الجمعة، 10 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (26)

سافرت في 5 فبراير جوا الى طهرانِ وبعد بداية الحرب لم يكن لدينا مشاورات مفصلة وتراكم من المسائلِ كنا نقدر ان إيران البلد الوحيد الذي يتمكن العراق الخروج منه الى العالم الخارجيِ لذا كان لرأي طهران وزن خاص بالنسبة للعراقِ وتمت لي في طهران أحاديث مع وزير الخارجية علي ولايتي ونائبه م ِ فايزيِ
برأي طهران، ظن العراقيون أن العمليات ضدهم لن تبدأ وأخطأوا التقديرِ قال ولايتي ان العراق لم يراع النصائح والتوصيات والإنذارات الإيرانية والسوفيتية على السواءِ وثمة في عناد العراقيين الكثير من الأشياء الغريبةِ فان ما يحدث الآن كان يمكن التكهن به سلفاِ ومن السذاجة الافتراض أن مئات الألوف من الجنود الاميركان يصلون الى الإقليم لصيد السمكِ ان موقف العراق معادل للانتحار فضلا عن العواقب المهلكة للمنطقة ككلِ
ركز الإيرانيون على أن موقف بلادهم هو الحياد النشيطِ وفسروا إضافتهم لكلمة النشيط، بمعنى اتجاههم لعدم إطالة أمد الحرب والإسراع في إنهائهاِ
وكان من المهم أن أستفسر عن سبب زيارة حمادي الى طهران حديثاِ وكان الاهتمام بهذه الزيارة يثار نتيجة نقل الطائرات العراقية المكثف الى إيرانِ وكنا نرى أن قوات إيران المسلحة لم تعق تحليقها ودار الحديث بأن مثل هذه العمليات لا يمكن أن تتم خلافا لإرادة القيادة العراقية، بل كانت تنفيذا لأوامرهاِ وصلت الى إيران في نهاية يناير 80 طائرة حربية تقريبا ومجمل ما وصل الى إيران في يناير وفبراير هو 135 طائرةِ
نتج من حوارنا أن نقل الطائرات المدنية والحربية تم بدون موافقة من الجانب الإيرانيِ وانحصرت أهم مهام حمادي في إيران لتوضيح المسألة مع طهرانِ أكد حمادي أن هبوط الطائرات العراقية في إيران جاء للضرورة القصوى المتعلقة بخطر تدميرها من قبل قوات التحالف، ولأن إيران هي المأمن الوحيد العملي للمحافظة على الطائرات العراقيةِ وقيل أن السلطات الايرانية كي لا تنكث بسياسة الحياد اتخذت القرار بإبقاء الطائرات في إيران حتى نهاية الحربِ وخص ذلك طواقمها أيضاِ
تناولنا المسائل الأخرى التي طرحها حمادي كنقل المساعدات المتنوعة الى العراق عبر الأراضي الإيرانيةِ وقالوا انهم في إيران مستعدون لذلك انطلاقا من دوافع إنسانية لمساعدة الشعب العراقي بالمواد الغذائية والأدوية عن طريق الهلال الأحمر الإيرانيِ ولم يلب طلب الإيرانيين باستقبال المتطوعين من البلدان الإسلامية الى العراق عبر إيران (بدأ تسجيلهم في بعض الدول)ِ
وحسب أقوال المتحدثين كان الطرف الإيراني يعيد ويعيد لحمادي فكرة عدم إقبال العراق على الانتحار ويكف عن عناده وينسحب من الكويتِ وكان حمادي يؤكد ردا على ذلك بأن إيران لا تعلم إمكانية العراق الحقيقية وواقعة تحت تأثير الدعاية الغربية المتحيزة وأن العراق واثق من الانتصارِ
وقال الإيرانيون لي انهم استنتجوا أن القادة العراقيين لا يزالون يعتقدون ضرورة مواصلة العمليات الحربية ويبدو أنهم مؤمنون بأنه سيتسنى لهم إبادة 10 - 15 ألف جندي في سير المعارك البرية وان ذلك سيفزع قوات التحالف ويحملها على الهرب من المنطقة أو تغيير الوضع على الأقلِ غير أن جميع هذه الحسابات كانت ساذجة: القوات العراقية غير قادرة بلا إسناد جوي إلحاق خسائر ملموسة بقوات التحالفِ أما المساعدات الإسلامية فان العراقيين يراهنون على شيء مستحيلِ وقال الإيرانيون ذلك بصراحة للعراقيينِ
لم تتوصل بغداد في الحصول على موافقة طهران على الاتجاهات العامة الأخرىِ وقال الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني لحمادي انه بالرغم من أن العراق يحاول جر إسرائيل الى الحرب فان الإسرائيليين سيكونون متحفظين بشكل معقول ولن يعطوا الفرصة لجرهم الى الحربِ وان الضربات توطد سمعة إسرائيل أكثر، وهذا ليس من مصلحة العراق ولا الإقليم ولا المسلمينِ وأشار الرئيس الإيراني الى أن استعمال بغداد للقضية الفلسطينية في النزاع لعبة خاسرة مقدما وستؤدي الى نسف أهداف الفلسطينيين وان سعي بغداد الى تحويل مجرى الحرب الى مواجهة بين الإسلام والمسيحية تدبير خطر جدا لن يستفيد منه أحدِ وقيل لحمادي ردا على تصريحه إن على إيران عدم التوجه لوقف إطلاق النار الى العراق، بل الى الولايات المتحدة بأنه من المشكوك فيه أن تلقى ادعاءاتهم فهم أحد في العالمِ
وأشرت من جهتي الى أن موقف الاتحاد السوفيتي من المشاكل المتعلقة بالعدوان العراقي على الكويت ثابت لا يتغير ويبنى على أساس قرارات مجلس الأمن التي صوتنا معها وأهمها انسحاب القوات العراقية دون قيد أو شرط من الكويت وهذا الإجراء وحده سيضع حدا للأزمةِ وأن الذنب على العمليات العسكرية يقع منذ البداية على عاتق بغداد التي قدمت إليها كافة الإمكانات للتفادي منهاِ ومع ذلك لا نريد أن يدمر العراق بالكامل وأن يضع ذلك أساسا لتعطشه للثأر في المستقبلِ
واتضح في سير الحديث أن الإيرانيين أنذروا صدام حسين بشكل حازم جدا ضرورة عدم استخدام الأسلحة الكيميائية وإلا فأنه سيواجه العالم أجمعِ
وبحثنا مع الإيرانيين في بعض النواحي السياسية والعسكرية وآفاق الوضع الراهنِ واتضح اتفاق مصالحنا ووجهات نظرنا بشكل واسعِ وأكد الطرفان على ضرورة مواصلة إبقاء الباب مفتوحا للحوار مع بغدادِ
وتوجهت من طهران الى أنقرةِ
في أنقرة من جديد
شغلتني في أنقرة خصوصية العلاقات السوفيتية - التركية والمهام نفسها التي كانت في طهران: تدقيق النوايا التركية المقبلة وتفسير موقفنا من الحملة الجوية التي بدأت تقوى جدا ضد العراقِ
اعتبرت تركيا نفسها غير مشاركة رسميا في النزاع، لكنها وضعت قواعدها الجوية تحت تصرف قوات التحالف وكانت الطائرات الاميركية، ومن المحتمل ليست الاميركية فقط، تنزل الضربات على العراق من أراضيهاِ زد على ذلك، نقلت بطلب من أنقرة الى الأراضي التركية 42 طائرة من قوام حلف الناتو خفيفة الحركة في أوربا كما فسر لي ذلك في موسكو السفير التركي فولكان فورال وكانت عبارة عن فصيلة للسلاح الجوي الألماني والإيطالي والبلجيكيِ وقصدوا منها إظهار التضامن الرمزي من قبل حلف شمال الأطلسي لتركيا التي كان الهجوم عليها، كما زعموا، يعادل الاعتداء على بلدان الناتو عامةِ وبالإضافة الى ذلك جاء الأتراك الى الحدود مع العراق بقوات مسلحة كبيرة ( اعتقدوا في طهران أنهم حشدوا ثلث القوات المسلحة التركية وخاف الإيرانيون من تدخل تركيا في العراق لغرض فرض سيطرتها على حقول النفط في الموصل وكركوك )ِ إذن كان لدي الكثير من المواضيع التي تنتسب إلى المجال الحساس، ينبغي معالجتها في أنقرةِ
طرح الأتراك أنفسهم هذه المواضيع وألقوا مسؤولية ظهور هذه الأخبار المغرضة على صحافتهم والتصريحات الإيرانية الرسميةِ
وفي 8 و 9 فبراير تمت مشاوراتي مع النائب الأول لوزير الخارجية ت ِ أوزتشيري ( كان الوزير هذه الأيام في طهران ) وحديث مفصل مع رئيس وزراء تركيا ي ِ أكبولوتِ
قيل لي بوضوح عند رئيس الوزراء وفي وزارة الخارجية بأنه إذا لا تتعرض تركيا لهجوم من جانب العراق فأنها لن تشارك في أية عملية حربيةِ وأوصى أوزتشيري عدم الانتباه الى التلميحات التي تتبناها الصحافة عن موعد افتتاح الجبهة الثانية وكيف ستبدأ القوات التركية عملياتها الحربية ضد العراق ومصير منطقتي كركوك والموصل والأراضي العثمانية السابقة الأخرى ِِِ الخِ وقال نائب وزير الخارجية بأن شبهات طهران بصدد تركز ثلث قواتنا المسلحة التركية قرب الحدود العراقية لا تتفق والواقع (لكنه لم يورد معطياته الخاصة)ِ
وأكد أوزتشيري على أن تركيا تبقى نصيرة محافظة العراق على حدوده التي كانت موجودة في 1 أغسطس 1990ِ
ولاحظت في أنقرة أنهم بدأوا يحضرون التدابير حول مسألة التقييدات العسكرية المستقبلية بالنسبة للعراقِ وقال رئيس الوزراء بأنه إذا بقى صدام حسين في الحكم فينبغي إعادة النظر في منظومة الأمن الإقليمية وخطر الأسلحة الموجودة في الإقليم بما فيها الأسلحة التي ستبقى تحت تصرف القيادة العراقيةِ وقال أوزتشيري في هذا الصدد إن القيادة العراقية الراهنة تشكل تهديدا وخطرا للسلام والأمن في الإقليم وأنه لا يجوز تجاهل مساعي صدام حسين التوسعية بعد شنه الحرب مرتين ضد جيرانه على امتداد السنوات العشر الأخيرة وأن الأحداث أظهرت مقدرة العراق العسكرية الخطيرة جدا التي لا تشتمل على الأسلحة التقليدية فحسب، بل على بعض أنواع الأسلحة المحظورة وكذلك ما أنجزه في مجال الأسلحة النوويةِ
ومن جهتي أشرت الى أن ما تتحدث به الصحافة الغربية عن تغيير في الموقف السوفيتي من الأحداث ليس له أي أساسِ مركزا على أن موقفنا نابع من قرارات مجلس الأمن المعنية التي ينبغي أن تنفذ وأنه يجب إعادة استقلال الكويتِ ووجهت نظر زملائي الأتراك الى أن الضربات الجوية تنزل ضد منشآت العراق النووية والبيولوجية والكيميائيةِ وهذا بحد ذاته أمر خطير للغاية بالنسبة للذين تمتد حدودهم الجنوبية على بعد 300 كلم من العراقِ وتراقب مراكزنا المعنية باهتمام الوضع الإشعاعي والبيولوجيِ ولم نسجل لحد الآن انحرافا واحدا عن المعدلِ غير أنه لا توجد ضمانات بأن هذه المشاكل انتهتِ
اتفقت وجهتا نظرنا في بعض المسائل بالكامل: محاولات العراق لجر إسرائيل للحرب، السعي الى إضفاء طابع المواجهة بين المسلمين وغير المسلمين، عدم التسليم باستخدام أسلحة الدمار الشامل، المحافظة على جغرافية الإقليم السياسية، الاعتراف بأن إنهاء الحرب متعلق على موقف بغداد ِِِ
تركت أنقرة محملا بشعور من الرضا لأني حصلت كما بدا لي (وأكد تطور الأحداث المطر هذا) على تأكيدات راسخة بما فيه الكفاية على عدم وجود نوايا لتركيا للدخول في النزاع الحربي من أجل مكاسب إقليمية على حساب العراقِ
عندما كنت في الشرق الأدنى جرى في موسكو حدث هامِ لم يحصل كمفاجأة، بل كان ينضج بالتدريج تحت تأثير بعض الظروف التي كان ضجر الاتحاد السوفيتي المزداد من القصف الجوي ضد العراق مخرجا مشتركا لهِ وللدقة أثير هذا الانزعاج نتيجة تدمير منشآت هذا البلد المدنية، الأمر الذي أخرج الحملة عن أهدافها الرسمية وهي تحرير الكويتِ وعلى العموم لم تكن الحرب اختيارناِ ولكن عندما انتهى 'توقف النوايا الحسنة' كانت قيادة العراق مستمرة في الغطرسة وتستقبل الحرب كشر لا بد منه جلبتها لنفسهاِ ولكن الأيام تجري واتضح أنه ليست ماكينة العراق العسكرية مستهدفة للضربات فحسب، بل كل البلد وصناعته وبنيته التحتيةِ وصاحب ذلك سقوط الكثير من الضحايا المدنيينِ
وفي 9 فبراير أعلن ميخائيل غورباتشوف في جلسة لجنة شؤون الخليج قرارا بالإدلاء بتصريح بصدد الأفعال المفرطة التي يسمح بها التحالف لنفسه القيام بها في الحرب الجوية ويرسل يفغيني بريماكوف ممثله الشخصي للقاء بصدام حسينِ
أعلن التصريح في اليوم نفسه وكان ذكيا وموجزا وموضوعيا من حيث اللهجة والجوهرِ وكان موجها الى بغداد وواشنطنِ قيل لواشنطن ان طبيعة العمليات الحربية تجاوزت الصلاحيات المقرة في مجلس الأمنِ ووجه الى بغداد في شخص الرئيس العراقي النداء الملح في أن يزن مرة أخرى المخاطر قبل كل شيء لبلده ويظهر الواقعية التي تمكن الخروج الى طريق التسوية المتينة والعادلةِ وأثار تصريح الرئيس السوفيتي حالا سيلا من التعليقات من المستحسنة جدا حتى المنتقدة بحدةِ وكانت التعليقات الأخيرة مميزة بالأخص في الصحافة الاميركيةِ فقد كانت تلوم موسكو بالابتعاد المتعمد عن واشنطن معللة ذلك بتقديرات الكرملين المختلفة وسياسته الخارجية المغرضة وبرغبة غورباتشوف إرضاء المعارضة اليمينية في الاتحاد السوفيتي والأوساط العسكرية السوفيتية وسكان البلد من المسلمينِ وقيل في كتاب بوش وسكووكروفت ما يلي: 'كنا نخشى من تقوية محاولات السوفيت لإنهاء الحرب قبل امتثال العراق لقرارات الأمم المتحدةِ ترك شيفرنادزه منصبه ولم تبق موازنة مضادة لضغط اليمينيين على غورباتشوف الذين طالبوا بالتدخل وإنقاذ الزبون القديمِ وما زالت فرص خروج موسكو من التحالف قائمةِ ولم يكن الاقتراح الذي نقله بريماكوف الى صدام حسين إلا بقليل عما كان غورباتشوف يدفعه الى الأمام بعد يومين من بداية القصر: يعلن صدام أنه سينسحب ومن ثم يوقف التحالف إطلاق النار 'ِ
يوم عمل واحد لنائب الوزير
شعرت بضجر الغربيين من أفعال غورباتشوف حتى في اليوم الأول من عودتي من أنقرةِ كان هذا اليوم 12 فبراير متوترا بما يكفي بالنسبة ليِ استقبلت فيه السفير الاميركي ميتلوكِ وردا على سؤاله عن مهام مبعوثنا يفغيني بريماكوف في بغداد شرحت له أن هدف الزيارة ينحصر في إقناع صدام حسين بتنفيذ قرارات مجلس الأمن والاستيضاح فيما إذا كان ثمة فرج ما بتصريح علني للقائد العراقي يحول مجرى الصراع نحو السلامِ
ثم جرى الحديث حول تصريح غورباتشوف واتضح حالا أن الاميركان ضجرون منهِ كان ميتلوك يشدد على أن الجنود الاميركان يخاطرون بحياتهم من أجل تحرير الكويت وأن الولايات المتحدة أخذت على عاتقها أعباء الحرب الرئيسية وهذا من أجل أهدافنا المشتركة، ولهذا السبب يحق للأوساط الاجتماعية الاميركية أن تنتظر من الاتحاد السوفيتي العطف والتأييد المعنويِ وأكد السفير أن بلاده لا تسعى الى تدمير اقتصاد العراق، بل تكتفي بالضروري وتضطر أن تأخذ في الاعتبار وجود منشآتهم العسكرية بغطاء منشآت مدنيةِ
وأوضحت لميتلوك بدوري بأننا نهتم بصدد طبيعة العمليات الحربية ونطاق التدمير في العراق وقيل هذا بوضوح بتصريح غورباتشوفِ ندرك أنه من الصعب تحرير الكويت بدون قطع خطوط توفير لوازم الحياة للتشكيلات المنتشرة هناك وأن التدمير والضحايا امر حتمي في كل حربِ غير أننا نعتقد بأنه من الهام التحديد والتقدير الصائب لما هو مهم لأجل التوصل إلى الأهداف الحربية وما يتجاوز الحدود الضروريةِ
وكان سفير بريطانيا بريتفيت زائري التاليِ اهتم كثيرا أيضا برحلة بريماكوف الى بغداد ولماذا نشأت الحاجة إليها طالما حافظنا على وجود سفارتنا في بغدادِ اضطررت أن أرد عليه بأنه ليس من اليسير على دبلوماسيينا أن يتصلوا مباشرة بصدام حسين في اللحظة الضرورية وهذا أمر هام في هذه اللحظات الحرجةِ وكررت بعد ذلك ما قلته للسفير ميتلوكِ وركزت الاهتمام على أنه إذا لم تصحح قوات التحالف خططها العملياتية ضد أهداف العراق، فان ذلك يعتبر خروجا من إطار الصلاحيات المقدمة لها من مجلس الأمنِ وأكد السفير أن عمليات التحالف مدروسة جيدا وفيها وجهة نظر عسكرية صرف ولا تهدف الى تدمير العراقِ
وكان باتريك يكلير مدير قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط محدثي التالي في ذلك اليومِ اتفقنا على أن تقديراتنا للحالة المتطورة في الخليج ومشاكل تسوية الشرق الأوسط متطابقة أو قريبة من بعضهاِ ولم يحمل ليكلير خلافا عن الاميركي والإنكليزي الدفاع عن طابع ونطاق الحرب الجوية ضد العراق، وأشار الى أن الفرنسيين يشاركون فقط في الهجمات ضد الأهداف العسكرية في الكويت ومنطقة الحدود مع البصرةِ
واضطررت في هذا اليوم لاستقبال السفير ميتلوك مرة ثانية بناء على طلبهِ جاء بنداء إلينا بصدد جلسة مجلس الأمن المخطط عقدها في 13 فبراير والمكرسة لبحث تطورات الحرب في الخليج بطلب من اليمن وكوبا وبعض بلدان المغرب العربيِ
بريماكوف في بغداد
كانت مباحثات بريماكوف في بغداد مع صدام حسين أهم حدث بلا شك في 13 فبرايرِ جرت كما كانت الحال عليها في المرة السابقة في نوفمبر بشكل معقدِ لم يستغن الأمر عن عتاب الاتحاد السوفيتي، لكن ظهرت بعض الدلائل المؤملة في نوع أسئلة مختلفة قدمها الرئيس العراقي بالشروط التي يمكن أن يتصورها للانسحاب من الكويتِ وقبل هذا رسم بريماكوف الصورة التي تنتظر العراق في حالة رفضه الانسحاب من الكويت (عملية برية واسعة النطاق لقوات التحالف الموجودة على الأبواب وهزيمة القوات العراقية الحتمية)ِ وتحدث عن توصية الرئيس السوفيتي بأن يعلن العراق عن سحب قواته من الكويت وتحديد أقرب المواعيد لهذا الانسحاب في آن واحد ويجب أن يكون الانسحاب كاملا وبلا شروطِ وأشار بريماكوف كذلك الى أن الوقت قد ضاق وكان من الواجب أن يصرح العراق بصورة إيجابية حتى في هذه المرحلة عن سحب قواته بلا قيد أو شرط حتى يكف إنزال الضربات بالمدنيينِ
سيكولوجية صدام
بعد أن تحدثت عن محاولات الاتحاد السوفيتي المتخذة من أجل إيقاف الحرب وما الذي حال دون تحقيقها أثبتت أن المانع الرئيسي كان بغدادِ فمثلا، تم قبل أيام لقاء السفير السوفيتي في بغداد في وزارة الخارجية وصرحوا له بأن العراق ينوي الاستمرار بالقتال، وأن موقفه من الجهود التي تبذلها بلدان المغرب العربي في مجلس الأمن لإيقاف العمليات العسكرية سلبيِ
وأشرت الى أن السكرتير العام للأمم المتحدة وإن لقي رسالة قاسية وحتى مهينة من طارق عزيز، إلا أنه من جديد يقدم خدماته واقتراحاته بهدف تحويل مجرى النزاع العسكري الى سلمي وينتظر الإشارة التي لا تريد بغداد منحها إياهِ
وتحدثت للوزير اليمني ان الكسندر بيسميرتنيخ عاد في 30 يناير من واشنطن حيث أجرى مباحثات مفصلة مع الرئيس الاميركي ووزير الخارجية بصدد النزاع في منطقة الخليجِ وكانت جهودنا مع الاميركان توجه للحيلولة دون تصاعد الحرب ودفع الاميركان الى أن فكرة توقف الحرب ممكنة ومفيدة لو تصدر من بغداد ولو إشارة صغيرة عن استعدادها لسحب قواتها من الكويتِ ونتيجة هذه المباحثات صدر بيان مشترك وكنا مرتاحين من مضمونه لأن مبادئ مهمة سجلت فيهِ
أولا، صرح الاميركان بأن هدفهم ليس تدمير العراق وقبلوا لأول مرة على المستوى الرسمي فكرة إنهاء الحرب فورا ما ان تستلم القيادة الاميركية إشارة الاستعداد العراقي بالانسحاب من الكويتِ ومن المعلوم أن واشنطن كانت ترفض حتى الآونة الأخيرة فكرة أي توقف للحربِ
ثانيا، تسنى لنا إدراج موضوع التسوية الشاملة في الشرق الأوسط في هذه الوثيقةِ ونرى أن هذا أمر مهم جدا وخطوة جادة في طريق تسوية مشاكل الشرق الأوسط بما في ذلك المشكلة الفلسطينيةِ وأردنا ألا يستعجلوا في بغداد رفض ما حمله البيانِ
لم تكن للوزير اليمني معلومات جديدة عما يدور في أذهان العراقيينِ وأعرب عن موافقته بأنه كانت لبغداد الكثير من الفرص للخروج من الكويت، غير أن القضية انحصرت في سيكولوجية القائد العراقيِ
في كل الأحوال تجاهلت بغداد البيان السوفيتي - الاميركيِ