الجمعة، 10 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (21)

أرى أن يدل تفسير رحلتي من وسائل الإعلام المحلية على ما كانت تريده بلدان الخليج وما تريد أن تحصل عليه في هذه اللحظات من الاتحاد السوفيتي أكثر من كل شيءِ وأقتبس على سبيل المثال مقتطفات من جريدة 'غالف نيوز' الصادرة في 23 نوفمبر وأسست هذه المقتطفات على أحاديثي مع الصحافيين: 'قال الكسندر بيلونوغوف إجابة عن السؤال عن كيفية حسم الأزمة في ضوء رفض العراق لتنفيذ القرارات التي تطالب بانصرافه من الكويت أن لبلاده إمكانية تسوية الأزمة في الخليج بمساعدة الوسائل الدبلوماسية وغيرها من الأساليب السلميةِِ ولا يستثني في غضون ذلك الطرق العسكرية'، 'ينحصر هدفنا في تقوية الجهود لغرض إيجاد حل سلمي قبل اللجوء الى الوسائل الأخرى'، 'هناك عدة طرق للحل السلمي بما فيها بمساعدة العقوبات الاقتصادية ضد العراق'، 'ونوه بيلونوغوف الى ان العقوبات الاقتصادية المفروضة قد بدأت تعض العراق وهي في حاجة الى وقت أكبر لكي تجبره على ترك الكويت'، 'لا يزال الاتحاد السوفيتي يبقي الباب مفتوحا للحوار مع القيادة العراقية'، 'أشار بيلونوغوف الى أن الشخصيات الرسمية السوفيتية بمن فيها الرئيس ميخائيل غورباتشوف ناقشت مع زملائها الأميركان فكرة نظر مجلس الأمن في أزمة الخليج واتخاذ قرار جديد'، 'إجابة عن السؤال فيما إذا كان الحل العسكري هدف هذه الجلسة قال بيلونوغوف: لا أقصد الحل العسكريِِ ولكن يجب أن نعطي العراق إشارة قوية بتحديد الموعد النهائي لسحب قواته من الكويت'، 'علينا أن نقنع صدام حسين والشعب العراقي بضرورة الانسحاب من الكويت'، 'أجاب بيلونوغوف عن السؤال عن موقف بلاده لو لم يتسن إقناع العراق بالانسحاب من الكويت بطريقة سلمية قال ان ميثاق الأمم المتحدة يتضمن في هذه الحالة المبادئ الضرورية وان مجلس الأمن سيتخذ قرارا مناسبا'، 'أشار بيلونوغوف متحدثا عن نتائج رحلته في المنطقة ومحادثاته مع المسؤولين الى أن حزم بلدان المنطقة لإعادة سيادة الكويت قوي جدا'ِ
انتهت الأيام العشرة التي قدمها لي الوزير بسرعة وكانت مأمورية متشعبة وشيقة جدا من الناحية السياسية وتعميق الإدراك على السواءِ
وبعد العودة الى موسكو عممنا مع فلاديمير انطباعاتنا عن الأحاديث مع قادة البلدان العربية وعرضناها في مذكرة موجهة الى ميخائيل غورباتشوفِ وقدمنا التقرير الى وزيرنا بالطبعِ والتقينا كذلك في المركز الصحفي لوزارة الخارجية بالصحافيين السوفيت وحدثناهم عن رحلتناِ واضطررت فورا بعد وصولي الى الاستغراق في الشؤون العراقيةِ
المناقشات غير المثمرة مع طارق عزيز
قرر في سير إعداد لقاء القمة في باريس أن ندعو طارق عزيز لكي يسبر غور موقف القيادة العراقية مرة أخرى قبل انعقاد جلسة مجلس الأمنِ وصل في 25 نوفمبرِ وأظهرت الدقائق الأولى من الحديث معه في المطار أن وزير خارجية العراق يمثل الثقة المطمئنةِ ولم يتغير سلوكه في اليوم التالي أثناء المحادثات الجارية بادئ الأمر مع شيفرنادزه ومن ثم مع ميخائيل غورباتشوف (لم أشارك في هذا اللقاء)ِ
أشار شيفرنادزه بافتتاحه اللقاء الى الظروف التالية:
يجري اللقاء في وقت خطير جدا عندما تكون أمامنا قرارات كبيرة سيتوقف عليها الكثير وقبل كل شيء بالنسبة للعراقِ أصبحت الأزمة في الخليج أول مشكلة بالنسبة للجميع ويزداد الوضع سوءا بالنسبة للعراق ويصبح خطرا جداِ
اتخذ القرار على عقد جلسة لمجلس الأمنِ وتميل الأكثرية لاتخاذ قرار آخر سيكون أخيراِ وستعطى فيه المصادقة على استخدام القوة ضد العراق إذا لم ينفذ القرارات السابقةِ
هناك طريقتان: إما أن تستخدم العمليات العسكرية الإجبارية على أساس قرار مجلس الأمن المذكور وإما أن تتصرف الولايات المتحدة وقوات التحالف حسب هواها على أساس المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدةِ ونعتبر الطريقة الأولى أفضلِ
سيؤيد الاتحاد السوفيتي القرارِ حيث أن تهرب العراق من تنفيذ القرارات التي صوتنا عليها لا يعطي البديل ولكننا نتمكن من التأثير على صيغتهِ
لا يمكن أن يوجد قرار سلمي إلا بانصراف العراق من الكويت وانسحاب القوات الأميركية والمشاركين الآخرين في التحالفِ ونعرف أن المبدأ الأخير واقعي: لا تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها الانتظار طويلا ولن يوافقوا على ذلكِ
نعرف إمكانات العراق العسكرية وإمكانات القوى التي تواجههِ ونحن على يقين بأن الحرب ستكون كارثة على العراقِ
نهتم بصورة عميقة بأن يكون لنا في العراق شريك قوي مع قدرة كبيرةِ ويوجد حتى الآن إمكان المحافظة على هذه القدرةِ ويتطلب الأمر من بغداد لأجل ذلك اتخاذ قرار جريء: الانسحاب بلا قيد أو شرط من الكويت، وهذا يستجيب لمصالح العراق نفسه والمصالح العربية العامةِ ونرى انه ينبغي أن يظهر صدام حسين الحكمة والمسؤولية في نقطة التحول هذهِ
وكان رد فعل طارق عزيز الآتي:
كانت إسرائيل والولايات المتحدة والبلدان العربية الأخرى وبالأخص إنكلترا تهدد العراق قبل 2 أغسطسِ وأدت أعمال الكويت الى انهيار العراق الاقتصاديِ ولو لم تحصل أحداث 2 أغسطس لكان العراق الآن في حال أسوأِ
كنا ندعي بالكويت خلال 70 سنةِ ولدينا كافة الحقوق فيها وبراهين هذه الحقوقِ وزد على ذلك كانت الكويت تتآمر ضدناِ
نوافق على أن الحالة خطرة وتمس مصالح الكثيرينِ فلماذا لا يريدون العمل بصورة مجتمعة كما اقترح في مبادرة صدام حسين المؤرخة في 12 أغسطسِ ولا نرى مخرجا آخر سوى التسوية المجتمعةِ وننتظر من الاتحاد السوفيتي والصين والبلدان الأوروبية العمل وفق مبادرة 12 أغسطسِ ان جميع القرارات الجزئية غير مقبولة للعراقِ
إن قرارات مجلس الأمن جائرة وتضطهد العراق وتدفعنا الى المثابرةِ ولا نخاف من قرار جديد كما لم نخف من القرارات السابقةِ
صدام حسين مطلع بالكامل على الوضعِ
ستكون الحرب مدمرة وفظيعةِ ولكن يبدو أن هذا مصيرنا: المحاربةِ
بذل شيفرنادزه قصارى جهده لإقناع المتحدث لكي يصحح الموقف الذي كان يصطنع ربط المشكلة الكويتية بالمشكلة الفلسطينيةِ وكان يسمع من عزيز ردا على هذا بأنه ليس ثمة مفتاح آخر للمشكلة غير المفتاح الفلسطيني والمشكلة لا تنحصر في الكويت، بل في أن إسرائيل تريد إلغاء النظام القائم في العراقِ وإذا أنزلت الولايات المتحدة الضربة على العراق فإن العراق سيضرب إسرائيل وسيربط بهذه الطريقة جميع المسائلِ وقال عزيز ان 10 قرارات لمجلس الأمن لم تخف العراق ولن يخيفه القرار 11 وان العراق مستعد للبديل الحربيِِِالخِ
رن الهاتف من ميخائيل غورباتشوف قاطعا الحوارِ وفي هذه الأثناء تكلمت مع طارق عزيز على انفراد واعتقدت ان حواري الشخصي معه سيغير من سلوكهِ غير أن عزيز تكلم معي بصورة أكثر محاربة من روح المحاربة وراء طاولة المحادثات الرسمية التي عدنا إليها بعد وقت قصيرِ
طرحت من الطرف السوفيتي بحدة ومبدئية مسألة خبرائنا في العراقِ وقال شيفرنادزه ان ما يحدث في العراق مع المواطنين السوفيت ينافي جميع المبادئ التي بنيت عليها العلاقات السوفيتية ـ العراقيةِ وتجري تجارة حقيقية بالناسِ ويعين العراق حصصا نسبية لرحيل المواطنين السوفيت من البلد، وهذا مستحيل من حيث المبدأِ أنهم أناس أحرار ولكل منهم الحق في الرحيل إذا أراد وإنهاء عقده بسبب الظروف الصعبة التي نشأت بذنب العراقِ ان الأنظمة التمييزية التي تمارسها بغداد إزاء مواطني الاتحاد السوفيتي مهينة لهمِ سمحوا لل 360 شخصا فقط بترك البلد خلال شهر كاملِ وتعود الطائرات التي يرسلها الاتحاد السوفيتي الى العراق فارغةِ ويتألم الناس هنا وهناك على السواءِ
وكان عزيز يؤكد بأن كل مواطن سوفيتي انتهى عقده وليس له عمل مناسب يستطيع، كما زعم، أن يغادر العراقِ أما الذين لم ينته عقدهم فيجب التفاهم على كيفية معاملتهمِ
لم يوافق شيفرنادزه على هذا قطعيا، وطالب بغداد برفع مشكلة رحيل المواطنين السوفيتِ
وقيل في الكرملين لعزيز انه إذا أراد العراق فعلا التسوية في الإقليم كله وسعى الى تفادي أسوأ شيء فيجب أن يصرح الآن علنا وأن يظهر ذلك عمليا بأنه سينسحب من الكويت وسيطلق سراح الرهائن ولا يمانع على وجه العموم أحدا من الأجانب في ترك العراقِ وإلا سيتخذ مجلس الأمن قرارا حازماِ وطلب ميخائيل غورباتشوف من عزيز بأن ينقل الى صدام حسين الرجاء الملح لأن يزن كل شيء مرة أخرى، لأن مصير العراق في أيدي قيادته والوقت ينقضيِ
طرح الرئيس السوفيتي بحزم المسألة الخاصة بإتاحة الفرصة لجميع الخبراء السوفيت بالرحيل الى وطنهمِ
للأسف، لم يقل نائب رئيس وزراء العراق ووزير الخارجية في الكرملين أيضا شيئا جديدا حول الأزمة في الخليج وطرق تذليلها على السواءِ ولم تحقق زيارة طارق عزيز في هذا المعنى، الآمال ولم تؤثر بالمرة في الاتجاه الإيجابي على إمكانات الدبلوماسية السوفيتية في صدد النظر بالمسألة في مجلس الأمنِ ولم تكن غير مفيدة تماما، لأنها مكنت مرة أخرى من الاقتناع بأن بحث مجلس الأمن الجديد في المشكلة مبرر من حيث التوقيت وثانيا مكنت من إحالة كل شيء ينبغي قوله لبغداد بصراحة كنصيحة ودية وإخطار مخلصِ
في 27 نوفمبر وصل الى موسكو وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ووزير المالية محمد أبا الخيلِ انشغلت المصالح والمؤسسات السوفيتية الاقتصادية بوزير المالية وجرى مع وزير الخارجية في اليوم نفسه حديث وديِ كانت علاقاتنا الثنائية تتطور بسرعة وبشكل حسن، لذا لم يشغلنا الحديث لوقت طويل عنها، في حين استغرقت مناقشة أزمة الخليج الوقت كله تقريباِ شاطر ادوارد شيفرنادزه الوزير السعودي انطباعاته الثقيلة كما وصف حديثه مع طارق عزيزِ وحسب تقدير الوزير السوفيتي، لم يشعروا بعد في بغداد بماهية العواقب التي تنتظر العراق والإقليم إذا وصل الأمر الى استخدام القوةِ وكنا نرى أن من واجبنا المعنوي أن نقول للعراقيين قبل التصويت في الأمم المتحدة موقفنا وأن نطرح مسألة الرهائن ومواطنينا ونؤكد حتمية عودة الحكومة الشرعية الى الكويتِ ولم يطور الوزير هذا الموضوع الى أبعد، عارفا بشكل جيد موقف الحكومة السعودية من بغدادِ
وقال سعود الفيصل انه كانت لهم من قبل علاقات جيدة مع العراق كما كانت عليه الحال مع الاتحاد السوفيتيِ لكنهم استقبلوا العدوان كخيانة، ويعملون من مبدأ عدم إجراء أي مباحثات مع بغداد قبل انسحابه من الكويتِ ويمارس العراقيون أنفسهم نهجين: أولا، يصرون على المحادثات المباشرة مع السعودية ويعدون بأنهم سيكونون " 'أسخياء' جدا (نقل ذلك بواسطة المغربيين والفلسطينيين والعمانيين)ِ وثانيا، يريدون إجراء مباحثات مباشرة مع الولايات المتحدة (وعند ذلك يرون، في الحالة هذه أنه ليس لقرارات مجلس الأمن ولا مواقف الدول الأخرى خطورة ما)ِ أرادوا من المحادثات مع السعودية تقسيم الإقليمِ وقال الوزير معترفا بأن للسعودية مشاكلها الخاصة، وأن الرياض تسعى الى التعاون البناء مع كافة دول المنطقة وأرادت الخروج من الأزمة على أسس المبادئ السليمة بتوطيد العلنية والقانون والعدالةِ ومن البديهي أن قرارات مجلس الأمن ينبغي أن تنفذ، لأن بقاء الأوضاع بلا تغيير سيؤدي الى أخطر العواقبِ لذا يجب أن يتخذ القرار الواضح الذي يعطي العراق الفرصة الأخيرة لحسم القضية بسلامِ
ولأنه يعرف بأن ادوارد شيفرنادزه التقى حديثا بوزير خارجية الصين، طلب الفيصل إيضاح موقف جمهورية الصين الشعبية من قرار مجلس الأمن الجديد، وبدوره قاسم شيفرنادزه الوزير السعودي انطباعاته عن حديثه مع وزير خارجية الصينِ وقارن الوزيران السوفيتي والسعودي من خلال تقديراتهما المواقف المحتملة في مجلس الأمن لكل من كوبا واليمن اللتين اتخذتا في بعض الأحيان مواقف خاصةِ وتثبتوا بأن زيارة جيمس بيكر لصنعاء لم تتوصل الى أهدافهاِ
وعرض الفيصل بطلب من شيفرنادزه الرواية السعودية عن أسباب التوتر الراهن في العلاقات السعودية - اليمنيةِ وأعرب كلا الطرفين السوفيتي والسعودي عن أمله في آفاق الاستقرار في الإقليمِ وقال الفيصل مستشهدا برأي الملك فهد أنهم في السعودية رحبوا بإيجابية ازدياد الدور السوفيتي في المنطقة ويرون بأن ذلك من شأنه مساعدة العلاقات السوفيتية - السعودية الثنائية وخاصة الافتتاح المقبل للسفارتينِ
والتقى الفيصل ووزير المالية السعودي في اليوم نفسه بميخائيل غورباتشوف، وأشير في البيان الرسمي عن لقائهما الى أن اتخاذ القرار الجديد لمجلس الأمن ينبغي أن يساعد على حل عادل للأزمةِ ولفت نظري إدخال السطور التالية في هذا البيان: 'ان الكبرياء التي تبديها القيادة العراقية، آخذين في الاعتبار قوة العراق العسكرية، خطيرة ليس لبلدان الإقليم وحدها، بل تناقض كافة الاتجاهات الإيجابية في العالم والجهود الموجهة الى تقليص السلاح النووي ونزع السلاح والتوصل الى السلام والأمن'ِ فمن الواضح أن مسألة خطر المكنة العسكرية النامية للعراق لم تنشأ في مراحل الأزمة الأولى (أقصد التصريحات السوفيتية)ِ وأكد ظهور هذا الموضوع الآن خطأ نهج بغداد العميق في مماطلة الأزمة واستخفافها بمطالب مجلس الأمنِ وكما سنعرف لا يستطيع العراق التغلب على عواقب هذا النهج خلال سنوات عديدةِ
مجلس الأمن يعين الموعد النهائي
انتقل مركز النشاط السياسي والدبلوماسي للأزمة في نهاية نوفمبر الى نيويورك التي بدأ وزراء خارجية البلدان الأعضاء في مجلس الأمن يصلون إليهاِ وسافر شيفرنادزه أيضا الى هناكِ وقبل أن يشغل الوزراء مقاعدهم وراء طاولة المجلس جرى هناك في اليوم السابق جلسة عادية للمجلس اتخذ فيها بالإجماع وب 15 صوتا القرار الحادي عشر حسب الترتيب عن الأزمة الكويتية استنكر المجلس فيه محاولات العراق الرامية الى تغيير الوضع الديموغرافي لسكان الكويت وإلغاء القوانين التي سنتها حكومة البلد الشرعيةِ
وفي اليوم نفسه جرى في مقر الممثلية السوفيتية لدى الأمم المتحدة حديث بين شيفرنادزه وبيكر استمر ساعتين نسقا فيه التفاصيل الأخيرة المتعلقة بنص قرار 'توقف النوايا الحسنة' و 'استخدام كافة الوسائل الضرورية' في حالة لم يشفع التوقف للآمال المعقودة عليهِ وعينا 15 يناير 1991 موعدا لانتهاء التوقفِ
عقدت جلسة مجلس الأمن على مستوى الوزراء في منتصف يوم 29 نوفمبرِ ولعلها كانت نادرة إذ تحتوي هذا الحشد الكبير من الدبلوماسيين والصحافيين والجمهورِ لقد مضت 40 سنة عندما قام المجلس بشيء مشابه عندما أعطى المصادقة على استخدام القوة (بصدد الأحداث في كوريا)ِ والآن يعطي لبغداد شهرا ونصف الشهر وبالدقة 47 يوما توقفا لاختبار النوايا الحسنة لكي تتخذ قرارها الصحيحِ وكان إنهاء الاحتلال وسحب القوات العراقية القرار الوحيد المتاح لبغداد، وإلا كما ذكر في القرار تفوض 'لاستعمال كافة الوسائل الضرورية بهدف تنفيذ القرار 660 لعام 1990 وجميع القرارات التابعة المعنية لغرض إعادة السلام والأمن للمنطقة'ِ حضر الجلسة 15 عضوا لمجلس الأمن بينهم 13 وزيرا (عدا كوت دي فوار واليمن) وكذلك ممثلو العراق والكويت والسكرتير العام للأمم المتحدةِ وصادق على القرار المرقم 678 ب 12 صوتا ضد صوتين (اليمن وكوبا)، وامتنعت الصين وحدها عن التصويتِ وكانت النتيجة كما كانوا ينتظرونها مؤثرة، وبالأخص امتناع الصين عن التصويتِ وكما عرف أن الأمر لم يتعلق بالمرة بمشاكل الخليجِ وكانت تفضل التسوية السلمية السياسية على أساس انسحاب العراق الطوعي من الكويت، وهي الفكرة الرئيسية لجميع كلمات أعضاء مجلس الأمن بلا استثناءِ وصرح شيفرنادزه في الجلسة بأنه 'قد سارت منذ اليوم الساعة التي تعد أيام توقف النوايا الحسنة' الذي يراد منه توجيه النداء الى القيادة العراقية والرئيس صدام حسين للترفع أعلى من الهيبة وإبداء الحكمة لكي يعيد النظر واضعا، أعلى من أي شيء، مصالح البلد ومصير شعبه ومصير السلام والاستقرار في كوكبنا'ِ
ومع ذلك دوت في خطابات جميع الوزراء تقريبا الأخطار والعواقبِ ومن المحتمل أن خطاب شيفرنادزه كان الأكثر ليونة من خطب الآخرين لكنه سمع بصورة واضحة تماما: 'لا أحد في مجلس الأمن يسعى لحدوث المأساة ولا ينبغي أن ينخدع أحد بشأن إرادة المجتمع الدولي وحزمه واستعداده للعمل ِِِ يجب أن يعرف من يخرق السلام أن جميع التدابير الضرورية، كما جاء في القرار، ستستخدم ضده بالفعل وبدون رحمة'ِ
وفي أجوبة وزير الخارجية السوفيتي عن أسئلة الصحافيين في نيويورك ومن ثم في موسكو برزت الكثير من المسائل، أهمها أن القرار لا يعد خطوة متعمدة نحو الحرب، بل الإمكانية الأخيرة لتلافيها، وأن 'موقف النوايا الحسنة' يبعد الحرب، ويمكن العراق من اتخاذ القرار الصائب في ظروف أكثر هدوءا بجنوحه للخيار السلمي لحل الأزمة، والبدء بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ووقف آلية التصعيد في النتيجةِ وأشار الوزير الى أنه ليس من حق أحد أن 'يلومنا على عدم الإخلاص أو التناقض، فقد مارسنا طوال مراحل الأزمة نهجا واحدا في مجلس الأمن وفي أحاديثنا مع القادة العرب واتصالاتنا مع بغداد'ِ
قلق خليجي
كانت دول الخليج تدرك بأننا نؤيد خيارا آخر لأسباب كثيرةِ ولذا تركز اهتمامنا على وضع الكويت المأساوي واستحالة الانتظار بلا نهاية عندما ستحمل العقوبات الاقتصادية العراق على تنفيذ مطالب المجتمع الدوليِ وكانوا يظنون في بلدان الخليج بأن بغداد تستطيع، بأخذ طابع النظام السياسي بعين الاعتبار، أن لا تلفت الانتباه الى العقوبات لوقت طويل وستستمر في 'هضم' الكويت بالتدريجِ
وأظهرت الأحاديث أن بلدان الخليج مهمومة بجد بمشكلة الأمن المستقبلي للإقليمِ وعجلت الأزمة الكويتية التأملات في هذا الصدد، لأنها بينت بأن سيادة بلد ما لا يمكن أن تؤمن من التطاول في ظل الظروف الموجودة في المنطقةِ وأقنعت هجمات بغداد الكلامية ضد الإمارات العربية المتحدة وعداؤها الصريح حيال أنظمة الحكم الموجودة في بلدان الخليج الصغيرة، ومطالبها فيما يخص إعادة توزيع الثروة، النخب المحلية بأنها ترى في العراق أخطر المدعين بالسيطرة على الإقليم، والذي لن يتركها وشأنها لو بقي بدون عقاب حتى بعد المغامرة الكويتيةِ لهذا السبب أرسلت جميع بلدان الخليج تشكيلاتها العسكرية الى السعودية ووضعت أراضيها لمرابطة القوات المتعددة الجنسية (المطارات، الموانئ، المستودعاتِِ الخ)ِ وكان اهتمام هذه البلدان مرتفعا بهيئة الأمم المتحدة وبالأخص مجلس الأمن بعد أن ظهرت فاعليته للمرة الأولى في وجه أزمة دولية كبيرةِ
وأيد المتحدثون بثبات بأن أي خطوة يجب أن تتخذ لاحقا يجب أن تكون عن طريق مجلس الأمن، وبتطابق كامل مع ميثاق الأمم المتحدةِ وكانوا يعتقدون بأنه في المستقبل يمكن الأمل في مساعدة فعالة ومناصرة من جانب الأمم المتحدة، لو نشأت في بلدان الخليج الحاجة إليها من جديدِ
وكان من الممكن الاستنتاج من أقوال المتحدثين بأنهم ينطلقون من واقع أن القوات الأجنبية ستغادر في نهاية الأمر وستضطر بلدان الإقليم الى أن تأخذ على عاتقها المسؤولية الرئيسية عن أمنه، بل لا أحد يمكنه تصور الشكل الذي سيتخذه بشكل عامِ
وشعرت في بلدان الخليج بأهمية حضورنا السياسي في المنطقة، وأدركت بأن تطوير العلاقات مع الاتحاد السوفيتي الذي كانت تستخف به لوقت طويل يستجيب لمصالحها الخاصةِ وبعث ذلك روح الأملِ