السبت، 4 يونيو 2011

جامع موسكو

ألتمس المفتي محمد جان حسينوف رئيس المجلس الديني في مدينة أورينبورغ في أكتوبر عام 1805 من محافظ موسكو العسكري بيكليشوف السماح ببناء جامع موسكو . ولم يكن حسينوف رئيس المجلس الديني الإسلامي فحسب ، بل كان عضوا في الجمعية الاقتصادية المستقلة التي تأسست في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي أيام حكم إيكاترينا الثانية وكانت لهذه الجمعية هيبتها في الإمبراطورية الروسية وكانت تضم ممثلي الطبقة العليا من النبلاء والموظفين الروس الكبار .

وجاء التماس المفتي حسينوف بصفته ممثلا عن رجال الدين المسلمين وشخصا امتلك صلاته الجيدة بالعاصمة . لذلك أمر محافظ موسكو العسكري بيكليشوف حاكم المدينة باليشوف بجمع المعلومات عن سكان موسكو من المسلمين والإدلاء باقتراحاته حول بناء الجامع . وفي نوفمبر 1805 قدم رئيس شرطة موسكو تقريرا الى المحافظ جاء فيه : " يوجد في حي تتارسكيا 12 بيتا يمتلكها الناس من أتباع دين محمد ( الوثائق التي اطلعنا عليها لم تذكر أو تصف المسلمين الا بهذه التسمية لغاية بداية القرن العشرين ) ويسكن فيها 57 رجلا و 45 امرأة ويصل الى هذه البيوت سنويا 250 - 300 شخص تقريبا يمرون بموسكو لغرض التجارة . ولا نعتقد بأن إنشاء بيت للصلاة للمحمديين سيثير قلاقل كما أثيرت في بطرسبورغ ، وسيتعود سكان موسكو على تفهم ذلك وإرساء قواعد التسامح بين الأديان.

ويبدو من تقرير مدير شرطة موسكو الإيجابي أن الأمور ستجري على ما يرام خصوصا أن محافظ موسكو العسكري أعطى توكيله لمدير شرطته للبت في الموضوع . وذيل محافظ موسكو العسكري بتوقيعه موافقته على بناء الجامع .

لكن الأخبار وصلت الى المطران الروسي بلاتون الذي علم ببناء الجامع وبعث فورا برسالة الى محافظ موسكو العسكري شجب فيها قراره بالموافقة على بناء الجامع واعتراضه الحاد على هذا القرار . وتضمنت الرسالة أيضا هجوما وقحا على الدين الإسلامي ومغالطات تاريخية ودينية كثيرة . ولهذا السبب وبغية تفادي مواجهة ما هدد المطران بوقوعها قرر محافظ موسكو العسكري تعليق قراره ببناء الجامع .

ورفع الطلب الثاني الخاص ببناء الجامع من قبل مجموعة من التجار المسلمين الموسكوفيين في أغسطس عام 1816 . حيث كانت تجري الأعمال النشطة لبناء موسكو بعد حريق المدينة الشهير عام 1812 . وأمر محافظ موسكو العسكري تورماسوف بإجراء استفتاء لسكان حي تتارسكيا ( يسمى الآن نوفي كوزنيتسكيا ) حول صحة ما ورد في الطلب المرفوع اليه بوجود جامع في شارع بياتنسكيا في الحي المذكور ودمر أثناء الحريق . وبينت نتائج الاستفتاء بأنه وجد " مكانا " منذ نهاية القرن الثامن عشر في فناء الدار التابعة لمترجم هيئة الخارجية سلمان ميت ميرزا . وكان المسلمون يجتمعون في هذا الفناء لأداء الصلاة وقراءة القرآن والاستماع الى الأحاديث والمواضيع الدينية الأخرى التي كان يقوم بها الملا عبد الله أوزبيكوف . غير أن أغلبية المسلمين وضمنهم الأمير سلمان والملا عبد الله قد هلكوا بسبب الطاعون في عام 1782 . وباع ورثة الأمير الدار الذي كان المسلمون يصلون في فنائه للتاجر شيوكين الذي دمر الفناء الذي اتخذه المسلمون كجامع .

وبعد إجراءات التحقيقات الكاملة على نتائج الاستفتاء سمح محافظ موسكو في عام 1817 للجمعية التتارية الموسكوفية بـ " اتخاذ مبنى خاص لغرض العبادة والصلاة " ولكن بشرط أن يكون طراز المبنى لا يشبه البناء التقليدي للجامع ؛ أي بلا مئذنة ولا قبة ويشبه البيوت الأخرى المجاورة . ورفضت الجمعية التتارية هذه الشروط القاسية ولم تحل مرة أخرى قضية بناء جامع موسكو .

وفي عام 1923 قدم التاجر نزادباي علي باييف طلبا آخر لمحافظ موسكو العسكري غوليتسين ببناء جامع على أرضه الخاصة وفي نفس حي تتارسكيا . ووافق محافظ موسكو . وبدا بناء الجامع بطبقة واحدة من الطابوق . ووضع المحافظ شروطه أيضا حيث منع الآذان . وكذلك بناء الجامع كبيت عادي يشبه البيوت الأخرى ويمكن فقط أن يطلق عليه تسمية " الجامع " . ووافق علي باييف على شروط المحافظ . وبنى الجامع بحيث شابه بطراز بنائه بيوت المدينة العادية وأضاف له مئذنة صغيرة عند البوابة .

وفي عام 1880 بدأت مظاهر الجامع تظهر في هذه البناية ، حيث أعد المهندس المعماري بيفينتسكي ونفذ تصميما جديدا له . أضيفت اليه بنايتان حجريتان جانبيتان وأبراج عالية حملت مئذنتين وبنيت على سقفه قبة كبيرة ولأول مرة ظهر الهلال في سماء موسكو في هذا التاريخ . وبني قبو كبير ووسعت الساحة المحيطة بالجامع وكذلك فنائه وزينت جدرانه بالنقوش الإسلامية والآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة .

ولأسباب غير معروفة للآن اغلق الجامع بعد وصول " أوامر عليا " الى محافظ موسكو العسكري . ولم يفتح الا في عام 1905 وبدون شروط هذه المرة . وفي نفس الوقت كان المعماري جوكوف يصمم بناء جامع آخر بناء على طلب المجلس الديني الإسلامي لمدينة أورينبورغ . وألحق في جامع موسكو مدرسة دينية في مبنى منفرد شيد منه . وبعد ثورة 1917 أغلق الجامع وكانوا يفتحونه عند زيارة الوفود الإسلامية وبعض رؤساء الدول الإسلامية الصديقة للاتحاد السوفيتي السابق حتى استرده المسلمون في عهد البريسترويكا في عام 1987 .