الجمعة، 10 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (27)

استقبلوا في موسكو في 14 فبراير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية الكويتِ وكانت هذه أول زيارة لمسؤول كويتي رفيع المستوى إلى عاصمتنا بعد احتلال الكويتِ تم في البداية اللقاء في وزارة الخارجية ومن ثم في الكرملين مع ميخائيل غورباتشوفِ
في وزارة الخارجية قدر الصباح عاليا جدا موقف الاتحاد السوفيتي والدور الذي لعبه في اتخاذ مجلس الأمن لقراراته الهامة للكويت وأعرب عن أمله في أن الاتحاد السوفيتي سيبقى من الآن فصاعدا على هذه المواقف المبدئيةِ وأشار الى أن الكويتيين سيسرون بتوقف النيران لكن ليس على حساب الكويت وليس قبل سحب الغزاة قواتهم من الكويتِ وأنذر بأنه لا يجوز الاتكال على وعود بغدادِ وتحدث بألم عن النهب الذي تعرضت له الكويت والحرق المتعمد ل 50 بئرا نفطيا من قبل العراقيين وتصريف النفط بعمد الى مياه الخليج الذي ألحق خسائر هائلة بالكويتِ
وأكد الكسندر بيسميرتنيخ أن التعليمات التي زود بها يفغيني بريماكوف تتلخص في إقناع القيادة العراقية على تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن وبالكاملِ وقيل للوزير الكويتي إن الحديث يمكن أن يدور حول شيء واحد: التصريح بالانسحاب والبدء بلا تأجيل في سحب القوات في ظرف وقف إطلاق النارِ وقال الوزير السوفيتي إن الرئيس العراقي للمرة الأولى لم يرفض فكرة سحب القوات وطلب وقتا للتفكيرِ واقترح إرسال مبعوث له الى موسكوِ ولا يجوز التكهن بنتائج مباحثات موسكو، ولن نسمح للعراقيين بممارسة لعبة ما أو مماطلة في حل القضيةِ
وقال صباح الأحمد إن من المرغوب فيه أن يشارك الاتحاد السوفيتي بشكل ملائم له في ميزان القوى الإقليمي في منطقة الخليجِ وأكد على أن العلاقات السوفيتية مع بلدان الخليج هي مصدر قوة له ولها على السواءِ وأعرب كذلك عن اهتمامه بأن تشارك المؤسسات السوفيتية في إعادة بناء الكويتِ
ولم تحمل المحادثات في الكرملين مسائل جديدةِ
تناقضات بغداد
أدلى مجلس قيادة الثورة العراقي في 15 فبراير بتصريح سياسي واسع خاص بالوضع المتشكلِ وكان يفترض أن يكون هذا في معنى معين رد القيادة العراقية على الأفكار التي عرضها يفغيني بريماكوفِ بتكليف من الرئيس السوفيتي خلال رحلته الى بغدادِ وكانوا في موسكو ينتظرون بفارغ الصبر رد الفعل هذا، آملين في أنه سيكون بناء ويوقف الحرب خلال أيامِ غير أن البيان لم يلب الأمل هذه المرة أيضاِ فقد احتلت البلاغة فيه الصفحات الخمس الأولى (من سبع صفحات حجم البيان) بالنص المترجم الى اللغة الروسية، بصدد 'خطط الصهيونية والإمبريالية الاميركية اللئيمة والمآرب التي لا تقل عن الشناعة لأعوانهما والصنائع من حكام المنطقة الفاسدين الذين يخالفون إرادة الله'ِ
ووصف البيان أحداث 2 أغسطس ب 'الانتفاضة الإسلامية القومية ضد المؤامرة والمشاركين فيها'ِ أما التحالف فقد وصفوه ب 'اتحاد القوى الغادرة والشرسة وتحالف الكافرين الموجه ضد حصن الدين والمبادئ معقل الحرية و الإيمان والعدل'ِ وعمليات التحالف قدرت 'الحرب القذرة والجبانة' و 'العدوان على العراق الذي قد انتصر فيه لأنه ثابت وجريء ومؤمن بالله وعزيز وقوي روحيا'ِ
وفي القسم الختامي من البيان قيل للمرة الأولى عن استعداد العراق 'للتعامل مع القرار 660 لمجلس الأمن بهدف التوصل الى تسوية عادلة ومقبولة بما في ذلك الانسحاب والخطوة الأولى التي يلتزم بها العراق يجب أن تتعلق بالشروط اللاحقة'ِ ويعتبر أبرز شيء هنا في أن بغداد استخدمت للمرة الأولى كلمة 'انسحاب' وإن حاولت الإبهام وإحاطتها بالكثير من الشروط التي عرضت بصفحة ونصف الصفحة ابتداء من وقف إطلاق النار النهائي والشامل وإلغاء جميع قرارات مجلس الأمن الأخرى وسحب قوات التحالف من الإقليم، وإعادة بناء ما دمرته الحرب على حساب بلدان التحالف، وإلغاء الديون العراقية وإعادة النظر في هيكل الكويت السياسي و 'المحافظة على جميع حقوق العراق التاريخية والإقليمية والبحرية في حجمها الشامل 'ِ وأضيف أيضا انسحاب إسرائيل الشامل من كافة الأراضي العربية المحتلة الأخرى ِِِالخِ
كان من الممكن الإدراك بالطبع أن القيادة العراقية لم ترغب تغيير موقفها 180 درجة في الحالِ غير أن عدد الشروط المفرط والواضح والمتعمد من قبل مؤلفي البيان الذين وضعوه خصيصا لكي يظهر غير مقبول من جانب التحالفِ كان هذا البيان يقوض إمكانات الاتحاد السوفيتي في التأثير على واشنطن وغيرها من العواصم وجهودها في تحويل مجرى الصراع الى السلامِ وكان الحديث مع الاميركان بحاجة الى قاعدة واقعية وبناءة خلا منها البيان تقريباِ
وكانت موسكو تعلق في هذه الظروف الآمال على وصول ممثل صدام حسين الشخصي الى موسكوِ
غورباتشوف يأخذ المبادرة على عاتقه
وصل طارق عزيز الى موسكو مساء 17 فبرايرِ ولغاية اليوم فان العمليات العسكرية مستمرة لليوم ال 32 وكانت طائرات التحالف تقصف العراق حسب إرادتها وهواهاِ غير أن الوفد العراقي كان يتظاهر بالرزانةِ
جرت المباحثات صباح اليوم التالي على مرحلتين : الأولى في وزارة الخارجية والثانية في الكرملينِ وشارك في المحادثات في وزارة الخارجية سعدون حمادي الذي وصل في قوام الوفد العراقيِ
بدأ عزيز كلامه بانتقاد الذين 'يواصلون العدوان على العراق' والذين اتخذوا موقفا سلبيا من بيان مجلس قيادة الثورة المؤرخ في 15 فبرايرِ وانكشف حقد 'المعتدين' وغدرهم بضرباتهم على بغداد عندما مكث فيها يفغيني بريماكوفِ وأشار الى أن العراقيين ليسوا من أولئك الذين يستسلمون، ثم قال إنه وصل الى هنا وحمادي لأجل البحث عن طرق للتوصل الى قرار لائق وسأل كيف نتصورهِ
ذكر الكسندر بيسميرتنيخ أننا أحرجنا على الدوام مع العراقيين بشأن الاستيلاء على الكويت وأنذرناهم بالعواقب المحتملة وكنا أول من رفع صوته ضد النطاق الواسع للضربات على العراق، ونوه بأننا لا نشك في حزم الشعب العراقي وقدرته في الدفاع عن نفسهِ لكن الحديث يدور الآن حول ذلك القدر من العقل السليم الذي يسمح بالسير في هذا الطريقِ وسألهما مرتين : هل فكرت بغداد في الصيغة التي أحالها بريماكوف : الإعلان الواضح دون قيد أو شرط لسحب القوات والإشارة الى المدة العملية المختصرة لإتمام ذلكِ
هرب عزيز من الجواب بناء على الصلاحيات التي منحت له، كما زعمِ وطرح نفسه السؤال التالي: ماذا ينوي الاتحاد السوفيتي عمله في ضوء تصاعد العمليات الحربية واستمرارها؟ قيل له إذا عين العراق موعد الانسحاب فسنأخذ على عاتقنا محاولة تأمين سحب القوات وفق ظروف مضمونةِ وإذا أصبحت الطريقة السلمية الآن خيار العراق الاستراتيجي فتعالوا نحدد هنا في موسكو الخطوات العملية للتوصل الى هذا الهدفِ
استشهد عزيز من جديد بمحدودية صلاحياته، وحول الحديث الى أن العملية السلمية لا تتكون من عنصر واحد، كما زعم، بل من سلسلة من العناصر الكاملةِ وبما أن الوضع معقد في المنطقة 'فلا تسمحوا بمواصلة العدوان بالتعمق في تفاصيل العملية السلميةِ يجب في البداية الكف عن القصف وسيكون من الممكن بعد ذلك إجراء المباحثات والتشاور ' ِِِ الخ
انتهى الحديث بجملة عزيز بأنه يجب إنهاء الحرب بالرغم من أن العراقيين على استعداد للقتال مائة سنة ولو بالأحجار والعصيِ
بالتالي، لم يكن الحديث بناء في وزارة الخارجيةِ تسنى لنا الحصول على شيء وحيد من عزيز وهو الاعتراف بأن 'الشروط' المقدمة في بيان مجلس قيادة الثورة ليست بالشروط بكل معنى الكلمة بقدر ما هي برنامج أعمالِ كان هذا الاعتراف مهما واتضح أن عزيز لم يكن مستعدا لإجراء المحادثات، بل كان في أحسن الأحوال مرجعا للنقلِ وحسب هذا التوافق رسمت خطة سلوك الطرف السوفيتي في المحادثات مع الكرملينِ
وقد أجراه ميخائيل غورباتشوف بنشاط ولم يرحم عزة نفس المتحدثين وأهم شيء صاغ بصورة ملموسة جملة من الأفعال التي ينبغي على الطرف العراقي القيام بها بلا تمهل لكي يتم الهرب من تعاظم الأحداث وتيارها الجارفِ
أعطى عزيز الرد التالي مجيبا عن سؤال الرئيس السوفيتي، بغية إيضاح ماذا ينوي الاتحاد السوفيتي اتخاذه في المرحلة المقبلة وما هي النصائح التي أردنا إسداءها وكيف نقدر بلوغ السلام المشرف في المنطقة، قال عزيز ان العراق لن يوافق أبدا على الاستسلام وينبغي وقف العمليات الحربية (قال 'العدوان على العراق ') كخطوة أولى للعملية السلميةِ وقدم بيان مجلس قيادة الثورة كوسيلة لتيسير مشاركة الاتحاد السوفيتي في عملية التوصل الى السلام وتأمين نفسه بتأييد واسع في المضمار الدوليِ وأضاف حمادي ان السلام يجب أن يكون مشرفا وأن بيان مجلس قيادة الثورة حمل هذا الهدف بالذاتِ
وأشار غورباتشوف بعد أن نوه بتحفظ الى أن بيان مجلس قيادة الثورة هو خطوة نحو التسوية السلمية، الا أنه من المهم جدا أن نعرف تصرفات العراق اللاحقة وحتى لا تبقى مواقفه متناقضة لانه لم يكف عن تكرار بياناته السابقةِ
رد عزيز بأن المطالب التي احتواها البيان كانت شرعية تماما ويجب أن تصبح الأساس في المحادثات، وأنه ليس ثمة أسباب تدعو العراق للاستسلامِ وزعم عزيز أن الاتحاد السوفيتي عضو دائم في مجلس الأمن ويستطيع أن يضع حدا للعمليات الحربيةِ وكان حمادي يشجع نفسه أيضا ويؤكد قائلا : 'لا نوافق على سلام مهما كلف الأمرِ يجب أن يكون شاملا بالفعل ولن يكون أمامنا خيار آخر سوى مواصلة القتال'ِ
تقدم ميخائيل غورباتشوف للمتحدثين، بعد أن شعر بأنهما محددان بالتعليمات الموجودة لديهما، بخطة متكونة من أربع نقاط:
- على العراق أن يؤكد بوضوح استعداده سحب قواته من الكويتِ
- يمكن أن يبدأ سحب قواته في اليوم التالي من وقف إطلاق النارِ
- يجب أن يحدد بوضوح المدة التي يطلبها لسحب قواتهِ
- يحق للعراق في غضون ذلك أن يطلب ضمانات لتأمين نفسه في سير سحب القوات من الكويتِ
وقال غورباتشوف انه إذا أدلى العراق بمثل هذه الخطة تطويرا لبيان مجلس قيادة الثورة سيفتح الطريق لانعقاد مجلس الأمن، حيث يمكن تحليل الوضع من جميع النواحيِ وأشار يفغيني بريماكوف الذي حضر هذه المحادثات في الكرملين الى أهمية عامل الوقت الذي لا يجوز فقدانهِ
هكذا تولدت 'خطة غورباتشوف' البسيطة والعملية التي كان لقبولها السريع من بغداد فرصة معينة لتحويل النزاع الى التسوية السلميةِ ولكن اتضح بسرعة أن المبعوثين العراقيين لم يتكلما بعد ذلك عن المواعيد المحتملة كلمة واحدة وكانت هذه المشكلة الرئيسيةِ
ذكر ميخائيل غورباتشوف أن الكثير مما كنا ننذر به قد وقع للأسفِ ومن الأفضل أن تستمر الاتصالات السوفيتية - العراقيةِ
قال طارق عزيز ان القيادة العراقية ستحلل بشكل دقيق محتويات هذا الحديث وسترد علينا بلا تأجيل حول جوهر المسائل المطروحةِ
بعد أن علمت وسائل الإعلام في العالم بخطة غورباتشوف، بدأت تنقدها زاعمة أن موسكو التي لا تشترك في الحرب، تحاول الاستفادة منها لمصلحتها وتظهر كصانعة سلام وتنقذ في آن واحد 'زبونها'ِ وتقوى هذا الخط أكثر بكثير بعد أن قال الرئيس الاميركي جورج بوش بعد تأكيده على حقيقة استلامه رسالة الرئيس السوفيتي أن 'خطة غورباتشوف' لا توضح بالمرة ما نحتاج إليهِ واحتلت لندن وباريس موقفا مماثلا من الخطةِ وأظهرت روما والقاهرة تعاطفا معينا معهاِ
ومهما كان الأمر، تلخص المعنى الباطن للحملة المندلعة في تلك الأيام في بث الشعور للرأي العام الغربي والعربي بأن موسكو تريد حرمان التحالف من انتصار مستحق مع جميع العواقب الناتجة عنه بالنسبة للأمن الإقليمي في المستقبلِ ونشرت الصحف الاميركية الرئيسية مقالات انتقادية في 19 و 20 فبراير في هذا الصددِ قيل على سبيل المثال في جريدة 'وول ستريت جورنال في المقالة' الألعاب السوفيتية في الخليج' بأنه 'إذا سحب صدام الآن القوات فمن المرجح أن يحافظ على السلطة والسيطرة على الجيش المضعف بشدة وسيبقى كبيرا ومسلحا جيدا ولم يفقد غير الكويتِ يعتبر تطور الأحداث هذا ضربة صعبة على آمال الغرب في تأمين الاستقرار للمنطقة ِِِ'ِ و 'تدل خطة السلام السوفيتية على أننا استعجلنا الانتصار وهزيمة صدام عسكريا'ِ وكتبت جريدة 'واشنطن بوست' أن السيد غورباتشوف 'يدير العملية الدبلوماسية التي من شأنها تأمين بقاء الزعيم العراقي في الحكم'ِ
وعارضت حتى 'نيويورك تايمز'، التي كانت تعارض أكثر من مرة تصرفات جورج بوش، خطة غورباتشوف أيضا على أساس أن العالم يحتاج الآن الى شيء أكبر من وقف إطلاق النار وسحب القوات: يتطلب الأمر ردع العراق الذي لا يزال يشكل خطرا، لا سيما لو بقي صدام حسين يسيطر على زمام الحكمِ وعلى العراق التخلي عن كل الادعاءات الإقليمية تجاه الكويت وباقي الجيرانِ
وكانت وسائل الإعلام الاميركية، كما أظهرت الأحداث، تعكس بالفعل وجهة النظر الاميركية نفسها المتكونة في ذلك الوقتِ ووصف 'واشنطن بوست' خطة غورباتشوف بعبارة 'القليل جدا والمتأخر جدا'ِ
وفي ضوء كل ذلك، من المفهوم أن الوضع المتشكل بين موسكو وواشنطن بشأن المسائل الخاصة بالعراق غير بسيط بالمرةِ
ويجدر القول ان وسائل الإعلام السوفيتية لم تدع هذه الحملة دون جواب وشددت انتقاد الاميركان ولم تبق على الحياد ومست بعض الشخصيات الرسميةِ وعلى سبيل المثال أشارت الى ملاحظة الكسندر بيسميرتنيخ عندما قال ردا على كلمات جورج بوش عن قصور خطة غورباتشوف بأن 'الخطة موجهة الى القيادة العراقية بينما يرفض بوش ما لا ينتسب إليه'ِ وقال بريماكوف في حديث للتلفزيون السوفيتي بأنه 'ينبغي إيقاف القتلِ لم أقل ان الحرب كانت مبررة من قبل، غير أن مواصلتها أمر لا يمكن تبريره من أية جهة فالشعب يهلك'ِ
لم تفكر الحكومة الاميركية بعد أن استلمت رسالة غورباتشوف مع عرض شامل لنتائج المحادثات الجارية مع طارق عزيز في كيفية إنهاء الحرب، بل في كيفية عدم السماح بأن تحول خطة غورباتشوف من مواصلاتهاِ
يصف سكووكروفت جزع القيادة الاميركية وتصرفاتها في تلك الأيام على النحو التالي: 'كنا نبحث عن كيفية رد الفعل على خطة غورباتشوفِ فإذا انسحب صدام وحافظ على جزء كبير من قوته فلا يعتبر ذلك انتصارا حقيقيا لناِ ووجهنا الى غورباتشوف جوابا فاصلا وأبدينا الامتنان له وأخبرناه بأن العمليات الحربية لن تتوقف'ِ
الجولة الأخيرة للمحادثات مع طارق عزيز
ألقى صدام حسين في 21 فبراير من إذاعة بغداد خطابا حمل لهجة محاربةِ وصف النزاع من جديد باصطدام قوى الإسلام الكريمة بقوى الكفار السوداءِ وقال 'ليس هناك طريق آخر غير الذي اخترناهِ واخترنا طريق النضال وسنسير قدما فيه ِِِ سنستمر في النضال وسنتوصل للنصر'ِ
ودوى في خطاب صدام حسين بصورة غير مفهومة القسم بمواصلة النضال، بغض النظر عن طابع الجهود السياسية التي نبذلها واتجاهاتها التي جاء بها طارق عزيز الى موسكوِ عندما قرأت ترجمة خطاب صدام حسين أحسست بمشاعر مختلطة بصدد الأنباء التي سيحملها إلينا طارق عزيزِ
وصل طارق عزيز في المساء المتأخر من 21 فبرايرِ وبعد وقت قصير وصلنا معه الى الكرملين حيث كان ميخائيل غورباتشوف بانتظارهِ وحضر يفغيني بريماكوف هذا اللقاءِ سأل غورباتشوف طارق عزيز حالا: 'بماذا وصلتم إلينا هذه المرة 'ِ انحصر جوابه فيما يلي:
- العراق مستعد لسحب قواته من الكويت كليا في المدة التي يجب الاتفاق عليهاِ
- يجب وقف إطلاق النار وتوقف العمليات الحربية وسيبدأ الانسحاب بلا تأجيلِ
- في آن واحد مع وقف إطلاق النار يجب أن تلغى جميع قرارات مجلس الأمن وكافة الآثار الناتجة عنهاِ
- يجب أن تنعكس جميع المبادئ المعروضة أعلاه في قرار مجلس الأمن الجديد الذي سيوافق العراق على تنفيذه فوراِ
تايم أوت
فضل الرئيس العراقي أخذ وقت مستقطع (تايم أوت)ِ ولم يقل شيئا معيناِ واكتفى بنقل رسالة بواسطة طارق عزيز قيل فيها أن القيادة العراقية تدرس باهتمام كبير الأفكار المعروضة من قبل ممثل الاتحاد السوفيتي وستجيب عليها في أقرب وقتِ ودقق عزيز قائلا بأنه سيصل بنفسه قريبا الى موسكوِ وبات واضحا أنهم في بغداد جنحوا إلى التفكير ببدء الحوار مع التحالف بواسطتناِ هل سيكون مثمرا وسيصل الى نتيجة ناجحة؟ أن التطورات اللاحقة وحدها الكفيلة بالإجابة عن هذه التساؤلاتِ
يكتب سكوكروفت في مذكراته: 'كان يقلقني على الدوام أن صدام حسين سيدلي باقتراح يصعب رفضه ويمكنه من المحافظة على قواته المسلحة حتى لو انسحب من الكويت جزئيا أو كلياِ وإذا أوقفنا المعركة سيصعب جدا استئنافها لو اتضح أن اقتراحاته خدعة فحسب ولن تنفذ 'ِ
قدر سكووكروفت أعمال ميخائيل غورباتشوف على النحو التالي: 'قام غورباتشوف بالكثير لكي يساعدنا في تنظيم الرد الدولي على العراق وعزل زبونه السابق ونعطف عليه جدا وعلى وضعه الصعب داخل بلادهِ ومع ذلك لم نستطع السماح له بالتدخل في دبلوماسيتنا في الخليج وعملياتنا في اللحظات الحرجة'ِ ونقرأ في مذكرات جورج بوش : 'أثار قلقي ذلك الظرف لو أن صدام انسحب من الكويت قبل أن ندمر مدرعاته وأسلحته الثقيلة بالكاملِ وحتم علينا ذلك البدء بالعملية البرية وختم الأمر في أقرب وقت'ِ
بات مفهوما في ضوء ما قرأناه كيف يمكن لواشنطن أن تنظر في المعلومات المستلمة من غورباتشوف عن نتائج رحلة بريماكوف الى بغداد وعن طلب الرئيس السوفيتي إيقاف القصف الجوي وعدم الانتقال الى العملية البرية قبل محادثات موسكو مع طارق عزيزِ