الأحد، 12 يونيو 2011

الكرملين وأزمة الكويت (15)

جرى القسم الأكبر للأحداث الكبرى في سبتمبر والمتعلقة بأزمة الكويت في نيويوركِ
كان سبتمبر 1990 مميزا بشكل خاص بعد أن ترأس ممثل الاتحاد السوفيتي يولي فورونتسوف مجلس الأمن الدولي الذي اتخذ في هذا الشهر أربع قرارات بعد أن غلبت الأزمة الكويتية محاور جلساتهِ
تناول القرار الأول 666 المؤرخ في 13 سبتمبر والمؤيد من قبل 13 صوتا ضد صوتين (كوبا واليمن)، توسيع صلاحيات اللجنة الخاصة بالعقوبات في مسائل إيصال المساعدات الإنسانية والغذائية الى الكويت والعراق (نتج هذا القرار عن لقاء القمة السوفيتية ـ الأميركية في قدر معين)ِ ورد القرار الثاني 667 المؤرخ في 17 سبتمبر على تدخل الجنود العراقيين في مقري السفيرين الفرنسي والكندي في الكويت، وحجز مواطني هذين البلدين هناكِ اتخذ القرار بالإجماعِ وكلف القرار الثالث المتخذ بالإجماع أيضا (القرار 669 المؤرخ في 24 سبتمبر) اللجنة الخاصة بالعقوبات بدراسة طلبات المساعدة الواردة من البلدان المتضررة من الحظرِ
وبسط القرار 670 المؤرخ في 25 سبتمبر نفوذ الحظر على كافة الرحلات والاتصالات الجوية مع العراق والكويت باستثناء حالات نقل المساعدات الإنسانية الى هناك التي تسمح بها اللجنة الخاصة بالعقوباتِ أقر القرار الذي كان الرئيس الفرنسي ميتيران المبادر بطرحه، الإجراءات الخاصة بالتفتيش على الطائرات التي تتجه من وإلى العراق والكويتِ وبذلك أقفل القرار إمكان استخدام الطائرات بغية خرق العقوبات الاقتصاديةِ زد على ذلك تضمن إخطار حكومة العراق بأن عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة باستمرار قد يؤدي الى إجراءات وعواقب وخيمة جديدة وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدةِ ولكي تفهم بغداد أهمية هذه الإشارة بصورة أوضح وأكبر عقدت جلسة مجلس الأمن غير العادية على مستوى وزراء الخارجيةِ ترأس الجلسة ادوارد شيفرنادزه واشترك فيها عداه 12 وزيرا آخر (مثل كوبا وكوت دي ايفوار فقط مستوى أخفض)ِ
رد على عناد العراق
قال شيفرنادزه في تصريحه في مجلس الأمن بأن القرار المتخذ هو 'خطوة منطقية وحتمية ضد رفض العراق العنيد لتنفيذ قرارات مجلس الأمنِ ورد فعل طبيعي على التحدي العراقي المستمر للمجتمع الدولي'ِ
وبعد أن استعاد الوزير السوفيتي موقف بلاده قال: 'ان الاتحاد السوفيتي شدد منذ بداية الأزمة في سياسته على اتباع جهود مشتركة مؤسسة على الاستخدام الكامل والأمثل لحقوق وإمكانات الأمم المتحدة وعلى ضرورة حل الأزمة بالأساليب الدبلوماسية والسياسية'ِ وأعرب عن اعتقاده بأنه 'ينبغي أن يكون حل الأزمة بالطرق السياسية في بؤرة الجهود المشتركة'ِ وأشار شيفرنادزه في غضون ذلك الى أن هذا 'لا يخفض من حزمنا للتوصل الى إنهاء العدوانِ وإذا لم تؤد الخطوات المتخذة الآن الى هذا، فاننا مستعدون للنظر في إمكان اتخاذ خطوات إضافية وفقا لميثاق الأمم المتحدة بغية البرهنة على أن العدوان لا يمكن أن ينتج فوائد للمعتدي ولن يأتي بها'ِ
وأدلى الوزراء الآخرون في مجلس الأمن بتصريحات مشابهة من حيث الجوهر واللهجةِ
وأجرى شيفرنادزه في نيويورك سلسلة من اللقاءات الثنائية مع نظرائه من بلدان الشرق الأوسط والأدنى وأفريقيا وآسيا بما فيهم وزراء خارجية مصر وسوريا والسعودية (مرتين) والأردن واليمن وعمان والمغرب والجزائر وتركيا وإيران والهند وباكستان ورئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينيةِ وأنهى الوزير لقاءه مع وزير خارجية إسرائيل بالاتفاق على تحويل قسم حماية المصالح (في موسكو وتل أبيب) الى قنصلية عامةِ واتفق مع وزير خارجية البحرين على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة وتبادل للسفراءِ علاوة على ذلك، نوقشت الحالة في الخليج مع وزراء خارجية كندا واستراليا ومع رئيسي قبرص وفنزويلا وكذلك مع عدد من وزراء خارجية الدول الأوروبيةِ
وكليا، أجرى شيفرنادزه قرابة 60 لقاء ثنائيا منحت مادة واسعة لأجل تقدير موضوعي للوضع المتكون في الخليجِ
وتركزت المناقشات السياسية العامة كذلك في الدورة ال 45 للجمعية العامة في الدرجة الأولى على الأزمة الكويتية باعتبارها الأكثر خطورةِ وتغيرت حدة الانتقادات الموجهة لبغداد من كلمة الى أخرى، غير أن الجميع اتفقوا تقريبا على عدوان بغداد المرتكبِ
حمل خطاب شيفرنادزه لهجة قاسية بما فيه الكفايةِ وكان ينبغي أن يكون الخطاب على هذا النحو لكي لا يشك أحد ما، وبالأخص في بغداد، في مبدئية وثبات الموقف السوفيتي من العدوان المرتكب من قبل دولة كان للاتحاد السوفيتي علاقات خاصة معهاِ قال شيفرنادزه بهذا الصدد: 'أردنا من هذه المنصة التوجه مرة أخرى الى قيادة العراق، التوجه بصدق وحق الى الأصدقاء القدماء وبحق الى البلد الذي فيه من الرجولة لشجب أعماله غير الصحيحة ضد بعض الدول في الماضيِ ندعوهم الى الثوب الى رشدهم والخضوع الى مطالب القانون وإبداء المسؤولية والإنسانية وقبل كل شيء حيال الشعب العراقي الذي نثق بأنه يتعطش الى السلام والاطمئنان وإقامة علاقات طيبة مع جيرانه'ِ
وإذ يعظ الوزير السوفيتي بغداد، اعتبر في غضون ذلك من الضروري التذكير بأن لهيئة الأمم المتحدة الحق في إخماد العدوان وعواقبه وبأن لمجلس الأمن حق اتخاذ التدابير المناسبة لصالح السلام العالمي وبأنه يمتلك الوحدة الكافية والإرادة العالية والوفاق الكاملِ وقال الوزير السوفيتي: 'بطبيعة الحال أشير الى أنه ينبغي أن تستعمل قبل ذلك جميع الأشكال غير العسكرية للتأثير في المعتدي'ِ
وأود من جهتي القول بأن هذا الإنذار واضح للغاية: إذا لم يردوا الانصراف من الكويت اختياريا فان مجلس الأمن سيضطر في نهاية الأمر إلى إجبارهم على ذلك بالقوةِ وهذا الموقف منطقي تماما وشريف وعلني، وهو في المعنى القانوني والأخلاقي يخلو من أي عيبِ
وكانت بغداد خلال هذا الوقت تحرج الوضع أكثرِ وتزداد خطورته جراء الرهائن وحصار بعض السفارات في الكويت التي قطع عنها الماء والتيار الكهربائي واضطهاد سكان الكويت ونهب البلد المستمرِ وقائمة الاحراجات من هذا النوع أصبحت في نهاية سبتمبر أطول بكثيرِ
أعلن العراق في 14 سبتمبر بأن موجودات الكويت في الخارج كافة بما فيها أموال آل الصباح ملك لهِ واتخذ في 19 سبتمبر قرارا بمصادرة ملكية وأموال الحكومات التي جمدت موجودات الكويتِ وصرح صدام حسين في 24 سبتمبر بأن قواته ستنزل ضرباتها على مؤسسات بلدان المنطقة النفطية وعلى إسرائيل إذا شعر العراق بأنه 'يختنق' من آثار الحظرِ وقيل في خطاب صدام حسين المقروء من إذاعة بغداد في 1 أكتوبر بأن الحديث لا يمكن أن يدور حول إعادة الوضع القائم قبل 2 أغسطسِ وكانت تجري في الوقت نفسه، زيادة القوات والأسلحة بوتائر سريعة في الكويت وجنوب العراق واشتدت معها لهجة وسائل الإعلام العراقيةِ
وبطبيعة الحال، فان هذه التطورات أثرت في الخلفية السياسية لأجواء المناقشات في دورة الجمعية العامة التي جرت بشكل عام بروح من عدم قبول سياسة بغداد واستهجنتها بشدةِ
تعرجات سياسة الكرملين ِِ مفاجآت موسكو لادوارد شيفرنادزه
عاد ادوارد شيفرنادزه الى موسكو تعبا، ومرتاحا لنتائج العمل في نيويوركِ غير أن نشاطه في نيويورك استقبل في موسكو بصورة متضاربةِ
ولأن الصحافة العراقية انهالت على شيفرنادزه بمختلف الأوصاف بسبب خطه الشديد والصارم، تألب عليه اليمينيون عندنا، وبالأخص جماعة نواب 'الاتحاد' الذين ابدوا تذمرهم من نهج الحكومة السياسي بشكل عام في المسألة الكويتيةِ وكان يمينيونا يفسرون أقوال الوزير على أساس اعتزام الاتحاد السوفيتي إرسال قواته لمحاربة العراق، وهذا الأمر كان يجافي الحقيقة تماماِ ومع ذلك اضطر الوزير لتوضيح الأمر في مجلس السوفيت الأعلىِ وإن كانت نتيجة المناقشات العامة إيجابية بالنسبة لادوارد شيفرنادزه، إلا أنه بقي منقبض النفس وضجرا من الاتهامات الباطلة والهجمات غير العادلةِ
وحسب مشاهداتي الشخصية فوجئ شيفرنادزه بإحدى خطوات ميخائيل غورباتشوف غير المتوقعة على الإطلاق بإرساله يفغيني بريماكوف بصفة ممثله الشخصي الى بغداد لغرض اللقاء بصدام حسينِ لا أعرف بالضبط مكنون هذا القرار، غير أنه اتخذ في الأيام الأخيرة لإقامة شيفرنادزه في نيويورك، وكان هذا أمرا غريبا بحد ذاتهِ فما الذي حال دون انتظار عودته الى موسكو؟ أريد الإشارة الى أن الرئيس السوفيتي امتلك صلاحيات واسعة حسب القانون في مجال السياسة الخارجية، وكان له الحق الكامل في إرسال أي شخص وفي أي وقت حسب هواه بصفة مبعوث شخصي الى الخارجِ لكن الأمر ينحصر في الناحية المعنوية وأخلاقيات العلاقات الوظيفيةِ
كان غورباتشوف يعرف بالطبع أن شيفرنادزه وبريماكوف يتمسكان بآراء مختلفة من تشكيل الموقف السياسي للاتحاد السوفيتي حيال الأزمة الكويتيةِ وإن لم تكن ثمة خلافات ذات طابع استراتيجيِ بدا الجميع متمسكين بالرأي العام في عدم قبول أعمال بغداد وعدم الانحياز للخيار العسكري لحل الأزمة، لكن الخلافات الملموسة انحصرت في طرائق تحقيق المهمة التي طرحتها الأمم المتحدةِ
كان الوزير يؤيد التوصل الى تنفيذ القرار 660 لمجلس الأمن عن طريق الإثبات لبغداد بطلان خيارها في الاعتماد على تناقضات بلدان التحالف وانعدام الحزم اللازم لدى 'الخمسة' الدائمين في مجلس الأمن في التوصل الى الهدف المطروح وإمكان جني ثمار العدوان في هذا الشكل أو ذاكِ وكان هذا يفترض غياب البديل المقبول من الانصراف الكامل غير المشروط من الكويتِ وكان ينبغي أن تقتنع بغداد بأن الاتحاد السوفيتي في المقام الأول الذي كانت له علاقات واسعة مع العراق قبل العدوان أقرب لها من أعضاء مجلس الأمن الآخرينِ
أما يفغيني بريماكوف فكان يرى العكسِ وأن الطريقة الوحيدة لدفع صدام حسين للانصراف من الكويت في وفاق هي التسليم له بعض الشيءِ وكان يفسر مثل هذا الموقف وفقا لطباع الزعيم العراقي الشخصية التي تبرز أهمها مسألة 'إنقاذ ماء وجهه'ِ واستشهد ميخائيل غورباتشوف مباشرة برأي يفغيني بريماكوف محاولا إقناع الرئيس الأميركي بوش في هلسنكي لإعطاء 'الكعكة' الى صدام حسينِ
لم يكن بريماكوف وحيدا في تقدير هذه الحالةِ فقد كان ملك الأردن حسين وياسر عرفات وبعض الساسة الآخرين يعلنون في ذلك الوقت عن آراء مشابهة من حيث المبدأِ ولهذا السبب كانت لشيفرنادزه أسباب تدفعه إلى اليقظة من قرار الرئيس إرسال بريماكوف بالذات الى صدام حسينِ
سافر بريماكوف في 3 أكتوبر والتقى في عمان بالملك حسين وياسر عرفات اللذين وعداه بتقديم كافة التسهيلات والمساعدات لإنجاح مهمتهِ
أما أنا،فقد استقبلت نبأ رحلة بريماكوف بحماس وإن أدهشتني السرية التي كانت تشوب عملية الإعداد للرحلةِ كان حماسي يتحدد بتلك الواقعة في أن إرسال بريماكوف أعطى الفرصة لحل أكثر المشاكل أولوية: سحب المواطنين السوفيت من العراقِ عملت كثيرا في موضوع إخلاء مواطنينا ورأيت كيف تعرقل السلطات العراقية بتعمد إنجاز هذه العملية وتتجاهل كافة احتجاجاتناِ لذلك أملت في أن ظهور رجل يعرف شخصيا 'العراقي الرئيسي' سيساعد في حل القضيةِ زد على ذلك، وصل مع بريماكوف الى بغداد نائب رئيس مجلس الوزراء السوفيتي بيلوسوف ونائب وزير العلاقات الاقتصادية الخارجية موردفينوف المعنيان بصورة أعمق بأمن الخبراء السوفيت في العراق وبعودتهم السريعة الى الوطنِ
نشرت جريدة 'برافدا' في فبراير 1991 مقالات يفغيني بريماكوف بعنوان 'الحرب التي كان من الممكن ألا تقع'ِ يتحدث فيها عن اتصالاته مع القادة العراقيين في بغداد ومن ثم في موسكوِ وبوسع القارئ الاطلاع على هذه المواد الممتعةِ
صدقت آمالي في أن بريماكوف وبيلوسوف سيساعدان في حل مسألة إخلاء الخبراء السوفيت جزئيا فقط: تسنى لهما وبصعوبة كبيرة التوصل الى الموافقة على رحيل ألف وخمسمائة من مواطنينا خلال شهر واحدِ وبالرغم من الاتفاق على البداية، إلا أن عملية إخلاء السوفيت كانت تجري بصعوبة كبيرة واضطررنا في أكتوبر ونوفمبر إلى طرح هذه المشكلة أكثر من مرة أمام السلطات العراقيةِ
وكان الأمر أعقد في ما يخص الرسالة الثانية: إقناع صدام حسين بسحب القوات من الكويتِ وضع بريماكوف وبيلوسوف أمامه كافة الحجج الممكنة بما فيها النتيجة الرئيسية: في حالة الرفض لا مناص من تعرضه لضربة عسكرية من قبل القوات الدوليةِ كانت المناقشات صعبة وغير مثمرةِ وكان صدام حسين وطارق عزيز يتلوان لرفاقنا محاضرات عن حقوق العراق التاريخية في الكويت، ويعربان عن عدم ارتياحهما الكامل من موقف موسكوِ ومع ذلك توصل بريماكوف الى استنتاج بأنه ارتسمت مقدمات تحويل الأمر الى التسوية السياسية لأن طارق عزيز أخبر الوفد قبل رحيله الى موسكو في المطار بأن صدام حسين يطلب أن تنقل إليه اقتراحات القيادة السوفيتية مكتوبة بخصوص الحل 'الشامل' للأزمة الكويتيةِ (يمكننا الظن بأن يفغيني بريماكوف أبدى له أفكارا معينة في هذا الصدد)ِ
عاد بريماكوف الى موسكو في 7 أكتوبر وأخبر ميخائيل غورباتشوف بنتائج الرحلة وحصل على تعليمات بصدد إعداد المقترحات الخاصةِ قصد غورباتشوف من ذلك ضرورة مناقشة المقترحات التي يهتم بها صدام حسين في بداية الأمر مع رؤساء الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وسوريا وملك السعودية وبعد ذلك فقط يمكن الالتقاء بقائد العراقِ
بعد هذا بقليل، أحال شيفرنادزه مذكرة بريماكوف المؤرخة في 8 أكتوبر الى غورباتشوفِ ألحقت بالمذكرة مجموعة الاقتراحات الخاصة بتسوية أزمة الكويت والمعدة من قبل يفغيني بريماكوفِ كلفني الوزير بدراسة هذه المواد سوية مع إدارة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتقديم آرائناِ
يجدر القول بأن طلب صدام حسين أن يحيل إليه الاتحاد السوفيتي مجموعة مقترحاته كتابيا أمر يقظ جداِ لأن خطة بغداد في تفريق التحالف قد اكتشفت في هذا الوقت بوضوحِ ولهذا السبب كانت فكرة مناقشة المقترحات أو الآراء تمهيدا مع المشاركين الرئيسيين في التحالف صحيحة على الإطلاقِ
لم يكن أمام الاتحاد السوفيتي غير اتباع هذا السلوك وبشكل منفرد مثلما أرادت بغدادِ بيد أن ضرورة تنسيق الأعمال بشكل جماعي حددها أمران: لم يكن ثمة معنى لاقتراح أشياء غير مقبولة من الولايات المتحدة والشركاء الآخرين في مجلس الأمن والبلدان العربية الرئيسيةِ وكانت مجموعة مقترحات بريماكوف تثير الأسئلة ليس عندي فحسب، بل من قبل مستعربي وزارة الخارجية من وجهة نظر الشك في عدم فائدة الدخول في مثل هذه الاتصالاتِ
لفتنا نظر الوزير الى أن تقديم مشكلة التسوية العربية ـ الإسرائيلية الى الأمام من جديد، ولو بدون ربط صارم من حيث المواعيد مع أزمة الكويت، بل جاءت بشكل متحد معها، سيصدمنا فورا مع الأميركانِ لأنهم غير مستعدين لتوحيد هذه المسائل وبالأخص استئناف الأميركان الحوار المقطوع مع منظمة التحرير الفلسطينية والتزام الولايات المتحدة بالتأثير على إسرائيلِ وكتبنا أن صيغة المسألة هذه ستقبل في واشنطن كمساعدة لصدام حسين والانحراف عن الاتفاقات المسجلة في البيان السوفيتي ـ الأميركي المشترك في هلسنكيِ
أشرنا كذلك الى عدم إمكان قبول الاتحاد السوفيتي بالادعاءات العراقية في الكويت (ورد في بعض المقترحات بأن العراق سيحصل من قيادة الكويت وبضمانات سعودية على مطالبه التي كانت موضوع المباحثات مع الوفد الكويتي في جدة قبل بدء التدخل في 2 أغسطس)ِ
أثر هذا العنصر من مجموعة المقترحات سلبا على علاقات الاتحاد السوفيتي مع الكثير من البلدان الغربية والعربية على السواءِ لأنه فهم كاستعداد لتشجيع المعتدي (وكان هذا الأمر غير مقبول إطلاقا ليس بالنسبة إلى واشنطن أو لندن فحسب، بل من إيران أيضا فضلا عن الكويت نفسها)ِ
ولخصنا بأن كلا هذين الظرفين من المشكوك فيه أن يقرب تسوية الأزمة سلميا، بل سيعقدهاِ قد تفهم الولايات المتحدة ذلك كمؤشر لعدم متانة الاتحاد السوفيتي كشريك، الأمر الذي يقدر أن يدفع جورج بوش إلى الإسراع في الحل العسكري وسيدرك صدام حسين بأن التنافر قد نشأ في 'الخمسة' ولذلك سوف لا يستعجل التسويةِ
لا أعرف كيف تصرف الوزير مع استنتاجاتنا المذكورة أعلاهِ فبعد أن أحلتها الى الوزير سافرت حالا بمهمة الى تركياِ لكني عرفت بدقة أن الوزير أخبر الرئيس السوفيتي كتابيا بأنه حاول إيجاد عناصر واقعية للموقف في مجموعة مقترحات يفغيني بريماكوف، لكنه لم يستطعِ
ومع هذا، وافق غورباتشوف على رحلة بريماكوف الى العواصم الغربيةِ بدأت في 16 أكتوبر وانتهت في العشرين منهِ
زار بريماكوف روما وباريس وواشنطن ولندنِ لا أعرف بماذا كلفه غورباتشوف، لكن وفقا لما كتبه وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في مذكراته فان بريماكوف وصل الى واشنطن بمجموعة المقترحات نفسها التي دار عنها الحديث أعلاهِ ويشير بيكر بشكل خاص الى أن بريماكوف اقترح بصفة الطرق التي تساعد صدام حسين على 'إنقاذ ماء وجهه' عقد مؤتمر للشرق الأوسط ونقل جزر الكويت وحقل الرميلة الى ملكية العراقِ وكانت النتيجة معروفة سلفا: 'كلا' الأميركية الثابتةِ يكتب بيكر ان الرئيس بوش عندما أنهى حديثه مع بريماكوف لم يعترض على رحلته الجديدة الى بغداد بحثا عن السلام، لكنه قال له: 'قل لصدام أنك واجهت جدارا حجريا متماسكا'ِ
كتب بوش نفسه عن لقائه ببريماكوف ما يلي: 'وضح بريماكوف اقتراحات مفصلة لما كان على التحالف عمله بعد مغادرة صدام الكويتِ وأرسلت الى غورباتشوف رأيي بأن ذلك يخالف المبادئ الرئيسية التي عرضناها في هلسنكيِ وبدلا من الإصرار على انصراف صدام دون قيد أو شرط فان هذا الموقف يقترح وسائل عملية لإنقاذ ماء وجهه التي تعتبر من كل بد كمكافأةِ زاد حديثي مع بريماكوف تشاؤمي بشأن إمكان إيجاد حل للأزمة أقل من استخدام القوة'ِ
بالتالي، كانت نتيجة مأمورية بريماكوف على النحو الذي تكهنا به في المذكرة المرفوعة للوزيرِ بل كانت ناحية كريهة جدا أخرى لشيفرنادزه شخصياِ حصل موضوعيا أنه ناقش في سبتمبر ـ مطلع أكتوبر مع أعضاء مجلس الأمن والوزراء الآخرين وكذلك مع الرئيس بوش أزمة الكويتِ واتفق معهم على خطة سلوك واحدةِ وبعد أسبوعين يبعث غورباتشوف ممثله الشخصي الى واشنطن وعواصم غربية أخرى حاملا أفكارا مختلفة جداِ وحصل في النتيجة أن الرئيس السوفيتي يناقض وزير الخارجية وحتى ينكر وجودهِ كان يمتلك الحق في ذلك، لكنه ليس من المفيد من وجهة النظر الأدبيةِ
ندوة سياسية
ان الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة هي ندوة سياسية عالمية تفتح فيها بفضل مشاركة رؤساء الدول ووزراء الخارجية، الإمكانات الواسعة لأجل إيضاح عقليات المجتمع الدوليِ يتضح هذا من خلال الخطب الرسمية من منصة الجمعية العامة ومن خلال الأحاديث في الأروقة واللقاءات المشتركة على السواءِ وأردت الإشارة من بين هذه اللقاءات الى أهمية لقاء شيفرنادزه في 26 سبتمبر بوزراء خارجية البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي أثمر عن بيان مشترك، سجلت الأطراف المعنية فيه موقفها المشترك وهو موقف واحد، من الجهود التي ستتخذها لتسوية النزاعات الأخرى في الإقليم كالنزاع العربي ـ الإسرائيلي والمشكلة الفلسطينية والوضع في لبنانِ
وأصبح استعداد الدول الأوروبية للانضمام الى العمل على حل هذه المشاكل النجاح الكبير الثاني للدبلوماسية السوفيتية، بعد هلسنكي، في طريق إعادة مشاكل الشرق الأوسط الأخرى الى مقدمة المسرحِ أما عن أزمة الخليج فقد صرح المشاركون في اللقاء بأن الوقت لا يعمل لصالح المعتدي، بل يقوي من عزم المجتمع الدولي في رد العدوان وإعادة سيادة الكويت بالكاملِ
وسجلت في المعنى والتتابع نفسه (أزمة الكويت والتسوية في الشرق الأوسط) الوثيقة المشتركة لوزراء خارجية 'الخمسة' الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والمقرة نتيجة التفاهم واللقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة خافي بيريس دي كويلارِ وجاء فيها: 'طالب الوزراء بأن يسحب العراق، بلا قيد أو شرط وبلا تأجيل، قواته من الكويت تنفيذا لإرادة المجتمع الدولي، وان يعيد سيادة الكويت الكاملة تحت قيادة حكومتها الشرعية وأن يطلق جميع الرهائن الموجودين في العراق والكويت وأن يمنح جميع المواطنين الأجانب فرصة ترك العراق أو الكويت وأن يحترم حصانة السلك الدبلوماسي وحرمة البعثات الدبلوماسية في الكويت'ِ وأشاروا الى أهمية جلسة مجلس الأمن على مستوى الوزراء وأبدوا استعدادهم للمشاركة في مثل هذه الجلسات قدر الضرورة (سيجتمعون بعد مرور شهرين من جديد من أجل هذا الغرض)ِ