المخطوبة حديثا في العراق تقول لصديقاتها واصفة خطيبها : لديه غرفة وسيارتهم ولو قديمة ، لكنها في حالة جيدة وفي بيتهم مولدة!
والبيت الذي ليس فيه مولدة ، لا يزوره أحد ، بل أن الزيارات العائلية تقتصر وتتركز عند أولئك الذين تضاء بيوتهم وقت يشاءون. وأدى تركيز الزيارات على أصحاب المولدات لمشاهدة المسلسل المفضل أو المباراة المرتقبة ، الى الكثير من المشاكل بين الأزواج ، فالذي لا يتضايق من كثرة تردد أهله ومبيتهم حتى انتهاء فيلم السهرة ، سيضطر في اليوم التالي لمنح فراشه الى حماته التي تتابع سهرة مع نجمها المحبوب. وسبب هذا الزحام والمشادات فيما بعد ورسوب الأطفال في المدرسة ، أن في بيتهم مولدة !
بداية الظهور
كان أول ظهور علني ورسمي لمولدات الكهرباء في التاريخ العراقي غير ملحوظ ، فقد أدرك الخيرين ممن بنوا الدولة العراقية في النصف الأول من القرن العشرين ، بأن المستشفيات ، لاسيما أجنحة العمليات وغرف العناية المركزة ، أولى بالكهرباء من الملك ورئيس الوزراء. لذلك كان وجود المولدات حكرا على المؤسسات الطبية ، وعاش الناس برضى على هذه الاشتراكية غير المقصودة ، على الفوانيس واللالات والمهفات والهواء الحي ، حارا كان أم قارسا.
وحتى على وقتنا ، كانت الحياة تنتهي مع مغيب الشمس ، فالراديو الذي تابعنا من خلاله كل حروبنا الخاسرة ، العسكرية والرياضية والسياسية ومدفع الإفطار وحكايات " حبابة " وأغاني أم كلثوم وعبد الحليم ، يعمل على البطاريات وباحة الدار يكفيها قمر وبضعة نجوم وألفة الأهل الطيبين ومداعبات الجيران في ذلك الفضاء المفتوح الذي يسمونه المحلة.
ودخلت الكهرباء فيما بعد الى الحياة ، ومنحت الى جانب أنوارها وأسود التلفزيون وأبيضه ، الكثير من المتطلبات والمستلزمات الجديدة وبدا وكأنها الشريان والوريد والدفق الذي بدونه لا تتحرك الدنيا ، فتعود الجميع عليها.
وما أن حل زمن الشعارات ، فقد تنافس الثوار على سرد إنجازاتهم في بياناتهم فحسب ، وليس على الأرض ، حتى وصل الأمر برئيس جمهورية كصدام ، الى فتح المجمدات وعدّ الدجاجات في المجمدة وتعيير الناس بالتلفزيون الملون والمروحة الكهربائية التي تبيعها وزارة تجارته أغلى من سعرها العالمي !
وكانت الكهرباء تنقطع ، كثيرا جدا ، لكن لا أحد يلقي باللوم على " القيادة الحكيمة " وقتها ، بل على الروس الذين لا يجيدون بناء شيء وعلى الاستعمار الإنكليزي والإمبريالية التي لا تمنح البلاد التكنولوجيا الحديثة ووصل لومهم حتى السماء ، أحيانا ، ليحملوا العواصف والأمطار مسؤولية انقطاع الكهرباء.
في هذه الأثناء ، بدأت حكاية المولدات ، وأخذت تسري في خطابات الدولة الرسمية وبيانات الصرف. فالتوجيه السياسي يهدي الفرقة العسكرية أو الوحدة المعينة مولدة بمناسبة عيد الجيش والشعبة الحزبية تنصب لها مولدة بمكرمة القيادة القطرية كهدية يوم تأسيس الحزب القائد ، ودائرة التجنيد تحصل عليها بمكارم العميد الذي صار لواء والحرس الخاص يكتب ضمن قوام تشكيلاته وتجهيزاته المولدة ، كما يسجل الدبابة والبندقية.
وهكذا غزت المولدات كل مؤسسات الدولة العراقية المدنية والعسكرية والحزبية والأمنية من القصور الرئاسية حتى بارات الضباط المدعومة الأسعار.
ولأنهم يعيشون في عالم آخر ، فيه كهرباء ، نسوا بأن المحطات التي بناها الاستعمار تحتاج الى قطع غيار وصيانة ، والشعب ألهاه التكاثر وأصبح ثلاثة أضعاف العهد الذي كانوا يطلقون عليه تجنيا بـ " البائد ". وانقسم الشعب الى قسمين : شعب بكهرباء وشعب من غير كهرباء ، لغاية اليوم الذي مسك الشعب من غير كهرباء الشارع فحصل ما حصل.
مولدات الحواسم
عندما سقط النظام واختفت الدولة برمتها ، نهب الوطن عن بكرة أبيه. وبدأت عملية سرقة ممتلكات الدولة بكل فروعها ، بغاليها ورخيصها ، خفيفها وثقيلها ، ومن ضمن الممتلكات الثقيلة ، كانت المولدات التي كانت كل الدوائر الحكومية والعسكرية والأمنية والحزبية في 9 أبريل 2003 تمتلكها.
وبعد يومين فقط ، لم تبق مولدة واحدة في مكانها ، طوال البلاد وعرضها ، واختفت بلمحة اليومين الرهيبين ، حيث كانت المدن العراقية كلها مقفرة ، وشوارعها خالية ونوافذها موصدة.
وهؤلاء الحفاة الذي سرقوا الوطن ، وظهروا بعد أسابيع يمتطون أحدث السيارات ، نصبوا المولدات المسروقة ( الحديث هنا خاص بالمولدات فحسب) في دورهم والمناطق التي يسكنون فيها ، وأصبحوا بين حرب وضحاها ، تجار أثمن الحاجات العراقية ، وما عليهم غير تحويل البنزين الرخيص للغاية الى الكهرباء الغالية ، ليدفع كل السكان لهذا السارق ، مضطرين ، ثمن النور.
ومستغلين انعدام الكهرباء في الشهرين الأوليين ، وقلة ساعات سيلها في الأسلاك التي سرق معظمها في الأشهر التالية ، لاسيما أبراج الضغط العالي لبيعها بعد صهرها كنحاس ، بدئوا بيع الكهرباء بدولارين للأمبير الواحد ومن ثم استقر سعر الأمبير الآن لأكثر من ثلاث دولارات ، وهذه الدولارات تسيل في جيب تاجر الحواسم هذا ، طالما يبقى وضع الكهرباء كما هو الحال عليه الآن بلا تقدم ، وبتأخر دائم. ( أكثرهم لا يسعرون الكهرباء بالدولار فحسب ، بل يرفضون التسديد بالدينار نظرا لتقلب سعره).
مناظر جانبية
بعد لحظات من انقطاع الكهرباء التي يسمونها " وطنية " ، تزئر المحركات في وقت واحد ، بصوت ، يشبه العيش في جوف معمل. ويمكن تصور منظر الشوارع والبيوت والأسلاك تمتد من كل منها نحو المولدات بالإضافة الى أسلاك الهواتف والكهرباء الوطنية وتلك الأسلاك التي تمتد أكثر من كيلومترا في الفضاء لتسرق الكهرباء من الحي المجاور أو أي مولدة حكومية أخرى حسب المصطلح الشهير الذي يردده الجميع حتى وزير الكهرباء " التجطيل ".
ولأن الأجهزة الأمنية منشغلة بهموم أكثر مصيرية وربما أسباب أخرى ، فلا يوجد من يحاسب تجار الكهرباء ولا المسيطرين على سوقها ، والذين يتحكمون ، كدولة داخل الدولة ، في مسألة يفترض أن تكون ملقاة على مؤسساتها المعنية والوزارة المستحدثة لمعالجة أزمات هذا المجال الأكثر مرضا في الخدمات العراقية.
الإرهاب والكهرباء
مبكرا ، أدركت المجموعات المسلحة التي لا تريد للبلاد الوقوف على قدميها ، بأن اعتداءاتها على المنظومات الكهربائية وشبكاتها ، سيدخل الى كل البيوت العراقية ، التي لابد أن تحمـّـل الحكومة مسؤولية التقصير وانها لا تفعل شيئا وتراهن على المقارنات الأولية بين العهدين السابق والحالي ، على الأقل كهربائيا.
وكان الضغط الآخر على أهل الكهرباء ، يأتي من اللصوص الذين خربوا منظومة التوصيل بسرقتهم أسلاك الضغط العالي ، في ظروف انفلات أمني معروف بسبب غياب الأجهزة المعنية والمراقبة الشعبية والضمير وتارة لامبالاة من قوات الائتلاف ، وأخرى لعدم تمكنها مراقبة مئات الكيلومترات في كل العراق ، في وقت يتخفى فيه اللصوص بهيئة مزارعين أو رعاة غنم ، في حالة رصدهم القوات ، وما أن تغادر يتسلقون الأعمدة ويفككون أوصالها.
هكذا ، فقد سار الإرهابيون واللصوص على خطى واحدة بهدفين مختلفين ، من أجل تدمير بنية البلاد الكهربائية. وتجاوز الإرهابيون كثيرا عندما أخذوا يهاجمون ويدمرون المحطات الكهربائية ومولدات التغذية داخل المدن.
كانت هذه العمليات في البداية محدودة ، وإمكانية وزارة الكهرباء قادرة على إصلاحها خلال مدة لا تزيد عن يومين ، حتى قرروا تغيير تكتيكهم بمهاجمة الكوادر التي بذلت جهودا كبيرة من أجل استقرار وضع الكهرباء الى الخطة البرازيلية السبعينية 4 – 2 – 4 ( أي 4 ساعات كهرباء مقابل 2 قطع).
هاجموا المحطات بعمليات مدبرة جيدا ودمروا ما يستطيعون ولأول مرة قاموا بقتل العمال والمهندسين وخاصة الأجانب ، وكان نصيب الروس والأوكرانيين الأكثر قسوة في هذه الهجمات ، إضافة الى عمليات خطفهم بالجملة وآخرها الاعتداء الإجرامي على الحافلة التي تقلهم الى مكان عملهم ، الأمر الذي أدى الى انسحاب أكبر الشركات الروسية من العراق ، وأدى هذا الانسحاب ليومنا هذا الى تأثيرا واضح على أداء أعمال الصيانة وتراجعت الخطة البرازيلية كثيرا نحو الدفاع لتصبح 2 – 4 – 2 وكانت ساعات القطع تتجاوز الأربع ساعات على معظم أحياء بغداد ، فيما تحصل عليها أقل من ساعتين ، في ظروف الصيف المتعبة.
اشتعال السوق
ومصائب القوم ، عند تجار المولدات فوائد ، فقاموا بحركة متوقعة ، بعد أن يئس الناس من رحمة الكهرباء ، وتأكد هؤلاء التجار من مصادرهم في الوزارة المغضوب عليها ، بأن حديث الوزير في واد ، والواقع في مولدة أخرى ، فأشعلوا الأسعار كما لهيب الصيف ، فالمولدة التي سعتها 10 أمبيرات وهي التي يستخدمها معظم الناس لرخصها وكفايتها لسد الحاجات الضرورية ، وإن كانت صينية سريعة العطل فقد تجاوز سعرها نحو 50 % ليصل الى 300 دولار ، وهو مبلغ يعادل مرتب شهرين لمدرس وستة أشهر لمتقاعد ، فيما زادت المولدة ذات السعة 20 أمبير لتصل الى 500 دولار . هذا بالنسبة للصينية الكثيرة العطل وزيارة محلات التصليح التي امتدت لتصبح سوقا كبيرا في سلطان علي ، ويكون سعر الإيطالية واليابانية بنفس القدر المذكور 900 و 1300 دولار على التوالي.
ولا يعزي من سألناهم من تجار صغار ، هذه الطفرة بالأسعار لاستغلال الظروف ، بل على عاملين اقتصاديين : الأول ، زيادة الطلب يقابله قلة الاستيراد ، والثاني ، قلة الاستيراد سببه أمرين : فرض ضريبة على المولدات ( ولا نفهم لماذا يفرضون ضريبة على هذه السلعة الاستراتيجية في هذا الوقت بالذات ولا يفرضوها على أمور تافهة أخرى ) وارتفاع أسعار النقل ، بسبب السلابة الذين يقطعون الطرق وينهبون محتويات الشاحنات وخشية أغلب السواق الأجانب والعرب وحتى العراقيين من الطرق الدولية التي تربط العراق بدول الجوار والتي تتعرض للسرقة والسطو المسلح يوميا بلا توقف.
هذه العوامل الاقتصادية جعلت الموزع الرئيسي ، أو التاجر الكبير ، يقلل من الاستيراد ، على حساب زيادة السعر ، معتمدا على زيادة الطلب ، بحيث يضمن له استقرار في الربح ، يأتيه في الحالتين ، زاد الاستيراد أم قلله. لذلك فان الرأس الكبيرة تفضل تقليل المخاطرة ، طالما أنها تجني الأموال نفسها.
أوضح التجار الصغار في غضون هذا التحقيق ، بأن الأسعار لا يحددونها ومن المستحيل أن يتلاعبوا بها ، لأن السوق حرة ومفتوحة ويمكن لأي منهم أن يفلس لو يقوم بحركة من هذا النوع لوحده ، وأن انقطاع الكهرباء وزيادة المشاريع الصغيرة ، كالمطاعم ومحلات النجارة والحلاقة وبيع الملابس والموبايلات والدشات ومقاهي الإنترنت والمطابع وغيرها من مظاهر البيزنيس الصغير ، أدى الى زيادة طلب هؤلاء على المولدات ، التي لا يمكن لمشاريعهم أن تجلب الزبائن بدون كهرباء. وفي كل الأحوال يتناسب سعر المولدات طرديا مع درجة الحرارة ، في الكثير من هذه المعادلة.
مكيفات ومبردات
المكيف هو الغريم التقليدي للكهرباء وقاهر المولدات ، التي لا تستطيع الصغيرة تشغيله. وهي السلعة التي أصبحت في متناول الكثير من العراقيين بعد التحسن في وضعهم المعاشي بزيادة الرواتب وثبات سعر الدينار تقريبا. وبالرغم من سوء الخدمة الكهربائية ، إلا أن إقبال الناس على شراء مختلف أجهزة التكييف وحتى المركزي ، جعل الأمور تزداد ثقلا على القدرة الكهربائية المتاحة ، وتسبب هذا العامل بدوره أيضا الى انقطاع التيار الكهربائي بسبب الجهد الكبير الذي تتحمله المحطات الرئيسية بوجود عدد هائل لم يحسب له الكهربائيون حساب.
وعلى عكس المولدات ، فالمكيفات قل سعرها أكثر من 130 % ، ففي الوقت الذي كان فيه سعر المكيف مليون دينار في العهد السابق ، لا يتجاوز الآن 350 ألف دينار ، وفسروا لنا سبب هذا الانخفاض ، بزيادة حجم المعروضات وكثرة مصادر المنشأ العالمية كالأمريكية والماليزية والتركية والإيرانية والكورية والصينية وحتى العراقية. هذه الكثرة أعطت للمواطن حرية الاختيار ودفعت التجار الى تحسين بضاعتهم ، الأمر الذي حسـّن نوعية المكيفات.
وتنافس المبردات التي تعمل بالماء ، المكيفات الكهربائية ، كون الأولى تشتغل بالمولدات الصغيرة الحجم ، وهو المطلوب في الوقت الحاضر بغياب الكهرباء ، كما أن سعرها يتراوح بين 75 – 200 ألف دينار وأغلبها إيرانية وهندية وعراقية.
بالأمس و اليوم
لا يقتنع الناس إطلاقا بالحجج التي ركزنا عليها هنا والتي نعتقد بانها العوامل الأساسية في أزمة الكهرباء في العراق ، ويحيلون مصدّري هذه الحجج من أمثالنا ، الى عام 1991 ، عندما قام المهندسون العراقيون بإعادة تشغيل الكهرباء التي دمرتها الحرب خلال شهرين.
ولعل هؤلاء لا يحسبون الأمر من الناحية العلمية ، فبيننا وذلك العام 13 سنة ، هي من أفدح سنوات العراق خسارة في مجال الصناعة والصيانة ، فلم يتم إصلاح المنظومة الكهربائية ، ناهيك عن بناء جديدة ومعاصرة ، وكان ما يجري أشبه بالترميم السطحي وتوليف قطع غيار رخيصة " تمشي الحال " مع المنظومات التي هي أصلا قديمة وتحتاج الى تغيير ( نحو 80 % منها خارج الخدمة ) ، وكان النظام يستورد قطع غيار صينية ، على سبيل المثال ، ليركبها على محطات روسية ، وبيلاروسية لـ " يرهمها " على فرنسية ، فهل هذا إنجاز يحسب للنظام ؟! كما أنه كان يبرمج قطع الكهرباء على المحافظات ، حسب الولاء للقائد ، الذي ركز بدوره كل كهرباء العراق على بغداد ومحافظاته الحبيبة ولم يكن توزيع الكهرباء عادلا في أي يوم من سنوات النظام الخمس والثلاثين. أي أنه كان يسمسر سياسيا مع شعبه بالكهرباء (عداها في كل شيء تقريبا ) ، لذلك نترك مجال المقارنة لأن النظام السابق لا يستحق اعتباره طرفا في أي مقارنة.
مؤشرات أخرى
أشرنا الى إهمال قوات الائتلاف في حماية المنشآت الكهربائية ، وهذا لا يختلف عليه عراقيان ، والإهمال أسبابه كثيرة ، نعتقد أن أهمها كونهم جنود وغرباء ولا يبالون كثيرا بهذه المسألة ، وقادتهم لا تنقطع عنهم الكهرباء ولو لثانية ، لا في المطار ولا في الحصن الأخضر. فقد كان بإمكانهم توفير هليكوبترات للشرطة العسكرية تراقب خطوط النقل الفائقة القدرة ووضع بضعة دبابات في المحطات الرئيسية ، ولعل هذه الإجراءات لو كانت قد تحققت ، لما تحدثنا عن المولدات اليوم ، فقد كانت هذه المواقع مكشوفة وحمايتها ضعيفة للغاية أمام المخربين واللصوص الذين حقق كل منهم مبتغاه الرذيل.
هذا تقصير لا يغفر لمن استلم دوليا مسؤولية إدارة العراق ولا يوجد مجال لإلقاء الكرة دائما في ساحة الإرهاب ، الذي وضعوا الشعب الأعزل بمواجهته بلا سابق إنذار أو رغبة.
كما أن وزارة الكهرباء ، بمؤسساتها القديمة الموروثة عن النظام السابق ، ضليعة بالفساد ومن الصعب العثور على مسؤول صغير أو كبير فيها ، لا يداوم في شركاته الخاصة بعد الدوام الرسمي أو لا توجد لديه صلات تجارية ببيزنيس الكهرباء.
فالرؤوس الكبيرة التي حدثنا عنها باعة المولدات ، هم في جوهر قضيتنا اليوم ، المسؤولين الكبار أنفسهم في وزارة الكهرباء ، الذين يرددون بالاشتراك مع الوزير وعود الوصول الى الكهرباء الى 7 – 9 ألف ميغاواط مطلع يونيو المنصرم ( يقولون في وزارة الكهرباء أنهم ينتجون في الوقت الحاضر 4 آلاف ميغاواط ) وتقليل ساعات القطع المبرمج وتأهيل محطات الدورة واليوسفية والمسيب والتاجي ، التي ساء فيها الوضع عمليا أكثر من قبل عام.
ولم نجد من يجيبنا في وزارة الكهرباء ، عن الأعمال التي قامت بها الهندسة العسكرية الأمريكية في مجال الكهرباء بالرغم من سحبها 700 مليون دولار من صندوق تنمية العراق لهذا الغرض ، كذلك لم يستطع أحد الإجابة على السؤال المتعلق بدور شركات هونداي المكلفة بنصب المحطات الكهربائية الرئيسية والثانوية وصيانة وإصلاح كافة التوربينات والبويلرات ، ونفس الغرض بالنسبة لشركة " تيبي " التركية التي أنشأت محطة توليد الكهرباء في أسطنبول ! ولماذا لا يسمحون في وزارة الكهرباء لشركات محلية كمقاول ثانوي ، دعما للعمالة والكفاءات الوطنية ، لاسيما وأن العراقيين قد ينجون من الاعتداءات التي تستهدف الأجانب في الموضة الإرهابية الجديدة – القديمة وما حل بمشاريع استيراد الكهرباء من دول الجوار ؟!
لكن وللإنصاف ، أن أكثر النقاط إيجابية والتي توزن في حسابات العدل في العراق الغريب ، أن الكهرباء تقطع أيضا داخل وزارة الكهرباء نفسها!!
والبيت الذي ليس فيه مولدة ، لا يزوره أحد ، بل أن الزيارات العائلية تقتصر وتتركز عند أولئك الذين تضاء بيوتهم وقت يشاءون. وأدى تركيز الزيارات على أصحاب المولدات لمشاهدة المسلسل المفضل أو المباراة المرتقبة ، الى الكثير من المشاكل بين الأزواج ، فالذي لا يتضايق من كثرة تردد أهله ومبيتهم حتى انتهاء فيلم السهرة ، سيضطر في اليوم التالي لمنح فراشه الى حماته التي تتابع سهرة مع نجمها المحبوب. وسبب هذا الزحام والمشادات فيما بعد ورسوب الأطفال في المدرسة ، أن في بيتهم مولدة !
بداية الظهور
كان أول ظهور علني ورسمي لمولدات الكهرباء في التاريخ العراقي غير ملحوظ ، فقد أدرك الخيرين ممن بنوا الدولة العراقية في النصف الأول من القرن العشرين ، بأن المستشفيات ، لاسيما أجنحة العمليات وغرف العناية المركزة ، أولى بالكهرباء من الملك ورئيس الوزراء. لذلك كان وجود المولدات حكرا على المؤسسات الطبية ، وعاش الناس برضى على هذه الاشتراكية غير المقصودة ، على الفوانيس واللالات والمهفات والهواء الحي ، حارا كان أم قارسا.
وحتى على وقتنا ، كانت الحياة تنتهي مع مغيب الشمس ، فالراديو الذي تابعنا من خلاله كل حروبنا الخاسرة ، العسكرية والرياضية والسياسية ومدفع الإفطار وحكايات " حبابة " وأغاني أم كلثوم وعبد الحليم ، يعمل على البطاريات وباحة الدار يكفيها قمر وبضعة نجوم وألفة الأهل الطيبين ومداعبات الجيران في ذلك الفضاء المفتوح الذي يسمونه المحلة.
ودخلت الكهرباء فيما بعد الى الحياة ، ومنحت الى جانب أنوارها وأسود التلفزيون وأبيضه ، الكثير من المتطلبات والمستلزمات الجديدة وبدا وكأنها الشريان والوريد والدفق الذي بدونه لا تتحرك الدنيا ، فتعود الجميع عليها.
وما أن حل زمن الشعارات ، فقد تنافس الثوار على سرد إنجازاتهم في بياناتهم فحسب ، وليس على الأرض ، حتى وصل الأمر برئيس جمهورية كصدام ، الى فتح المجمدات وعدّ الدجاجات في المجمدة وتعيير الناس بالتلفزيون الملون والمروحة الكهربائية التي تبيعها وزارة تجارته أغلى من سعرها العالمي !
وكانت الكهرباء تنقطع ، كثيرا جدا ، لكن لا أحد يلقي باللوم على " القيادة الحكيمة " وقتها ، بل على الروس الذين لا يجيدون بناء شيء وعلى الاستعمار الإنكليزي والإمبريالية التي لا تمنح البلاد التكنولوجيا الحديثة ووصل لومهم حتى السماء ، أحيانا ، ليحملوا العواصف والأمطار مسؤولية انقطاع الكهرباء.
في هذه الأثناء ، بدأت حكاية المولدات ، وأخذت تسري في خطابات الدولة الرسمية وبيانات الصرف. فالتوجيه السياسي يهدي الفرقة العسكرية أو الوحدة المعينة مولدة بمناسبة عيد الجيش والشعبة الحزبية تنصب لها مولدة بمكرمة القيادة القطرية كهدية يوم تأسيس الحزب القائد ، ودائرة التجنيد تحصل عليها بمكارم العميد الذي صار لواء والحرس الخاص يكتب ضمن قوام تشكيلاته وتجهيزاته المولدة ، كما يسجل الدبابة والبندقية.
وهكذا غزت المولدات كل مؤسسات الدولة العراقية المدنية والعسكرية والحزبية والأمنية من القصور الرئاسية حتى بارات الضباط المدعومة الأسعار.
ولأنهم يعيشون في عالم آخر ، فيه كهرباء ، نسوا بأن المحطات التي بناها الاستعمار تحتاج الى قطع غيار وصيانة ، والشعب ألهاه التكاثر وأصبح ثلاثة أضعاف العهد الذي كانوا يطلقون عليه تجنيا بـ " البائد ". وانقسم الشعب الى قسمين : شعب بكهرباء وشعب من غير كهرباء ، لغاية اليوم الذي مسك الشعب من غير كهرباء الشارع فحصل ما حصل.
مولدات الحواسم
عندما سقط النظام واختفت الدولة برمتها ، نهب الوطن عن بكرة أبيه. وبدأت عملية سرقة ممتلكات الدولة بكل فروعها ، بغاليها ورخيصها ، خفيفها وثقيلها ، ومن ضمن الممتلكات الثقيلة ، كانت المولدات التي كانت كل الدوائر الحكومية والعسكرية والأمنية والحزبية في 9 أبريل 2003 تمتلكها.
وبعد يومين فقط ، لم تبق مولدة واحدة في مكانها ، طوال البلاد وعرضها ، واختفت بلمحة اليومين الرهيبين ، حيث كانت المدن العراقية كلها مقفرة ، وشوارعها خالية ونوافذها موصدة.
وهؤلاء الحفاة الذي سرقوا الوطن ، وظهروا بعد أسابيع يمتطون أحدث السيارات ، نصبوا المولدات المسروقة ( الحديث هنا خاص بالمولدات فحسب) في دورهم والمناطق التي يسكنون فيها ، وأصبحوا بين حرب وضحاها ، تجار أثمن الحاجات العراقية ، وما عليهم غير تحويل البنزين الرخيص للغاية الى الكهرباء الغالية ، ليدفع كل السكان لهذا السارق ، مضطرين ، ثمن النور.
ومستغلين انعدام الكهرباء في الشهرين الأوليين ، وقلة ساعات سيلها في الأسلاك التي سرق معظمها في الأشهر التالية ، لاسيما أبراج الضغط العالي لبيعها بعد صهرها كنحاس ، بدئوا بيع الكهرباء بدولارين للأمبير الواحد ومن ثم استقر سعر الأمبير الآن لأكثر من ثلاث دولارات ، وهذه الدولارات تسيل في جيب تاجر الحواسم هذا ، طالما يبقى وضع الكهرباء كما هو الحال عليه الآن بلا تقدم ، وبتأخر دائم. ( أكثرهم لا يسعرون الكهرباء بالدولار فحسب ، بل يرفضون التسديد بالدينار نظرا لتقلب سعره).
مناظر جانبية
بعد لحظات من انقطاع الكهرباء التي يسمونها " وطنية " ، تزئر المحركات في وقت واحد ، بصوت ، يشبه العيش في جوف معمل. ويمكن تصور منظر الشوارع والبيوت والأسلاك تمتد من كل منها نحو المولدات بالإضافة الى أسلاك الهواتف والكهرباء الوطنية وتلك الأسلاك التي تمتد أكثر من كيلومترا في الفضاء لتسرق الكهرباء من الحي المجاور أو أي مولدة حكومية أخرى حسب المصطلح الشهير الذي يردده الجميع حتى وزير الكهرباء " التجطيل ".
ولأن الأجهزة الأمنية منشغلة بهموم أكثر مصيرية وربما أسباب أخرى ، فلا يوجد من يحاسب تجار الكهرباء ولا المسيطرين على سوقها ، والذين يتحكمون ، كدولة داخل الدولة ، في مسألة يفترض أن تكون ملقاة على مؤسساتها المعنية والوزارة المستحدثة لمعالجة أزمات هذا المجال الأكثر مرضا في الخدمات العراقية.
الإرهاب والكهرباء
مبكرا ، أدركت المجموعات المسلحة التي لا تريد للبلاد الوقوف على قدميها ، بأن اعتداءاتها على المنظومات الكهربائية وشبكاتها ، سيدخل الى كل البيوت العراقية ، التي لابد أن تحمـّـل الحكومة مسؤولية التقصير وانها لا تفعل شيئا وتراهن على المقارنات الأولية بين العهدين السابق والحالي ، على الأقل كهربائيا.
وكان الضغط الآخر على أهل الكهرباء ، يأتي من اللصوص الذين خربوا منظومة التوصيل بسرقتهم أسلاك الضغط العالي ، في ظروف انفلات أمني معروف بسبب غياب الأجهزة المعنية والمراقبة الشعبية والضمير وتارة لامبالاة من قوات الائتلاف ، وأخرى لعدم تمكنها مراقبة مئات الكيلومترات في كل العراق ، في وقت يتخفى فيه اللصوص بهيئة مزارعين أو رعاة غنم ، في حالة رصدهم القوات ، وما أن تغادر يتسلقون الأعمدة ويفككون أوصالها.
هكذا ، فقد سار الإرهابيون واللصوص على خطى واحدة بهدفين مختلفين ، من أجل تدمير بنية البلاد الكهربائية. وتجاوز الإرهابيون كثيرا عندما أخذوا يهاجمون ويدمرون المحطات الكهربائية ومولدات التغذية داخل المدن.
كانت هذه العمليات في البداية محدودة ، وإمكانية وزارة الكهرباء قادرة على إصلاحها خلال مدة لا تزيد عن يومين ، حتى قرروا تغيير تكتيكهم بمهاجمة الكوادر التي بذلت جهودا كبيرة من أجل استقرار وضع الكهرباء الى الخطة البرازيلية السبعينية 4 – 2 – 4 ( أي 4 ساعات كهرباء مقابل 2 قطع).
هاجموا المحطات بعمليات مدبرة جيدا ودمروا ما يستطيعون ولأول مرة قاموا بقتل العمال والمهندسين وخاصة الأجانب ، وكان نصيب الروس والأوكرانيين الأكثر قسوة في هذه الهجمات ، إضافة الى عمليات خطفهم بالجملة وآخرها الاعتداء الإجرامي على الحافلة التي تقلهم الى مكان عملهم ، الأمر الذي أدى الى انسحاب أكبر الشركات الروسية من العراق ، وأدى هذا الانسحاب ليومنا هذا الى تأثيرا واضح على أداء أعمال الصيانة وتراجعت الخطة البرازيلية كثيرا نحو الدفاع لتصبح 2 – 4 – 2 وكانت ساعات القطع تتجاوز الأربع ساعات على معظم أحياء بغداد ، فيما تحصل عليها أقل من ساعتين ، في ظروف الصيف المتعبة.
اشتعال السوق
ومصائب القوم ، عند تجار المولدات فوائد ، فقاموا بحركة متوقعة ، بعد أن يئس الناس من رحمة الكهرباء ، وتأكد هؤلاء التجار من مصادرهم في الوزارة المغضوب عليها ، بأن حديث الوزير في واد ، والواقع في مولدة أخرى ، فأشعلوا الأسعار كما لهيب الصيف ، فالمولدة التي سعتها 10 أمبيرات وهي التي يستخدمها معظم الناس لرخصها وكفايتها لسد الحاجات الضرورية ، وإن كانت صينية سريعة العطل فقد تجاوز سعرها نحو 50 % ليصل الى 300 دولار ، وهو مبلغ يعادل مرتب شهرين لمدرس وستة أشهر لمتقاعد ، فيما زادت المولدة ذات السعة 20 أمبير لتصل الى 500 دولار . هذا بالنسبة للصينية الكثيرة العطل وزيارة محلات التصليح التي امتدت لتصبح سوقا كبيرا في سلطان علي ، ويكون سعر الإيطالية واليابانية بنفس القدر المذكور 900 و 1300 دولار على التوالي.
ولا يعزي من سألناهم من تجار صغار ، هذه الطفرة بالأسعار لاستغلال الظروف ، بل على عاملين اقتصاديين : الأول ، زيادة الطلب يقابله قلة الاستيراد ، والثاني ، قلة الاستيراد سببه أمرين : فرض ضريبة على المولدات ( ولا نفهم لماذا يفرضون ضريبة على هذه السلعة الاستراتيجية في هذا الوقت بالذات ولا يفرضوها على أمور تافهة أخرى ) وارتفاع أسعار النقل ، بسبب السلابة الذين يقطعون الطرق وينهبون محتويات الشاحنات وخشية أغلب السواق الأجانب والعرب وحتى العراقيين من الطرق الدولية التي تربط العراق بدول الجوار والتي تتعرض للسرقة والسطو المسلح يوميا بلا توقف.
هذه العوامل الاقتصادية جعلت الموزع الرئيسي ، أو التاجر الكبير ، يقلل من الاستيراد ، على حساب زيادة السعر ، معتمدا على زيادة الطلب ، بحيث يضمن له استقرار في الربح ، يأتيه في الحالتين ، زاد الاستيراد أم قلله. لذلك فان الرأس الكبيرة تفضل تقليل المخاطرة ، طالما أنها تجني الأموال نفسها.
أوضح التجار الصغار في غضون هذا التحقيق ، بأن الأسعار لا يحددونها ومن المستحيل أن يتلاعبوا بها ، لأن السوق حرة ومفتوحة ويمكن لأي منهم أن يفلس لو يقوم بحركة من هذا النوع لوحده ، وأن انقطاع الكهرباء وزيادة المشاريع الصغيرة ، كالمطاعم ومحلات النجارة والحلاقة وبيع الملابس والموبايلات والدشات ومقاهي الإنترنت والمطابع وغيرها من مظاهر البيزنيس الصغير ، أدى الى زيادة طلب هؤلاء على المولدات ، التي لا يمكن لمشاريعهم أن تجلب الزبائن بدون كهرباء. وفي كل الأحوال يتناسب سعر المولدات طرديا مع درجة الحرارة ، في الكثير من هذه المعادلة.
مكيفات ومبردات
المكيف هو الغريم التقليدي للكهرباء وقاهر المولدات ، التي لا تستطيع الصغيرة تشغيله. وهي السلعة التي أصبحت في متناول الكثير من العراقيين بعد التحسن في وضعهم المعاشي بزيادة الرواتب وثبات سعر الدينار تقريبا. وبالرغم من سوء الخدمة الكهربائية ، إلا أن إقبال الناس على شراء مختلف أجهزة التكييف وحتى المركزي ، جعل الأمور تزداد ثقلا على القدرة الكهربائية المتاحة ، وتسبب هذا العامل بدوره أيضا الى انقطاع التيار الكهربائي بسبب الجهد الكبير الذي تتحمله المحطات الرئيسية بوجود عدد هائل لم يحسب له الكهربائيون حساب.
وعلى عكس المولدات ، فالمكيفات قل سعرها أكثر من 130 % ، ففي الوقت الذي كان فيه سعر المكيف مليون دينار في العهد السابق ، لا يتجاوز الآن 350 ألف دينار ، وفسروا لنا سبب هذا الانخفاض ، بزيادة حجم المعروضات وكثرة مصادر المنشأ العالمية كالأمريكية والماليزية والتركية والإيرانية والكورية والصينية وحتى العراقية. هذه الكثرة أعطت للمواطن حرية الاختيار ودفعت التجار الى تحسين بضاعتهم ، الأمر الذي حسـّن نوعية المكيفات.
وتنافس المبردات التي تعمل بالماء ، المكيفات الكهربائية ، كون الأولى تشتغل بالمولدات الصغيرة الحجم ، وهو المطلوب في الوقت الحاضر بغياب الكهرباء ، كما أن سعرها يتراوح بين 75 – 200 ألف دينار وأغلبها إيرانية وهندية وعراقية.
بالأمس و اليوم
لا يقتنع الناس إطلاقا بالحجج التي ركزنا عليها هنا والتي نعتقد بانها العوامل الأساسية في أزمة الكهرباء في العراق ، ويحيلون مصدّري هذه الحجج من أمثالنا ، الى عام 1991 ، عندما قام المهندسون العراقيون بإعادة تشغيل الكهرباء التي دمرتها الحرب خلال شهرين.
ولعل هؤلاء لا يحسبون الأمر من الناحية العلمية ، فبيننا وذلك العام 13 سنة ، هي من أفدح سنوات العراق خسارة في مجال الصناعة والصيانة ، فلم يتم إصلاح المنظومة الكهربائية ، ناهيك عن بناء جديدة ومعاصرة ، وكان ما يجري أشبه بالترميم السطحي وتوليف قطع غيار رخيصة " تمشي الحال " مع المنظومات التي هي أصلا قديمة وتحتاج الى تغيير ( نحو 80 % منها خارج الخدمة ) ، وكان النظام يستورد قطع غيار صينية ، على سبيل المثال ، ليركبها على محطات روسية ، وبيلاروسية لـ " يرهمها " على فرنسية ، فهل هذا إنجاز يحسب للنظام ؟! كما أنه كان يبرمج قطع الكهرباء على المحافظات ، حسب الولاء للقائد ، الذي ركز بدوره كل كهرباء العراق على بغداد ومحافظاته الحبيبة ولم يكن توزيع الكهرباء عادلا في أي يوم من سنوات النظام الخمس والثلاثين. أي أنه كان يسمسر سياسيا مع شعبه بالكهرباء (عداها في كل شيء تقريبا ) ، لذلك نترك مجال المقارنة لأن النظام السابق لا يستحق اعتباره طرفا في أي مقارنة.
مؤشرات أخرى
أشرنا الى إهمال قوات الائتلاف في حماية المنشآت الكهربائية ، وهذا لا يختلف عليه عراقيان ، والإهمال أسبابه كثيرة ، نعتقد أن أهمها كونهم جنود وغرباء ولا يبالون كثيرا بهذه المسألة ، وقادتهم لا تنقطع عنهم الكهرباء ولو لثانية ، لا في المطار ولا في الحصن الأخضر. فقد كان بإمكانهم توفير هليكوبترات للشرطة العسكرية تراقب خطوط النقل الفائقة القدرة ووضع بضعة دبابات في المحطات الرئيسية ، ولعل هذه الإجراءات لو كانت قد تحققت ، لما تحدثنا عن المولدات اليوم ، فقد كانت هذه المواقع مكشوفة وحمايتها ضعيفة للغاية أمام المخربين واللصوص الذين حقق كل منهم مبتغاه الرذيل.
هذا تقصير لا يغفر لمن استلم دوليا مسؤولية إدارة العراق ولا يوجد مجال لإلقاء الكرة دائما في ساحة الإرهاب ، الذي وضعوا الشعب الأعزل بمواجهته بلا سابق إنذار أو رغبة.
كما أن وزارة الكهرباء ، بمؤسساتها القديمة الموروثة عن النظام السابق ، ضليعة بالفساد ومن الصعب العثور على مسؤول صغير أو كبير فيها ، لا يداوم في شركاته الخاصة بعد الدوام الرسمي أو لا توجد لديه صلات تجارية ببيزنيس الكهرباء.
فالرؤوس الكبيرة التي حدثنا عنها باعة المولدات ، هم في جوهر قضيتنا اليوم ، المسؤولين الكبار أنفسهم في وزارة الكهرباء ، الذين يرددون بالاشتراك مع الوزير وعود الوصول الى الكهرباء الى 7 – 9 ألف ميغاواط مطلع يونيو المنصرم ( يقولون في وزارة الكهرباء أنهم ينتجون في الوقت الحاضر 4 آلاف ميغاواط ) وتقليل ساعات القطع المبرمج وتأهيل محطات الدورة واليوسفية والمسيب والتاجي ، التي ساء فيها الوضع عمليا أكثر من قبل عام.
ولم نجد من يجيبنا في وزارة الكهرباء ، عن الأعمال التي قامت بها الهندسة العسكرية الأمريكية في مجال الكهرباء بالرغم من سحبها 700 مليون دولار من صندوق تنمية العراق لهذا الغرض ، كذلك لم يستطع أحد الإجابة على السؤال المتعلق بدور شركات هونداي المكلفة بنصب المحطات الكهربائية الرئيسية والثانوية وصيانة وإصلاح كافة التوربينات والبويلرات ، ونفس الغرض بالنسبة لشركة " تيبي " التركية التي أنشأت محطة توليد الكهرباء في أسطنبول ! ولماذا لا يسمحون في وزارة الكهرباء لشركات محلية كمقاول ثانوي ، دعما للعمالة والكفاءات الوطنية ، لاسيما وأن العراقيين قد ينجون من الاعتداءات التي تستهدف الأجانب في الموضة الإرهابية الجديدة – القديمة وما حل بمشاريع استيراد الكهرباء من دول الجوار ؟!
لكن وللإنصاف ، أن أكثر النقاط إيجابية والتي توزن في حسابات العدل في العراق الغريب ، أن الكهرباء تقطع أيضا داخل وزارة الكهرباء نفسها!!