السبت، 10 مارس 2012

لماذا كان على بوتين أن يفوز؟!


لم يترك الكرملين سببا واحدا يقلقه كي لا يعود زعيمه «الحقيقي» فلاديمير بوتين إليه مجددا، فالتزوير والمخالفات التي تتحدث عنها المعارضة لها أوجه متعددة ومعقدة، أهمها، أن العالم والروس ارتضوا في السنوات الماضية للتعامل مع مدير مكتبه ديميتري مدفيدف أن يكون الرئيس «المحلل»، لكي يعود بوتين إلى الكرملين دستوريا بعد أن أمضى ثماني سنوات، غير قابلة للتمديد. وخلال السنوات الـ12 قام الكرملين بكل شيء من أجل أن يحتفل بهذا اليوم، ولنستعرض أصل القضية وفصلها.
إن منظومة «العائلة» التي بنت نفسها في الكرملين في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين، اختارت فلاديمير بوتين لتمثيلها ودعمته بقوة مالية وسياسية ضخمة، بداية في إضعاف الخصوم الذين بدأوا يتهاوون الواحد تلو الآخر.
منذ البداية، حطموا العرابين الكبيرين : بوريس بيريزوفسكي (هرب إلى جهة مجهولة حتى الآن وربما إسرائيل التي يحمل جنسيتها) وميخائيل خودوركوفسكي، القابع في السجن حتى الآن بتهم أقلها التهرب الضريبي وغيره.
كما أن «عيال» يلتسين كبروا وأهلكهم العوز المادي وفقدوا مصداقيتهم منذ أزمات التسعينات الاقتصادية المذلة، مثل يغور غايدار مهندس الاصلاحات الأول، وغريغوري يفيلينسيكي وبوريس نيمتسوف الباقي وحيدا يغرّد بأموال أميركية، كلما نظـّم الليبراليون احتجاجا برتقاليا. فمن تبقى في وجه بوتين؟
المعارضة المحترفة

لم يتبق غير المعارضين المحترفين، الذين يمتهنون المعارضة ويسكنون البرلمان (الدوما) منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، أمثال رئيس الحزب الشيوعي الروسي غينادي زويوغانوف، والقومي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي.
هذا الثنائي لا يخجل من ترشيح نفسه للمرة الخامسة، كأنهما يشتغلان مرشحين دائمين للرئاسة، الأول في طروحاته اليسارية الأرثوذكسية، والثاني في قوميته السلافية، وبدا أن وجودهما في الدوما لإرضاء تقارير البرلمان الأوروبي ومفوضية الاتحاد الأوروبي ومنظمة «غولس» التي تمولها الولايات المتحدة، وكتكملة للديكور البرلماني.
حملة جائرة
ان منظمة الامن والتعاون في اوروبا شجبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة ووصف الحملة بـ «الجائرة»، واستندت في ذلك، على أن بوتين استغل كل موارد الدولة في حملته، ثانيا، غياب الخيار لدى الناخب الروسي، بسبب- ونعود للسبب القديم- غياب المنافسين.
انه شجب مضحك في حقيقة الأمر، فهذه المنظمة وغيرها لم تقل شيئا في نهاية التسعينات، حينما بلعت «العائلة» وسائل الاعلام ومؤسسات الاتصالات والأندية الرياضية وعالم الليل والتجارة، واستحوذت على المصانع الضخمة وتحكمت بانابيب الغاز وواردات النفط، الذي أدت زيادة أسعاره إلى رخاء نسبي لأهل المدن الكبرى، لاسيما بطرسبورغ وموسكو، علما بأن العاصمة هي التي قادت كل التغييرات السياسية والجماهيرية التي حصلت منذ نهاية الثمانينات.
أين كانت أصوات (غولس: يعني صوت بالروسي) الذين ينتقدون بوتين الآن، فيما تركوا عائلة الكرملين وممثلها ضابط الـ«كي جي بي» السابق يشلـّون معارضيهم ويسقطونهم ماليا وسياسيا وأخلاقيا وفيزيائيا؟
انتهت اللعبة
ان الحملة الانتخابية لفلاديمير بوتين لم تبدأ الأسابيع المنصرمة، بل اندلعت منذ عام 1998 مع انطلاق شرارة الحرب الشيشانية الثالثة، وظهور «أكياس السكر» فجأة في المباني السكنية في موسكو وانفجارها بشكل غامض.
لقد اضطر الروس لاختيار بوتين، لكونه مسّ أهم شيء في حياتهم، وهو الأمن، وحينما بدأ بتكسير المجموعات المسلحة في القوقاز الواحدة تلو الأخرى، ذكـّرهم مجددا بعملية مزعومة لاغتياله، قبل التصويت بعدة أيام، ليلقي الضوء مجددا على «العصابات» التي يقودها في الجبال الشيشانية والجورجية عمر أودوكوف آخر الذئاب الشيشانية المتبقية من الرعيل الثاني لقائد الانفصال جوهر دوداييف.
كم مرّة سخر منهم بوتين، حينما حاولوا تلقينه «الديموقراطية» كما كانوا يفعلون مع يلتسين وشجرة عائلته الليبرالية؟!
ان موقف الدبلوماسية الغربية وبيانات المنظمات التابعة لها (غير مضطر لتكرارها هنا)، تعبر عن تخاذل، في المقام الأول، بمبادئها، على الأقل، التي يتحدثون عنها في كل مناسبة. فهل المشكلة في «المنظومة الديموقراطية» الروسية تكمن حقا في «آلية حساب الأصوات» و«أوجه قصور» و«عيوب بالنظام الانتخابي».. الخ، كما يرددون الآن في أهم العواصم الغربية؟ أم انهم بالفعل يتصورون ان لعبة التسعينات يمكن تكرارها.
نقاشات الحمقى
ان لكل خصم ما يعادله من حمقى، فمثل هذه التصريحات، لابد أن تجد في الكرملين من يرد عليها بالقول «انها أنزه انتخابات حصلت في تاريخ روسيا».
نتيجة منطقية للضحك المتبادل على التاريخ، فإذا كان الحديث عن الأوراق وكاميرات المراقبة الالكترونية، فأي عقيد في الداخلية يمكنه أن يدحض الادعاء بالخروقات. بل ان رئيس اللجنة المركزية للانتخابات فلاديمير تشوروف رد عليهم واتهمهم بالتجسس على منشآت عسكرية روسية، ان المراقبين «تعتريهم رغبة في التسلل إلى مخافر الحدود والمراكز النووية المغلقة ومراكز الصواريخ ».
هذه روسيا لمن لا يعرفها، انك تتحدث عن خروقات في الانتخابات، يلصقون بك تهمة كبيرة كهذه، وبالنتيجة، ستنسى مهمتك الأصلية وستسعى لأن تنفذ بجلدك.
ان الذي يحصل على %99 من الأصوات في الشيشان التي أحرقها، على الغرب أن يقدم له التهنئة بنسبة %99 .
والحديث لا يجري عن التهنئات التي وصلت إلى بوتين حتى قبل الانتهاء من فرز الأصوات من الحلفاء التقليديين في بكين ودمشق وبيونغ يانغ ونيودلهي وغيرها، بل ستلحقها برلين وباريس ولندن ومن ورائهم واشنطن وكل الذين يعبرون عن «قلقهم» أو «يراقبون» الوضع الآن.
داخليا، ستغطي اسعار النفط العالية على عيوب الميزانية، والروس سيسكتون، طالما يتسلمون مرتباتهم، وفي ما يتعلق بشعارات المعارضة المعتادة في كل زمان ومكان عن الفساد، فبوتين وصل إلى ما هو عليه بفضل الطغمة المالية المسيطرة على مقدرات البلاد، وليس بمستطاعه شن حملة عليهم، طالما يدعمون سلطته تأدية للواجب البراغماتي، لاسيما أن من يتهمون بالفساد، من أقرب حلفائه، الذين كرسوا كل طاقاتهم وإمكاناتهم من أجل أن يفوز.
الكرملين سيبقى
لا شيء يهزّ الكرملين في المستقبل المنظور، وبالتالي العالم سيتعامل مع من يتزعمه، وإن لم يشأ فسيضطر لذلك، لأن عليهم أن يدركوا أن زعماء الكرملين يخرجون منه في حالة واحدة: محمولون إلى المقبرة!
ستبقى الاتفاقيات الكبرى مع الناتو والولايات المتحدة، وسيبقى الحلفاء والأعداء كل في خندقه، بانتظار الانتخابات القادمة التي ستمنح بوتين أربع سنوات جديدة.