الجمعة، 10 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (24)

وفي أيام 'توقف النوايا الحسنة' جرت محاولات أخرى ترمي الى حل القضية بسلام؟ فقد تقدم الفرنسيون بمبادرة واعدة بآفاق واسعة جدا، ولقيت حتى انتقادات مباشرة من الأميركان و الإنكليز، في وقت اعترف فيه الفرنسيون بأن بغداد بقيت صماء تجاههاِ
وانتهت بلا أي نتيجة المباحثات التي أجراها في بغداد رئيس نيكاراغوا الأسبق دانييل أورتيغا ورئيسا وزراء اليمن وليبيا وتجاهلت بغداد نداء حافظ الأسد أيضاِ
وكان الانطباع السائد هو أن بغداد حتى نهاية 'توقف النوايا الحسنة' لم تتوقع أن قوات التحالف معتزمة على الحرب، وإن بدت جميع الدلائل على اقتراب الحرب، وكانت بينةِ
وفي 12 يناير أنزل الدبلوماسيون الأميركان علم بلادهم من مقر السفارة الأميركية وتركوا بغدادِ وأغلق الكثير من البلدان الأخرى سفاراته في بغدادِ واستمر القليل من السفارات في العمل حتى 15 يناير من مجموع 70 ممثلية دبلوماسيةِ وكانت تعمل بقوام مقتصر سفارات الاتحاد السوفيتي وكوبا ويوغسلافيا وبعض البلدان العربية وأفريقياِ غير أن هذا لم يؤثر على موقف القيادة العراقيةِ وكان يبقى الموقف الذي حدده صدام حسين أمام كوادر حزب البعث في يناير عندما قال: 'ان قواتكم المسلحة والشعب العراقي العظيم مستعدة للمعركة الحاسمة التي ستؤدي الى هزيمة قوى الشر والكفارِِِ سيكون الانتصار الى جانبناِِِ لسنا من الذين يذعنون للضغطِِِ سترون تلك المصيدة التي سيقع الأميركان فيهاِِِ إذا اشتبك الأميركان فسنجبرهم على السباحة في دمائهم'ِ
يصعب الإدراك على أي أساس كان يتظاهر بالشجاعة وبأي قدر يتصنع عندما يعرب عن توقعاته هذه للقادة العراقيين الذين مهما كان الأمر قد حددوا خيارهمِ
انقضى توقف النوايا الحسنة في 15 يناير وأخبرت في اليوم التالي مجلس السوفيت الأعلى بالحالة المتكونةِ تحدثت بالتفصيل عما اتخذته الحكومة السوفيتية وهيئة الأمم المتحدة والدول الأخرى بغية إيجاد حل سلمي، وكيف فشلت هذه الجهود نتيجة استخفاف بغداد بنصائح الأصدقاء ومطالب المجتمع الدوليِ ولم أخف أن العمل العسكري سيتحققِ وكان النواب يدركون جيدا بما فيه الكفاية الأوضاع في الخليج، حيث كانوا يناقشونها في جلساتهم أكثر من مرة آخرها في 12 ينايرِ
لم احتفظ بنص كلمتي في مجلس السوفيت الأعلى، لذا أورد ما جاء منها في وكالة تاس: 'تركز الموقف السوفيتي بصدد النزاع في الخليج على دفع القيادة العراقية لإظهار الحكمة والمحبة والسلام ولو أدنى مرونة في مسألة الكويت والتخلي عن النهج المؤدي الى الكارثة'ِ
'وأشار نائب وزير الخارجية السوفيتية الكسندر بيلونوغوف الى أن الحالة في الخليج تتحدد كالسابق بذلك الظرف الذي إن نوى العراق أم لم ينو سحب قواته من الكويت وبذلك يكمن مفتاح حل المشكلة'ِ ومع ذلك يرى بيلونوغوف أن 'حل الأزمة الكويتية السياسي محاصر كالسابق بموقف العراق الصلب الى الحد الأقصى'ِ
استمر الكسندر بيلونوغوف في القول انه حسب المعلومات الواردة الى وزارة الخارجية السوفيتية، بما في ذلك اللقاءات مع صدام حسين، يتولد الانطباع بأن القيادة العراقية لا تثق باعتزام حكومة الولايات المتحدة والمشاركين الآخرين في التحالف على اللجوء الى القوة 'ويبدو أنهم في بغداد يعتبرون حتى الآن أن جميع تصريحات قادة الولايات المتحدة لا تخرج عن إطار الحرب النفسية والمحاولات الرامية الى تخويف العراق والضغط عليه'ِ وقال بيلونوغوف: 'نعتقد أن هذا ضلال خطير'ِ وصرح الدبلوماسي بأن الجانب السوفيتي يبذل قصارى جهده بغية 'إيصال حقيقة الموقف بكل وضوح الى القيادة العراقية بكل إخلاص'ِ وقيل لصدام حسين بأنه 'ليست لدينا أية شكوك بصدد الاستنفار الكامل للأميركان الذين يستطيعون في أية لحظة بعد 15 يناير استخدام القوة'ِ وأشار الدبلوماسي الى أن ذلك سيعني 'كارثة بالنسبة للعراق وشعبه قبل كل شيء'ِ
وذكر الكسندر بيلونوغوف أن القيادة السوفيتية طلبت من صدام حسين 'عدم تفويت فرصة المحافظة على السلام في المنطقة وكانت تقول له صراحة إنه إذا سحبت القوات العراقية من الكويت فلن يهاجم أحد العراق وسيؤمن له الأمن وسيتمكن من الحفاظ على احتياطيه الاقتصادي وغيره، وأنه بعد الانصراف من الكويت سيفتح الطريق لتشغيل آلية التسوية في الشرق الأوسط'ِ
ودعا مجلس السوفيت الأعلى، بعد أن أخذ معلوماتي التي قدمتها للنواب بعين الاعتبار، الى مواصلة البحث عن قرار لحل المشكلة سياسيا وأيد في هذا الصدد 'مبادرة السكرتير العام للأمم المتحدة في 15 يناير 1991 والموجهة لتلافي الحرب في منطقة الخليج والقاضية بأنه بعد حسم الأزمة الراهنة ستتخذ كافة الجهود لأجل تسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي بشكل شامل بما في ذلك القضية الفلسطينية'ِ
في 16 يناير 1991 وجدت وزارة الخارجية السوفيتية وزيرها الجديدِ وهو الكسندر بيسميرتنيخ، الذي كان سفير الاتحاد السوفيتي في الولايات المتحدة وقبلها نائبا لوزير الخارجيةِ كان الاختيار موفقا كونه دبلوماسيا محترفا رفيع المقامِ ترأس الخارجية وله خبرة عمل إدارية كبيرة ويعرف جيدا جهاز الخارجية وموظفيها وهو خبير في الشؤون الاميركية ويعرف جيدا الولايات المتحدة وكانوا هناك يعرفونه حسنا أيضاِ ويعتبر هذا بحد ذاته ظرفا إيجابيا هاما آخذين في الاعتبار الأوقات المعقدة التي كان الاتحاد السوفيتي يمر بهاِ
قدم ميخائيل غورباتشوف الوزير الجديد إلينا في جلسة هيئة رئاسة الوزارةِ وقال الرئيس في غضون ذلك كلمات طيبة وملائمة في مثل هذه المناسبات بحق ادورد شيفرنادزه الذي حضر المراسمِ
كان الكسندر بيسميرتنيخ حذرا في البداية بطبيعة الحالِ وبعد أن تعود على الوضع ظهرت جرأته أكثر ولو أنه لم يشعر بالاستقلالية وذلك النفوذ الذي كان شيفرنادزه يتمتع بهِ زد على ذلك ازداد نفوذ يفغيني بريماكوف بعد استقالة شيفرنادزه وبصورة ملحوظة والذي كان يلعب بمسائل الشرق الأوسط الدور الرئيسي وكان على بيسميرتنيخ أن يحسب ذلكِ
وقع الوزير الجديد حالا في حالة معقدة جدا: لم تمض ساعات على شغله منصب الوزير، حتى انتقلت الأزمة الكويتية الى مرحلة الحرب: بدأت قوات التحالف عملية 'عاصفة الصحراء'ِ
فوضى ليلية في الكرملين رد فعل موسكو الأول
في ليلة 16 - 17 يناير أيقظني هاتف سكرتارية الوزير واستدعوني على عجل الى الوزارةِ وكان واضحا لي ما الذي جرى: الحربِ
وعرفت في الوزارة من مساعد الوزير، أن جيمس بيكر كلمه بالهاتف وأخبره قرب بداية العملية العسكريةِ وتطورت الأحداث في تلك الليلة على النحو التالي: يكتب الرئيس بوش في مذكراته بأنه كان مهتما جدا بعدم تسريب المعلومات عن توقيت الضربة الأولىِ لذا وضع في واشنطن جدولا خاصا لإخطار المشاركين في التحالف، آخذين في الحسبان درجة ووقت اشتراكهم في العملية وإخطار بعض الدول الأخرى بما فيها الاتحاد السوفيتيِ وقيل في كتاب بوش وسكووكروفت عن هذا ما يلي: 'قررنا لأن يخبر بيكر باندير وبيسميرتنيخ ويكلم تشيني موشي أرينس في إسرائيل قبل ساعة واحدة من البداية'!
تم اختيار ساعة الصفر بعد التنسيق مع القيادة العليا للعمليةِ وعينت في الساعة السابعة مساء بتوقيت واشنطن في 16 ينايرِ
يصف جيمس بيكر في مذكراته الأحداث كالتالي: في الساعة السادسة و 11 دقيقة مساء بتوقيت واشنطن (في موسكو الساعة الثانية و 11 دقيقة بعد منتصف الليل - المؤلف) أيقظت الكساندر بيسميرتنيخ في شقته في موسكو وأخبرته بأن الهجوم على العراق سيبدأ قريبا جداِ وأصر بيسميرتنيخ على أن أحدد له الوقت الأدق، فقلت له بعد ساعة واحدةِ طلب بيسميرتنيخ التأجيل لأن غورباتشوف يريد التوجه الى صدام بنداء أخيرِ ولم أرد لهذا السبب إخبار السوفيت سلفا ببداية القصف وقلت: 'لقد فات الأوان على ذلك يا الكسندر، لأننا تجاوزنا حد الانتظارِ كلمني هاتفيا بيسميرتنيخ بعد 27 دقيقة وقال أن غورباتشوف يطلب من الرئيس الاميركي أن يبدي له معروفا شخصيا بتأجيل الحرب ل 24 ساعة على الأقلِ وأجبته بأن الأحداث قد سبقت هذا الطلب وأن ساعة الصفر تقترب ولا يجوز تأجيل عملية بمثل هذا النطاق'ِ
عندما عرفت بعد عدة ساعات عن محاولة غورباتشوف إيقاف بداية العملية استغربت جداِ فكان كل شيء مقررا منذ زمن وأكثر من مرةِ فإذا كانت بغداد لم تستفد من 'توقف النوايا الحسنة' فأن القوة لابد أن تستخدمِ لذلك لم تكن لمحاولات غورباتشوف أي فرصة للنجاحِ وفي النتيجة بقى رجاء موسكو دون أي اهتمام، وتقوت في آن واحد لدى المشاركين الرئيسيين في التحالف الشكوك في عمقنا كشريكِ وكان تدبير موسكو هذا غريبا، خصوصا أن ليس في حوزتها أي معطيات تسمح ببناء أضعف الآمال على إمكانية تغير موقف القيادة العراقية وأكدت الأحداث اللاحقة ذلك بوضوحِ
وكان في تصرفات القيادة السوفيتية غير المتأمل فيها في تلك الليلة عنصر آخر كان من الممكن أن تكون عواقبه مزعجة جدا، فقد أباح ميخائيل غورباتشوف لنفسه في 17 يناير إطلاق التصريح التلفزيوني التالي: بعد أن تلقيت قبل ساعة تقريبا من بداية العملية من وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر خبر بداية العملية توجهت فورا الى الرئيس جورج بوش باقتراح اتخاذ خطوات إضافية بالاتصال المباشر مع صدام حسين بغية التوصل الى إعلانه غير القابل للتأجيل بالانسحاب من الكويتِ وأصدرت التعليمات فورا الى سفيرنا في بغداد بأن يتصل بالرئيس العراقي ويخبره بتوجهي الى الرئيس بوش وأشرت له الى ضرورة الإعلان عن مغادرة الكويت وأن ذلك لمصلحة الشعب العراقي ومصلحة السلام في المنطقة'ِ
أثارت هذه الإشارة بالذات الى أفعال الرئيس السوفيتي في الاتجاهين الاميركي والعراقي حالا في أذهان الصحافيين (ربما ليس وحدهم)، السؤال بأن غورباتشوف أفشى توقيت بدء العملية لصدام حسين وإذا كان أخطره أم لاِ وكان هذا أول شيء بدأ الصحافيون يسألون عنه السكرتير الصحفي للرئيس ف ِ أغناتينكو الذي التقى بوسائل الإعلام المحلية والأجنبية بتكليف من القيادةِ وأعاد أغناتينكو تصريح غورباتشوف المذكور، وكان من نصيبي أن أعلق عليه وأجيب على الأسئلةِ وكان الصحافيون يسألون الشيء نفسه الخاص بتكليف السفير السوفيتي في بغداد: ألم يفش غورباتشوف السر الحربي و ألم يعرض أرواح الطيارين الاميركان والآخرين للخطر؟ ومن الخير أنه تسنى لي تنحية هذه الشبهات بالقول إن الاتصالات الهاتفية مع بغداد كانت معطلة ووصلت برقية الى السفارة السوفيتية في بغداد بعد القصفِ
وتلقينا في وزارة الخارجية تعليمات لإعداد سلسلة من التوجيهات الشخصية العاجلة لرئيس الاتحاد السوفيتي الى رؤساء بريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا وأكثرية البلدان العربية وبعض البلدان الأخرىِ وكان علينا أن نركز الاهتمام الرئيسي فيها على الإسراع في إنهاء العمليات الحربية والضغط المشترك على بغداد لكي تعرب عن استعدادها للانصراف من الكويتِ أنجزنا هذا العمل بسرعة وبدأ السفراء السوفيت إحالة رسائل غورباتشوف الشفويةِ
أردت العودة الى كلمة غورباتشوف التلفزيونية المؤرخة في 17 يناير: كانت وجيزة وواضحة باستثناء المقتضب المذكور أعلاهِ أعرب فيها عن الأسف العميق لعدم التمكن من اجتناب الحرب وأن هذه النتيجة المأساوية جاءت بعد رفض القيادة العراقية تنفيذ مطالب المجتمع الدوليِ وأشار الرئيس الى أننا قمنا من جانبنا بكل شيء ممكن من أجل تسوية النزاع بالوسائل السلمية وأكد أن القيادة السوفيتية ستتخذ كافة الإجراءات لأجل الإسراع بإنهاء الحرب وإعادة السلام'ِ
نبهت الصحافيين لدى تعليقاتي على تصريح ميخائيل غورباتشوف في المؤتمر الصحفي المذكور الى أنه يجب أن تنتهي العمليات العسكرية في أسرع وقت ممكنِ ولذا فإنه ليس على عاتق الاتحاد السوفيتي وحده، بل على كافة الدول العربية مناشدة القيادة العراقية مرة أخرى لأن تثوب الى رشدها وأن تنفذ مطالب المجتمع الدولي العادلةِ
وقلت إجابة على سؤال مراسل جريدة 'فايننشال تايمز' إذا كان من الواجب إنهاء الحرب بعد انسحاب العراق من الكويت أو بعد إعلان موافقته على السحب الفوري لقواته وبلا قيد أو شرط، قلت: 'يجب أن يقرر الذين ينفذون هذه العمليات متى ينبغي إنهاؤها ولكن من وجهة نظرنا إذا صرحت القيادة العراقية الآن أو بعد عدة ساعات بأنها ستنفذ في أقرب المواعيد المطالب التي تضمنتها قرارات مجلس الأمن فنظن ان ذلك سيكون أساسا كافيا لإنهاء العمليات الحربية'ِ
وكانت مسألة حصر النزاع جغرافيا ذات أهمية بالغة في هذه الأيام والأيام اللاحقةِ وذكرت في المؤتمر الصحفي أنه لا ينبغي أن تتسع الحرب لتشمل بلدانا أخرىِ وقلت: 'أشير في هذا الصدد بارتياح الى أن رئيس الوزراء التركي أكد اليوم أن تركيا لن تفتح جبهة ثانية ضد العراق ولن تشارك في النزاع الحربي إذا لم تتعرض نفسها للهجومِ وتجدر الإشارة بموقف إيران المتحفظ والمعقول الذي جرى كما كان المسؤولون الإيرانيون يؤكدون مرارا أنهم لن يشاركوا في النزاع إذا نشبِ وأطلعنا حديثا اليمن بموقف مماثلِ وأريد الإشارة بشكل خاص الى موقف إسرائيلِ يفهم الجميع انه لو جرت إسرائيل الى النزاع العسكري فقد يسبغ هذا على الحرب صفة أخرى وبدرجة معينةِ لهذا السبب لا نستطيع سوى استحسان الموقف الذي تحتله إسرائيل في صدد النزاع الناشب في موقفها عدم الخوض فيه'ِ
كان من الممكن تماما التكهن برد الفعل في العالم على بداية العمليات العسكرية ضد العراق، كونها لم تكن مفاجأة لأحدِ ألقى جورج بوش في كلمة وجهها الى الشعب الاميركي الذنب على عاتق صدام حسين وحده وأكد على الفرق الواضح بين دكتاتور بغداد والشعب العراقي وشدد على أن فيتنام ثانية لن تظهرِ وأطلق المشاركون الآخرون في التحالف تصريحات مماثلةِ
وكان رد الفعل في العالم العربي متنوعا بين الارتياح الواضح من إنهاك صدام حسين أخيرا وبين الشعور بالمرارة والاستياءِ وجرت في بعض البلدان العربية مظاهرات معادية للولايات المتحدة وكان رد الفعل خاملا بما فيه الكفايةِ
وبدوره انهال صدام حسين بالشتائم في كلمة إذاعية في 17 يناير على 'الإبليس بوش' و'الصهيونية المجرمة' و'قوى الشر' الأخرى ووعد بتحطيم المعتدين وتحرير القدس ومرتفعات الجولان ولبنانِ ودعا في اليوم التالي جميع المسلمين في العالم الى الأفعال الإرهابية ضد البلدان المشاركة في التحالفِ
دفعت الضربات الجوية والصاروخية على العراق، موسكو لتقليل تعداد المواطنين السوفيت في هذا البلد للحد الأدنىِ وبقي هناك لغاية 16 يناير قرابة 70 شخصا باختيارهمِ وهم موظفو بعثتنا الدبلوماسية وبعض الأشخاص الذين يؤمنون الرقابة على بعض المنشآت الكبيرةِ غير أن هؤلاء تم إخلاؤهم على عجل أيضا بواسطة السيارات عبر البلدان المجاورةِ وبقي في العراق بعد 24 يناير 13 مواطنا سوفيتيا فقط كانوا موظفي السفارة السوفيتية برئاسة السفير فيكتور بوسوفاليوك وبقوا كل الحرب في هذا القوامِ لحسن الحظ لم يصب أحد منهم بأذى، لكنهم عانوا من مصائب مختلفة أثناء تأدية واجبهم بشرف واستحقوا فيما بعد مكافآت حكوميةِ وكانت سفارتنا في بغداد وحتى مرحلة الحرب الختامية حلقة الاتصال الوحيدة بين القيادة العراقية والعالم الخارجيِ وبما أن الهواتف في المدينة عطلت تماما، اضطر موظفو السفارة الى نقل كافة الأخبار شخصيا فقطِ حيث يذهبون مخاطرين بحياتهم الى حيث كانت القيادة العراقية تقيم في هذه اللحظة أو تلكِ واضطر السفير الى القيام بذلك أكثر من الآخرينِ تصعب المغالاة في تقدير هذا الدور الذي لعبه رفاقنا في بغداد في تلك الظروف ولكنهم بقوا عيون موسكو وآذانها في العراق المحاربِ وكان موظفو السفارة يستجيبون لطلبات مختلف الدول وينفذون تكليفات متنوعة منقولة لهم من موسكو في البحث عن مواطني الدول الأجنبية الذين بقوا هناك لهذا السبب أو ذاك وكان أقرباؤهم قلقين من على مصيرهمِ
لم تكن في السفارة أماكن يمكن الاختباء بهاِ وكان محرك الديزل التابع للسفارة يمنحها الكهرباءِ غير أن احتياطات الوقود شحت وعاش كل الناس في برد وجوع، غير أنهم كانوا يعملون بثباتِ
الحشود في الخليج
نشرت وسائل الإعلام نداء البرلمان السوفيتي هذا الذي كان في رأيي، الكلام الأخير الموجه الى بغداد قبل أن يحين دور السلاحِ
تواجهت في منطقة الخليج قوى كبيرة ومؤثرةِ وبلغ عدد المشاركين في التحالف المعادي للعراق حتى انتهاء 'توقف النوايا الحسنة' 28 دولة وحتى نهاية الحرب الى 37 دولة دخلت فيه بلدان أميركا الشمالية والأوروبية والعربية والأفريقية والأميركية اللاتينية وبلدان المحيط الهادئ ومختلف مناطق آسياِ ومن المفهوم أن درجة وطابع مشاركة كل دولة كان مختلفا جداِ وشكل العسكريون من الولايات المتحدة ثلثي هذه القوات (كان عددهم بالجملة بمن فيهم أفراد السلاح الجوي أكثر من نصف مليون شخص)ِ وكانت المشاركة الإجمالية لأعضاء التحالف الآخرين 205 آلاف شخص كالتالي: بريطانيا ـ 43 ألفا، فرنسا ـ 16 ألفا، مصر ـ 40 ألفا، سوريا ـ 15 ألفا، الكويت ـ 7 آلاف، بلدان الخليج الأخرى ـ 10 آلاف، المغرب 3ِ1 ألفِِِالخِ
وشاركت كندا بثلاث سفن حربية وسرب واحد، والسويد بمستشفى ميداني، والمجر والفلبين وسيراليون وسنغافورة بأفراد من الطب العسكريِ وشاركت في مختلف الاتجاهات: استراليا، نيوزيلندا، إيطاليا، إسبانيا، بلجيكا، هولندا، الدانمرك، اليونان، النرويج، باكستان، كوريا الجنوبية، بنغلادش، السنغال، النيجر، بولونيا ورومانياِ
واشتركت اليابان وألمانيا بنشاط في التأمين المالي (أعطى كلا هذين البلدين عدة مليارات من الدولارات)ِ وركز التحالف في منطقة الخليج قرابة 180 سفينة بما في ذلك 6 حاملات طائرات أميركية ونحو 1800 طائرة و3000 دبابة و2800 مدفعِ
وواجهتها قوات العراق المسلحة التي اشتملت على قوات نظامية تعدادها 750 ألف شخص ووحدات احتياط قوامها 480 ألف شخص والجيش الشعبي كما يسمونه بلغ تعداده كما أكدوا 5 ملايين شخص تقريبا وكذلك 5 آلاف و500 دبابة و3 آلاف و500 مدفع و 600 مقاتلة وطائرة عمودية وعدة مئات من مختلف أنواع الصواريخِ وكانت التشكيلات العراقية الواقعة في الكويت ومناطق العراق الجنوبية تقدر بنحو 500 ألف فرد و4 آلاف دبابة و2700 مدفعِ
أطلقت الدعاية العراقية على الاصطدام العسكري المقبل 'أم المعارك' وستكون في حقيقة الأمر غير بسيطة بالمرةِ