الاثنين، 10 مارس 2008

المؤتمر عراقي والتفتيش أميركي‏



صلاح الدين - موفد "القبس" إلى مؤتمر المعارضة العراقية – د . جمال حسين علي:

لغاية اللحظات التي انعقد فيها مؤتمر المعارضة العراقية في صلاح الدين، جمعت كل المعلومات الخاصة بالتواجد الأميركي في كردستانِ وعرفت أعدادهم ومهامهم وأماكن إقامتهم وعملهم وأهدافهمِ غير أني لم أرهم بأم عيني، لذا لم تستطع عدستي أيضا الوصول إليهمِ وعلى حين غرة، هبطوا علينا كالقدر المحتوم، ولا نعرف هل جاءوا لحماية المعارضين العراقيين أو لحماية أنفسهم أو لحماية المبعوث الأميركي زلماي خليل زاده أو لتحقيق كل المهام المذكورة.ولأن لدينا خبرة كافية في التعامل مع الأميركان، ولعلها الأكثر مرارة وجسارة كانت في أفغانستان، وفي أكثر الأوقات توترا، فقد كنا مهيئين تماما لإجراءات مماثلة، بل قد تكون أكثر تطورا وأقلها قلقا، كون الإخوة في الحزب الديموقراطي الكردستاني أكثر تنظيما بكثير من جماعة تحالف الشمال الأفغاني، ولديهم كل مقومات الدولة ومؤسساتها، ويمتلكون جهازا أمنيا واستخباريا له باع طويل في العمل السري. لكن ما نستطيع التوقف عنده، هو أن الأميركيين أنفسهم تطوروا كثيرا عما كان وضعهم في أفغانستان، ويبدو أن تجربتهم وتعاملهم العريق في كردستان أظهراهم أكثر هدوءا ولطفا مقارنة بما كانوا يبدون عليه في الصحارى والجبال الأفغانيةِ ولعل مهارة الأكراد في إدارة الوضع، ساعدتهم على إزالة التوتر الذي عرفناه عندهمِ ولا يستطيع أحد التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع وإمكان احتفاظ الأميركان بصبرهم هذا أوقات الحرب.احتل رجال الأجهزة الأميركية الخاصة الخط الدفاعي الأول قبل الدخول الى قاعة اجتماع المعارضة، وبعد التصفية التي أجراها المنظمون الأكراد لجموع الصحافيين واختيارهم 'النخبة'، فالقاعة صغيرة و 'القضية كبيرة' على حد تعبير كبير المنظمين الأخ فوزيِ وثمة ميكروباص ينقل 'المختارين' الى مبنى المكتبالسياسي حيث ينتظرهم الأميركان.
أول ما قاله الأميركي الظاهر في الصورة 'ساعدوني أساعدكم'، بداية نحسد عليها، إظهار النوايا الحسنة في مثل هذه المواقف، يزيح بعض القلقِ لكن اللين الذي صاحب العبارة المذكورة أزاحته الإجراءات الصارمة التي تلتها.

الكاميرات والأجهزة والحماية

كنت الثالث في الترتيب، ولدي من الجيوب والكاميرات والهواتف ما عقد المهمة أكثر : عليك أن تصور تصويرا حيا في كاميرتك ليشهد عليها المدافع عن المؤتمر، وعليك أن تتصل من هواتفك، لكي تثبت له بأنها غير ملغومة، وكذا الحال بالنسبة للمسجل وغيره من الأجهزة ( هذه الإجراءات دخلت في علوم الحماية بعد اغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود بكاميرا تلفزيونية ملغومة من قبل صحافيين وهميين ). ولسبب ما، تكلم مع أحدهم ونسي إجراءات التفتيش معي، وعندما عاد، أعادها من جديد، ولسوء الحظ تساقط ثلج كثيف في هذه اللحظة التي كان يتفحص فيها كاميرتي الرقمية، الأمر الذي جعلني أتمسك بها، وهو يسحب وأنا أسحب، لأني كنت أخشى من إصابتها بالحالوب المتدفق وإصابتها بعطل لا يمكن تصليحه في هذه اللحظات. وكنت أتذكر الجهود الكبيرة التي أثمرت حصولي على هذه الكاميرا الثمينة.أثار خوفي على الكاميرا شكوكه، ونظر الي ثم تفحص بطاقة اعتمادي ليتأكد في القائمة التي لديه، ولسوء الحظ الثاني كان اسمي مكتوبا بالعربية، هو الوحيد المكتوب كذلك، ربما لأني العربي الوحيد في هذه المعمعة، ولأنه احتار، قلت له: 'تأكد من الرقم والصورة، أعتقد هذا يكفي'.وبالفعل عمل ذلك، واجتزنا معا هذا الموقف الصعب، لا سيما أن الناطق الرسمي باسم المعارضة العراقية هوشيار زيباري ومساعده فوزي الحريري تدخلا بشكل حاسم أفادني الى حد كبير بقولهما له إن هؤلاء مراسلون وصحافيون محترمون دعه يمرِ ولا أملك في هذه المناسبة سوى تقديم عرفاني لهما.
الهواتف تصدح لوحدها
في المرحلة الثانية، جمعوا الهواتف في ظروف خاصة وألقوا بها في زاوية ما قبل الشروع بالدخول، والطريف أن عشرات الهواتف النقالة والفضائية كانت تصدح بموسيقاها بين الحين والآخر مع صرخات ضابط أمن جهاز الدخول والتدافع غير الحميمي بين الزملاء.لاحظنا عند الخروج وزوال الغمة، تجمع مجموعة من الصحافيين أمام الأميركي، وكل يطالبه بشيء أخذه منه، وكانت هذه الأشياء بمجملها سكاكين أو ما يشبهها، وكان المسكين محاصرا منهم، ويخرج من جيوبه السكاكين ويوزعها عليهم، وتساءلت: ما الداعي لجلب هذا العدد من السكاكين في مثل هذا الموقف؟ وبعد مغادرة المهمين، عاد الأميركيون الى وضعهم الطبيعي، وأخذت راحتي معهم في الكلام والمزاح وحتى تبادل لكمات ودية، ووافق أحدهم على أن أقوم بتفتيشه بعد أن طلبت منه بفضول الاطلاع على أجهزته ورؤية بدلته المضادة للرصاص، وربما كانت لدي رغبة في إعادة صاع تفتيشه لي صاعين!