السبت، 4 يونيو 2011

التمسك بالاسلام

وكان مسلمو شمال القوقاز يخفون اداراتهم الدينية في الجبالِ واكتشف مع مطلع البريسترويكا بأنه تم اخفاء عدد لا بأس به من المخطوطات العربية تعود الى القرون الوسطى في المناطق الجبليةِ وكانت تعمل هناك بعض الحلقات الدراسية لتعليم اللغة العربية والقرآن.
وظهر رجال الدين في القرى التتارية والبشكيرية التي لم يكن فيها مساجد ـ كان يطلق عليهم تسمية الملا ، وكان هذا ردا معينا على أعمال السلطات.
وكان يتم اختيار الملالة من المسلمين العاديينِ وأثر مستوى تعليمهم المنخفض على نشر المعارف الدينية العميقةِ وكان هؤلاء يحافظون على تقاليد الحياة الاسلامية اليومية ولم يدخلوا في مناقشات مع الملحدين الرسميين.
وتجدر الاشارة بشكل خاص الى مقاومة الشيشان للسلطة السوفيتية والتي لم تتوقف تقريبا في العشرينات ـ الثلاثينات وكذلك الى الانتفاضات المسلحة العرضية للشعوب الجبلية الاخرى التي رفعت شعار الجهاد. يكتب عبدالرحمن افتور خانوف المؤرخ والكاتب الاجتماعي الشيشاني: " اذا كان من الصعب تحديد الصلات التنظيمية لانتفاضات الجبليين، فان الصلات القومية والفكرية فيها بينة. كانت ترفع فيها شعارات الغزو لمؤسسي حركة استقلال الجبليين، منصور، حمزات بيك، الملا غازي وشامل ومثلت شرارة انطلاق هذه الانتفاضات " ، وكانت انتفاضة عام 1940 بقيادة حسن اسرائيلوف الاخيرة.
ولم يتغير موقف السلطات السوفيتية من الدين في السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية بشكل ملحوظ.
ولم تقدر قوة الدين كعامل للتعبئة ضد الفاشية الالمانية الا في وطيس الحرب. وزد على ذلك كان ستالين والمحيطون به ممتنين لما أبداه رجال الدين من تضامن جماعي تقريبا مع السلطة السوفيتية لمقاومة العدوانِ ولم يكن مسلمو روسيا استثناء حيث اعلن رجال الدين المسلمون ذوو الشأن في أيام الحرب الأولى نداءات للنضال ضد العدو المشترك ووصفوا مقاومة الشعب السوفيتي للعدوان بالجهادِ وتبرع رجال الدين المسلمون مثل الكنيسة الارثوذكسية بالأموال التي كان يجمعونها من المسلمين الى الجيش الاحمر (انتجت بحسابها مثلا الدبابات).
وعقدت الادارة الدينية للمسلمين في أوفا اجتماعا استثنائيا صاغوا فيه نداء تمت قراءته في كل المساجد. واتخذ المشاركون في مؤتمر رجال الدين لشمال القوقاز نداء مماثلا.

هتلر و المسلمين

ومع ذلك ينبغي القول ان القيادة الالمانية كانت تحاول الاستفادة من "الورقة الاسلامية" هي الاخرى، وكانت ألمانيا تريد ان تظهر بوصفها 'مدافعة عن الاسلام'، وارادت من وراء ذلك استخدام المسلمين في الحرب ضد الحلفاء وبالدرجة الاولى ضد بريطانيا العظمىِ لأن الجزء الكبير من رعايا الامبراطورية البريطانية كانوا من المسلمينِ وكان الاستراتيجيون الالمان ينظرون الى مسلمي الاتحاد السوفيتي كحلفاء محتملين لألمانيا. وزاد توتر العلاقة بين المهاجرين اليهود في فلسطين والعرب المسلمين الى زيادة عطف هتلر على الاسلامِ ومن المعروف ان مفتي فلسطين أمين الحسيني كان يزور المعتقلات الالمانية التي كانت تبيد اليهود. واعدت بأمر هتلر عدة نداءات الى المسلمين السوفيت وبالدرجة الاولى الى جبليي القوقاز.
وكان العمل يجري بين الأسرى السوفيت المنحدرين من المناطق الاسلاميةِ ونظمت في تكوين الجيش الالماني فرقة اسلامية خاصة وكانت تعمل فيها كتيبة 'اديل ـ اورال' المشكلة من المهاجرين السوفيت وكذلك من الاسرى التتار في الغالب (شكل مسلمو الكتيبة اساسا للجنة الوطنية التتارية ـ البشكيرية المنظمة في المانيا في عام 1947)ِواستؤنف في شمال القوقاز نشاط حسن اسرائيلوفِ وفي النصف الاول من عام 1942،وعندما كانت القوات الالمانية تقترب بسرعة من شمال القوقاز بدأت انتفاضة الشيشان ـ انغوشيا التي تزعمها ماير بيك شيريبوفِ وتسنى للثوار تنظيم اركان حرب موحدة واعلن عن تشكيل 'حكومة مؤقتة'، وكان تأييد الثوار لألمانيا مجرد خطوة تكتيكية لنيل الاستقلال التام لشعوبهمِ

عمليات التهجير

وأدت محاولات الالمان لكسب المسلمين السوفيت الى نجاح معينِ ومهما كان الامر كان بعض المسلمين يتعاونون مع العدوِ وكان رد فعل السلطات السوفيتية على ذلك فوريا وتمثل في تهجير المسلمين الى آسيا الوسطى وكازاخستانِ لا ينبغي النظر الى عمليات التهجير الجماعي للشيشان والانغوش والبلقاريين وتتار القرم الذي جرى نهاية الحرب في سياق سياسة السلطة السوفيتية المعادية للدينِ لأن الأمر أثير لأسباب أخرى ولا يدخل تحليلها في مهمتنا. ولكن من الملائم الاشارة الى ان كل الشعوب التي تم تهجيرها كانت مسلمة. الامر الذي أثار فيما بعد العلاقة المتبادلة بين السلطة والاسلام.
وعندما نلخص نتائج المرحلة الثانية لتاريخ الاسلام في الاتحاد السوفيتي نشير الى ان الحياة الدينية بضمنها حياة المسلمين في روسيا الاتحادية نفسها في نهاية الثلاثينات والنصف الأول من الاربعينات كان يرثى لها. وكنتيجة للسياسة الرامية لجعل المجتمع السوفيتي ملحدا تم تدمير الثقافة الاسلامية الكلاسيكية والغاء الفئة الرقيقة للنخبة الروحية والغاء نظام التعليم الدينيِ وتعرضت للاضطهاد ايضا السنن اليومية والتقاليد الدينية (واتضح ان هذه التقاليد كانت في آسيا الوسطى خلافا للمناطق الاسلامية في الفولغا وغيرها أكثر ثباتا وتكيفا للوقائع الجديدة وتمكنت من التوازن معها) ، وبهذا المعنى يمكننا مقارنة الاسلام في آسيا الوسطى مع الاسلام في شمال القوقاز الذي استطاع ايضا المحافظة على أعمدته الرئيسية وبقي عاملا هاما لتنظيم العلاقات الاجتماعية.

المرحلة الثالثة للعلاقات بين الاسلام والسلطة حلت في أواسط الاربعيناتِ وتميزت ببعض الليبرالية الدينية لسببين رئيسيين: أولا، ساعدت الحرب موضوعيا على التمسك بالدين واضطرت السلطات عمل حساب لذلك.
ثانيا، ساعد التمسك بالدين الى توحيد الشعب السوفيتي في سنوات الحرب. وأصبح تأسيس الادارات الاسلامية الثلاث في عام 1943، بمثابة اعتراف بفضل المسلمين ورجال الدين ( ادارات شمال القوقاز بمركز بويناكس وفيما بعد في محج قلعة وادارة ما وراء القوقاز في باكو وادارة آسيا الوسطى وكازاخستان في طشقند).
وبدأت ادارة آسيا الوسطى بالتدريج بالتمتع بنفوذ كبير من بين الادارات الأربع لمسلمي الاتحاد السوفيتي، وكان كل مفتي جديد لهذه الادارة يدعي بدور الزعيم غير الرسمي لجميع المسلمين السوفيت.
وكانت تحت اشراف ادارة آسيا الوسطى مؤسسة للدراسات الاسلامية العليا هي الوحيدة في الاتحاد السوفيتي وكذلك مدرسة 'مير ـ عرب' في بخارى التي لم تقبل الطلبة الا بموافقة طشقندِ وبعد انشاء ادارة آسيا الوسطى بدأت السلطات تنظر للادارات الاخرى بشكل ثانوي وكممثلة ل 'الريف الاسلامي السوفيتي' وكان رئيس هذه الادارة يحظى بأكبر سمعة في أوساط المسلمين خارج الاتحاد السوفيتي.