الثلاثاء، 7 يونيو 2011

ماذا بعد غروزني؟

تستمر معركة السيطرة على غروزني بين القوات الروسية والمقاتلين الشيشانِ وتبعا لمقاييس الحروب، فان المعركة غير متكافئة لاعتبارات عسكرية عديدة، والكفة تميل الى القوات الروسية بغض النظر عن الوقت والخسائر التي ستتكبدها.
وتعاد هذه الايام الاحداث نفسها التي جرت في نهاية عام 1994، وقد تؤدي الى نتيجة الحرب السابقة نفسها: تفرض القوات الروسية سيطرتها على العاصمة الشيشانية وتفرض الحكومة التي تناسبها وتسن القوانين حسبما تشاءِِ يسير الناس في النهار ويمارسون اعمالهم بسلام ووئام مع القوات المحتلة، وعندما يحل الليل يمتشقون السلاح وتبدأ عمليات حصد الرؤوس الروسية بالتدريجِ وهكذا فان روسيا تسير من نصر الى نصر نحو الهزيمة الثانية، وفقا لهذه النظرية الاكثر ثباتا في الواقع العلمي.
ومن الواضح ان الجيش الروسي استخدم في هذه الحرب تكتيك الجنرال يرمولوف في القرن التاسع عشر، وهو التقدم التدريجي في اراضي الخصم مع 'فرض' الصلح على المناطق المأهولة بالسكان، ومنح الزعماء المحليين الامتيازات التي يطلبونها.
خيارات جورجيا
غير ان المقارنة لا يمكن ان تكون متوائمة تماماِ فالحالة العسكرية الاستراتيجية الراهنة في القوقاز تختلف اصلا عن الحالة الماضيةِ فلا تحاصر اليوم جورجيا الموالية بالكامل للحاكم العسكري الروسي، المقاتلين من الجنوبِ بل يحصل العكس، حيث تتعامل جورجيا مع روسيا بشكل غير ودي لم يسبق له مثيل.
عند ذلك، تطرح تصريحات القادة الروس بانهم 'طوقوا الانفصاليين' او حاصروهم بالكامل، الكثير من الشكوكِ ويبقى الموقف مرهونا بحكومة تبليسي، ومع ان المسؤولين الجورجيين يعرفون ان فصائل شامل بساييف كانت القوة الضاربة للانفصاليين الابخاز الذين سلبوا من جمهوريتهم الفتية مقاطعة ابخازيا بفضل تفوقهم على قواتهم غير المردبة جيدا، الا ان تبليسي الرسمية تفضل مجابهة موسكو على التورط مع الشيشان.
لذلك لم تسمح جورجيا ذات السيادة للقوات الروسية بالقيام بعمليات عسكرية انطلاقا من اراضيها ضد الشيشانِ وروسيا لم تترك هذا الموقف بلا جواب، فسارعت في اتهام جورجيا بتزويد المقاتلين الشيشان بالاسلحة او السماح بمرورها عبر اراضيها، واذا تم تسمية الاشياء فان موسكو تتهم تبليسي بدعم الارهاب الدولي وما يرتبط بهِِ ويثير ذلك امتعاض جورجيا التي كانت تدعو الصحافيين دائما لزيارة المعابر الجبلية وتسمح لهم بالتحدث مع سكان شاتيلي وبانديسكويه.
ويتساءل الجنرال فاليري تشيدزيه قائد حرس الحدود الجورجي لماذا لم يستخدم رفاقه السابقون في الحرب الافغانية الاساليب المجربة في انزال الوحدات في البر وتنظيم مراكز الحراسة في جميع الشعاب وعلى المرتفعات المنتشرة في القطاع الشيشاني للحدود الروسية ـ الجورجية.
الساسةِِ لا العسكر
وهو يعتبر ان التفاف القوات الروسية عبر الحدود الجورجية لتطويق الشيشان مسألة يحلها السياسة وليس العسكرِ ويرى ان نقل وحدات عسكرية كبيرة مع معداتها الثقيلة عبر الحدود الجورجية امر ممكن وايسر للروس.
ولا يطرحون في تبليسي اعتذارات سياسية، بل يتكلمون عن صعوبة السير في المعابر الجيلية وحالات الانهيار الثلجي في الجبال وعدم تمكن الجورجيين من مواجهة المقاتلين الشيشان في حالة تفرقهم الى مجموعات صغيرة، الامر الذي سيؤدي الى فقدان الاستقرار في مناطقها الشمالية التي يسكنها الكيستينيون، وهؤلاء يشكلون مع الاكينيين شعبا واحدا مع الشيشان والانغوش.
والكيستينيون سيستقبلون الشيشان في كل الاحوال بحرارة تختلف عن الصورة التي استقبل فيها البوتيلخيون والانديون في داغستان جماعة شامل بساييف وخطابِ وفي النتيجة تخشى جورجيا من نشوء منتجع شيشاني شتوي يضم مقاتلين محترفين لا تستطيع هي التصدي لهم بدون مساعدة خارجية.
وفيما تتقدم (او تتقهقر) القوات الروسية في عمق غروزني، وصلت طلائع القوات الاميركية التي تتهيأ للقيام بالمناورة العسكرية الاميركية ـ الجورجية التي اطلق عليها 'ميد كيب ـ 2000'، وارست في ميناء بوتي سفينة الحراسة الفرنسية 'كارتيه ميتر انكيتيل'التي حضرت تعبيرا عن الصداقة بين البلدينِ ومن المؤكد انه عندما تنتهي فترة بقائها في بوتي (حددت 3 اسابيع كفترة قصوى لبقاء سفن الاطلسي في البحر الاسود) سوف تستبدلها سفية اخرى وحتى اسطول كامل من الحلف للتعبير عن مشاعر الصداقة.
ِِ ومساعدة روسية
وقد تأتي المساعدات العسكرية لجورجيا من القواعد العسكرية الروسية المرابطة على الاراضي الجورجية (هناك 4 قواعد في فازياني قرب بليسي وفي اخالكلعك عند الحدود مع ارمينيا، وفي باتومي في الحدود مع تركيا وفي ابخازيا).
ومهما يكن الامر، فان اطلاق الرصاصة الاولى في الاراضي الجورجية يعني الموت السياسي الفوري لحزب 'اتحاد مواطني جورجيا' الحاكم والرئيس ادوارد شيفاردنادزه' والخروج من المصيدة التي ستقع بها تبليسي صعب جدا وخاصة انها على ابواب الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الربيع القادمِ وربما تتناثر في الرياح شعارات الحزب الحاكم وشيفارزنادره عن الاستقرار والامن عندما تتحول جورجيا الى ساحة صراع بين روسيا والاطلسي في خضم الفوضى في الحدود مع الشيشان، وحرب العصابات التي يتوقع لها ان تستمر، طال الاحتلال الروسي للشيشان اوقصر.
في غضون ذلك، سترتفع اسهم حزب البعث الجورجي ورئيسه اصلان اباشيدزه الذي يلمحون منذ الان الى تمتعه بتأييد جدي من 'اوساط روسية معينة' ناهيك عن امكاناته المالية الهائلة.
الشرارةِِ والانفجار!
والاوساط الروسية 'المعينة' لا ينقصها سوى اعادة سيناريو الشيشان في تبليسي او سوخوميِ المهم حادثة صغيرة كالتي جرت في داغستان لكي يدرك الشعب الجورجي حقيقة الوعود بالمستقبل النير المفروش بطريق الحرير العظيم الجديد المزين بقطعة من انبوب النفظ.
ويكمن هنا بالذات السبب الرئيسي للتفاقم 'الشيشاني' الاخير من حيث التوقيت في العلاقات الروسية ـ الجورجيةِ كما ان الترعة الانفصالية الابخازية التي تدعمها روسيا تمثل المعرقل الدائم لاقامة علاقات رسمية ذات قيمة بين الدولتين ِ وفي الحقيقة فان الممر الابخازي لنقل النفط ليس له اية اهمية لجورجيا كما تعتقد قيادة تبليسي الحاليةِ ومن اليسير رؤية هذه الآفاق بالعين المجردة في الخريطة الرئيسية لخط انابيب النفط باكو ـ سوبسا والخطوط المنتشرة من سوبسا الى الجنوب في اتجاه ميناء جيهان التركي والى الشمال الغربي الى اوديسا الاوكرانية.