الجمعة، 10 يونيو 2011

الكرملين وأزمةالكويت (30)

كانت الأزمة الكويتية تقترب بالتالي من نهايتها حيث دامت سبعة أشهر تقريبا وفقدت فيها الأشهر الخمس الأولى لإقناع بغداد وكرس شهر ونصف الشهر لإجبارها بالقوة على ما كان ينبغي أن تقوم به منذ البداية: الانسحاب من الكويتِ واستمرت الحرب البرية 100 ساعة بالضبطِ
دعوت في وزارة الخارجية في 1 مارس السفير الكويتي عبد المحسن يوسف الدعيج الذي لم يخف سروره، وهنأنا بعضنا البعض الآخر بمناسبة انتهاء الملحمة المؤلمة التي بدأت في 2 أغسطس بنجاحِ
وبتكليف من الرئيس السوفيتي طلبت من السفير نقل تهانينا بمناسبة تحرير البلاد وإعادة سيادتها وتوحد أراضيها واستقلالها الى أمير وشعب الكويتِ وقلت: 'ندرك ذلك الشعور الذي يحمله الشعب الكويتي وهو الفرح والبهجة بتحرير الوطن، وفي الوقت نفسه المرارة عندما يرى الدمار الحاصل وأمامه عمل كبير من أجل إعادة بناء البلاد وتضميد جراح العدوانِ
وأبدى السفير الكويتي، مستشهدا بالمكالمة الهاتفية التي جرت بينه وولي العهد رئيس مجلس وزراء الكويت، الشكر للاتحاد السوفيتي على مشاركته في جهود تحرير البلادِ وقال: 'ندرك جيدا أنه لولا موقف الاتحاد السوفيتي الكريم الذي أيد بوضوح قرارات مجلس الأمن كافة الخاصة بالكويت لما أمكن تحرير بلادنا في فترة وجيزة'ِ
وظلل سرور السفير وجميع أهل الكويت بالطبع التدمير الملحق ببلادهم: أشعل العراقيون النار في قرابة 800 بئر نفطية وتطلب إطفاؤها عدة أشهرِ ولم يكن في العاصمة كهرباء ودمر العراقيون قبل انصرافهم منظومة إسالة الماءِ وكان من الضروري إعادة بناء كل شيء عمليا، وكان أمام البلاد عمل جبار لغرض إنعاشها مجدداِ
في الطريق الى التسوية
اتخذ مجلس الأمن في 2 مارس ب 11 صوتا وصوت واحد ضد (كوبا) وامتنعت عن التصويت الصين والهند واليمن القرار 686 المكرس بالكامل لمواجهة الحالة الجديدة الناشئة بعد وقف إطلاق النار، وهدف الى توطيده وإعداد الظروف الملائمة للتسوية السياسية النهائيةِ ولم تكن للاتحاد السوفيتي أسس للشك في ضرورة وفائدة هذا القرارِ
عين مجلس الأمن في هذا القرار ثلاثة اعتبارات:
رسائل وزير الخارجية العراقي التي أكد فيها موافقة العراق على تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن ال 12 وإطلاق أسرى الحرب فوراِ
إيقاف العمليات الحربية من قبل القوات الكويتية والدول التي عاونتها وفقا للقرار 678 (هكذا كان يطلق على قوات التحالف بلغة الأمم المتحدة)ِ
إنهاء الحضور العسكري للدول المذكورة في العراق بأسرع وقت ممكنِ
وطالب مجلس الأمن العراق بما يلي في ضوء تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتخذة من قبل:
إلغاء كافة أعماله الموجهة ضد الكويت فورا (قصد القوانين والوثائق الأخرى المتخذة من قبل العراق في هذا الصدد)ِ
الاعتراف من حيث المبدأ بمسؤوليته وفق القانون الدولي عن أي خسائر أو دمار سببه للكويت أو الدول الثالثة وكذلك مواطنيها وشركاتها نتيجة التدخل غير الشرعي للعراقِ
البدء في رد الممتلكات الكويتية من قبل العراقِ
وتضمن قرار مجلس الأمن كذلك مطالب أخرى على العراق تنفيذها وهي:
يعين قادته العسكريين لأجل اللقاء بقادة القوات المتعددة الجنسية بهدف تسوية النواحي العسكرية لوقف العمليات الحربيةِ
يضمن فورا الالتقاء بجميع الأسرى لغرض إطلاق سراحهم وإعادة رفات القتلىِ
يقدم كافة المعلومات والمساعدة للكشف عن الألغام العراقية والمتفجرات الأخرىِ
وأخيرا توجه مجلس الأمن الى جميع الدول أعضاء هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بطلب تقديم المساعدة في إعادة بناء الكويتِ
ويجب القول ان الاتحاد السوفيتي كان يؤمن بأنه في أيام السلام الأولى، عدا المشاركة في تهيئة هذا القرار، يؤمن الاتصال بين بغداد والأمم المتحدة وكذلك يؤمن الاتصالات بين القيادة العراقية وقيادة قوات التحالفِ وكان هذا العون لازما في المراحل الأولىِ
وأكد طارق عزيز رسميا قبول العراق القرار 686ِ
ووقع الجنرال نورمان شوارزكوف وزميله السعودي خالد بن سلطان من جهة ومن الجهة الأخرى نائب رئيس هيئة الأركان العراقية الجنرال سلطان هاشم أحمد وقائد الفيلق الثالث الجنرال صلاح عبد المحمود في 3 مارس في القاعدة الجوية العراقية الواقعة في صفوان بالقرب من الحدود الكويتية وثيقة شروط وقف إطلاق النار ونظام التفاعل المستقبليِ
وهكذا وضع الحد رسميا ل 42 يوما للعمليتين الجوية والبرية اللتين جاءتا بالظفر لقوات التحالف وبالهزيمة للجانب الآخر (العراق)ِ
صحيح أن الدعاية العراقية لم تعترف بذلك، معتبرة ما حصل انتصارا للعراقِ غير أن الشعب العراقي دفع ثمن عواقب هذا 'الانتصار' سنوات طويلةِ
وفي 5 مارس أعلنت إذاعة بغداد ان العراق وافق على الاعتراف ببطلان ضم الكويت وعلى إعادة الممتلكات الحربية والغنائم بما في ذلك الذهب والعملة الصعبة والطائرات وآثار المتحف الكويتي وغيرها مما نقل الى العراقِ واستمر العراق في تنفيذ مطالب هيئة الأمم المتحدة بما فيها المنصوص عليها في القرار 686ِ
جيمس بيكر في موسكو
بعد عودتي من فيينا حيث التقيت بوزير خارجية النمسا موك (منذ يناير 1991 أصبحت النمسا عضوا في مجلس الأمن وتولت رئاسته في مارس)، الأمر الذي ألقى عليها مسؤولية جسيمة بتنظيم الوثائق الخاصة بتطبيع أزمة الخليجِ لذلك كانت المحادثات مع النمساويين مهمة جدا من وجهة النظر التنظيمية والسياسية، انشغلت بدوري في تنظيم الوثائق وكل ما يتعلق بزيارة جيمس بيكر الى موسكوِ
جرت المحادثات مع بيكر في 15 مارسِ وكان هناك الكثير من المواضيع ذات الاهتمام التي ينبغي النظر فيها، بل كانت في مركز الاهتمام مسألة تسوية الشرق الأوسطِ وقرروا في واشنطن في ذلك الوقت أن سمعة الولايات المتحدة ازدادت بعد الظفر في عملية 'عاصفة الصحراء'، لذلك يمكنها الإقبال على العمل بنشاط لحل مشكلة الشرق الأوسطِ ودفعهم الاتفاق مع الاتحاد السوفيتي في هلسنكي ونداءاتنا الملحة لغرض توحيد الجهود بهدف العمل على تسوية هذه القضية ولبها المشكلة الفلسطينيةِ
دارت المحادثات مع بيكر حول التسوية الشرق أوسطية بشكل بناءِ واقترح بيكر تغيير رعاية الأمم المتحدة للمؤتمر الدولي لحل مشاكل الشرق الأوسط الذي كانت إسرائيل ترفضه قطعيا برعاية مشتركة أميركية وسوفيتيةِ وأرضانا هذا المقترحِ وافترض هذا بالطبع، إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي وإسرائيل وإن كان في هذا الأمر الكثير من المشاكلِ ولكن الكسندر بيسميرتنيخ أكد لبيكر أن هذه المشكلة لن تكون عقبة في رعايتنا المشتركة المستقبليةِ
والآن عن نظام الأمن في منطقة الخليج بعد الأزمة، انحصر موقفنا في ما يلي:
يجب أن تلعب دول المنطقة الدور الرئيسي في تحديد مقاييس النظام بعد الأزمة لأنها وحدها تستطيع تحديد ذلك التوازن لحقوقها ومصالحها، الأمر الذي سيمكن من تأمين التعاون السياسي الواسع والتعاون الآخر فيما بينها في المستقبل البعيد الأجلِ
يجب ألا توجه التسوية بعد الأزمة ضد بلد ما كما لا ينبغي أن يدور الحديث عن إنشاء تكتلات مغلقة منفصلة بعضها عن البعض الآخرِ
من المهم أن توضع في أسس الاتفاقات المستقبلية مبادئ القانون الدولي الرئيسية وخاصة مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية وعدم استخدام القوة وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية والاعتراف بحقوق دول الإقليم كافة في السيادة والوحدة في إطار الحدود القائمة والمعترف بها دولياِ
تكون الاتفاقيات المتعددة الأطراف والاتفاقيات الثنائية مستجيبة لمبادئ الفصل الثامن لميثاق الأمم المتحدة والمثبتة بضمانات دولية مناسبة من جانب مجلس الأمن والدول الخمس الأعضاء الدائمين فيهِ
تتمكن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن من لعب دور هام في تشكيل نظام الأمن الإقليمي، وخاصة في وضع الضمانات الدولية لمتانة الحدود بين دول الخليجِ
تتطلب دروس الأزمة الكويتية تحقيق خطوات مشجعة في الحد من سباق التسلح في المنطقةِ
يجب ألا يتجاوز الحضور العسكري الأجنبي مستواه في 1 أغسطس 1990ِ
وكانت ثمة مبادئ أخرى، لكني لم أعرضها أعلاه وما هو موجود يعرض أفكارنا بشكل كافِ وانحصر الهدف في أنه بعد سحب القوات المتعددة الجنسية من منطقة الخليج يمكن أن ينشأ في الإقليم بالتدريج نظام يضمن سلامة شعوب المنطقة ويمنع تكرار أحداث العقد الأخير المأساويةِ
هذه المواضيع لم تثر في موسكو مناقشات جدية خلال المباحثات مع بيكرِ غير أن ميخائيل غورباتشوف أحال الى بيكر آراءنا المناسبة في هذا الصددِ وأحيلت كذلك بواسطة سفاراتنا في بلدان المنطقة وبعض الدول الأخرى وعممت في هيئة الأمم المتحدةِ
'أم القرارات'
خلال مارس جرى العمل في نيويورك على تهيئة القرار الذي سيضع النقطة النهائية للنزاع في الخليجِ وربما لم يتطلب قرار واحد لمجلس الأمن ذلك القدر من الجهد كهذا القرار، حيث كان ينبغي أن يحدد شروط علاقات العراق مع باقي العالم لسنوات عديدة في المستقبلِ
اتخذ القرار 687 في 3 أبريل بعد أن استمرت جلسة مجلس الأمن خمس ساعات تقريباِ ودل ذلك على الاهتمام الكبير الذي أبدي بمحتويات هذا القرار الذي صوت الى جانبه 12 عضوا في المجلس وعارضته كوبا وامتنعت اليمن والإكوادور عن التصويتِ ولم تحدث في ممارسات مجلس الأمن قرارات بمثل هذا المقدار من الكلمات
(أربعة آلاف كلمة تقريبا) وأطلق عليه بعض المنكتين في الأمم المتحدة 'أم القرارات' على غرار أم معارك صدام حسينِ
أود الإشارة الى بعض مبادئ هذا القرار فقطِ أولا، لم يلغ هذا القرار القرارات ال 13 السابقة، بل على العكس أبقاها سارية المفعولِ وحافظ بذلك في يدي مجلس الأمن على آلية المراقبة الواسعة للضغط على العراق كعقوبة على العدوان وعدم احترامه لمجلس الأمن ومنع إمكان حدوث شيء مماثل من جهته في المستقبلِ ثانيا، أسس القرار عدة هيئات دولية وأعطى الحجم الأكبر من التكليف للأمين العام للأمم المتحدةِ وأسس بشكل خاص:
ممثلية للأمم المتحدة في العراق والكويت بهدف مراقبة المنطقة منزوعة السلاح على طول خط الحدود بين العراق والكويت (عرض المنطقة 15 كلمِ 10 كلم في عمق الأراضي العراقية و 5 كلم في عمق الأراضي الكويتية)ِ
تشكيل لجنة الأمم المتحدة لتصفية أسلحة العراق الكيميائية والبيولوجية وإمكانات إنتاجها وإنتاج السلاح النووي وأية صواريخ باليستية مداها أكثر من 150 كلمِ
لجنة الأمم المتحدة لتعيين الحدود العراقية ـ الكويتية وفقا لتخطيطها في 4 أكتوبر 1963 وفق الاتفاقية العراقية ـ الكويتيةِ
لجنة الأمم المتحدة للتعويضات لأجل الإشراف على صندوق التعويضات الذي يجب أن يدفع منه للتعويض عن الأضرار التي سببها العدوان العراقي على الكويت والبلدان الأخرى والأشخاصِ
وأبقى القرار 687 نظام العقوبات الاقتصاديةِ وسهل بعض الشيء من إجراءات الحصول من لجنة العقوبات على رخص لتصدير بضائع مدنية وشدد على مراقبة تصدير العراق النفطي وأبقى بالكامل الحظر على إمدادات الأسلحة الى العراقِ
وتناولت بعض البنود إعادة الممتلكات المسروقة من الكويت وإطلاق سراح الأسرى الكويتيين والأجانب الآخرين وحظر القيام بأعمال إرهابية وتأييدهاِ وطالب العراق بتقديم كافة المعلومات والتعاون مع الهيئات الدولية القائمة والمنشأة حسب القرارِ
وقرر مجلس الأمن إبقاء المسألة في جدول الأعمال والعودة إليها بصورة دورية بما في ذلك تقدير التقدم في تحقيق المطالب التي يجب أن ينفذها العراق بدقةِ
ومن الواضح أنه تم التعامل بحزم مع العراق ولكنه عادلِ لأن العراق نفسه أثار هذا بسلوكه وأعماله المعادية للقانونِ بالإضافة الى أن ذلك يعد درسا ليس له وحده، بل لأي معتد محتمل كما أشير في كلمة ممثل الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمنِ
وقضى القرار بأن وقف إطلاق النار سيصبح نافذا رسميا بعد حصول الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن على البيان الشكلي من العراق عن قبوله والتزامه بتنفيذهِ
ويكتب نائب الأمين العام في ذلك الوقت سفرانتشوك بأن الأمين العام اضطر لإنفاق عدة أيام لكي يتوصل الى إجبار العراق تحريريا على إعطاء موافقته على هذا القرارِ
وواجه القرار 687 في بغداد موجة من الانتقادات العنيفةِ ولكن العراق اضطر للخضوع للأمم المتحدة لأن القوات الأميركية كانت تحتل مواقعها نفسها التي كانت فيها لحظة وقف إطلاق النار، ومستعدة لاستئناف العمليات الحربية لو خطر في بال القيادة العراقية رفض القرارِ لذلك سلكت بغداد على النحو الذي طالبوها بهِ اتخذ مجلس قيادة الثورة القرار المناسب وصادق عليه فيما بعد البرلمان العراقي، وأشار رئيسه سعدون حمادي الى أن أعضاء مجلس قيادة الثورة 'وجدوا أن ليس أمامهم خيار آخر ويجب الموافقة عليه بالرغم من أنه غير عادل لغرض إحباط المؤامرة الأميركية الصهيونية'ِ
وفي 6 أبريل أرسل وزير الخارجية العراقي رسالة الى رئيس مجلس الأمن، كانت مسهبة وكرست كلها عمليا لإثبات رداءة القرار 687 من كافة النواحيِ غير أن الجملة الأخيرة الموجزة جدا كانت أهم ما في هذه الرسالة التي جاءت وفق الترتيب التالي للكلمات: 'ليس للعراق خيار إلا قبول هذا القرار'ِ
حلل أعضاء مجلس الأمن هذه الرسالة خلال عدة أيام وتوصلوا في النهاية الى استنتاج بعدم وجود حاجة للدخول في مناقشات خطيرة جراء الانتقادات والعتاب الذي تضمنته والموجه الى مجلس الأمنِ واستحسن رئيس مجلس الأمن بول نوتردام (ممثل بلجيكا) في رسالة جوابية قبول العراق القرار 687 وقدرها كخطوة إيجابية أولى في اتجاه تنفيذه بالكاملِ
وعنت رسالة رئيس مجلس الأمن أن وقف إطلاق النار يعتبر منذ هذه اللحظة نهائياِ وهكذا وضعت اللمسة الأخيرة على النزاع المسلح الذي بدأ باستيلاء العراق على الكويت منذ ثمانية أشهرِ