الاثنين، 29 ديسمبر 2008

بهجة الجميلات الصابرات


" كانت الأحلام تطير من شعرها الى الجو "
- ادواردو غاليانو -

لا شيء يبذل البهجة في شرايينهن و يخفف وزن قلوبهن ، غير شعورهن بأنهن مكتملات وأكثر اكتمالا من لحظة فاتت ، فائضة بالشوق أو ممتلئة بالمعاني وبالعاطفة البسيطة.
واكتمال الطلعة لا يطالع بكراسة أو ملحق مجلة متخصصة ، ولا في زوغان عيون الزملاء في العمل ، بل في ذلك النور الذي لا تقاومه نوافذ ولا ستائر ، ما يشعرن به وقناعتهن الوثيقة بأنهن الأجمل اليوم وغدا ، مهما شبح الفارق في العيون واتقد فحم الفؤاد.
وهنّ تكور لصراع الإهمال والكمال ، سعيهن لاختطاف المهج وشد وثاق الأفق بما يبرق تحت الرموش ، الإلهام الذي لا يلين ، الكفاح لغاية آخر بسمة ، أنه النضال الشريف ، والأكثر نزاهة في الإنسانية ، ذلك الذي يرفعهن درجات ويثبت أقدامهن ويطرد عنهن الكوابيس و حكايات الأبراج.
السعي الأرجواني لأن تكون أجمل دوما ، كمعنى صعب الإمساك وكحسّ لا تملكه غير الذات ، كأن تذهب بالموجودات الى افتراق كله رضا ما أن تقبل الفاتنة التي تسري مع خطواتها الروائح المدخرة ، في أن تحيـّر الناظر في ما وهبت ، مغالاة في الأناقة وتشبث برسوخ الذوق الحلو ، خطواتها بهجة متنقلة، زهور وأكاليل لا تكتمل إلا بها.
المؤامرة الوحيدة في هذه الدنيا التي تجعلها أحلى ، في أن تنزوي فريدة ، دافنة اللحظة الهاربة ، في أي فضاء متاح ، لتعمل أنامل أخرى مرصعات لتحيل ارتدادها ذرات لا متناهية ، غير منفصلة ، ملتئمة على الدوام ، تكسو ثمرتها الحقيقية على أوراقها ، عند العارفات والمولدات فرح مهرجان السيدات في : صالونات الجمال !
سنوات العزلة
والنضال في أن تكون أجمل ، منسوج في أوردتهن ومثوى خفقانهن ولا سلطان لأحد في أن تصبح أو تكون ولا تكون.
وصناعة الجمال ليس طلاء زينة وخلاص ، أنه تعبير وتفسير واستعادة ونشوة وإصلاح وجمع فتات الجمال المتناثرة وصقلها بما يشعرن من أحاسيس.
أنه مؤامرة الخيال الصائب على الواقع الكسول للأهداب والحواجب والرموش والأظافر وكل أوراقها المزهرة ، جهد متراص بالغ المهارة والصعوبة ، ليس بمستطاع مجالس وقرارات وحرمان وعزلة وقناة أرضية واحدة وبضعة مطبوعات مستنسخة الحد منه ، فهو الدورة التي لا تتوقف كالألوان التي لا يستطيع مخلوق محوها ، فالجمال هبة يكسو الوجوه ويلون القلوب ، هو ليس ظلال ولا وهم ولا سيأتي بعد حين ، كالنور المستحيل الانطفاء.
هذا سرّ مقايضة الجميلات العراقيات ، المرأى بالصندوق الذي عبئن به ، في أن يكون مظهرهن مغلفا بالعبء والخوف والحاجة والنحول والمساحيق المغشوشة والمستحضرات الغبية ، ما يبدين عليه ، وليس ما ينبغي أن يظهرن عليه.
كان صبرا على ضيم وليس تقبله ، فالجمال المنتهك يبقى جمالا ، حتى تنتهي خشونة الفجر وتهوى الستائر و الأستار وتبطل الحياة من تناثرها ، ليبقى الطائر في نهاية المطاف المرّ ، مغردا ، بالنغمة نفسها التي جبل عليها ، هو ذلك سرّ مقايضة الجميلات العراقيات بين المرأى والعزلة.
رجال واحتجاج
لم تسر الأمور بشكل هيـّن ، فتكتل النساء مع أسرارهن ، طمأنينة وعلامة تميزهن كغموض القوقعة. وأن تكسر جدران هذه القوقعة ، فلا أمل في أن ينتظرك أحد أو يحاول التحليق مع عدستك.
الاتكاء فقط على المواهب الأخرى يمد الحبال ويذوب الجدل إن قام ويمهد وصال الثقة ببعض العسر.
يبقى التأكيد على أن أبواب صالونات الجمال التي أغلقت في بحثنا ، أكثر من التي فتحت ، والاعتراض لم يكن من أصحاب الصالونات ، بل كان التهذيب يتطلب أخذ الإذن من كافة المريدات للدخول والتصوير والحديث ، ولأن أغلبهن محجبات ، لا يكشفن عن أحوالهن أمام الرجال ، فقد كان رفض واحدة فقط ، يؤدي الى رفض الأخريات.
والصالونات التي مهدت لنا ترجمة هذا اللون من الحياة ، كانت كافية لقناعة الدأب وأجابت على كل أطراف المساجلة.
وكان الأشجع ممن طرقنا عليهم الأبواب وفتحوها لنا آمنين ، مسرورين بوضوح رقيق : منتهى وإسراء وريتا وأحمد وهند ، هؤلاء من ألغى المزلاج وساعدنا على الإمساك بأطراف الغزال الذي يجهدون في صناعته بعملية تسويق الجمال الى الجرف الآخر من الدنيا.



زواج فجمال
كثرة الأعراس في رمضان مسألة التوقف عندها أكيد ، لكن ما يربط الأمر بقضيتنا الراهنة ، هو النشاط الكبير لصالونات الجمال في رمضان والمرتبط بحفلات الأعراس.
فالصالونات الكبيرة وحتى تلك في المناطق الشعبية محجوزة تماما نصف أيام الأسبوع ، ليوم الخطبة والعقد والحنة ومن ثم الزفاف ومن الصعب جدا العثور على كرسي تتجمل فيه المرأة ولو بالرشوة.
والصالونات المحجوزات للأعراس لا يمكن التقرب منها ، لأن حرب حقيقية ستندلع لو حاول رجل غريب التقرب والتصوير ، لهول الحماية المسلحة للأقرباء ، التي تنغمس باختلاس الفتيات للنظر في تطلع هذه الأعياد المستمرة.
اقتصاد وتاريخ
لا تشذ صانعات الجمال في العراق عن القاعدة المعروفة لدى أبناء هذا الشعب ولعهم بالحديث في أي مناسبة عن التاريخ والسياسة ومن حولهما الوضع الاقتصادي.
وكانت منتهى صاحبة صالون المربد ، جادة في طرحها مسألة ضعف الرقابة الرسمية على هذه المهنة التي تعتقد بأن الكثيرين وحسب وصفها ، من هب ودبّ دخل فيها ، بعد أن أعطى كل واحد الحق لنفسه بتبني المشروع الذي يرغب ، وفيما يخص هذه المهنة المعقدة كما قالت ، فقد قبلت في المرحلة الجديدة للبلاد الكثير من الطارئين الذين فتحوا صالونات بلا ترخيص وأثروا على الشغلة من ناحية تدهور الأسعار ونوعية إنتاجهم للجمال.
وزادت على ذلك بقولها ، أن الكثير من الصالونات غير المرخصة بدأت تفتح في البيوت ، ويكفي صاحبها تعليق إعلان على مدخل شارعه أو بيته ليستقبل الزبائن مباشرة في مكان سكنه ، مؤكدة بأن هذه الأمور من المستحيل حصولها بوجود رقابة ودولة منظمة.
والسياسة هي الوضع الأمني الذي قالت عنه ريتا بأنه خارج نطاق عملهم ، فلم يتعرض أي صالون للجمال الى سطو ولم تتعرض أي من الزبونات الى خطف !
وبالرغم من عدم حدوث ذلك ، إلا أنها شبكت صالونها بسياج من الحديد وأصبحت أكثر حذرا من السابق ، وتغلق الصالون في وقت غير متأخر وليس كما كان عملهم يستمر الى ساعات متأخرة ، حيث الكثير من الارستقراطيات يفضلن المجيء الى الصالونات قبل ذهابهن الى السهرات في النوادي الخاصة.
وحديث الاقتصاد تركناه لإسراء التي قالت بأن الأسعار بالنسبة للشعر القصير 3000 دينار والسشوار 2000 ، أما الأسعار الأخرى فتعتمد على القص ونوعية التسريحة وترتبط بأسعار المكياج التي تختلف حسب الطلب ، فثمة مكياج الليزر والطبيعي وتجميل العرائس ومن معهن يختلف عن تجميل العابرين بالصدفة.
كما أن بعض الزبونات يجلبن مواد المكياج والزينة والغسل والصبغ وغيرها معهن ، فلهذا يدفعن أتعاب الصالون فقط.
والطريف أن منتهى أكدت على أنها طالما واجهت مواقف محرجة ، فبعد انتهائها من تجميل سيدة ما ، تقول بأنها لا تملك نقود أو تعطيها نصف المبلغ ، فمن الدين ما تسترجعه ومنه ما تنساه.
وعن الفوارق الطبقية في الصالونات ، قالت منتهى بأنه بالرغم من وقوع صالونها في منطقة راقية ، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة رقي العمل وجودته ، فحسب علمها ، توجد الكثير من الصالونات في الحياء الشعبية ، أمهر من مثيلاتها في الأحياء الراقية.


حسب الموضة
دلتنا هند صاحبة صالون طيبة والتي تمتلك خبرة كافية برغبات العراقيات، على أكثر موضات التسريحات التي تستهويهن عادة ، مشيرة الى أنها تعرض عليهن مقترحها الذي تنفذه في نهاية المطاف مع بعض الأمنيات من زبائنها.
والقصـّات أو التسريحات التي يفضلنها على الأغلب الفرساجييه ، سايكل ستيبس ، ستيبس مشفر ، دلص ، كاري مدرج ، كلوش ، الفرنسي وغيرها.
هذه التسميات أصعب من المصطلحات الفيزيائية بالنسبة لمثلنا ، غير أنها متداولة جدا بين هواة التردد على صالونات الجمال.
وقالت هند بأن زبائنها ، كما النساء عادة بشكل عام ، مولعات بما يشاهدنه في المجلات والتلفزيون ، من مطربة أو مذيعة أو فيلم سينمائي. فالكثير جدا من المرات يأتين بنسخة من المجلة ولو تطلب الأمر يجلبن فيلم فيديو ليعرضن عليها التسريحة المطلوبة.
بالنسبة لهند هذا النوع من الطلبات ليس غريبا عليها وتواجهها على الدوام وتعتبره نوع من العمل الصعب ، يفوق العمل في التسريحات التي تجيدها.
فالإطلاع ، حسب هند ، على التسريحة أو الموديل في صورة أو فيلم ، لا يكفي لتقليدها بشكل مناسب ، لكنها تصر على أن الخبرة خير منجية لمثل هذه الرغبات والمواقف.
الماستر
لطول مراسه واختلاطه بالنساء ، فلأحمد صاحب معهد وصالون أريدو للنساء ، صوت رفيع بالكاد نسمعه ، يختلف عن ذلك الهجوم الذي قاده في البداية على النظام السابق الذي حرمه من متعة ممارسة هوايته التي تدرب عليها في البيت بداية حياته.
قال بأنه في السابق ممنوع عمل الرجال في صالونات النساء مهما كانت المهنة حتى لو فراش أو حارس ! ويعتقد بأن مثل هذه القرارات غير المفهومة دفعته لأن يكون حلاقا رجاليا بالرغم من أن موهبته تبرز مع النساء أكثر باعتقاده ، وشدد على أنه مهما كلف الثمن فلا يستقبل الرجال في صالونه.
وأثار مسألة بالغة التعقيد من الناحية المهنية والنفسية وربما الاجتماعية وهي ميل النساء للماستر الرجل ( لم يستخدم مفردة حلاق ) وليس المرأة وحاول برهنة نظريته بالقول ، بأنه متأكد من ذلك حسب الخبرة فقد عمل طويلا في هذا " السلك " ويدرك بأن المرأة تحب جدا أن يزينها الرجل. وتعليله بأن المرأة تشعر في الداخل وبعقلها الباطن بأن امرأة مثلها تغار منها ولا تجملها بالطريقة التي تريد حتى لا تصير أجمل منها.
استرسل أحمد طويلا في شرح وإثبات هذه الحالة ، وعاد ليؤكد : أما الرجل فهو يتعمق في جمال المرأة ويفهمه وينفذ ما يحلم به في وجه المرأة ونظرته لجمالها كرجل هو ما تريد المرأة الوصول إليه ، هذه النظرة هي التي سينفذها بيديه وعقله وقلبه وكل أحاسيسه.
سحّارات وعرّافات
في واحدة من مرابطات المراقبة أمام معاهد وصالونات النساء ، أثارنا مروق نسوة بعباءات وبملابس وأعمار لا تشي بأنهن يتجملن هناك أو يصففن تسريحاتهن ، يبقين بعض الوقت ثم يغادرن ، فما هن فاعلات في صالونات الجمال ؟!
تبين أن لديهن مواعيد خاصة مع نساء خاصات جدا ، يكون وجودهن في " الكوافير " مسألة طبيعية أمام الزوج والمجتمع والأهل عموما ، لكنهن في حقيقة الأمر وبالاتفاق مع صاحبات الصالونات رتبن مواعيد مع العرافات وقارئات الفناجين الماهرات للغاية والسحّارات على أصولهن وفصولهن.
فأم فلان وأم علان ، لديهن ملحق بغرف سرية خاصة يمارسن فيه هذه المهنة المثيرة للجدل مع عليات القوم اللواتي لا يستطعن الوصول إليهن في مناطقهن الشعبية عادة ، فلا توجد سحارة واحدة في العراق ثرية ، وكلهن تقريبا من الطبقات المسحوقة.
خاطـبات
ولبعض الصالونات متعهدات جمع رأسين بالحلال ، وهذه المهنة الشعبية التي انتعشت في زمان زيادة النساء على أعداد الرجال في البلاد والمعروفات بالتسمية : الخاطبات.
وبعض معاهد النساء وصالونات الجمال ، معاهد نساء بحق وحقيقي ، ففيها تجد أرشيف متكامل بالراغبات بالزواج ، فيه معلومات وفيرة وصور مختلفة وبالألوان ويتقاضى الصالون نسبته في هذه العملية من الطرفين ، بل من الثلاثة ، الخاطب والمخطوب والخطـّابة !
مراسيل ومواعيد
ولقاء بضعة آلاف من الدنانير ، تدبر لك صاحبة الصالون أو واحدة من الفتيات اللواتي يعملن فيه ، لقاء مع حبيبتك ، والعملية بسيطة ، حيث تأتي المقصودة بالموعد ، لتنتظر أن يمر بها المعني بأمرها ، يجلس في السيارة ، يدق هورن السيارة بموسيقى معتاد عليها ، لتخاطب المسؤولة عن تنظيم المواعيد ، المقصودة بالهورن : زوجك وصل !
وللواتي لم يصبحن حبيبات وللذين لم يستووا أحباء بعد ، لابد أن يمرون بالمرحلة الأولى في صالونات صناعة الحب ، التي تتكفل بإيصال الرسائل المكتوبة والشفهية للتي يخرس لسانك ما أن تراها وتتلعثم ولا تقوى على الوقوف أمامها لحظة واحدة ، فتقوم بتدبيج رسالة حب وإيداعها في الصالون الذي يقوم بمهمة المرسال على أفضل وجه ، لقاء أتعاب الحب.
كالأصابع
ليسو بالتأكيد على شاكلة واحدة ، صالونات الجمال ومعاهد النساء المطروحات هنا ، وما ذكر ، تمارسه بعض منها وليس كلها بالطبع.
وتبقى هذه الأماكن ، لحظة تنزوي فيها المرأة الى نفسها لترى ما لم تستطيع رؤيته في نفسها أو تسد نقصا لا تقوى عليه لوحدها و محاولة لتعزيز الثقة في النفس والارتياح في الروح واستعادة شباب مضموم يثوي كخمائل وإيداع الزهرة الشاحبة نداها في زوايا ابتهاج الجميلات الصابرات.