مساعدة انصاره المضطرين للهجرة من آسيا الوسطى الى روسيا ونظم حملة لجمع العرائض التي نددت بالاضطهاد الذي تعرض له الحزب في الجمهوريات السوفيتية التي سرعان ما اصبحت مستقلة.
وتسنى في ابريل 1992 بفضل نشاط سادور وبيبرسوف الذي تعاون معه وقتذاك عقد المؤتمر الاقليمي لفروع حزب النهضة في القسم الاوروبي من الدول المستقلة وسيبيرياِ وعقد المؤتمر في مدينة ساراتوف وحضره 53 مندوبا ووصل ممثلو الحزب من آسيا الوسطى، ولكن لم يصل الى ساراتوف اختايف وجمال. وقام المؤتمر بالمحاولات الاخيرة لنشر حزب النهضة في عموم الاتحاد السوفيتي السابقِ وكانت القضايا الدينية تتراجع الى الظل في سير المؤتمر وكان الجزء الاكبر من الخطابات مكرسا لمناقشة المشاكل القومية وقبل كل شيء التتاريةِ وكانت كلمة سادور متميزة ، اذ اعار الاهتمام الكبير للعلاقات مع موسكو وقازان وسيادة تتارستانِ قال: 'عندما نؤيد نظريا وحدة روسيا فاننا نكون ضمنيا من انصار سيادة الجمهوريات الاسلامية ذات الاغلبية العظمى من المسلمين الداخلة في قوام الاتحاد وبالاخص تتارستان وبشكيريا".
لكن سادور لم يقل شيئا عن سيادة جمهوريات شمال القوقاز وقبل كل شيء الشيشان، حيث كانت الروح الانفصالية تنمو بقوة. واظهر مؤتمر ساراتوف في حقيقة الامر الانشقاق في داخل حزب النهضة الاسلامي وبداية تفككه. ولقد تحدث سادور في عام 1993 عن 'شلل القيادة' والتناقضات بين زعماء الحزب ومجلس العلماءِ وظن الراديكاليون من جهتهم بأن حزب النهضة حافظ على قدرته وبقائه على قيد الحياة ويمارس نشاطه. ومهما كان الامر بدا الحزب بالتلاشي بدرجة معينة. وعندما انتهت مدة تسجيل حزب النهضة في عام 1994 لم يحاول احد من رؤسائه اعادة تسجيلهِ وبالتالي خرج الحزب الاسلامي الاول في روسيا من المضمار السياسي، ولم ينفذ ولو شكليا واحدة من المهمات التي صاغها برنامجه في البداية.
يمكن ان يسخر احد ما من المحاولة الاولى لتأسيس حركة سياسية اسلاميةِ لكن المشاركين في عملية البناء الاول قاموا دون ان يدركوا بالخطوات الاولى، ومن الممكن اصعبها في طريق عودة الاسلام في روسيا الى السياسةِ وساعد حزب النهضة في معنى معين على 'اعادة الاعتبار لمفهوم الاصولية الاسلامية' الذي فسر لأول مرة بشكل ايجابي علنياِ وقام بذلك مثقفون بعيدون عن مظهر المقاتل الاسلامي الحامل للرشاش حسب الصورة التي تلصقها الصحف في مثل هذه الحالاتِ كان عمل حزب النهضة الاسلامي المتواضع يواجه ويخرب الصورة المبتذلة التي يتبناها الموقف من الاسلام السياسي.
وأنهى حزب النهضة الاسلامي الاحتكار المفروض من رجال الدين الرسميين المتربين على روح الخضوع للسلطات بمسائل تفسير الاسلامِ وكان الحزب سابقة في مسألة تفسير دور الاسلام في المجتمع بشكل مستقل.
وأخيرا ، لحزب النهضة الريادة في صياغة المهام التي ظهرت في بداية التسعينات طوباوية ، وجعلها تكتسب صفات ملموسة في اواسط العقد: الحديث يخص انشاء تكتل اسلامي في مجلس النواب الدوما وتمثيل المسلمين في هياكل السلطة.
تجدر الاشارة من اجل العدل الى ان النقد الرئيس الذي وجه للحزب لم يدو في المحافل السوفيتية الرسمية (الروسية فيما بعد)، والتي كانت تتجاهله عمليا، بل من رجال الدين المسلمين الذين كانوا يخافون على مواقعهم وشعبيتهمِ وكانت الانتقادات تظهر كثيرا ما بالاساس من الادارة الدينية للشطر الاوروبي من روسيا وسيبيرياِ كان حزب النهضة الاسلامية يتهم بالوثائق الرسمية المرسلة من هذه الادارة الى الهيئات السوفيتية والروسية فيما بعد بالاصولية والتطرفِ غير ان حزب النهضة وغيره من الحركات الاسلامية الاخرى لم يتعرض في ذلك الوقت وفيما بعد لأي ضغط من جانب السلطات.
صحيح ان زعماء حزب النهضة الاسلامي كانوا يؤكدون بان اجهزة الامن تستمع لمكالماتهم الهاتفية، وانه من الصعب عليهم فتح مقر للحزب، لكن لم يصب احد منهم بالأذى وعاش الحزب حتى 'وفاته الطبيعية'.