السبت، 4 يونيو 2011

الأحزاب والتشكيلات السياسية

اما منشورات الاحزاب والتشكيلات السياسية فيمكننا الاشارة الى جريدة 'الوحدة' لحزب البعث الاسلامي وجريدة 'علم الاسلام' المقربة من اتحاد مسلمي روسيا والتي تصدر في القوقاز.
وبدأ السكرتير الاول السابق لاتحاد مسلمي روسيا احمد خليتوف باصدار جريدته 'صوت احمد' في نهاية عام 1997ِ وتصدر جريدة 'الطين اوردا' للحزب الراديكالي التتاري و'الاتفاق'. ( موادها تنشر باللغتين الروسية والتتارية) والمجلة الشيشانية 'اسلامان زانرش' التي كانت تصدرقبل الحرب الشيشانية ويمكن الاشارة الى طابعها القومي والاقليميِ
وحاولت بعض المطبوعات الابتعاد عن التنظيمات السياسية والادارات الدينيةِ ونخص في ذلك بدرجة ما جريدة 'الانباء الاسلامية' المذكورة وملحقها الشهري 'ضوء الاسلام'.
ومن الصعب جرد العدد الاجمالي للمنشورات الاسلامية لأنها تتغير باستمرارِ وتصدر الكثير من الجرائد (إذا لم يكن اغلبها) بشكل متقطع نظرا للصعوبات المالية والتعقيدات المرتبطة بالعثور على المؤلفين الثابتين ذوي الكفاءة.
وتنشر في كل الصحف عمليا مواضيع رجال الدين المرموقين والمؤلفين الذين يعتبرهم الباحثون والساسة الاوروبيون راديكاليينِ ونرى اكثر من غيرهم اسماء آية الله الخميني والباكستاني ابو علي المودودي والمصري يوسف القرضاوي ورئيس الاخوان المسلمين السوداني حسن الترابيِ ويبدو ان مواد اللاهوتيين الاجانب تعوض انعدام المقالات النظرية الرصينة والتي تحمل طابع الوعظ للأئمة والعلماء في روسيا.

ومن بين المؤلفين المحليين الذين يكتبون اكثر من غيرهم راوي عين الدين، طلعت تاج الدين، مقدس بيبريسوف، نفيفولا عشيروف، الفيلسوف الاسلامي حيدر جمال والمثقف الاسلامي المعروف وليع احمد صادور.

وبالمناسبة ، ينشر هؤلاء جميعهم مقالاتهم في الصحف العلمانيةِ
وتشغل المواد التنويرية حيزا مهما في المنشورات الاسلامية الدوريةِ وكانت الصحف في بداية التسعينات تركز على القواعد الاساسية لأداء الصلاة وتوضح معاني الاعياد الدينية وتنشر مقتطفات من القرآن
يصاحبها التفسير اللازم وكذلك مقتطفات من السنة النبوية.


التفسير باللغة الروسية

واعتبر نشر السور القرآنية باللغة الروسية اهم شيء قدمته هذه المنشورات، لأن المسلمين في روسيا كانوا يعانون من صعوبة فهم القرآن، ناهيك عن قراءته بأنفسهم وكانوا لا يفهمون ما يقرأ عليهم حتى لو صدر من شفتي ملا محترفِ ونشرت ترجمة القرآن الجديدة باللغة الروسية لعثمانوف (مع التعليقات العلمية) في اواسط التسعينات فقطِ
ويكرس الحديث عن تاريخ الاسلام وتناقش عادة مسألة الاصولية الاسلامية التي ينظرون اليها كظاهرة صحية بشرط عدم خلطها بالتطرف والارهابِ وتعمل الصحافة على نحو الامية الدينية وكثيرا ما يحدث ذلك بشكل مبسط وهذا الامر لا بد منه في بلد سادت فيه الدعاية الالحادية لأكثر من 70 سنة.

ويمكننا مصادفة انتقادات للسلطات المحلية في الصحف الدينية، لكننا لا نعثر فيها على مواد تستنكر سياسة الحكومة والرئيسِ وتخلو فيها المجادلات مع الشيوعيين تقريباِ وبدلا من ذلك يبرز فيها الآن، ولو بشكل خافت، مقالات تشير الى خطورة النزعة القومية الروسية وميل الكنيسة الروسية للتسلط (تعبر الجريدة التتارية الراديكالية 'الطين أوردو' عن هذه الآراء بشكل اكثر وضوحا).

الحرية الصحفية

يعطي الكتاب المسلمون انفسهم حرية كبيرة عندما يتطرقون الى مسألة لعب الارثوذكسية الدور الاكبر في المجتمعِ يقول طلعت تاج الدين في حديثه لجريدة 'نيزافيسميا غازيتا' ان: 'اعلان التعايش السلمي بين
الاسلام والمسيحية هو مجرد تزييف للحقائق'ِ ويؤكد بأن 'الاسلام ما زال يتعرض للضغط حيث يتجول المبشرون الجدد ويدعون للمسيحية في المدن والقرى الاسلاميةِِ وفي نتيجة نشاطهم اعتنق 14 الف تتاري المسيحية في عام 1994 في قازان فقط'ِ وتقلق هذه الحقيقة ايضا رافيل عين الدين حيث ان قرابة 90 الف تتاري حسب معطياته قد تم تعميدهم حتى اليومِ ويعتقد إمام جامع موسكو بأن 'هذه الظاهرة خطيرة في كل الاحوال'ِ وتبرز مسألة الزيجات المختلطة التي يكتب عنها مقدس بيبارسوف'ِ يجري اليوم اندماج شعوب روسيا الاسلاميةِ ففي 45% من العائلات التتارية عقد الزواج مع اتباع الاديان الاخرىِ وإذا استمر الحال كما هو عليه الآن، فلا يوجد ضمان لنذكر احفادنا بما كنا عليه وسيتحولون من قراءة القرآن الى زيارة الكنائس والمعابد الاخرى'ِ هذه الاقوال يمكن تفسيرها ببساطة كـ 'خطوات عدائية دينية وقومية' موجهة بالدرجة الاولى ضد الروس وغير المسلمينِ ولكن من غير الممكن ان ننسى بأن الاسلام بالذات لعب الدور الحاسم في المحافظة على الهوية القومية والحضارية للاقلية التتارية والتخلي عن الدين سيؤدي الى اندماج واضمحلال العائلات التتارية في خضم محيط اثني وديني آخرِ ويصبح لهذا السبب النضال ضد الزيجات المختلطة شكلا طبيعيا لدفاع المسلمين عن بقائهم وذاتهم.
وحصلت في السنوات الخمس ـ السبع الاخيرة حالات اعتناق الاسلام من قبل السلافيين الروس والاوكرانيين والبيلاروسِ ونربط ذلك بالحرب في افغانستانِ حيث شعر العشرات من الاسرى السلافيين بجاذبية نحو
الاسلام القادر على تقوية ارادة الانسان ومنحه الفرصة بمعرفة قيمته كجزء من طائفة قادرة على التضحية بالنفس (الحديث عن المقاومة الاسلامية) والشعور بقوة الحقيقةِ وكان الفيلم المعروف 'المسلم' للمخرج
فلاديمير خوتيننكو محاولة لفهم هذه الظاهرة وتمكن المخرج من تسليط الضوء على الجوانب المشرقة والمحترمة في الاسلام وقدرته على مواجهة الاديان الاخرىِ وليس من المصادفة منح الفيلم 'الميدالية الاولى' لمجلس مفتي روسيا وشهادة تقديرية 'من اجل مساهمته في مسألة الحوار بين الاديان'.
ومن المعروف ان الذين اسلموا اصبحوا فيما بعد في هيئة رئاسة حزب البعث الاسلاميِ وابدى الاهتمام بالاسلام بعض المثقفين الروس (من غير الممكن مقارنة اي سلافي اعتنق الاسلام مع المسلم الفرنسي الشهير
وعضو قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي السابق روجيه غارودي من حيث نشاطه السياسي والاجتماعي ودرجة التصاقه بالاسلام).
واتخذت في موسكو في عام 1991 محاولة لتأسيس كتلة سلافية ـ اسلامية تتبع للمركز الثقافي الاسلامي. وكان الشباب الذين تجمعوا حول ايغور اليكسييف (عمره 17 سنة) اعتقدوا بأن المستقبل مع الاسلام وكانوا
على استعداد 'لتوضيح طريق الله الاكبر للسلافيين'ِ ولكن لم يتسن لهم تأسيس هذه الكتلة.
وكان مجموعة من السلافيين يتلقون تعليمهم في جامع موسكو في عام 1992ِ وقال الامام راوي عين الدين بهذا الصدد: 'يسرني تعلم الروس والاوكرانيين اللغة العربية وقراءة القرآنِ وهذا يعني بأن المسيحي ومن
على دين آخر يستطيع اعتناق الاسلام ويصبح مؤمنا حقيقيا'ِ ومع ذلك فمن المشكوك فيه تزايد عدد المسلمين بين السلافيين في موسكو والمدن الروسية الكبرى.
ولكن المهم هو ان الاسلام لا يقتصر على حصر المسلمين وحدهم في مجال نفوذه. ويؤكد الاسلام في روسيا بأنه الدين الوحيد الذي يسعى لنشر نفوذه في اراضي الغيرِ وهذه الظاهرة منتشرة في افريقياِ ومن غير الملائم
التهكم على اعتقاد الراديكاليين الاسلاميين بسرعة انتشار الاسلام في اوروبا (وقد بدأت هناك حركته) وبأن 'بعث روسيا الحقيقي غير ممكن من دون تحولها الى دولة اسلامية'.
ويبدي رجال الدين نشاطا خاصا في جمهوريات الفولغا وخاصة في تشوفاشيا وموردوفيا حيث لا يواجهون الارثوذكسية 'الخاملة' بقدر مواجهتهم للبروتستانتية النشطة للغاية هناك والتي ارست مواقفها
الايديولوجية والثقافية (اعتنق البروتستانتية في تتارستان مثلا قرابة 10 آلاف تتاري).

توحيد الجهود

ويوحد رجال الدين المسلمين والارثوذكس جهودهم في مجابهة 'الاديان غير التقليدية' كما يسمونهاِ ويلقون تفاهما ومساعدة من الدولةِ ويشبه هذا الموقف تضامنهم لمقاومة الالحاد قبل الحرب العالمية الثانية.

ويسود ايديولوجية البعث الاسلامي اتجاهان تقليديان كلاهما يميز العالم الاسلامي، يتقاطعان ويتناقضان من وقت لآخر، وفي الوقت نفسه يتحدانِ ولقد حلل هذين الاتجاهين كبار الخبراء الروس في مسائل الاسلام
مثل أِ إيونوفا، لِ بولونسكيا، أِ ساغادييف ومِ ستيبانيانتس معتمدين على امثلة مستقاة من الشرق الادنى والاوسط، الهند وجنوب شرق آسياِ
ويؤثر الاتجاهان على الوضع الداخلي للمسلمين في روسيا وعلى عقيدة المسلمين وعلى علاقاتهم مع الدولة على السواء.
وتجدرالملاحظة الى ان المختصين الروس في القضايا الاسلامية ولا سيما المفكرين الاسلاميين لا يستخدمون المصطلحات خلال تقديرهم للاتجاهات الفكرية للبعث الاسلاميِ وفي الوقت نفسه يتوجه بعضهم عن طيب خاطر وخاصة الراديكاليين الى مفهوم الاصولية التي يعتبرها تفسيرهم المتزن ظاهرة ايجابية وتتطابق مع الانبعاث.
ولم يحاول الباحثون عمليا حتى الوقت الحاضر تصنيف الاتجاهات الفكرية للاسلام في روسيا المعاصرة.

ونورد احدى مقالات الباحث التتاري ن . محمد شين كاستثناء نادرمن هذه القاعدةِ بوصفه حالة الوعي الديني والفكري وسط مسلمين تتارستان يبرز ثلاثة انماط لهذا الوعي: النزعة غير التقليدية، الانبعاث (في بعض
الادبيات يسمى الاصولية) والنزعة الاصلاحية. ونعتقد بأن هذا التصنيف يصلح جزئيا للتصنيف العام للاتجاهات الفكرية الوعي الديني وسط مسلمي روسيا.
وتبرز هذه التيارات بقوى مختلفة في اقاليم غير متشابهة للغاية: في مناطق الفولغا الاسلامية وبين الجاليات الاسلامية في المدن الروسية الكبرى، مثلا في موسكو ونيجني نوفغورد واومسك وشمال القوفازِ
وتبرز النزعة غير التقليدية والانبعاثِ يكتب محمد شين محددا جوهر النزعة غير التقليدية: 'كان لهذا الاتجاه اشكاله التاريخية العميقة التي تكونت طوال الاوقات السوفيتية والتي اثرت عليه الطقوس والمراسم التي حافظ عليها رموز الدين'ِ والحديث هنا على النوع السوفيتي للنزعة الاسلامية التقليدية و ايديولوجيتها ووعيها المائلين الى المحافظة على اشكال الاسلام المعتادة ، 'الجامدة' بما في ذلك الاقتباسات المورثة من مرحلة ما قبل الاسلامِ ووجهت ضد انصار النزعة التقليدية في نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن 20 انتقاد الاصلاحيين الذين سعوا الى تطهير الاسلام وعودته الى اوقات النبي والخلفاء الراشدين وبعث كل الاحتياطي الخلاق واعتباره مفتاحا لتطور المجتمع الاسلاميِ وجرت المحاولات لطرح
'
البديل الاسلامي' لنموذج التطور الغربي.
ولم تكن النزعة التقليدية والاصلاحية في روسيا في حالة صراع قاسي كما كان عليه الوضع في العالم الاسلامي.
وعارضت السلطات الملحدة بقوة الاصلاحيين الجدد الذين واجهوا البلاشفة والتقليديينِ وبعد تدمير الاصلاحيين كانت النزعة التقليدية خلال عقود الشكل الوحيد للوعي الاسلامي وللفكرة الاسلامية بشكل عام.
وانحصرت مسألة تحديث الاسلام الذي كان يراد منه في الشرق الادنى والاوسط التكييف مع التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في الاتحاد السوفيتي (وليس في كل الاوقات) وضع الدين ورجاله في خدمة السلطة
الرسمية.
أما الانبعاث فلم يكن موجودا في روسيا السوفيتية مما ميزها عن آسيا الوسطى، حيث ظهر انصار هذا التيار حتى في السبعيناتِ وبدأت الصحوة الاسلامية عندما قرر المسلمون العيش بشكل علني وفقا لتقاليدهم الدينية المعتادة والتي لم تكن تتفق دائما مع قوانين الاسلام الكلاسيكية. ويعكس التوجه الى هذه التقاليد تصورات مسلمي روسيا عن البعث الاسلاميِ واصبحت النزعة التقليدية لا تتجزأ عن العقائد القومية وقواعد السلوك والتي ارست ايدلوجية البعث الديني للجزء الاكبر من مسلمي روسيا ، والكثير من رجال الدين في مختلف الاقاليم يطالبون المعلمين الاجانب في المؤسسات الدراسية الدينية حتى اليوم بعدم نشر التفسيرات والشرائع بين الطلبة والتي تتنافى مع التقاليد التي اصبحت جزءا من حياة التتار والبشكير واهل القوقاز.