الأحد، 12 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (13)

عدنا الى موسكو في المساء نفسه (بعد اعلان البيان الختامي للقمة - ج)ِ وكان المزاج حسنا وحتى مرتفعا لدى الجميعِ وبعد أن قدرنا نتائج القمة حسب البيان الختامي والمؤتمر الصحفي المشترك، أدركنا أن كل ما أردناه لم يتحقق، ولكن النتائج العامة كانت ناجحة تماماِ ويبدو أن الوقت حان الآن لمعرفة ما دار خلف الأبواب المغلقةِ
أدلى الرئيس بوش في البداية باقتراحاته لغورباتشوفِ وكان عرض الموقف الأميركي خاضعا بالكامل تقريبا للمهمة التي حددها بوش في كتابه على النحو التالي: تنحصر مهمة المحادثات الرئيسية في هلسنكي في أن يدرك غورباتشوف بجد أننا سنضطر للجوء الى القوة اذا لم تجلب المحادثات والعقوبات النتائج المرغوب فيهاِ وكان علي أن أقنعه بأن أفضل الطرق لبناء نظام عالمي جديد هو التعاون السوفيتي ـ الأميركي ضد العدوان ومساندة الرد القوي (ضد العراق ـ المؤلف) الأمر الذي ستكون له أهميته لمصير السلامِ
وأردت أن يكون البيان المشترك حازما في هذه المسألة وأن يرسل اشارة قوية الى بغدادِ
وتحدد الموقف الأميركي بما يلي:
- لا يجوز السماح لبغداد الاستفادة من عدوانهاِ
- وضعت الولايات المتحدة استراتيجيتها لبلوغ الأهداف المطروحة من قبل الأمم المتحدة للتوصل الى نتيجة مغادرة العراق من الكويت واعادة القيادة الكويتية وتعتقد أن فرص نجاح هذه الاستراتيجية جيدةِ
- تعطى الأفضلية للعقوبات كوسيلة للتوصل الى انجاز هذه المهمةِ
- لا تريد الولايات المتحدة تصعيد وتيرة النزاع واستخدام القوة العسكريةِ
- اذا لم ينصرف صدام حسين من الكويت فأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيلجأون إلى القوةِ وأن المحافظة على الحالة القائمة غير مقبولة وأحد أسباب ذلك قيام بغداد بتفكيك الكويتِ
- اذا لم يتخل صدام حسين عن استعمال القوة واستخدام الرهائن كدروع حية فقد يصبح هذا أساسا لمقاضاته على غرار محاكمات نيورنبيرغِ
- ليست للولايات المتحدة نوايا للتوجه الى الاتحاد السوفيتي بطلب ارسال قواته الى منطقة الخليج ولو اتخذت موسكو مثل هذا القرار فأن الولايات المتحدة سترحب بهِ وفي حالة اضطرار بلدان التحالف للجوء الى القوة فيحدو الولايات المتحدة الأمل في أن موسكو ستتفهم دوافعهمِ
- أشار بوش الى أن الولايات المتحدة لا تسعى الى بقاء قواتها في منطقة الخليج بشكل دائمِ واذا بقي صدام حسين في الحكم فأن أية آلية لضمانة عدم تكرار العدوان واستخدام السلاح النووي لن تكون أميركية، بل دوليةِ
ثم قال الرئيس الأميركي إن سياسة الولايات المتحدة انحصرت على امتداد سنوات كثيرة في عدم لعب الاتحاد السوفيتي أي دور في الشرق الأوسطِ وأكد الرئيس الأميركي أن المذهب السابق تغير الآن وتنطلق الولايات المتحدة من أنها ستبذل سوية مع الاتحاد السوفيتي الجهود لأجل ايجاد تسوية ليس للمشكلة الكويتية فحسب، بل لمشاكل الشرق الأوسط الأخرى أيضاِ
وأشار جورج بوش في الختام الى أهمية التفاهم والتفاعل المتبادل للدولتين العظميينِ وقال إن وحدة مواقفهما من أزمة الخليج تعني الكثير جدا من وجهة نظر آفاق العلاقات السوفيتية - الأميركية المستقبلية كافةِ وقال الرئيس الأميركي: 'يجب أن نعيش بصورة جيدة ونبني علاقاتنا بطريقة جديدة'ِ
استمع ميخائيل غورباتشوف كل هذا ولم يقاطع جورج بوش بكلمة واحدة ولم يوجه اليه أي سؤالِ وأشار بدوره معتمدا على ما طرحه بوش عن أهمية وحدة المواقف السوفيتية - الأميركية بتأييده الكامل معللا الانحراف المزعج حين اتخذت واشنطن قراراها بارسال قواتها الى المنطقة بلا تشاور مسبق مع موسكوِ واعترف بوش أن الولايات المتحدة لم تتعمد ولم تقصد اخفاء شيء عليناِ
وانتقل الرئيس السوفيتي بعد هذا الى عرض رؤيته للأوضاعِ وقال في البداية أن الولايات المتحدة قد قررت بعد نشر قواتها في السعودية مهمتها الاستراتيجية الرئيسية: أمنت الاقتصاد العالمي بضمان استمرارية امدادات النفط في منطقة الخليجِ وحسب أقوال غورباتشوف فأن ذلك يعني بأنه ليست ثمة حاجة لزيادة قوات التحالف وبالتالي ترفع مسألة استخدام القوة لأجل استعادة استقلال الكويتِ
حاول غورباتشوف هنا البرهنة على أنه يمكن حل هذه المهمة بطريقة سلمية بزيادة الضغط الاقتصادي على بغداد مع استمرار المباحثات معهاِ
وبهدف تحويل نظر بوش عن امكانية الحل العسكري، عرض الرئيس السوفيتي منظومة كاملة من البراهين الداعية لتقدير خطورة الحرب وعواقبها في هذه المنطقة الهامة حيويا والشاذة جداِ
عرض غورباتشوف صورة مخيفة للغاية وتكهن بالهلاك الحتمي لعشرات الآلاف من الجنود الأميركان والزيادة الشديدة للعقليات العادية للأميركان وحتى انعطاف العالم العربي ضد أميركا وانهيار بعض الأنظمة العربية (وخص بذلك بلدا رئيسيا كمصر) وتدمير الآبار النفطية في كل الاقليم والشقوق في التحالف المناوئ للعراق بما في ذلك ابتعاد أوروبا الغربية عن الولايات المتحدة وتخريب وحدة مجلس الأمن وأخيرا الخسائر المادية بتريليونات الدولاراتِ وأشار الرئيس السوفيتي محاولا اعطاء كلامه طابعا مختصا لاقناع سامعيه الى آراء ومعطيات وتحليلات المستعربين السوفيت دون أن يسميهمِ
يجدر القول إن أي شيء مشابه لما قاله (غورباتشوف - ج) لم يكن ضمن المواد التي أعدتها وزارة الخارجية والتي أحيلت الى الرئيسِ واستغربت فيما بعد لدى سماعي لتسجيل المحادثات كون ميخائيل غورباتشوف لجأ في حديثه الجاد الى ذلك 'التخويف' الذي تعتمده الدعاية العراقية في ذلك الوقتِ
ويستنتج مساعد الرئيس (السوفيتي - ج) أ ِ تشيرنيايف في مذكراته عن حديث الرئيسين في هلسنكي أن 'بوش كان على حق أكثر في تقديره للحالة' وبأن 'الأحداث تطورت في كل الأحوال وفقا للتكهن الأميركي'ِ
أوافق على ذلكِ واستغرب من حجة غورباتشوف الأخرى عندما أكد على أن استخدام القوة ضد العراق بمثابة عدوان وأنه لا يمكن اللجوء الى القوة الا في تلك الحالة فيما اذا اعتدى العراق على بلد آخرِ
خالف غورباتشوف بهذا الكلام القانون الدولي والمنطق ببساطةِ وكأنه ينبغي ادانة القتلة على ارتكابهم القتل مرتين على الأقلِ
ومع ذلك لم تكن اللوحة التي صورها ميخائيل غورباتشوف الا 'مقدمة' (طيبة في الأهداف وليست صالحة تماما من حيث التمثيل) للجزء البناء لتلك الفقرات التي تم الاتفاق عليها في هلسنكيِ وبعد اشارته الى أننا استنكرنا بلا تردد العدوان العراقي وسننفذ بحزم قرارات الأمم المتحدة وإنه لا يجوز السماح بأن يجلب العدوان أي مكسب للمعتديِ ومع ذلك اشار الى الذين يعرفون صدام حسين شخصيا، بأنه لا ينبغي توريطه، بل يجب البحث عن تلك الطريقة التي ستسمح ب 'انقاذ ماء وجهه' ولو جزئياِ
ها هي الواقعية الكريهة من الناحية الأخلاقية ِِِ وليست ثمة واقعية أخرىِ
واذا لخصنا الحديث الطويل الذي عرضه ميخائيل غورباتشوف عن رؤيته في كيفية الخروج من الأزمة، يكون مخططه سائرا على النحو التالي:
يتم التوصل الى اتفاق على عقد مؤتمر خاص بالشرق الأوسط يشارك فيه جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والأطراف المعنيةِ وتوضع بذلك البداية لعملية التسويةِ تخص مرحلتها الأولى الكويت والمراحل اللاحقة تراعي مسائل التسوية في الشرق الأوسطِ ثم تتبعها مجموعة من الخطوات المترابطةِ
- يعلن العراق عن استعداده لتحرير المواطنين الأجانب المحتجزين وسحب قواته من الكويت وتعلن الولايات المتحدة والمشاركون الآخرون في التحالف بأنهم لن ينزلوا ضربة ضد العراقِ
- تستبدل القوات العراقية المنسحبة من الكويت بقوات عربية تحت راية ورقابة الأمم المتحدة (يجب الاتفاق على قوامها)ِ وفي الوقت نفسه، تبدأ الولايات المتحدة بتقليص حضورها العسكري في السعودية حتى تستبدل بالكامل بقوات عربية تحت رعاية الأمم المتحدةِ
- يتخذ مجلس الأمن قرارا بايقاف مفعول القرار الخاص بالحظر الاقتصادي ضد العراقِ وبعد سحب القوات العراقية بالكامل من الكويت تلغى قرارات الأمم المتحدة الأخرى في هذا الشأنِ
- تجلس حكومة الكويت الشرعية وحكومة العراق وراء طاولة المفاوضات لكي يبحثا معا مستقبل علاقاتهما بما في ذلك المشاكل المالية والاقتصاديةِ
- ينظر المؤتمر في مسألة انشاء منظومة للأمن تضم الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمنِ وستترك القوات الأميركية الاقليم نهائيا بعد أن تؤمن الضمانات الدوليةِ
كان رد فعل جورج على هذا المخطط باردا جدا، ان لم نقل سلبياِ وجه الكثير من الأسئلة الدقيقةِ والأهم في كل شيء، لم يرض الرئيس الأميركي على تحويل بؤرة الحالة، في رأيه، عن طريق ربط المشكلة الاسرائيلية - الفلسطينية بأهم مسألة في اللحظات الراهنة، معتبرا أن هذا التحويل يعد تنازلا واضحا جدا لبغدادِ وأصر على أنه لا ينبغي أن يكافأ العدوان بأي شيءِ ولأن جورج بوش كان يميل الى فكرة عدم موافقة صدام حسين على اعادة آل الصباح الى الكويت وأن مخطط غورباتشوف لن يتحقق في كل الأحوال، لم يرغب بوش حتى على اقتران فكرة مؤتمر الشرق الأوسط كمساعدة لصدام حسينِ وقال إنه لو تمت الاستفادة من العدوان فبعد بضع سنوات سيضطر من جديد للاصطدام بمثل هذه المشكلةِ
كان غورباتشوف يصف الحرب بالجنون ويؤيد البحث النشيط عن مخرج سياسي سلمي من الأزمة ويحاول اقناع بوش باصرار على اعطاء 'كعكة دبس' لصدام حسين تفاديا لما هو أسوأِ وكان الرئيس الأميركي ينقض بحزم حجج غورباتشوف الجديدة والمبنية لصالح ال 'كعكة'ِ
وقال ميخائيل غورباتشوف في نهاية الأمر بعد أن شعر بأنه لن ينجح في اقناع بوش أنه لا يصر على ضرورة الاعلان على توصل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة إلى حل والاشتراك في خطة عملية للتسويةِ واقترح على بوش التأمل في أفكاره المذكورة أعلاه وأشار إلى أن خطة التسوية لا ينبغي أن تنطلق في كل الأحوال من الدولتين العظميين، بل من الأمم المتحدةِ وأضاف غورباتشوف بأنه ليس من المهم من وماذا ومتى، بل يجب أن يبدأ البحث عن قرار ويتم التوصل الى اتفاق على موقف مقبولِ
بذلك انتهت مناقشة الأزمة الكويتية في لقاء الصباح بين الرئيسينِ ويتذكر مساعد الرئيس الأميركي برينت سكوكروفت بأنه ترك اللقاء حاملا هاجسا سيئاِ فقد قدر غورباتشوف الموقف كمعد ل 'البيروقراطية الموالية للعراق'ِ وحسب أقواله تكون مثل هذا الانطباع لدى جورج بوش نفسهِ وكان الأميركان يدركون أن جلسة بعد الظهر لن تكون سهلةِ
غير أن مخاوفهم لم تصدقِ يؤكد سكوكروفت أن 'غورباتشوف الصباح الذي كان يدافع عن شريكه العراقي زال بلا أثر'ِ قرر غورباتشوف التوقيع على البيان المشترك والقاء كلمة في المؤتمر الصحافي المشترك، مبينا كيفية حل المشاكل الدولية من قبل الدولتين العظميين، حيث أن التخلي عن هذا وانهاء اللقاء بالخلاف يعني عدم التوصل الى أي من أهدافهِ
ايرادي لهذه الأقوال لا يعني مطلقا موافقتي عليها، بل كدليل على قبول الموقف السوفيتي من قبل ميخائيل غورباتشوف وشركائه في المحادثاتِ واثر هذا في المستقبل القريب في موقف واشنطن من أفعال الرئيس السوفيتي الأخرى بصدد أزمة الخليجِ
سمى غورباتشوف في لقاء ما بعد الظهر الذي جرى في قوام موسع الأزمة الكويتية بأول اختبار صعب للعلاقات السوفيتية - الأميركية بعد 'الحرب الباردة' مشيرا الى أن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة يتعاونان بنفسيهما وكل المجتمع الدولي للاتفاق على موقف مبدئي هو معارضة العدوان، الأمر الذي يعتبر انجازا كبيرا بالأخص في خلفية عام 1967 عندما وجد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة نفسيهما في حقيقة الأمر على حافة الحربِ
ووصف الحديث الذي جرى مع جورج بوش بالغني والمثمرِ وقدر جورج بوش من جانبه جلسة الصباح ب 'الجيدة جدا'ِ وأشار الى أنه تعامل بكل الجد مع رغبة رئيس الاتحاد السوفيتي في أن تحل الحالة الصعبة في الخليج بالوسائل السلميةِ
تم تأكيد مشروع البيان الختامي بيسرِ واكتفى غورباتشوف ببعض التعديلات غير الكبيرة وقبلها الأميركان بلا اعتراضِ وانتهى بذلك النظر في الأزمة الكويتية وانتقل الجانبان الى مناقشة المسائل الأخرىِ
أن الاهتمام بلقاء قمة هلسنكي كان كبيرا جداِ ولقي البيان المشترك والمؤتمر الصحافي لميخائيل غورباتشوف وجورج بوش صدى واسعا وايجابيا على الأغلب (ليس في العراق بالطبع)ِ ورأى الرأي العام العالمي عامة عدل نتائج القمة واظهار التضامن للدولتين العظميين فيما يخص ضرورة اعادة استقلال الكويت وإن كتبت الصحافة الأميركية الكثير عن الاختلافات بين موسكو وواشنطن بصدد استخدام القوةِ
ختام القمة
اقبلنا حال عودتنا الى موسكو على دراسة المواد الخاصة بالمحادثات والعمل على تثبيت نتائج القمةِ
كلف سفراء الاتحاد السوفيتي في البلدان العربية والبلدان التي تهتم بصورة خاصة في منطقة الخليج باطلاع الحكومات على نتائج هذا الحدث الدولي غير العادي وتقديراتنا لهِ وكلف سفيرنا في بغداد بذلك أيضاِ وأجريت من جهتي الحديث في هذا الموضوع مع سفير العراقِ وأشرت فيه الى الظروف التالية: أولا، يثير قلقنا تركز القوات المسلحة المستمر في منطقة الخليج لأن ذلك يعزز الخطر في توسع هذه العملية الى نزاع مسلح، الأمر الذي لا يرغب فيه الاتحاد السوفيتي على الاطلاقِ وقلت للسفير إننا طرحنا لهذا السبب في مقدمة مباحثاتنا أساليب تحقيق القرار 660ِ وكان أسلوبان فقط كما هو معروف: السياسي والعسكريِ تاليا، كانت النتيجة الأهم للقاء كما عبر عنها البيان الختامي، هي تغلب وجهة النظر التي تفضل الحل السلمي للأزمة ويعد ذلك مفتتحا للبحث المطرد عن قرار سياسي مقبولِ
ثانيا، تم التوصل الى تفاهم مشترك على انصراف القوات الأميركية من الخليج بعد حل الأزمةِ وكما نفهم لهذا أهمية كبيرة بالنسبة لبلدان الاقليم بما فيها العراق وبالنسبة للاتحاد السوفيتي أيضا الذي لا يرغب أبدا بحضور عسكري دائم في هذا الاقليمِ
ثالثا، اتفق الجانبان على حل نزاعات الشرق الأوسط الأخرى حالا بعد تسوية أزمة الخليجِ ونرى أن ذلك يستجيب لموقف القيادة العراقية أيضا في ضوء مبادرة صدام حسين المؤرخة في 12 أغسطسِ لذا أردنا أن تدرس بغداد من جميع النواحي وبجد نتائج اللقاء في هلسنكي وأن تستعجل في ابداء رد فعلها الرسميِ ونعتقد أنه اذا رفض العراق البيان السوفيتي - الأميركي فأن ذلك سيكون في صالح تلك الأوساط في داخل الولايات المتحدة التي تؤيد استخدام القوة لحل المشكلةِ
وكلف ميخائيل غورباتشوف حالا بعد هلسنكي بسبب استجواب نواب الشعب الوزير ادوارد شيفرنادزه باخبار مجلس السوفيت الأعلى بتطور الأزمة في منطقة الخليج وأعمال الاتحاد السوفيتي في هذه الحالة ونتائج اللقاء في هلسنكيِ وكان خطاب الوزير الذي ألقاه في 11 سبتمبر مفصلا ودقيقاِ ويعد أول عرض من قبل وزير الخارجية في البرلمان منذ نشوء الأزمةِ وبما أن الخطاب نشر، فيمكن تناول بعض جوانبهِ
قال الوزير إنه كانت في لقاءات هلسنكي اختلافات كثيرة في الآراء والتقديرات وتبقى حتى الآن أمور معينة يختلف الجانبان بصددهاِ غير أن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة توصلا في النهاية الى نتيجة واحدة في أهم شيء: لا يمكن التسليم بعدوان العراق وسيحتل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة موقفا مشتركا ضد هذا العدوانِ وعلى العراق أن ينصرف بلا قيد أو شرط من الكويت والتمكن من اعادة الحكومة الشرعية الى هذا البلد وتحرير جميع الرهائنِ وأشار الوزير بالأخص الى اتفاق الطرفين على أفضلية التوصل إلى تسوية سلمية للأزمةِ
وعند تكلمه عن العلاقات الثنائية مع العراق لم يخف شيفرنادزه الصعوبات الناشئة من عملية اخلاء الخبراء السوفيتِ يتم التأخير في اعطاء تأشيرات الخروج العراقية وثمة مشاكل خاصة بتوفير المواد الغذائيةِ وبين الوزير أننا نرد بشكل مناسب على ذلك ونأمل من الجانب العراقي عدم عرقلة رحيل المواطنين السوفيت وأن لا تنسى السلطات العراقية وعودها السابقة في هذا الشأنِ
قبل البرلمانيون خطاب الوزير وأجوبته عن الأسئلة بشكل حسنِ وأعرب مجلس السوفيت الأعلى عن مساندته لمواقف القيادة السوفيتية في مواجهة العدوان العراقي على الكويت واستحسن النواب البيان السوفيتي - الأميركي المشترك في هلسنكيِ وصادقوا على التدابير المتخذة من أجل اخلاء المواطنين السوفيت من منطقة النزاعِ
وأخبر ميخائيل غورباتشوف بدوره في جلسة المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي زملاءه في القيادة الحزبية بالحالة حول الأزمة الكويتية ونتائج لقاء القمة وحضرت هذه الجلسةِ
بدا لي أن ميخائيل غورباتشوف عندما تحدث عن انطباعاته من الحديث مع الرئيس بوش بأنه فسره بصورة شاذة بما فيه الكفاية وخاصة عندما قال إن بوش كان 'حائرا' و 'لم يجئ بشيء ما' ولكن 'تحولت الحالة في نهاية المحادثات' (استشهد بتسجيلي)ِ

بغداد تستفيد من الوقت

كما عرضها على غورباتشوف، كانت لدى بوش رؤية واضحة للمستقبل حتى فيما يخص التقييدات التي ستفرض فيما بعد على العراق من أجل ضمان عدم تكرار العدوانِ الأمر الآخر، أن سيناريو بوش المفترض بامكانية استخدام القوة في حالة عدم انصراف العراق من الكويت لم يثر بالطبع عطف الرئيس السوفيتيِ وأظن بأنه من الهام جدا أنه تم الضغط الشديد في هلسنكي على الرئيس الأميركي لصالح التحفظ والصبر، الأمر الذي لعب دوره بلا شك في تأجيل الحل العسكريِ
وللأسف الكبير لم تستفد بغداد من احتياطي الوقت هذا لأجل اتخاذ القرار الصحيحِ لا أتكلم عن أهمية العمل المنجز في هلسنكي من جانب الوفد السوفيتي لصالح الانتقال الى تسوية النزاع العربي - الاسرائيلي بعد التغلب على الأزمة الكويتيةِ فقد كان للاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة كل الأسس لاعتبار لقاء قمة هلسنكي ناجحاِ وكان الأساس الواضح لموسكو قيل في البيان الختامي بصراحة 'نفضل تسوية الأزمة بشكل سلمي ونحتل موقفا واحدا ضد العدوان العراقي'ِ وكان لواشنطن أسسها أيضا، لأنه أضيف الى البيان بأنه اذا لم تؤد الخطوات المتخذة الى انهاء العدوان 'فنحن على استعداد للنظر في امكانية اتخاذ خطوات اضافية وفقا لميثاق الأمم المتحدة'ِ لم يوضح البيان ماهية هذه الخطوات، غير أن الجانب الأميركي امتلك تصورا واضحا تماما لهاِ كتب جورج بوش بعد سنة واحدة: 'حتى لو لم يكن غورباتشوف مستعدا بعد للنظر في الفعل العسكري فأنه أبقى الباب مفتوحاِ وحصلنا في البيان المشترك على ما كنت أرغب فيه بالتأكيد على أن الوضع القائم الذي يقر بالعدوان العراقي غير مقبول'ِ
كانت نتائج قمة هلسنكي موضوعا للكثير من الأحاديث التي كانت تجري في الأيام اللاحقة في موسكو وخارجها لمسؤولي العديد من الدولِ وصل الى موسكو في هذا الوقت وزير الخارجية الأميركي ووزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا الاتحادية وألمانيا الديمقراطيةِ وان كانت المسألة الألمانية موضوعا رئيسيا للمناقشات، فأن الحالة في منطقة الخليج احتلت حيزا كبيرا أيضا كما اقتضى الأمرِ وتمت في هذه الأيام لقاءات منفردة لميخائيل غورباتشوف مع جيمس بيكر ووزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد ومكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميترانِ وكانت فكرة البدء في عملية تسوية أزمة الشرق الأوسط بعد تسوية الأزمة الكويتية بين الموضوعات المطروحة والأكثر أهمية من الجانب السوفيتيِ وكان من الهام جدا تأمين موقفنا في الحال بتأييد هذه الفكرة من قبل أكثر الدول الأوربية نفوذا وحققنا هذا الهدفِ