الثلاثاء، 7 يونيو 2011

هل تسيل الدماء في حرب مواصلات النفط؟

يمكن ان نسمي القرن الذي على وشك الانصراف بلا تردد بقرن صناعة الطاقةِ حيث توقف الاقتصاد العالمي على الهيدروكاربونات لدرجة ان عدم توفرها يدفع اي بلد تلقائيا الى العصور الوسطى، والصدمة التي احس بها الغرب خلال الحظر النفطي الذي فرضته البلدان العربية على هذه الدول في حرب اكتوبر 73 تؤكد هذه الحقيقةِ
ويرى الخبراء الرئيسيون في العالم ان القرن المقبل سيتميز بتفاقم 'صراع المواصلات' من اجل السيطرة على خطوط نقل الطاقةِ فعندما ينزل الاميركيون الضربات على قواعد بن لادن في افغانستان و'ينجد' الشيشانيون بشكل دوري اخوتهم في داغستان ويقفز العسكريون الى السلطة في باكستان في الوقت الذي يقررون فان الكثيرين يظنون ان لا علاقة بما يحدث بخطوط انابيب النفط والغاز الموجودةِ لكن نظرة واحدة الى خريطة هذه الخطوط توضح وجود هذه الصلة وهي مباشرةِ واذا اراد احد ما ان يجرب الكتابة عن الجيوبوليتيكا فعليه ان يركز قبل كل شيء في الوقت الراهن على مسارات نقل الطاقةِ
سياسة الممرات
تتركز قرابة 50 تريليون طن من النفط في منطقتي الخليج العربي وبحر قزوينِ وهذا الرقم يعبر عن نفسه من خلال احاديث الآخرينِ فقد قال في هذا الصدد ستيفان سيستانوفيتش المستشار الخاص لوزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الدول المستقلة في كلمة القاها في الكونغرس السنة الماضية: 'اردت التشديد على الاشارة الى ان سياسة الولايات المتحدة ينبغي ان تتفق مع مصالحها الكبرى في آسيا الوسطى والقوقازِ ويجب ان تبدأ مناقشتنا بالاعتراف بأهمية هذا الاقليم الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة من وجهة نظر موارد الطاقة وخطوط نقلها'ِ
وانهى سيستانوفيتش كلمته: 'ان استراتيجية الولايات المتحدة فيما يتعلق بموارد الطاقة في بحر قزوين تعتبر مسألة اساسية ومن اولويات وزارة الخارجية الاميركية في آسيا الوسطى والقوقازِ وتوجه الجهود بالمقام الاول الى الانفتاح على بلدان هذا الاقليم وجذب 'البيزنيس' الاميركي لها ومساعدتها على التوغل في المنظومات الاوروبية والاطلسية'ِ
جرس انذار
واعتبر الدبلوماسيون الروس درس سيستانوفيتش بمثابة جرس انذار لهم، فقد حدد المصالح الاميركية عند حدود روسيا الجنوبية بصراحة وفهموا بانه اذا كان عليك ان تضرب فافعل ذلك بلا تردد او ريبِ
منذ زمن بعيد والجميع يعلم بجغرافيا نبض النفط، في الشرق الاوسط وبحر قزوينِ وانحصر الصراع كالتالي: اذا لم يتسن وضع يدك على النفط فافرضها ولو بالدماء على خطوط الانابيبِ وفي هذه العبارة تكمن كل اسباب النزاع في ساحة ما بعد الحكم السوفيتيِ
كانت اكبر منطقة نفطية في الكوكب مغلقة حتى وقت قريب بين اربعة بلدان: الصين، ايران، الاتحاد السوفيتي، وافغانستان المتجهة الى موسكوِ وبقي تحت هذا الظرف للولايات المتحدة اسلوب وحيد للمراقبة على 'نبض الكوكب': الاسطول السادس و'الستار الحديدي' بين اوروبا وروسياِ
مفارقات غريبة
ومن المفارقات التاريخية الغريبة ان الاتحاد السوفيتي انقذ البلدان الغربية من الركوع والاستسلام النهائي للدول العربية في عام 73 عندما نافق بلاشفة الكرملين العرب بتأييد الحظر النفطي علنا، لكنهم كانوا يسيلون انهار النفط الروسي اليهِ وكسبت 'قلعة النضال ضد الامبريالية العالمية' الكثير جدا من الدولارات بفضل هذا 'النضال'ِ وفي نتيجة ذلك تحولت روسيا من حالة الهجوم الى الدفاع المتقهقر بعد ان تحولت الى هدف للصراع من اجل الانابيبِ
وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي تكون ممران جيوبوليتيكيان جديدان وهما افغانستان ومنطقة ما وراء القوقازِ ويحدد خيار طريق نقل النفط الاتجاه الجيوبوليتيكي للوجوه المتصارعة في حرب الطاقةِ
وتدفع الفوائد المفترضة من الترانزيت (تشكل اليوم تكاليف النقل حوالي 80 في المائة من سعر النفط) كافة الاسباب الاخرى للخلفِ وتخمد (خشخشة) الدولارات صوت الدم والنداءات الدينية ويتراجع امامها حتى المصير التاريخي وجامع طريق الوحدةِ ولا يعني لأحد 'اشياء تافهة' مثل النظام السياسي وحقوق الانسانِ
الضوء في نهاية الانبوب
ثمة جبهات عديدة لحرب خطوط المواصلات من اجل ارث الطاقة السوفيتي، غير ان جبهة اسيا الوسطى هي الرئيسية بلا شكِ ومصالح المشاركين في هذه الحرب مشوشة ومشتبكة جدا، لكنه يوجد اتجاه واحد فقط واضح بدقة: سعي الولايات المتحدة باي اسلوب لحرم روسيا من عوائد ترانزيت نفط قزوين، اي منع تدفق النفط عبر اراضيها، بمعنى حرمانها من اي نفوذ في هذا الاقليمِ
وفي يوليو الماضي شهد العالم دون ان يعرف سكانه ثلاثة احداث هامة في مجال حرب المواصلات وهي في القراءة الاولى لا تبدو مترابطةِ
الحدث الاول: اعلنت زيادة تكاليف انشاء كونسورتيوم خطوط انابيب قزوين من 1،2 الى 7،3 بلايين دولارِ
الحدث الثاني: اتمت شركة 'يونوكال' الاميركية مرحلة الابحاث الاولى المخصصة لبناء خط انابيب من تركمانستان يمر عبر افغانستان وباكستان الى بحر العرب بكلفة 5،2 بليون دولارِ
الحدث الثالث هو اتفاق روسيا مع كازاخستان على تقسيم قاع بحر قزوين بشرط الاستخدام المشترك لصيد الاسماكِ
ابرام عقد
وكانت كازاخستان قد ابرمت عقدا مع الشركة الاميركية 'شيفرون' من اجل استثمار حقل 'تينغيز' ولكن بعد شهر ظهر كونسورتيوم خطوط انابيب قزوينِ واطلقوا على العقد وقتها 'صفقة القرن'، وخلال سبع سنوات لم يتم بناء انبوب واحد ولم يستخرج برميل نفط واحد من هذا الحقلِ لان الخبراء اجمعوا بان كلا المشروعين الواعدين لم يأت لهم بسنت واحد ربحا! ولكن 'شيفرون' لم تخرج من هذه المعمعة خالية الوفاض، فقد ادى عقد 'تينغيز' الى زيادة سعر اسهمها وبلغت ارباحها من دون اوجاع استخراج النفط في البحر 3 بلايين دولار!ِ
اما زيادة تكاليف انشاء كونسورتيوم خطوط انابيب قزوين الذي يفترض ان يأخذ على عاتقه نقل النفط الكازاخي والتركماني عبر الاراضي الروسية الى ميناء نوفوروسيسك فقد قطعت الامل عمليا في نجاة المشروعِ وخدم المشروع الآخر في بناء خط الانابيب من تركمانستان عبر افغانستان وباكستانِ ويبقى الهدف الواضح ترانزيت نفط قزوين بعيدا قدر الامكان عن روسياِ
تقسيم روسيا
وزد على ذلك، لا يخصص مشروع 'يونوكال' المستقبلي تصدير نفط قزوين فحسب، بل والنفط الروسي ايضاِ وفي حقيقة الامر فانه قد تم في الاوقات السوفيتية بناء خط انابيب نفط رئيسي ربط غرب سيبيريا بأوزبكستان عبر كازاخستانِ وبعد مد خط انابيب النفط 'تركمانستان ـ باكستان' لم يبق سوى توصيل اوزبكستان بتركمانستان بالانبوب، وعليه من الممكن ان يضخ نفط سيبيريا الى المحيط الهندي مباشرةِ وبالتالي فقد وضعت المقدمات الاساسية لتقسيم روسيا المستقبلي حسب المصالح، علما ان هذا التقسيم يجري حسب توزيع خريطة القوى السياسية داخل روسيا اولاِ
موانع لا يمكن اجتيازها
في غضون ذلك تضع معاهدة روسيا مع كازاخستان الخاصة بتقسيم قاع قزوين والاستخدام المشترك لصيد السمك الموانع التي لا يمكن اجتيازها امام مشروع الخط البديل (الذي لا يمر بروسيا) لنفط قزوين بقاع البحر عبر اذربيجان وجورجيا وتركيا الى البحر الابيض المتوسطِ
وفي حالة انضمام كافة بلدان منطقة بحر قزوين الى المعاهدة الروسية ـ الكازاخية فان الامر سيتطلب بناء خط الانابيب في قاع البحر باتفاقية متعددة الاطرافِ وبذلك تتخلى روسيا لأول مرة عن مبدئها الامبراطوري في السياسة لاعبة حسب القواعد المقبولة للجميع، واذ تتنازل روسيا في مسألة تقسيم الجرف القاري لبحر قزوين، فهي تحافظ لنفسها على امكانية التأثير في اختيار طرق ترانزيت كل آسيا الوسطى عملياِ
ولم تنضم اذربيجان الى هذه المعاهدة لسبب واحد لانها ستكون ملزمة عند توقيعها مراعاة مصالح روسيا وموقفها وهذا ما ترفضه، وفي الوقت نفسه فان عدم توقيعها هذه المعاهدة سيؤدي الى غرقها في خلافات اقليمية لا طائل لها مع جيرانهاِ وهذه الخلافات ستؤدي الى شلل الاستثمارات في المواقع الجديدةِ
وهكذا فان الاحداث الثلاثة غير المترابطة في الظاهر تجد الصلة ببعضها الآخر بخيوط غير مرئية وفي مكان ما بخيوط واقعيةِ ومن الواضح حتى الآن ان خط نوفوروسيسك هو الاقصر الى اوروبا عن سواه، ولكن اقصر الطرق ليس دائما اكثرها امانا على السلع سريعة الاشتعال على وجه الخصوصِ
خطوط النفطِِ خطوط الجبهة
تبين احداث ما بعد الحكم السوفيتي اتجاها واحدا يواجه مبدأين متضادين: الاطلسي ـ الاميركي والثاني: الاوروبي، الاوروبي ـ الآسيويِ
الاول يقضي بنقل النفط بواسطة ناقلات النفط لكي لا يفقد الاسطول السادس عمله ولكي تبقى واشنطن 'منظم' العلاقات الدولية الرئيسيِ
ويتأسس المبدأ الثاني بشكل استثنائي على نقل النفط عبر خطوط الانابيب براِ وفي هذه الحالة تصبح روسيا جسرا يربط اوروبا بآسيا وتتحول اوروبا الآسيوية الى مجمع للطاقة له كفايته الذاتية وتحرم بذلك الولايات المتحدة من التأثير على سياسات اوروباِ
خط الغرب ـ الشرق
ويعد الخبراء خط 'الغرب ـ الشرق' بالنسبة للساحة الاوروبية الامثل، واذا نظرنا لكافة مشاريع خطوط النفط من وجهة نظر الفوائد الاقتصادية فلن يحتمل اي منها منافسة الانبوب المستقيم 'الشرق الادنى ـ اوروبا' عبر روسياِ فالمسافة من الكويت عبر باكو الى المانيا 5،4 آلاف كلم فقطِ وللمقارنة فان المشروع الافغاني ـ الباكستاني لنقل النفط يبلغ 9 آلاف كلم تقريباِ ويعتبر مشروع خط انابيب نقل النفط من بحر قزوين الى البحر الاسود قريبا من حيث الطول من انبوب 'الكويت ـ المانيا' وخط انابيب 'الصداقة' ويعد خط الغاز الموضوع على الخرائط فقط 'يامال ـ اوروبا الغربية' اطول، وعند ذلك تستبعد الخسارة في الانبوب الواحد 'الشرق ـ اوروبا' عند اعادة شحن النفط الى الناقلات واعادة ضخه في الخطوط الرئيسية الاوروبية ـ الآسيويةِ
الكويت ـ المانيا عبر العراق
ومن الممكن برأي الخبراء ان يمر انبوب 'الكويت ـ المانياو عبر العراق (بعد صدام)، ايران، اذربيجان، روسيا، اوكرانيا، بيلاروسيا وبولنداِ وفي هذه الحالة ترتبط كافة هذه البلدان في منظومة واحدة وتحلل على اساسها الكثير من المشاكل السياسية الحالية، ويعتبر هذا المشروع اسلوبا فعالا لحل مشاكل الطاقة لأوروبا الساعية للوحدةِ
ولا تعتبر فكرة خطوط انابيب النفط 'الكويت ـ روسيا ـ اوروبا' خيالية بالمرة، وينبغي بها بشكل مختص وعميق قبل اطلاق مثل هذه الاحكامِ والفكرة لم تتحقق بسبب ظروف 'الحرب الباردة' عندما كانت آسيا ايضا منقسمة الى معسكرين كأوروباِ وكان نقل النفط وقتذاك عبر الناقلات الطريقة الممكنة الوحيدة وبسببها تمكنت الاحتكارات الاميركية من الاثراء من مشاكل اوروبا وآسيا السياسيةِ
ويستطيع انبوب الكويت المباشر المستقيم وحده اسقاط ثقل ناقلات النفط من عنق الخليج واوروبا الموحدةِ وعلى روسيا ان تظهر في هذه الظروف لجيرانها استعدادها لحل المشاكل الاقتصادية ليس بمساعدة الحراب، بل وراء طاولة المباحثات وعلى اساس المنفعة المتبادلةِ
وإنشاء ممر 'الكويت ـ أوروبا' مفيد لاوروبا وآسيا على السواء وهو مفيد لروسيا التي ستكون بمثابة الجسر بين الشرق والغرب ومن غير الصعب ادراك من سيكون الخاسر في هذه الحالةِ
نموذجان للتمدن
ثمة نموذجان للتمدن في العالم: الاطلسي والاوروبي ـ الآسيوي اللذان تضادا على مدى سنين طويلةِ
والنموذج الأوروبي ـ الآسيوي يتأسس على انشاء ساحة قارية واحدة تأخذ مصالح بلدان القارتين بنظر الاعتبارِ وينتسب النموذج الاطلسي الى نوع التمدن الهامشي الطفيليِ ويخضع اساسا لمبدأ المراقبة والسيطرة على خطوط المواصلات البحرية والحصول على الربح الفاحش بفضل ذلكِ وهدفه عدم السماح بانشاء ممر النقل المباشر بين الكويت واوروباِ
الطاعون الاسمر
ويعرف الجميع عن نضال الشعوب البطولي ضد 'الطاعون الاسمر'، غير ان القلائل يعرفون انه قبل بداية الحرب العالمية الثانية كان يوضع مشروع سكة الحديد العابرة للقارات 'الكويت ـ بغداد ـ برلين' والذي كاد يحول اوروبا وآسيا الى اوروبا الآسيويةِ وكانت بريطانيا في ذلك الوقت تلعب دور الدولة العظمى الاطلسيةِ ولكن الحرب اظهرت ان لندن قريبة جدا من اوروبا من الناحية الجغرافية والاقتصادية وتحولت الولايات المتحدة كمعبرة رئيسية عن الفكرة الاطلسيةِ
والقلائل يتذكرون اليوم بأن الاكاديمي اندريه ساخاروف ادلى في فجر البيريسترويكا بفكرة تقسيم روسيا الى عدة دول يتكلم سكانها اللغة الروسيةِ وكان الاكاديمي يعبر في واقع الامر عن حلم النزعة الاطلسية الابديةِ
ولا ينطق احد بهذه الفكرة على المكشوف، غير ان عملية تقسيم روسيا الى اقاليم تجري على قدم وساقِ وتهدف الولايات المتحدة من تقسيم روسيا الى تنظيم انابيب النفط الموجهة رأسيا، وتخدم الهدف مشاجرات الطغمة المالية الروسية
الذين انشأوا دولهم الصغرى داخل الدولة الروسية، ويخدم عدم توفر فكرة روسية واضحة هذا الهدف ايضاِ
مقدمات موضوعية للتوحد
وبعد انتهاء 'الحرب الباردة' ظهرت لدى اوروبا الآسيوية مقدمات اقتصادية موضوعية للتوحدِ واطرف شيء ان واشنطن كانت اول من ابدى فكرة انشاء ممر النقل الاوروبي ـ الآسيوي، غير ان للولايات المتحدة تصوراتها الخاصة عن هذا الممر، تدوي في كلمات سيستانوفيتش: 'لا نستطيع ولا ينبغي ان يكون موقفنا السياسي من مسألة طاقة قزوين بدون النظر الى مصالحنا في الاقليم بالمقام الاول'، و'لن يساعد سعينا الى انشاء ممر النقل الاوروبي الآسيوي بين الشرق والغرب فوائد اقتصادية فحسب، بل سيساعد على التعاون الاقليمي ايضا'ِ و'سيوطد هذا الممر استقلال وسيادة هذه البلدان الجديدة'ِ و'سيلعب الدور الرئيسي في منع محاولات ايران تخريب صورة آسيا الوسطى التي نسعى اليها'ِ و'سيتيح ذلك فرصا تجارية هامة لرجال الاعمال الاميركان'ِ و'ان ذلك يتفق مع اهداف السياسة الاميركية ازاء حليفتها المقربة تركيا'ِ
تجدر الاشارة الى ان الحديث اعلاه لا يخص بناء خط 'الكويت ـ اوروبا'، بل هو عن بناء خط الانابيب من آسيا الوسطى بقاع قزوين عبر اذربيجان وجورجيا وتركيا الى سواحل البحر الابيض المتوسطِ ومن غير الممكن نجاح هذه الافكار بدون الاخذ بعين الاعتبار مصالح دول في المنطقة مثل روسيا وايران والمملكة العربية السعودية والعراقِ
فرق تسد
الاميركان اوفياء للمبدأ الاطلسي 'فرق تسد' ويكون بناء خط 'الشرق ـ الغرب' فتاكا للدولة العظمى الاطلسية لانه سيحرمها من وظيفة المنظم الرئيسي لصمام الانبوب النفطيِِ واذا نظر لهذا الامر من هذه الزاوية لمشاريع انابيب النفط التي تؤيدها واشنطن فمن غير الصعب ملاحظة بنائها بالخط الرأسي 'الشمال ـ الجنوب' تكون الاطلالة على البحر المسألة البالغة الاهمية فيهِ
المضائق التركية
ويتفق المشروعان الافغاني ـ الباكستاني والقزويني ـ التركي مع هذا المخطط، وتتفق معه حتى فكرة كونسورتيوم خطوط انابيب قزوين التي وان مرت على جزء من الاراضي الروسية المطلة على البحر الاسود فانها في النهاية ستصطدم بمشكلة المضائق التركية التي يستطيع الاتراك غلقها في اية لحظة مفضلين في هذه الحالة الخط التركي لنقل النفطِ
وتملي المراهنات الاميركية على تركيا السياسة الاقتصادية الجديدةِ فبعد الضربات الجوية على بن لادن وتضييق الخناق على تحركاته والانقلاب العسكري في باكستان اصبحت اولويات السياسة الاميركية ترى بوضوح حيث تقبل الولايات المتحدة على احياء طريق الحرير العظيم باعمال حربية نشطةِ
وللوهلة الاولى تبدو هذه الفكرة متناقضة، لان 'طريق الحرير' مشروع آسيوي اوروبي صرف، لكن الاهم في قضايا خطوط المواصلات ليس الاماكن التي تمر منها، بل من يسيطر عليها ويراقبهاِ واذا تسنى للولايات المتحدة انشاء ساحة مسيطر عليها تشمل كل المنطقة الناطقة بالتركية في اوروبا الآسيوية فليس من الصعب ملاحظة التوتر الاضافي في المنطقة في محور 'الشمال ـ الجنوب' علاوة على تقسيم القارة الى 'الغرب والشرق'ِ
المبدأ الرئيسي للسياسة الاميركية
لذلك يكون 'فرق تسد' المبدأ الرئيسي للسياسة الخارجية الاميركية لكي تعمل فكرة 'طريق الحرير العظيم' في الاتجاه المناسب لاميركا وينبغي ان يكون هناك خطر دائم على البلدان الناطقة بالتركية من روسيا وعلى بلدان الخليج العربي من ايران والعراقِ
وعندما يتكلمون في الولايات المتحدة عن ممر النقل الاوروبي ـ الآسيوي المفيد اقتصاديا فهم يعنون قبل كل شيء الفوائد الخاصة التي سيجنونها اولاِ
ويمكن اخيرا، تلخيص كل حجج الولايات المتحدة التي توردها لبلدان آسيا وما وراء القوقاز في الاستنتاج الاخلاقي من الحكاية الشعبية الروسية: 'كان الحمل عاقا فاكله الذئب'، ولا تنسى واشنطن ان تضيف جملة فريدة هي اهم ما في الحكاية: 'واذا كان الحمل مطيعا فسنأكله نحن'!