السبت، 4 يونيو 2011

الكرملين والعائلة' الضالة 2

أسطورة القرن الذهبي

كان موظفو الكرملين يعانون دائما من صعوبات في ادراك العمليات السياسية الجارية في البلاد حتى وقت ادارة تشوبايس القصيرة للكرملين والتي يتذكرها الموظفون القدماء ك'قرن ذهبي'.
وتلخص فضل تشوبايس في أنه نظر الى الكرملين كمشروع خاسر يحتاج الى 'تصحيح' عاجلِ وحدد بدقة اتجاهات عمل الديوان وجذب أشخاص جدد لتنفيذ مهام معينة وترك لنفسه دورا متواضعا للغاية وهو مولد الأفكار.
وتسنى لتشوبايس وفريقه احراز بعض النجاح في مضمار تشكيل صورة حسنة وايجابية للسلطةِ ونتيجة لذلك بدأ الساسة والمجتمع يتقبلون الرئيس مجددا كشخصية أولى، ومع ذلك تجدر الاشارة الى ان حقيقة يسلم بها حتى تشوبايس وهي ان كثيرا من التدابير التي اتخذها أحبطت الواحدة تلو الاخرى وهزم الكرملين بشكل خطير في انتخابات المحافظين المتتالية التي بدأت في خريف 1996، وبقيت على الاوراق نوايا تشوبايس بشأن أذرع التأثير الاقتصادية على زعماء الأقاليم.
'نعيش يومنا'
يقول موظفو الديوان السابقون انه بعد انصراف تشوبايس ذهب التخطيط الاستراتيجي مع الريح و'بدأنا نعيش يومنا فحسب'ِ وحاول رئيس الديوان الذي خلفه، فالنتين يوماشيف، ارساء مفهوم 'بلاط القيصر' على جهاز الرئاسة.
ونتيجة لذلك، نشأت مشاكل خطيرة بعد نصف سنة من تغيير قيادة الجهاز، اذ توغل فريق الكرملين حينذاك في الحرب الكبرى بين البطون والأفخاذ والتي اندلعت قبل بداية المزاد لبيع اسهم شركة الاتصالات 'سفياز انفيست'.
وحصلت مصيبة جديدة في سبتمبر 1998 عندما أدرك المحيطون بالرئيس أنهم عقدوا مشكلة اقالة رئيس الحكومة سيرغي كيريينكو ولم يفلحوا بتسوية الآثار المعقدة لاقالة الحكومة والعودة الى فيكتور تشيرنومردين الذي رفضه الدوما استنادا الى رفض كل الاوساط لترشيحهِ واستسلم فالنتين يوماشيف وتاتيانا دياتشينكو وعبرا عن ذلك بكلمة رقيقة هي 'حل وسط' بموافقتهما على ترشيح يفغيني بريماكوف رئيسا للحكومة نائيين عن المراهنة على محافظ موسكو يوري لوجكوفِ وأسفر ذلك عن خروج نصف مسؤولي الديوان تقريبا: السكرتير الصحفي للرئيس سيرغي يسترجيمبسكي، سكرتير مجلس الأمن القومي أندريه كوكشين، ونائب مدير الجهاز ميخائيل كوميسارِ والتحقت بهؤلاء دفعة اخرى فيما بعد، وتغلب الانفعال بشكل حاسم على العقل ووجد الكرملين نفسه في حافة الطريق السياسي.
الموجة الجديدة
كان المقيمون في الكرملين منقبضين بما فيه الكفاية من سيطرة بريماكوف على مجريات الأمور بسرعة فائقةِ وفضل يوماشيف معالجة فقدانه مصادر معلوماته في مقر الحكومة التي اجرى فيها رئيس الوزراء الجديد تغييرات جذرية، اللجوء الى طريقة أسرع وأدق بزرعه أجهزة تنصت في مكتب بريماكوفِ ونسي يوماشيف من يكون المتنصت عليه ونوعية ضيوفه الذين اكتشفوا الأجهزة بعد أقل من اسبوعينِ وبعد ان رمى بريماكوف هذه الأجهزة على طاولة الرئيس يلتسين في حالة وصفها متابعو هذا المشهد البوليسي بأن ضابط المخابرات والدبلوماسي السابق 'خرج عن طوره'، وكان يلتسين وقتها أضعف من أن يجيب عليهِِ فما كان منه الا الموافقة على طلبه بتعيين ضابط المخابرات نيكولاي بوردوجا خلفا ليوماتشيف الذي وصفه الرئيس ب'الأحمق'ِ وهذا الوصف بالتأكيد ليس لأنه زرع الأجهزة، بل لأنه لم يحسن زرعها جيدا.
واصطدم بوردوجا بحقيقة استحالة انعاش فعالية الكرملين او ابقائه على قيد الحياةِ وبسرعة ادرك بأن يلتسين لا يستطيع تحقيق ذلك ايضاِ وكانت الحياة وراء اسوار الكرملين تخمد أنفاسها وتخفت أنوارهاِ وكان الناس هناك يحلمون بشيء واحد: سيكون من الرائع لو صمدنا حتى عام 2000.
وبلغت هذه العقلية أوجها مطلع العام الحالي واتفقت من حيث التوقيت مع المراحل الختامية لاعداد رسالة الرئيس السنوية الى المجلس الاتحادي (مجلس البرلمان: الدوما والشيوخ) والتي بالغ مؤلفوها لاخراجها ك'وصية الرئيس السياسية'.
وفي غضون ذلك، بدأ ديوان الكرملين كأية منظومة بيروقراطية، البحث عن وظيفة، إذ لم تطرح قضايا أمامه بدقة ولم يكلفه أحد بعمل شيءِ ولكي لا يبقوا بلا عمل، فكروا بمهمة الحملة الانتخابية القادمة والمعاهدة الدورية للوفاق الاجتماعي، والنضال ضد 'معاداة السامية'، ومجابهة افكار بريماكوف 'المعادية للسوق'، والتصدي لمحاولات الحكومة ل'فرض السيطرة على الأجهزة الأمنية والعسكريةِِالخ'.
غير ان الكرملين فشل حتى في طرد النائب العام يوري سكوراتوف الذي لم تكن مسألة اقالته معقدة جداِ وكانت الحالة بحاجة الى مؤثر قوي يخرج ديوان الكرملين من الإغماءِ وكان ينبغي البحث عن خطر واقعي يهدد الكرملين الخالي من الشغل والهمومِ وكان لتقارب حكومة بريماكوف مع الشيوعيين أفضل أنواع النشادر الممكنة التي أيقظت يلتسين ومحيطه فاشتعلوا برغبة منع نشاط الحزب الشيوعي وحل الدوماِ لكنهم لم يعرفوا كيفية تحقيق ذلكِ وقرروا في النهاية انشاء ادارة التخطيط السياسي عاملين بالمبدأ البيروقراطي القديم: اذا لم تستطع حل مشكلة ما استحدث هيكلا خاصا مسؤولا عن حلها.
ولم تعد هذه الادارة بالطبع المواقف المفقودة للكرملين في الساحة السياسية الوطنية، وبدأ البحث عن بديل للأيديولوجيين المطرودين في سبتمبر 1998، وخيل لهم انهم عثروا عن بديل جدير بظهور صاحب الخيال السياسي المعروف في موسكو غليب بافلوفسكي في الفريق.
وسرعان ما استغلوا موهبته بنشر وثيقة أحدثت ضجة وقتها أطلق عليها 'الرواية رقم 1' وهي عبارة عن سيناريو لانقلاب حكومي يقوده بريماكوف والشيوعيون، ولم تكن الوثيقة سوى ثمرة مخيلة بافلوفسكي الواسعة.