ما حدث ، سيأتي !!
رغما عن اللحظات التي تجد فيها الرجال الجدد يواجهون ملح البارود والمسلحون بالسكاكين والسيوف الذين يبتزون الخلق والعربات التي تحمل المخلوقات الدنيئة التي لا تحمل غير النوايا الشريرة في خطف فتاة أو أطفال ينعمون بكتاب جديد وتلك الصواريخ غير المرئية التي تبحث عنهم فقط والسيارات المفخخة التي تشتهي الدوي ما أن تراهم ، هم الرجال الأكفاء بالوطن ، يصارعون النهار بالليل والليل بالفجر ، فما كانوا أمواتا ، بل أحياء عند شعبهم الذي انبثقت أولى ضحكاته ما أن رآهم في بزاتهم الصيفية الأولى، غائصين في ولع العاصمة المضطربة جدا بالفوضى ، يمسك بسواعدهم حرفان منقذان في الإنكليزية تقرأ IP وتترجم بكل ظمأ البحث عن الأمان : الشرطة العراقية.
مطاردة
اصطحبتنا سيارة نجدة لتتجول بنا ليوم كامل في كل أنحاء بغداد ، مراكز الشرطة والسجون والمحاكم والدوريات والسيطرات المختلفة. صورنا محاولة سلب سيارة من صاحبها ومساعدة الناس له بالتعاون مع رجال الشرطة ، طاردنا لصوص سرقوا سيارة وأطلقوا الرصاص على سيارة الشرطة ومن ثم انقلبت بهم السيارة التي سرقوها ، رأينا كيف يداهم الشرطة أوكار مجرمين ومزورين وتجار بمواد غير شرعية ونقاط لممارسة البغاء وشواذ وكل صنوف الجريمة.
كان سائق النجدة ملازم أول شرطة ، يتحدث بلا توقف عن أنواع غريبة لجرائم تحصل في العراق لأول مرة وجرائم تعود عليها الناس وهذه من أبشع الحالات عندما يتعود المجتمع التحدث عن الجرائم.
هي معايشة ضرورية لافتتاح أهم القضايا المطروحة على ساحة الملعب السياسي العراقي ، نخوض فيها لاجتياز أصل المسألة.
هي التي لم يخل حديث لمسؤول من الهند والسند وجزر الكوريل والبيوت البيضاء والوردية والفاتيكان وقم ، إلا وتطرق إليها. ولم يعقد اجتماع في الأمم المتحدة أو في السي آي إيه أو الكي جي بي أو الجامعة العربية ، إلا وكانت الشرطة العراقية واحدة من بنوده الرئيسية.
كل الدول التي تنوي مساعدة العراق وأدرجت أسمها ضمن ما يعرف بالمانحة ، أبدت استعدادها لتدريب الشرطة ، قبل المعلمين والصحافيين والنجارين.
شرطة لا تحمل اللامبالاة تجاه هموم البلد ولا تدفن الناس في القبور الجماعية باستعارة التعبير من المرحومة عقيلة الهاشمي.
ومن يصدق أن مدربين سنغافوريين أشرفوا على تدريب أول 125 شرطي عراقي ظهروا في شوارع بغداد ، والأردن تطالب بتدريبهم ومصر وبلجيكا وغيرهم وبطبيعة الحال بريطانيا والولايات المتحدة.
سيكون الشرطي العراقي ، لو صدقوا في وعودهم ، خريج أكاديميات الشرطة الأوربية والآسيوية والأفريقية وكل من استطاع إليهم سبيلا. ولا يوجد حل للسؤال : هل كانت الصدفة وحدها وراء بزوغ أول فصائل الشرطة العراقية من مقر كلية الشرطة في الرصافة ؟
لقد تحولت كلية الشرطة وما زالت الى أكبر خلية إعادة إحياء رجال الأمن العراقيين ولولاها لما حصل القائمون على هذا القطاع ، على بناية واحدة سالمة من مؤسسات الداخلية العراقية.
لعله الحظ ، أو الصدفة المخططة التي أبقت هيكل كلية الشرطة على ما هي عليه ، فمجاورتها لمجمعات وزارة النفط وملعب الشعب وباقي المؤسسات التي حرصت القوات الأمريكية على حمايتها في الساعات الأولى لاقتحامها بغداد ، وحده ، ربما الحظ الحسن.
فلم يصل الى كلية الشرطة في الأيام الأولى من سقوط النظام سوى نفر قليل من رجال شرطة سابقين كان النظام قد فصلهم بعد أن حبسهم كما ينبغي ، لأسباب مختلفة منها كونهم أقرباء لمناضلين أو تفوهوا بكلمة لم ترض زملائهم الذين كتبوا تقارير عنهم أو أية حجة أخرى.
الدور الذي تلعبه الشرطة العراقية في مواجهة التحديات التي تواجهها البلاد ، ومن الواضح أن من لا يريد الاستقرار يعمها ، لا يريد لرجال الشرطة الأمان ولا يمنحهم فرصة العمل لخدمة وطنهم. والدليل على ذلك ، يعتبر الشرطة في مقدمة الناس الذين تستهدفهم العمليات والهجمات ، وقال لنا مقدم في مركز شرطة الشعب ، بأن حالهم أفضل طالما كانوا في مباني محمية ، من أولئك الذين يمارسون عملهم في العراء وفي الشوارع وبين الناس.
والقطاع الوحيد في العراق الذي يعمل على مدار الساعة هم الشرطة.
فإلى جانب السيطرات المنتشرة في بغداد ، هناك 200 سيارة للدورية تستخدمها شرطة العاصمة ومثلها لشرطة النجدة ( لا يزال شرطة النجدة منفصلون وظيفيا عن الشرطة التقليديين ).
لقد كان ضمن أسباب تفشي الجريمة في العراق ، مبادرة صدام بإطلاق سراح 130 – 150 ألف مجرم محترف والذين وجدوا العراق المنفلت ساحة ثرية لممارسة مهنتهم وكانوا وراء الكثير من الحوادث والعمليات التي عرقلت وما زالت تعرقل عملية التغيير في البلد.
وإلى جانب هذا العدد الهائل من المجرمين ، فقد تحول هؤلاء الى نواة لتشكيل عصابات محترفة للجريمة وانضم تحت قيادتهم عناصر مختلفة ، ساعدهم في ذلك تفشي البطالة وسهولة ارتكاب الجريمة بسبب غياب مظاهر السلطة وغيرها من العوامل.
لذلك ، فأن من أولويات وزارة الداخلية هي ما يسمونها مجازا " خطط العودة " ؛ أي إرجاع المجرمين الى مكانهم الطبيعي في السجن.
وتشير معطيات الداخلية أن حوالي 50 – 70 % من هؤلاء تم القبض عليهم في المحافظات ، غير أن الأمر لم يكن بالصورة المتفائلة في بغداد ، لأنها كبيرة جدا قياسا للعدد المحدود للشرطة وعدم تعاون الأهالي مع السلطات ، أما بسبب سلبية الناس أو خشيتهم وخوفهم من انتقام المجرمين في حالة الإخبار عنهم وإطلاق سراحهم لأسباب ديمقراطية أو لأن أهالي المجرمين وعشائرهم تتستر عليهم لأسباب القرابة وغيرها.
ويمارس هؤلاء ومن في معيتهم من شبان اتخذوا مسلك الجريمة طريقا لهم كل العمليات غير الشرعية من سطو مسلح وسرقة بيوت وخطف أطفال وفتيات وحتى رجال والاتجار بالسلاح وسرقة وتهريب المعدات والأسلاك والأبراج الكهربائية والمواشي والابتزاز والنشل وسرقة السيارات وتجارة المخدرات وتزوير النقود وغيرها من مهن اعتادوا على ممارستها ، ناهيك عن عمليات التخريب التي يريدوا من تفشيها زعزعة الاستقرار وإشاعة جو من الفوضى لكي يلهوا العناصر الأمنية بها ليتفرغوا لتنفيذ جرائمهم الأصل كتدمير مولدات الكهرباء لاستغلال الظلام في تنفيذ عملياتهم.
وحالة الطوارئ التي عاشها العراق ، دفعت الى تشكيل قوات طوارئ ، ويمكن إطلاق هذه التسمية على كل منتسبي قوات الداخلية. فهناك قوات طوارئ لمكافحة الإرهاب وفصائل الشرطة الراجلة والسيــّـارة تمنع عمليات الاختطاف والسلب والنهب والسطو المسلح وسرقة السيارات ، وليس هذا فحسب ، بل استطاعت هذه الفرق من إعادة الكثير من المخطوفين والممتلكات الشخصية للناس وخاصة السيارات واعتقلت مئات من المجرمين.
ولابد من الإشارة الى أن هذه الفرق لم تكمل سوى دورات تدريب سريعة جدا ، دفعت الحالة التي تمر بها البلاد الى أن تكون مدة الدورة ثلاثة أيام فقط ، ليجد فيها المنتسب الجديد نفسه وجها لوجه أمام مجرمين عتاة ليتعلم عمليا في أكاديمية الشارع الوطنية واحترام الواجب وحماية المواطنين الذين ولأول مرة ينظرون الى الشرطي ويتعاملون معه بكل حب وتقدير إدراكهم بأنه يقوم بعمل وطني لا ينافسه عليه أحد في البلاد.
وبالرغم من الجهود الوطنية الكبيرة التي لا يرقى إليها الشك التي يقوم بها أفراد الشرطة العراقية ، إلا أنهم لم يسلموا من روتين الدولة العراقية ، فقد قابلنا الكثير من الشبان الذين يلبسون " نصف شرطي ونصف مدني " وينتشرون في مراكز الشرطة المختلفة وقالوا لنا بأنهم منذ التحاقهم أو تطوعهم في سلك الشرطة وبالرغم من كل العمليات الناجحة وحتى " استشهاد " بعضهم ، لم يستلموا رواتبهم بعد.
وكان الجواب معدا ، لدى مأمور مركز الحارثية وهو أن هؤلاء لم يحصلوا بعد على موافقة مديرية شرطة بغداد ولم تتم بناء على ذلك إضافتهم للملاك ، وعليه ، فلم تضاف أسمائهم الى قائمة الرواتب.
يمكن هضم هذا الكلام قبل تشكيل الحكومة وإعادة افتتاح وزارة الداخلية ، ولكن الحكومة شكلت منذ فترة ووزعت الواجبات والهيئات وتكلموا كثيرا عن سلالم الرواتب في الصحف والمؤتمرات الصحافية ، وآخرها سأل رئيس الدورة الماضية لمجلس الحكم جلال الطالباني عن سبب عدم صرف الرواتب لمنتسبي الشرطة ، وبعلم أو بدون علم ، نفى الأمر وعير الشرطة بأنهم يستلمون أكثر من السابق رواتب.
غير أن مشكلة المتطوعين الذين سقط الكثير منهم صرعى جهادهم ونضالهم ضد المجرمين دون أن يستلموا دينارا واحدا ، لا يمكن تغافلها أو نفيها ، فهؤلاء بالمئات ، ولعلهم أكثر ، وانخرطوا في هذا الواجب في أوقات جدا عصيبة مرت بها البلاد ولا ينبغي أن يكون جزائهم بالشكل الذي سمعناه من أحد مدراء مراكز الشرطة : الذي لا يعجبه فليجلس في بيته !
وثمة النقص الكبير الذي تعاني منه مراكز الشرطة ، سواء التجهيزات والملابس والسلاح وكل شيء وفهمنا أنهم ينتظرون الدعم.
لكن هناك مراكز شرطة تشرف على مناطق حيوية في العاصمة العراقية لا يوجد فيها لا سلاح ولا حتى " كلبشات " حيث يوثقون المتهمين والمجرمين أحيانا بالحبال العادية ، ناهيك عن أجهزة الفحص والتفتيش الحديثة.
ولا يوجد في مراكز الشرطة علبة إسعاف واحدة ، فلو أصيب أحد الشرطة أو المواطنين بخدش بسيط لا يستطيع الشرطة إسعافه كما جرت عليه العادة في مثل هذه المواقف ، فكيف بوضع طوارئ استثنائي تحصل فيه مواجهات مسلحة يومية بين رجال الشرطة والمجرمين وكذلك تعرض كل مراكز الشرطة لهجمات مختلفة.
ونقص التجهيزات أدى الى فشل الكثير من العمليات وإلى هروب الكثير من المجرمين حتى بعد إلقاء القبض عليهم. ويروي لنا أحد ضباط الشرطة بأن عصابة ألقي القبض عليها تمكنت من الهرب بعد مساعدة قدمتها لهم سيارة مدنية دخلت بأكملها في مركز الشرطة وحررتهم وهربت بهم ، ولم يستطع أحد إيقافها ، فلا سيارة لدى الشرطة لتعقبهم ولا سلاح لديهم لإيقافهم !!
كان الشرطة في زمن النظام البائد يعانون من المحسوبين على النظام وعلى الأستاذ الفلاني والرفيق العلاني والذين كانوا يعيثون بالقوانين وبالشرطة فسادا ، أما الآن ، فظاهرة انتشار الأحزاب ومسلحيها وأمنها وأصحابها ومراكز نفوذها ، تنذر بإعادة ظاهرة " الأقوياء " على القانون وعلى الشرطة.
فسيارات الأحزاب الضخمة تعمل حوادث السير مع المواطنين العاديين ولا تتوقف وتدهس الخلق وتخالف أبسط قواعد المرور وعندما يهم رجل المرور بإيقافهم عند حدهم ، أما يشهرون السلاح بوجهه أو في أحسن الأحوال يصرخون بوجهه : أخرتنا عن اجتماع في القصر !!
يدخل هؤلاء دوائر الدولة والوزارات ومراكز الشرطة بأسلحتهم الظاهرة مثل الكاوبوي ولا يستطيع رجال الشرطة المسؤولين عن حماية هذه المواقع من إيقافهم ، ولو حاولوا يتعرضون لإهانات مبرمجة. ويقع الشرطي البسيط في حالة صعبة فهو لا يستطيع منعهم ولا يستطيع في الوقت نفسه السماح لهم بالدخول بأسلحتهم ، فمن يدريه بأن هؤلاء مناضلين ومكافحين من أجل الحرية أو أزلام نظام يريدون تنفيذ عملية داخل هذه المؤسسة أو تلك.
وإلى جانب قوات الشرطة العراقية IP هناك قوة حماية المؤسسات الحيوية FPS الواقعة في ساحة الفردوس مركز بغداد وقد اتخذت من بيت قديم مقرا لها ، لم يطوروه أكثر من طلائه مجددا ونشر أثاث ضروري في زواياه.
وهذه القوة كانت تسمى أوقات النظام السابق " مديرية الحراسات الخاصة " وكانت تضم نحو 7500 شخص أغلبهم ضابط. وبعد إعادة تأهيل الداخلية التحق قسم كبير من هذه المديرية الى القوة الجديدة التي أطلق عليها الاسم المذكور إلى جانب المتطوعين الجدد وبعد إكمالهم دورة الثلاثة أيام شكلوا قوة وزعت لسبع أقسام أوكل إليها حماية المؤسسات الحيوية كالوزارات والبنوك والمتاحف والسفارات والمطارات والبدالات والمخازن والمصافي ومحطات توليد الكهرباء والجسور وغيرها من المنشآت الهامة.
تجدر الإشارة الى أن قوات التحالف أولت هذه القوة اهتماما استثنائيا لأنها كانت تحمي هذه المؤسسات بنفسها بعد دخولها الى بغداد وبقت على هذا الحال لفترة طويلة.
ولكن اشتداد الهجمات على قوات التحالف ، جعل المسؤولين عنها يفكرون باستبدالها بقوة عراقية ، ومن هنا نشأ الاهتمام بقوة حماية المؤسسات الحيوية التي شغلت مواقع قوات التحالف بشكل تدريجي وبعد أن تم تجهيزها بما تحتاجه لحماية مؤسسات هامة من هجمات جدية.
وتخشى قوات التحالف التي انسحبت من الكثير من المؤسسات الحيوية من حصول ثغرات في عمل القوة العراقية ، لا سيما خوفهم من دخول وانضواء عناصر من النظام السابق بها ، وهي بالأساس شكلت من مديرية الحراسات الخاصة التي كانت تقبل البعثيين من المناطق التي يرضى عنها النظام. هذا الأمر أدى الى تواجد جزء من قوات التحالف معهم في المواقع الحساسة جدا.
ولكي يسيطر القانون ، لا يكفي جهاز الشرطة لوحده ، وينبغي أن تدعمه هياكل قضائية متكاملة.
وعلى هذا الصعيد ، أعيد تشكيل القضاء العراقي كأول خطوة لإعادة الاحترام للقانون. ولكن القضاة وجدوا أنفسهم بعد فترة وجيزة من ممارسة أعمالهم بين فكوك مختلفة ، لا يستطيع أحد تخليصهم منها.
وكأفلام بوليسية ، تهاجم العصابات قاعات المحاكم لتخليص أفرادها مباشرة وهم في قفص الاتهام. وتكررت حالات تهديد القضاة وابتزازهم ومنعهم جسديا من إصدار أحكام بحق المجرمين.
وتعرض بعض القضاة الى الاغتيال ما أن أصدروا أحكاما بحق مجرمين خفيفين من أعضاء البعث ممن لم تشأ قوات التحالف انتظار محاكمة مجرمي الحرب المنتظرة لتقديمهم إليها.
وتتواصل الاعتداءات على القضاة وبيوتهم وأقاربهم حتى كتابة هذه السطور ، ولا تستطيع السلطات المعنية توفير الحد الأدنى لحمايتهم ، فلا توجد لدى السلطة القضائية مؤسسات حماية خاصة بهم فيما للساسة فيالق كاملة تتكفل حمايتهم.
لم يعطنا أحد رقما محددا بعدد الشرطة العراقية الموجودين في الخدمة الآن. ولعله أصاب في ذلك ، فمن الصعب ذكر أرقام محددة في مثل الحالات التي تطرقنا إليها.
أولا ، توجد أكثر من قوة للشرطة منها ما يسمونها الشرطة العراقية فحسب وهناك شرطة الحدود وثمة قوة حماية المؤسسات الحيوية زد عليها قوات الأمن التابعة للأحزاب والمنظمات والحركات وأغلبها مجاز من قبل سلطات التحالف وغيرها من المسلحين من ميليشيات أحزاب معروفة.
ثانيا ، ثمة المتطوعين الذين لم يدرجوا ضمن ملاك الداخلية بعد ، تبعا لاعتبارات بيروقراطية خاصة بالسلم الوظيفي والتعيينات الجديدة وفتح درجات شاغرة وغيرها من تعقيدات تخص ميزانية الوزارات العراقية المشكلة حديثا والتي تنتظر كلها العام القادم لترتيب أوضاعها.
عدد الشرطة ، أقل بكثير من عدد المجرمين والقتلة واللصوص ومخالفو قواعد المرور والنصابين والمحتالين والمزورين وتجار المخدرات والسلاح ومبتزي المواطنين والفاسدين ومستغلو أوضاعهم ومناصبهم والمرتشين وطلاب الفدية وتجار الرق والمتمشين مع المسؤولون الجدد وحاشيات السياسيين واللاطمين في كل عزاء وكل من يخالف دستور وقوانين العراق الجديد.
لكن الذي حدث لم يكن سهلا على الإطلاق وما حدث سيأتي ، فما زال هناك في العراق من يرمي عقب سيجارة ليشعل غابة والحشرات البشرية لا يزالون يمتصون من دماء الوطن وتجثم على صدر العراق قوى لا تريد له أن يتقدم خطوة.
ما حدث ، سيأتي ولا مراقب يتجرأ بالتنبؤ بعواقبه وبنتائجه وحتى بشكله.
وسيكتب على رجال الشرطة العراقية ، الآن وغدا ، خنق الجريمة ومداواة جراح زملائهم وتضميد كدمات البلاد ، ولا نبالغ إذ نقول ، بأنهم في يوم قائظ من مايو 2003 ، كان لظهورهم الأول في ساحات بغداد ، لون وطعم ورائحة تشبه تلك التي تصاحب عودة الروح الى الجسد.
لقد أعاد هؤلاء العراق الى جسده.
رغما عن اللحظات التي تجد فيها الرجال الجدد يواجهون ملح البارود والمسلحون بالسكاكين والسيوف الذين يبتزون الخلق والعربات التي تحمل المخلوقات الدنيئة التي لا تحمل غير النوايا الشريرة في خطف فتاة أو أطفال ينعمون بكتاب جديد وتلك الصواريخ غير المرئية التي تبحث عنهم فقط والسيارات المفخخة التي تشتهي الدوي ما أن تراهم ، هم الرجال الأكفاء بالوطن ، يصارعون النهار بالليل والليل بالفجر ، فما كانوا أمواتا ، بل أحياء عند شعبهم الذي انبثقت أولى ضحكاته ما أن رآهم في بزاتهم الصيفية الأولى، غائصين في ولع العاصمة المضطربة جدا بالفوضى ، يمسك بسواعدهم حرفان منقذان في الإنكليزية تقرأ IP وتترجم بكل ظمأ البحث عن الأمان : الشرطة العراقية.
مطاردة
اصطحبتنا سيارة نجدة لتتجول بنا ليوم كامل في كل أنحاء بغداد ، مراكز الشرطة والسجون والمحاكم والدوريات والسيطرات المختلفة. صورنا محاولة سلب سيارة من صاحبها ومساعدة الناس له بالتعاون مع رجال الشرطة ، طاردنا لصوص سرقوا سيارة وأطلقوا الرصاص على سيارة الشرطة ومن ثم انقلبت بهم السيارة التي سرقوها ، رأينا كيف يداهم الشرطة أوكار مجرمين ومزورين وتجار بمواد غير شرعية ونقاط لممارسة البغاء وشواذ وكل صنوف الجريمة.
كان سائق النجدة ملازم أول شرطة ، يتحدث بلا توقف عن أنواع غريبة لجرائم تحصل في العراق لأول مرة وجرائم تعود عليها الناس وهذه من أبشع الحالات عندما يتعود المجتمع التحدث عن الجرائم.
هي معايشة ضرورية لافتتاح أهم القضايا المطروحة على ساحة الملعب السياسي العراقي ، نخوض فيها لاجتياز أصل المسألة.
هي التي لم يخل حديث لمسؤول من الهند والسند وجزر الكوريل والبيوت البيضاء والوردية والفاتيكان وقم ، إلا وتطرق إليها. ولم يعقد اجتماع في الأمم المتحدة أو في السي آي إيه أو الكي جي بي أو الجامعة العربية ، إلا وكانت الشرطة العراقية واحدة من بنوده الرئيسية.
كل الدول التي تنوي مساعدة العراق وأدرجت أسمها ضمن ما يعرف بالمانحة ، أبدت استعدادها لتدريب الشرطة ، قبل المعلمين والصحافيين والنجارين.
شرطة لا تحمل اللامبالاة تجاه هموم البلد ولا تدفن الناس في القبور الجماعية باستعارة التعبير من المرحومة عقيلة الهاشمي.
ومن يصدق أن مدربين سنغافوريين أشرفوا على تدريب أول 125 شرطي عراقي ظهروا في شوارع بغداد ، والأردن تطالب بتدريبهم ومصر وبلجيكا وغيرهم وبطبيعة الحال بريطانيا والولايات المتحدة.
سيكون الشرطي العراقي ، لو صدقوا في وعودهم ، خريج أكاديميات الشرطة الأوربية والآسيوية والأفريقية وكل من استطاع إليهم سبيلا. ولا يوجد حل للسؤال : هل كانت الصدفة وحدها وراء بزوغ أول فصائل الشرطة العراقية من مقر كلية الشرطة في الرصافة ؟
لقد تحولت كلية الشرطة وما زالت الى أكبر خلية إعادة إحياء رجال الأمن العراقيين ولولاها لما حصل القائمون على هذا القطاع ، على بناية واحدة سالمة من مؤسسات الداخلية العراقية.
لعله الحظ ، أو الصدفة المخططة التي أبقت هيكل كلية الشرطة على ما هي عليه ، فمجاورتها لمجمعات وزارة النفط وملعب الشعب وباقي المؤسسات التي حرصت القوات الأمريكية على حمايتها في الساعات الأولى لاقتحامها بغداد ، وحده ، ربما الحظ الحسن.
فلم يصل الى كلية الشرطة في الأيام الأولى من سقوط النظام سوى نفر قليل من رجال شرطة سابقين كان النظام قد فصلهم بعد أن حبسهم كما ينبغي ، لأسباب مختلفة منها كونهم أقرباء لمناضلين أو تفوهوا بكلمة لم ترض زملائهم الذين كتبوا تقارير عنهم أو أية حجة أخرى.
الدور الذي تلعبه الشرطة العراقية في مواجهة التحديات التي تواجهها البلاد ، ومن الواضح أن من لا يريد الاستقرار يعمها ، لا يريد لرجال الشرطة الأمان ولا يمنحهم فرصة العمل لخدمة وطنهم. والدليل على ذلك ، يعتبر الشرطة في مقدمة الناس الذين تستهدفهم العمليات والهجمات ، وقال لنا مقدم في مركز شرطة الشعب ، بأن حالهم أفضل طالما كانوا في مباني محمية ، من أولئك الذين يمارسون عملهم في العراء وفي الشوارع وبين الناس.
والقطاع الوحيد في العراق الذي يعمل على مدار الساعة هم الشرطة.
فإلى جانب السيطرات المنتشرة في بغداد ، هناك 200 سيارة للدورية تستخدمها شرطة العاصمة ومثلها لشرطة النجدة ( لا يزال شرطة النجدة منفصلون وظيفيا عن الشرطة التقليديين ).
لقد كان ضمن أسباب تفشي الجريمة في العراق ، مبادرة صدام بإطلاق سراح 130 – 150 ألف مجرم محترف والذين وجدوا العراق المنفلت ساحة ثرية لممارسة مهنتهم وكانوا وراء الكثير من الحوادث والعمليات التي عرقلت وما زالت تعرقل عملية التغيير في البلد.
وإلى جانب هذا العدد الهائل من المجرمين ، فقد تحول هؤلاء الى نواة لتشكيل عصابات محترفة للجريمة وانضم تحت قيادتهم عناصر مختلفة ، ساعدهم في ذلك تفشي البطالة وسهولة ارتكاب الجريمة بسبب غياب مظاهر السلطة وغيرها من العوامل.
لذلك ، فأن من أولويات وزارة الداخلية هي ما يسمونها مجازا " خطط العودة " ؛ أي إرجاع المجرمين الى مكانهم الطبيعي في السجن.
وتشير معطيات الداخلية أن حوالي 50 – 70 % من هؤلاء تم القبض عليهم في المحافظات ، غير أن الأمر لم يكن بالصورة المتفائلة في بغداد ، لأنها كبيرة جدا قياسا للعدد المحدود للشرطة وعدم تعاون الأهالي مع السلطات ، أما بسبب سلبية الناس أو خشيتهم وخوفهم من انتقام المجرمين في حالة الإخبار عنهم وإطلاق سراحهم لأسباب ديمقراطية أو لأن أهالي المجرمين وعشائرهم تتستر عليهم لأسباب القرابة وغيرها.
ويمارس هؤلاء ومن في معيتهم من شبان اتخذوا مسلك الجريمة طريقا لهم كل العمليات غير الشرعية من سطو مسلح وسرقة بيوت وخطف أطفال وفتيات وحتى رجال والاتجار بالسلاح وسرقة وتهريب المعدات والأسلاك والأبراج الكهربائية والمواشي والابتزاز والنشل وسرقة السيارات وتجارة المخدرات وتزوير النقود وغيرها من مهن اعتادوا على ممارستها ، ناهيك عن عمليات التخريب التي يريدوا من تفشيها زعزعة الاستقرار وإشاعة جو من الفوضى لكي يلهوا العناصر الأمنية بها ليتفرغوا لتنفيذ جرائمهم الأصل كتدمير مولدات الكهرباء لاستغلال الظلام في تنفيذ عملياتهم.
وحالة الطوارئ التي عاشها العراق ، دفعت الى تشكيل قوات طوارئ ، ويمكن إطلاق هذه التسمية على كل منتسبي قوات الداخلية. فهناك قوات طوارئ لمكافحة الإرهاب وفصائل الشرطة الراجلة والسيــّـارة تمنع عمليات الاختطاف والسلب والنهب والسطو المسلح وسرقة السيارات ، وليس هذا فحسب ، بل استطاعت هذه الفرق من إعادة الكثير من المخطوفين والممتلكات الشخصية للناس وخاصة السيارات واعتقلت مئات من المجرمين.
ولابد من الإشارة الى أن هذه الفرق لم تكمل سوى دورات تدريب سريعة جدا ، دفعت الحالة التي تمر بها البلاد الى أن تكون مدة الدورة ثلاثة أيام فقط ، ليجد فيها المنتسب الجديد نفسه وجها لوجه أمام مجرمين عتاة ليتعلم عمليا في أكاديمية الشارع الوطنية واحترام الواجب وحماية المواطنين الذين ولأول مرة ينظرون الى الشرطي ويتعاملون معه بكل حب وتقدير إدراكهم بأنه يقوم بعمل وطني لا ينافسه عليه أحد في البلاد.
وبالرغم من الجهود الوطنية الكبيرة التي لا يرقى إليها الشك التي يقوم بها أفراد الشرطة العراقية ، إلا أنهم لم يسلموا من روتين الدولة العراقية ، فقد قابلنا الكثير من الشبان الذين يلبسون " نصف شرطي ونصف مدني " وينتشرون في مراكز الشرطة المختلفة وقالوا لنا بأنهم منذ التحاقهم أو تطوعهم في سلك الشرطة وبالرغم من كل العمليات الناجحة وحتى " استشهاد " بعضهم ، لم يستلموا رواتبهم بعد.
وكان الجواب معدا ، لدى مأمور مركز الحارثية وهو أن هؤلاء لم يحصلوا بعد على موافقة مديرية شرطة بغداد ولم تتم بناء على ذلك إضافتهم للملاك ، وعليه ، فلم تضاف أسمائهم الى قائمة الرواتب.
يمكن هضم هذا الكلام قبل تشكيل الحكومة وإعادة افتتاح وزارة الداخلية ، ولكن الحكومة شكلت منذ فترة ووزعت الواجبات والهيئات وتكلموا كثيرا عن سلالم الرواتب في الصحف والمؤتمرات الصحافية ، وآخرها سأل رئيس الدورة الماضية لمجلس الحكم جلال الطالباني عن سبب عدم صرف الرواتب لمنتسبي الشرطة ، وبعلم أو بدون علم ، نفى الأمر وعير الشرطة بأنهم يستلمون أكثر من السابق رواتب.
غير أن مشكلة المتطوعين الذين سقط الكثير منهم صرعى جهادهم ونضالهم ضد المجرمين دون أن يستلموا دينارا واحدا ، لا يمكن تغافلها أو نفيها ، فهؤلاء بالمئات ، ولعلهم أكثر ، وانخرطوا في هذا الواجب في أوقات جدا عصيبة مرت بها البلاد ولا ينبغي أن يكون جزائهم بالشكل الذي سمعناه من أحد مدراء مراكز الشرطة : الذي لا يعجبه فليجلس في بيته !
وثمة النقص الكبير الذي تعاني منه مراكز الشرطة ، سواء التجهيزات والملابس والسلاح وكل شيء وفهمنا أنهم ينتظرون الدعم.
لكن هناك مراكز شرطة تشرف على مناطق حيوية في العاصمة العراقية لا يوجد فيها لا سلاح ولا حتى " كلبشات " حيث يوثقون المتهمين والمجرمين أحيانا بالحبال العادية ، ناهيك عن أجهزة الفحص والتفتيش الحديثة.
ولا يوجد في مراكز الشرطة علبة إسعاف واحدة ، فلو أصيب أحد الشرطة أو المواطنين بخدش بسيط لا يستطيع الشرطة إسعافه كما جرت عليه العادة في مثل هذه المواقف ، فكيف بوضع طوارئ استثنائي تحصل فيه مواجهات مسلحة يومية بين رجال الشرطة والمجرمين وكذلك تعرض كل مراكز الشرطة لهجمات مختلفة.
ونقص التجهيزات أدى الى فشل الكثير من العمليات وإلى هروب الكثير من المجرمين حتى بعد إلقاء القبض عليهم. ويروي لنا أحد ضباط الشرطة بأن عصابة ألقي القبض عليها تمكنت من الهرب بعد مساعدة قدمتها لهم سيارة مدنية دخلت بأكملها في مركز الشرطة وحررتهم وهربت بهم ، ولم يستطع أحد إيقافها ، فلا سيارة لدى الشرطة لتعقبهم ولا سلاح لديهم لإيقافهم !!
كان الشرطة في زمن النظام البائد يعانون من المحسوبين على النظام وعلى الأستاذ الفلاني والرفيق العلاني والذين كانوا يعيثون بالقوانين وبالشرطة فسادا ، أما الآن ، فظاهرة انتشار الأحزاب ومسلحيها وأمنها وأصحابها ومراكز نفوذها ، تنذر بإعادة ظاهرة " الأقوياء " على القانون وعلى الشرطة.
فسيارات الأحزاب الضخمة تعمل حوادث السير مع المواطنين العاديين ولا تتوقف وتدهس الخلق وتخالف أبسط قواعد المرور وعندما يهم رجل المرور بإيقافهم عند حدهم ، أما يشهرون السلاح بوجهه أو في أحسن الأحوال يصرخون بوجهه : أخرتنا عن اجتماع في القصر !!
يدخل هؤلاء دوائر الدولة والوزارات ومراكز الشرطة بأسلحتهم الظاهرة مثل الكاوبوي ولا يستطيع رجال الشرطة المسؤولين عن حماية هذه المواقع من إيقافهم ، ولو حاولوا يتعرضون لإهانات مبرمجة. ويقع الشرطي البسيط في حالة صعبة فهو لا يستطيع منعهم ولا يستطيع في الوقت نفسه السماح لهم بالدخول بأسلحتهم ، فمن يدريه بأن هؤلاء مناضلين ومكافحين من أجل الحرية أو أزلام نظام يريدون تنفيذ عملية داخل هذه المؤسسة أو تلك.
وإلى جانب قوات الشرطة العراقية IP هناك قوة حماية المؤسسات الحيوية FPS الواقعة في ساحة الفردوس مركز بغداد وقد اتخذت من بيت قديم مقرا لها ، لم يطوروه أكثر من طلائه مجددا ونشر أثاث ضروري في زواياه.
وهذه القوة كانت تسمى أوقات النظام السابق " مديرية الحراسات الخاصة " وكانت تضم نحو 7500 شخص أغلبهم ضابط. وبعد إعادة تأهيل الداخلية التحق قسم كبير من هذه المديرية الى القوة الجديدة التي أطلق عليها الاسم المذكور إلى جانب المتطوعين الجدد وبعد إكمالهم دورة الثلاثة أيام شكلوا قوة وزعت لسبع أقسام أوكل إليها حماية المؤسسات الحيوية كالوزارات والبنوك والمتاحف والسفارات والمطارات والبدالات والمخازن والمصافي ومحطات توليد الكهرباء والجسور وغيرها من المنشآت الهامة.
تجدر الإشارة الى أن قوات التحالف أولت هذه القوة اهتماما استثنائيا لأنها كانت تحمي هذه المؤسسات بنفسها بعد دخولها الى بغداد وبقت على هذا الحال لفترة طويلة.
ولكن اشتداد الهجمات على قوات التحالف ، جعل المسؤولين عنها يفكرون باستبدالها بقوة عراقية ، ومن هنا نشأ الاهتمام بقوة حماية المؤسسات الحيوية التي شغلت مواقع قوات التحالف بشكل تدريجي وبعد أن تم تجهيزها بما تحتاجه لحماية مؤسسات هامة من هجمات جدية.
وتخشى قوات التحالف التي انسحبت من الكثير من المؤسسات الحيوية من حصول ثغرات في عمل القوة العراقية ، لا سيما خوفهم من دخول وانضواء عناصر من النظام السابق بها ، وهي بالأساس شكلت من مديرية الحراسات الخاصة التي كانت تقبل البعثيين من المناطق التي يرضى عنها النظام. هذا الأمر أدى الى تواجد جزء من قوات التحالف معهم في المواقع الحساسة جدا.
ولكي يسيطر القانون ، لا يكفي جهاز الشرطة لوحده ، وينبغي أن تدعمه هياكل قضائية متكاملة.
وعلى هذا الصعيد ، أعيد تشكيل القضاء العراقي كأول خطوة لإعادة الاحترام للقانون. ولكن القضاة وجدوا أنفسهم بعد فترة وجيزة من ممارسة أعمالهم بين فكوك مختلفة ، لا يستطيع أحد تخليصهم منها.
وكأفلام بوليسية ، تهاجم العصابات قاعات المحاكم لتخليص أفرادها مباشرة وهم في قفص الاتهام. وتكررت حالات تهديد القضاة وابتزازهم ومنعهم جسديا من إصدار أحكام بحق المجرمين.
وتعرض بعض القضاة الى الاغتيال ما أن أصدروا أحكاما بحق مجرمين خفيفين من أعضاء البعث ممن لم تشأ قوات التحالف انتظار محاكمة مجرمي الحرب المنتظرة لتقديمهم إليها.
وتتواصل الاعتداءات على القضاة وبيوتهم وأقاربهم حتى كتابة هذه السطور ، ولا تستطيع السلطات المعنية توفير الحد الأدنى لحمايتهم ، فلا توجد لدى السلطة القضائية مؤسسات حماية خاصة بهم فيما للساسة فيالق كاملة تتكفل حمايتهم.
لم يعطنا أحد رقما محددا بعدد الشرطة العراقية الموجودين في الخدمة الآن. ولعله أصاب في ذلك ، فمن الصعب ذكر أرقام محددة في مثل الحالات التي تطرقنا إليها.
أولا ، توجد أكثر من قوة للشرطة منها ما يسمونها الشرطة العراقية فحسب وهناك شرطة الحدود وثمة قوة حماية المؤسسات الحيوية زد عليها قوات الأمن التابعة للأحزاب والمنظمات والحركات وأغلبها مجاز من قبل سلطات التحالف وغيرها من المسلحين من ميليشيات أحزاب معروفة.
ثانيا ، ثمة المتطوعين الذين لم يدرجوا ضمن ملاك الداخلية بعد ، تبعا لاعتبارات بيروقراطية خاصة بالسلم الوظيفي والتعيينات الجديدة وفتح درجات شاغرة وغيرها من تعقيدات تخص ميزانية الوزارات العراقية المشكلة حديثا والتي تنتظر كلها العام القادم لترتيب أوضاعها.
عدد الشرطة ، أقل بكثير من عدد المجرمين والقتلة واللصوص ومخالفو قواعد المرور والنصابين والمحتالين والمزورين وتجار المخدرات والسلاح ومبتزي المواطنين والفاسدين ومستغلو أوضاعهم ومناصبهم والمرتشين وطلاب الفدية وتجار الرق والمتمشين مع المسؤولون الجدد وحاشيات السياسيين واللاطمين في كل عزاء وكل من يخالف دستور وقوانين العراق الجديد.
لكن الذي حدث لم يكن سهلا على الإطلاق وما حدث سيأتي ، فما زال هناك في العراق من يرمي عقب سيجارة ليشعل غابة والحشرات البشرية لا يزالون يمتصون من دماء الوطن وتجثم على صدر العراق قوى لا تريد له أن يتقدم خطوة.
ما حدث ، سيأتي ولا مراقب يتجرأ بالتنبؤ بعواقبه وبنتائجه وحتى بشكله.
وسيكتب على رجال الشرطة العراقية ، الآن وغدا ، خنق الجريمة ومداواة جراح زملائهم وتضميد كدمات البلاد ، ولا نبالغ إذ نقول ، بأنهم في يوم قائظ من مايو 2003 ، كان لظهورهم الأول في ساحات بغداد ، لون وطعم ورائحة تشبه تلك التي تصاحب عودة الروح الى الجسد.
لقد أعاد هؤلاء العراق الى جسده.