الأحد، 12 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (6)

كان 5 أغسطس يوم راحةِ غير أن أزمة الكويت ساوت بالنسبة لنا أيام الراحة بأيام العملِ
قدم لي سفير العراق في موسكو في هذا اليوم رسالة صدام حسين الجوابية لاحالتها الى ميخائيل غورباتشوفِ وأشار الى أنهم في بغداد يتابعون باهتمام موقفناِ
كنا ننتظر الرد العراقي بأمل معين في أنه سيخفف الأوضاع وسيفتح الطريق الى مخرج غير مؤلم الى حد معين من الأزمة، وسيمكن من تجنب اتخاذ التدابير الاجبارية ضد العراق المقرة من قبل مجلس الأمنِ ولكن للأسف أصابتنا خيبة الأمل الكاملةِ فلم ينحصر جوهر الرسالة، وان كانت مسهبة، في التغلب على الأزمة، بل تركز على انتقاد الموقف السوفيتيِ فقد ابتدأت الرسالة بالجملة: 'استقبلنا باستغراب كبير موقف الحكومة السوفيتية ازاء الأحداث الأخيرة في الكويت'ِ وأن أعمال موسكو كانت تتصف ب 'العجلة' ولم تأخذ في الاعتبار طبيعة العلاقات السوفيتية ـ العراقية القائمةِ
لم تستغن الرسالة من المواعظ المباشرة وحتى التلميحات الصريحة الى عدم درايتنا وخبرتنا في رأيهمِ قيل في رسالة صدام حسين أنه ثمة في البلدان العربية أوضاع خاصة وعلاقات خصوصية جداِ وثمة مشاكل تبدو غير مفهومة للعالم الخارجي آخذا في الحسبان خصائص الحالة والعلاقات في منطقتناِ
وقال صدام لموسكو أيضا بأننا نأمل لهذا السبب ألا تتخذوا الآراء والقرارات المستعجلة ضد أصدقائكم قبل أن تحاولوا ادراك الوقائع وقبل كل شيء، الحوار مع الأصدقاء الأوفياءِ
وذكر صدام موسكو مشيرا الى دخول القوات السورية الى لبنان، ملمحا بأن هناك أمورا في الشرق الأوسط وحالات لا ينبغي بصددها اتباع 'أسلوب الاستعجال'ِ
ولمح بصورة واضحة جدا الى أعمالنا في أفغانستان التي قدرها العراق وحدد موقفه منها بالانطلاق من علاقته مع الاتحاد السوفيتيِ
أما جوهر المشكلة القائمة فأكد في رسالته على ما قام به العراق 'أمر طبيعي'ِ وأن لكل بلد في العالم الحق في ابداء العطف على الذين يتخذون التدابير اللازمة لتغيير الحكومات التي تحيك المؤامرات وتقوم بأعمال عدوانية ضد بلد ماِ
لوح صدام الى موسكو بقوله: كنا ننتظر من حكومة ودية كالحكومة السوفيتية، أن تسعى على الأقل الى معرفة الأسباب التي حفزت العراق على تقديم المساعدة لحكومة الكويت الحرة المؤقتةِ (أريد أن أشير بين القوسين هنا الى أن استعمال هذه الرواية الكاذبة بشأن الحكومة المذكورة مقصودا في رسالة الرئيس وذلك مدعاة للأسف في مراسلة في هذا المستوى)ِ
من المفهوم أن رسالة الرئيس العراقي المستلمة لم تتمكن من تغيير موقف الاتحاد السوفيتي أو التأثير سيكولوجيا على ادراك هذا الحدث بالنسبة للقيادة السوفيتية وفق الروح الملائمة لبغدادِ ولم يكن بالنسبة لنا شيئا جديدا ما جاء فيها بأن القوات العراقية ستبدأ انسحابها في 5 أغسطسِ لأن التصريح الرسمي الذي أدلت به بغداد عن هذا الأمر قبل يومين، صاحبته بعض التحفظاتِ ولم يجب السفير على سؤالي عن المدة التي يفترض أن يختتم فيها الانسحاب، مشيرا الى عدم توفر المعلومات الكافية لديهِ
العقوبات الدولية
في غضون ذلك كنا نعرف حسنا الأوضاع في مجلس الأمن ونرى أن الاستياء العالمي يزداد من تحدي بغداد للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن برفضها اعادة الوضع الى الكويت قبل العدوانِ وتجسد هذا الاستياء في الرغبة بفرض طابع عقوبات واسعة بما فيه الكفاية وعامة وشاملة من ناحية التطبيقِ وبعبارة أخرى، الزامية لدول العالم كافة وليس عقوبات اقتصادية مفككة تفرضها بلدان حيال المعتدي بمبادرتها الخاصة وبحجم اختياريِ ووفقا لميثاق الأمم المتحدة، يمكن لمجلس الأمن وحده فرض مثل هذه الاجراءاتِ وكان مجلس الأمن قد اتخذ هذا الاجراء مرتين فقط قبل أزمة الكويتِ
قرر في موسكو (وللدقة في وزارة الخارجية السوفيتية) بأن استعداد بغداد لتنفيذ القرار 660 هو السبيل الوحيد الذي سيحول دون اتخاذ هذا القرارِ ولأنه لا يوجد متسع من الوقت، تقرر ارسال رسالة جديدة عاجلة الى صدام حسينِ تم تنسيقها واعدادها بسرعة مع ميخائيل غورباتشوف وأرسلت بعد عدة ساعات من استلام رسالة الرئيس العراقي المذكورةِ
لم يكن في خططنا الدخول في مجادلة مع الرئيس العراقي، بل ومن غير الصحيح ترك اللهجة التي اتسم بها الخطاب العراقي بلا رد فعلِ لذا أشير في الرسالة السوفيتية الثانية الى أن الخطاب العراقي استلم وتمت دراسته باهتمام واننا نقدر حق التقدير الصداقة والتعاون مع العراق اللذين كانا يتشكلان خلال أكثر من عقدِ ولكننا لا نستطيع ألا أن نعطي تقديراتنا المبدئية لما حدثِ وقيل كذلك بأننا لا نعتبر بالمرة من أنصار للقرارات العاجلة، غير أنه لا يجوز أن نرى وتيرة الأحداث تتطور الى هذا الحد الذي بدأ بادخال القوات العراقية المفاجئ الى الكويت دون اتخاذ خطوات مناسبة، بما في ذلك في مجلس الأمن كما يطالبنا ميثاق الأمم المتحدةِ وفندت رسالتنا كل الادعاءات العراقية ضد موسكوِ وكما أعتقد فإننا اكتفينا بالحد الأدنىِ
وأشير فيما بعد في الرسالة، الى أننا لم نرغب بعد اتخاذ مجلس الأمن القرار 660، أن يصل الأمر الى فرض العقوبات الالزامية الشاملة ضد العراقِ ومع ذلك فقد تطرح مسألة العقوبات في جدول الأعمال في الوقت القريبِ ولذا ننصح القيادة العراقية بالحاح، كوننا أصدقاء حقيقيين، تنفيذ قرارها الخاص والفعال في سحب القوات من الكويت لأن هذا الاجراء وحده قادر على تغيير الوضعِ وثبتنا الى أنه في حالة حاجة العراق الى يوم أو يومين فقط لدخول الكويت، فلا شيء يحول دون سحب قواته بالسرعة نفسهاِ وأعربنا عن ترحيبنا للعراق في حالة قيامه بمثل هذه الخطوة التي ستسقط مسألة العقوبات من الأساسِ
وأشير في الختام الى أن الاتحاد السوفيتي برهن أكثر من مرة على اخلاصه للعراق ويؤيدها في الحالات الصعبة والى أننا نحرص على المكتسبات الايجابية في علاقاتنا وسنحافظ عليها ونطورهاِ وأعربنا عن أملنا في أن الموقف العراقي سيكون مماثلا لموقفناِ
للأسف لم تصغ القيادة العراقية لنصائح موسكو قط، ولم تتعب نفسها حتى في الرد على رسالة رئيس الاتحاد السوفيتي الثانية أيضاِ والأسوأ من ذلك ظهرت في اليوم التالي في جريدة 'العراق' مقالة معادية للاتحاد السوفيتيِ وبما أن تعدد وحرية الآراء غير مسموح به في العراق، فقد كان من المستحيل نشر هذه المقالة بدون مصادقة من الجهات العلياِ ولا يمكن تقدير ما حصل على غير هذا النحو الذي كان يثير الضجر والانذار اليناِ وفي الوقت نفسه لا يصح التظاهر بأننا سنقبل هذا الموقف ونغمض أعيننا عنهِ لذا نشرت جريدة 'ازفيستيا' في 7 أغسطس حوارا معي تحدثت فيه عن خطوات الاتحاد السوفيتي حيال الأزمة والاتصالات مع العراق وذكرت الوقائع المضجرة التي لم تجمل بغدادِ
بعد بعض الوقت انتهت أسطورة حكومة الكويت المؤقتة الحرة كما كانوا يسمونها باعلان بغداد قيامهاِ وكما انتظرنا لم تضم رجلا كويتيا معروفا ولو قليلاِ زد على ذلك ثبت في الوعي الاجتماعي (بمبادرة من سلطة الكويت الشرعية) الرواية بأن الحكومة المؤقتة شكلت كليا من ضباط الجيش العراقيِ ولذا أضاف ظهور الحكومة الحرة للعالم من الناحية السياسية والدعائية تعقيدات جديدة لبغدادِ وليس من المستغرب أن هذه الحكومة ستصبح بعد أيام صفحة مطوية من التاريخِ
ولم تحدث مشاهد شحن الدبابات من الكويت على مسطحات الشاحنات لأجل اعادتها الى العراق انطباعا لازماِ فمن المحتمل أن وحدات ما أعيدت بالفعل، بيد أن الوحدات الباقية أقبلت بنشاط على التخندق والتحصين، الأمر الذي دل على انعدام نية بغداد الواقعية على الانصراف من الكويتِ
وأثر قرار بغداد المعلن بارسال المتطوعين العراقيين الى الكويت تأثيرا قويا في العالمِ
وفي 6 أغسطس استقبلت السفير العراقي غافل جاسم حسين وقلت له بأننا أطلعنا أعضاء مجلس الأمن على رسالة الرئيس العراقي الى ميخائيل غورباتشوف، واقترحنا عدم الاستعجال في فرض العقوبات الاقتصادية واعطاء بعض الوقت للتحقق من حقيقة موقف العراق من تنفيذ القرار 660ِ ولكننا نضطر للقول بأن الجانب العراقي لم يساعدنا في هذه الجهودِ ويترك لدى أعضاء مجلس الأمن الانطباع بأن العراق لا يستعجل في سحب قواتهِ وأثار العراق بصدد ارسال المتطوعين العراقيين رد فعل سلبيا للغاية في مجلس الأمنِ وهذا الموقف سيستفز مجلس الأمن من أجل اتخاذ الخطوات التاليةِ
قيل لي ردا على هذا، ان الانسحاب قد بدأ، غير أن القيادة العراقية لم تأخذ على عاتقها الالتزام في اطار سحب مؤقت للقواتِ أما فرض الحصار على العراق فإن الولايات المتحدة واسرائيل واللوبي الصهيوني تدفع مجلس الأمن في هذا الاتجاهِ وسأل السفير قائلا: 'هل من الممكن أن يعتني الأميركيون أكثر منا بأخوتنا الكويتيين؟'ِ وأكد ان الرئيس صدام حسين والشعب العراقي معنيان بمصير الشعب الكويتي أكثر من أي شخص آخرِ وقال السفير ان سبب الضغط القاسي للولايات المتحدة بسيط: كان الأميركان يعاملون العراق على الدوام معاملة سلبية جراء موقفها الثابت والحازم من اسرائيل وكذلك لكونه تحول الى قوة جبارة في البوابة الشرقية للوطن العربيِ
التقيت بالسفير من جديد بعد عدة ساعات وبمبادرته هذه المرةِ أخبرنا بأن الرئيس صدام حسين يطلب أن نستقبل في موسكو ممثله الشخصي سعدون حمادي عضو مجلس قيادة الثورة نائب رئيس الوزراء (سأتحدث في الفصل التالي لماذا جاء حمادي الينا)ِ
وفي اليوم نفسه استقبلت سفير الكويت عبد المحسن الدعيجِ وحسب معطياته لم يحدث تغير مبدئي للوضع في الكويتِ ولم يتحقق انسحاب القوات العراقية، بل العكس، تجري تقوية وجود العراق في الكويت كحالة طبيعيةِ وأن كل المؤشرات تدل على أن العراق لن ينسحب بمبادرته، بل يجب تنسيق أعمال الأسرة الدولية للضغط أكثر على بغدادِ وطالب السفير بإلحاح، في ضوء محاولة بغداد تشكيل حكومة موالية لها، أن ندلي بتصريح نؤيد فيه قيادة الكويت السياسية الشرعيةِ
أوفيت هذا الطلب بنشر خبر في اليوم التالي في جريدة 'إزفيستيا' قيل فيه:
'أكد بيلونوغوف انه حتى لا يدور الحديث في اللحظة الراهنة حول اعتراف موسكو بالحكومة الحرة العميلةِ وسنعترف كالسابق بالأمير جابر الصباح كرئيس شرعي للكويت'ِ
المواجهة تلقي بظلالها الرئيسية
العقوبات الاقتصادية وخطواتنا في ضوء الحالة الجديدة:
في 6 أغسطس اتخذ مجلس الأمن بتأييد 13 عضوا (امتنعت كوبا واليمن عن التصويت) القرار 661 الخاص بفرض العقوبات الاقتصادية على العراقِ قدم 10 أعضاء في مجلس الأمن مشروع القرار، ولم يدخل الاتحاد السوفيتي في عداد مؤلفي القرار لأنه كانت لدينا شكوك معينة في كيفية تصرف الجميع: فرض العقوبات الشاملة في البداية أو السير في طريق زيادتها التدريجية إذا استمرت بغداد في الانحراف عن تنفيذ القرار 660ِ وبدا الطريق الثاني لنا أفضلِ غير أن جميع الأعضاء الآخرين في المجلس تقريبا فضلوا الرأي الأولِ واعتقد لو التفت الى الوراء لرأيت انهم كانوا على حقِ
لم نكن نبالغ في موسكو فحسب، بل كانوا يبالغون في عواصم بلدان أخرى أيضا في تقديراتنا في درجة تأثير العقوبات الاقتصادية على العراق وكنا ننتظر أن بغداد ستضطر بعد 2 ـ 3 أشهر لإعادة النظر في موقفها من القرار 660 والانصراف من الكويتِ
لم يحصل هذاِ ولم يكن حتى ذلك الحجم من العقوبات الذي فرض في 6 أغسطس قادرا على ذلك وإن كان القرار حازما: حظر أية أشكال التصدير والاستيراد مع العراق والكويت وكافة الاتصالات المالية معهما والنقل البحري (باستثناء الإمدادات الطبية والغذائية في إطار المساعدة الإنسانية)ِ
وتأسست لجنة منبثقة عن مجلس الأمن تضم في قوامها جميع أعضائه من أجل مراقبة مراعاة نظام العقوبات من كافة الدول وكلفت بالنظر في التقارير الخاصة عن سير تنفيذ هذا القرار وطلب المعلومات الضرورية لهاِ ودعا القرار جميع الدول الى اتخاذ كافة التدابير من أجل الدفاع عن موجودات حكومة الكويت الشرعية وعدم الاعتراف بنظام ما مقام من قبل دولة محتلةِ
صوت الاتحاد السوفيتي الى جانب القرار لأن سلوك بغداد لم يعطنا بديلا آخرِ وأملت وتيرة تطور الأحداث التي وضع العدوان على الكويت بداية لها اتخاذ خطوات مناسبة وسريعة كما يطالب بها ميثاق الأمم المتحدةِ
وكانت لقضية العقوبات ناحية أخرى كانت بالنسبة لنا حينذاك هامة للغايةِ وكانت ثمة جهتان للقضية: أولا، أثبت قرار العقوبات النظر الى أزمة الكويت في أطار مجلس الأمن كهيئة جماعية حيث كانت لنا مواقف قويةِ ثانيا، حول هذا القرار النزاع في مجرى أسلوب الحل السلمي له بالعقوبات الاقتصادية التي وإن كانت دواء مريرا مفعوله طويلِ
ومع ذلك أشار ممثل الاتحاد السوفيتي في تصريحه في مجلس الأمن الى أن قرارنا بالتصويت الى جانب القرار كان غير يسير بالمرة وحتى صعبا لأنه مس مباشرة مجموعة علاقاتنا المتبادلة مع العراق المتكونة على مدى سنوات طويلةِ وكان الجانب العراقي مذنبا بسيره وحده في طريق المغامرة الحربية واضطرنا لقطع نسيج التعاون 'الحي' كما يقالِ
أخبر الاتحاد السوفيتي في تقريره الأول المقدم الى الأمم المتحدة بصدد تنفيذ القرار 661 بأنه:
أوقف كليا إمداد البضائع في عمليات التصدير والاستيراد بما في ذلك الإمدادات العسكرية وكذلك المعدات والمواد وقطع الغيار والشحنات الأخرى الضرورية لتنفيذ الأعمال في المنشآت الاستثماريةِ
توقف كل النشاط التجاري مع العراق والكويت بما في ذلك تبادل الزيارات ورحلات الوفود الاقتصادية، المحادثات الخاصة بتوقيع العقود الجديدة، إنجاز المدفوعات، تقديم القروض أو تحويل الأموال الأخرى، قبول الاختصاصيين للدراسة في الاتحاد السوفيتيِِ الخِ
لم تخرج منذ إعلان القرار سفينة واحدة للبضائع أو المنتجات الأخرى مخصصة الى العراق والكويت من موانئ الاتحاد السوفيتيِ واتخذت كافة التدابير لكي يتم استرجاع الشحنات المرسلة من قبل الى العراق الى الوراءِ حيث تم استرجاع وعودة سفينة معدات عسكرية مخصصة الى العراق والكويت من منطقة الخليجِ
أوقف استلام المعدات العسكرية لغرض الصيانة والتصليح وإعادة المعدات العسكرية التي تم إصلاحهاِ
ـ أوقف إيفاد الخبراء السوفيت الى المنشآت العراقيةِ
وكان الاتحاد السوفيتي يواصل بمثل هذه الدقة المتناهية مراعاة العقوبات المقررة ويقدم بانتظام المعلومات المناسبة الى الأمين العام للأمم المتحدةِ
سأتوقف باختصار لمناقشة مسألة أخرى تخص العلاقات الثنائية السوفيتية ـ العراقية والتي طرحت أمامنا بعد الاستيلاء على الكويت والمتعلقة بمعاهدة الصداقة والتعاون سارية المفعول بين الاتحاد السوفيتي والعراق وموقفنا منها الآن: اعتبروا في وزارة الخارجية أنه لا ينبغي المس بها بالرغم من أعمال بغداد الملومة تماماِ وانطلقنا من أن علاقاتنا مع العراق لا تنتهي بهذا وأن المعاهدة قد تلعب دورا إيجابيا بعد التغلب على الأزمةِ وحافظنا على هذا النهج وان تعرضنا للانتقاد في بعض الحالاتِ ودعا المجلس الأعلى لروسيا الاتحادية السوفيتية الاشتراكية في 12 سبتمبر مثلا الى إيقاف مفعول المعاهدة (أعلنت روسيا في يوليو 1990 سيادتها وادعت بممارسة سياستها الخارجية الخاصة بدون الارتباط بالمركز)ِ
لم تسر الكرملين هذه المسألة التي ركبت أعضاء البرلمان الروسيِ غير أن قرار النواب الروس عكس العقلية السائدة في المجتمع السوفيتي إزاء العدوان العراقي وكذلك الصراع المحتوم من أجل السلطة على السواءِ
دور العقوبات
كان للعقوبات المفروضة على العراق طابع إلزامي وكان الاتحاد السوفيتي ملزما بمراعاتها الصارمة فيما يخص صلاته مع العراقِ وبما أن هذه الصلات كانت تقوم بواسطة الكثير من الوزارات والمصالح السوفيتية، فقد طرحت تلقائيا مسألة اتخاذ الحكومة السوفيتية قرارا مناسبا عن تقصير هذه الصلاتِ وكان الأمر بحاجة الى مركز حكومي ينسق ذلك ويأخذ على عاتقه هذه المسؤولية وتنفيذ القرار 661ِ
أضيف الى ذلك مشكلة أخرى: ما العمل مع آلاف المواطنين السوفيت القاطنين في الكويت والعراقِ وكان واضحا لنا انه ينبغي إجلاؤهم وان لم يكن جميعهم وخاصة أولئك في الكويت المحتلةِ وفي العراق أيضا، أصبح بقاء الخبراء السوفيت العاملين هناك أمرا معقدا وغير مفيد ولا معنى له بسبب إنهاء العلاقات الاقتصادية مع العراقِ وكانت مهمة إجلاء آلاف الناس غير بسيطة وتتطلب تشغيل الكثير من الهيئات والأجهزة والمؤسسات ونفقات مالية كبيرةِ
دفع كل ذلك وزارة الخارجية السوفيتية الى تقديم اقتراح لرئيس الاتحاد السوفيتي بإنشاء مركز مناسب على المستوى الحكومي لتولي الأمرِ تم تأييد هذا الاقتراح وأنشئ المركز بمرسوم رئاسي بتاريخ 8 أغسطس بتشكيل مجموعة عمل بين الوزارات والمؤسسات برئاسة نائب رئيس الحكومة السوفيتية غِ بيلوسوف، مثلت فيه جميع الوزارات على مستوى الوزراء أو نوابهمِ ودخلت أنا و فِ كولوتوشا رئيس إدارة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذه المجموعة ممثلين لوزارة الخارجيةِ
عملت المجموعة شهورا عديدة ريثما انحلت مهامهاِ وكان يحدث الجدل والمضاربات بين المؤسساتِ غير أن كل شيء حل بطريقة صحيحة وفاعلة بما فيه الكفايةِ وحصلت الكثير من حالات عدم التفاهم: لماذا يوجد تهديد بسلامة ناسنا، أليس من الأجدر أن ننتظرِِ الخ وكان من الصعب جدا بالأخص تسوية الأمر مع العسكريينِ كنت أفهم شعور الأشخاص الذين بذلوا الكثير من الجهود في تنظيم الاتصالات مع العراق واضطروا الآن لتجميدهاِ وما العمل مع المنتجات المصنعة في العراق أو مع المعدات العسكرية المرسلة من العراق لغرض تصليحها وإعادة النظر في خطط عمل المنشآت وبالأخص الدفاعية وإيجاد العمل للأفراد الذين سيعودون الى الوطن قريبا؟ِ
ينبغي تقدير الجهد الذي بذله إِ بيلوسوف، فقد عمل بكل ثبات ونشاط (ساعد أنه كان في الحكومة مسؤولا عن المؤسسة الصناعية العسكرية وكان من السهل عليه حل بعض المسائل الحساسة وخاصة العسكريين والمؤسسة الصناعية العسكرية)ِ ولحسن الحظ، أدرك بيلوسوف بسرعة أن الخطر يهدد بالفعل مواطنينا في العراق وعمل كثيرا بغية إجلائهم من هناك في الوقت المناسبِ
وأود أن أتحدث عن فرقة الإجلاء الفرعية التي وقع عليها الكثير من العمل التنظيمي اليومي (إرسال الطائرات، عقد اللقاءات وتوزيع الناس، التأمين الماليِِالخ)ِ ولا أتحدث هنا عن التعقيدات الخطيرة التي صاحبت تأجيل رحيل المواطنين السوفيت والعوائق التي ابتكرتها السلطات العراقية في طريق ترحيلهمِ
كان إعداد أمر مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي خطوة هامة أولى في عمل المجموعةِ أصدر الأمر في 16 أغسطس بتوقيع رئيس الحكومة نيكولاي ريجكوف ورسم فيه للوزارات والمؤسسات التي لها علاقة بالصلات التجارية والاقتصادية والمالية مع العراق والكويت اتخاذ كافة التدابير المطلوبة من أجل تنفيذ القرار 661 الصادر عن مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات الملموسة في تخفيف خسائر البلد الى حدها الأدنى نتيجة انتهاء العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع العراق والكويتِ وأنشأ هذا القرار أساس القواعد الضروري وسهل في درجة كبيرة عمل المجموعةِ
أردت أن أضيف أن وزارة الخارجية السوفيتية قد أرسلت قبل تشكيل المجموعة وفور اتخاذ مجلس الأمن قراره 661 الى كل حكومات جمهوريات الاتحاد السوفيتي والى جميع الوزارات والمؤسسات التي لها علاقة مع العراق والكويت نص هذا القرار وأبلغتها بضرورة تغيير العلاقات المتبادلة مع هذين البلدين بشكل ينسجم مع قرار مجلس الأمنِ وبالتالي تم تجميد كافة أشكال التعاون مع العراق والكويت بلا تأخيرِ