الفلك تضيق يوما بعد آخر بالعراق، مذكرة بتلك النجوم المنهكة التي لم تسلم هي الأخرى مرورا بالبلاد من التحزب ونسج الآثام وتوزيعها على المقتفين أثر الرضا، من الطالح والصالح، وكيف يأكل الشعب وماذا يلبس وأي عناوين تأخذ ساحاته وشوارعه وسعة ابتسامة الفتاة الفرحانة بموبايلها الذي أهدته الحرية لها وغنج الجامعية الفتية في يومها الأول، وما على العيون والأبدان والأنفاس وتبادل الطرق على الأعناق وحوار المعاصمِ. إنهم حاملو قائمة الممنوعات العراقية المعاصرة، المزمجرون، والنابشون مخالب التاريخ كما قرأوه لهم ، الضائعون والعاطلون والذين لمتهم مكاتب أحزاب الحرية لتنفيذ أوامر من ضاقت به السبل وضيقوا بالباقين ثقب الإبرة المسموح بهِ ، نعرض مناجاة الممنوع والمسموح في العراق المكروب بالقشور لا بنفائس الجوهر، بالمظاهر لا بالمداخل ، بالسطح لا بالعمق بالفهم الواحد الأوحد دون منح الفرصة الأخيرة للأنين اللجوج أخذ فضائه بالبوح بما يسري في الروح ورغبتها وتراكم الربيع تلو الآخر على النافذة المصونةِوهي الصور التي ابتكرها العراق الجديد بلا انغماس مفتعل من الألوان والعدسة، نترك الخوض فيها لرهان الحياد والتسمر كثيرا قبل لفظ الحقِ.
الإعلان والزفت
الإعلانات في العراق أصبحت قضية لابد التوقف عندها لوحدها، لكن هناك من استدرجنا في حوار الممنوع والمسموح، ذلك الذي سولت إحدى شركات الموبايل لنفسها تثبيته في كل ساحات وشوارع بغداد، لصورة هاتف نقال بجانبه فتاة مزهوة بهِ . لم يتركوا هذه الفتاة تستقر في حديثها الإعلاني وحسب معلوماتنا لم ترتد ما يخدش الحياء، بل ما يمكن مشاهدته حيا من بنات العاصمةِ بعد ساعات فقط ، رشوا هذا الإعلان بالزفت بطريقة غير تشكيلية علىالإطلاقِ والواضح ، أن القائمين على مشروع تلطيخ الإعلان والمعترضين على خرق حشمة العاصمة، لديهم إمكانات لا يستهان بها، فأولا، نفذوا العملية بسرعة بالغة، وثانيا، لم يسلم منهم إعلان واحد في طول بغدادوعرضها، بمعنى أن لديهم المزيد من الزفت، وكذلك لديهم رافعات أوصلت زفتهم الى أعلى مكان تنتصب فيه هذه الصورة الملطخةِ. وإذا كانوا لم يتحملوا رؤية فتاة مبتسمة بالجينز والموبايل في صورة، فكيف سيتحملون رؤيتها على أرض الواقع ، هذا الواقع الذي يتطلب من القائمين على حقوق الإنسان توفير مغاسل شرعية وعمومية ومجانية لكي تهرع إليها الفتيات مستقبلا، للاغتسال من الزفت الذي سينزل عليهن في أي لحظة من السماء، ما أن يفتي أحدهم بذلك، أو يداوي آخر جراحاته النفسية وربما الجنسية، بالثأر منهن، بلا رحمة بالثروة الوطنية ونقصد بها الزفت لا أقدام النساء بالطبعِ.
محنة العركجية
في العراق يسكرون منذ عهد الخلفاء وأمراء المؤمنين، ولم يمر عقد دون ظهور عبقرية بحجم الحلاج وابن هرمة وأبو نواس والبحتري، ولم يقتصر الأمر بالإمتاع والمؤانسة وآلاف الأبيات الشعرية التي خلقت في العراق منذ العهود القديمة، ما يمكن أن نسميه تجنيا على المدارس الشعرية " أدب السكر ".
وكما للروس الفودكا والفرنسيين النبيذ والاسكتلنديين الويسكي والأرمن الكونياك والمكسيكيين التيكيلا ، للعراقيين مشروبهم الوطني الذي يفتخرون به أيضا وهو العرقِ. والعرق رخيص ومكوناته بسيطة وشراب اشتراكي الى حد بعيد، كان يكرع منه الملك والحوذي في ليلة واحدة والسيد مع الماركسي في حلقة مشتركة، ومزاته أيضا متاحة للجميع، والكل راض بعيشته وعرق يومه وجبينهِ.
وكان صدام يلعب من وقت لآخر، مع الشعب، " لعبة العرق " ، فتارة يمنعه، وأخرى يعيده بمكرمة رئاسية ، وثالثة يزيد سعره، ورابعة يخفضه، وكان الناس مهمومين بسعر لتر العرق، أكثر من هموم أوبك بسعر برميلالنفطِ. هكذا عاش العراقيون جيلا بعد جيل، الجميع يعرفون سعر" البطل" ونوعه، لكنهم لا يبالون بالبرميل ولا بطريقة استخراجهِ. وبعد قيادته 'الحملة الإيمانية' على كبر، أغلق صدام البارات والمطاعم الشعبية تقريبا التي تقدم الفواحش، لكنه لم يمنعها في الأماكن التي يترددون عليها ذات النجوم الكثيرة، فكيف يمارس هؤلاء الرعيةويعيشون مثلهم، فحرمهم من هذه الجلسات، لكنه لم يغلق محلات بيع الخمور وسمح للناس البيع والشراب في بيوتهم فقط، وكأن الأمر حرام في مطعم وحلال في البيت ! ولى صدام وانقضت أيامه، لكن الحكاية لم تنته، فالمتحزبون الجدد منعوا، كل حسب طريقته، تداوله وشراءه وبيعه وحمله، ففي الفلوجة يجلدون وفي المدن الجنوبية من البصرة حتى الكوت يقتلون مباشرة دون رفة جفن ، وفي بغداد يفعلون هذه وتلك ويحرقون محلاتهم ، ناهيك عن التنكيل بهم بقسوةِ وأصبح العركجية مطاردين بعد التحرير كالبعثيين وربما أكثر، ولأنهم عركجية، فهذه الإجراءات لا تغير في الأمر شيئا، وهم في كل الأحوال يسلطنون أمام البطل كل ليلة ، فماذا يفعلون؟ وما الذي يجري في " الملف العرقي " في البلاد ؟ كما يقال سيماؤهم في وجوههم، فأن هؤلاء يعرفون بعضهم بعضا، البائع يقرأ المشتري من عينيه، ولكي لا نزيد في مناقشة هذا الملف نعرض المشهد التالي الذي يستطيع من يطبقه حرفيا من العراقيين الحصول على نصف بطل عرق مغشوش بدون أن يقطع أحد عنقك أو يجلدك عند أقرب مرحاض عمومي : عليك جمع معلومات كافية ووافية عن الأماكن التي يتواجد بها الباعة السريون للخمورِ عن طريق المحلات وأصحابها القدامى، لا الجددِ ولا ينتهي الأمر عند معرفتك أماكن تواجدهم، بل عليك التقرب منهم والتظاهر بأنك " عفطي " ومخلص وسكير درجة أولى بترديد المصطلحات المتعارف عليهاِ وباعة الخمور، يتبعون أساليب مختلفة في التنكر، فمنهم من يضع أمامه فلينة فيها وعليها بعض علب البيبسي والمشروبات الغازية ومنهم من يجلس أمام بسطة عليها بعض قناني العطور المملوءة بالماء والصبغالأحمر والأصفرِ وعند العثور عليهم، يقوم المعني بالخطوات المذكورة آنفا، ومع ذلك سينكرون أيما إنكار، لكن الساعي يثبت على موقفه، وكلما أنكروا، ينزل أكثر فأكثر في لغة العركجية، حتى يطمئنوا له تماما، ويذكرواالأسعار وما موجود لديهمِ الخطوة الحاسمة التي تلي تبادل الثقة، هي أن بائع البيبسي والعطور المزعوم، سيدل الزبون على إحدى السيارات الواقفة في فرع قريب من الشارع العام الذي يصطاد به الزبائنِ يذهب الى السيارة وسيجد هناك ليس أقل من ثلاثة رجال مستعدين للموت من أجل هذه المهنة، سيدعونه للجلوس قربهم في السيارة، سيتبارون في تصعيد وتكسير السعر، وبعد الاتفاق، سينزل أحدهم من السيارة ليفتح الصندوق، ويجلب للزبون، وسط ظلام أرقش، قنينة، لا يعرف ما في داخلها ، سيلفونها بكيس وجريدة ، ومن ثقلها يعرف وزنها وليس نوعيتها ، سينصحونه بإخفائها بين ملابسه أو في جوف البنطلون، وفي هذه اللحظات العصيبة، تكون قد انقضت أكثر من نصف ساعة، ويمكن اعتبار المهمة قد أنجزتِ.
مكاتب التفتيش
بعض الأحزاب التي تعد نفسها دينية، وخاصة في الجنوب، شكلت عمليا وبمعرفة السلطات التي لا تريد التصعيد معها لباعها النضالي في مقارعة الدكتاتورية ولكونها تملك ميليشيات مسلحة يمكنها تنغيص حياةأهل الحكم بمعارك جانبية، وفي داخل مقراتها الرسمية ما يشبه مكاتب الاستجواب ، ترفق معها زنزاناتِ بمعنى، يوجد لكل حزب من هؤلاء محققون ومعتقلات، وأحيانا ينفذون الحكم مباشرة في المقر ويلقون بجثةالمحكوم عند أي داهيةِ يقولون بأنفسهم وعبر صحفهم بأنهم عملوا الأمر مع 'المجرمين البعثيين'، لكنهم وإن فعلوا ذلك تجاوزا على قوانين السلطات الرسمية ، استغلوا سكوتها للأسباب المذكورة، وصدقوا بأنهم يمتلكون الحق في إرهاب الناس الذين تقول أدبياتهم الحزبية بأنهم ناضلوا من أجلهم ، ليتجاوز الأمر على مجرد " اجتثاث المجرمين من أركان النظام الفاشي " الى استدعاء واستجواب وتوقيف من يخالفهم الرأي والملبس واللحيةِ وصل الأمر الى تكرار حرفي وبالمسطرة لأساليب النظام السابق، فيعتقلون مثلا، شابا ردد نكتة عليهم أو من سمعوه يزيد من صوت تلفازه الذي يبث " روتانا " أو " دريم " لأن ذلك قد يؤثر في ميكروفاناتهم المنصوبة في أي مكان يرغبون، أو من لم تستجب نساؤه للتحذيرات والإنذارات التي قدموها لرب العائلة بضرورة ارتدائهن الحجاب، أو من لا يتردد على نشاطاتهم أو أي شيء آخر في نفوسهمِ. يشتكي الناس جدا من تصرفات هؤلاء، لاسيما المداهمات التي يقوم بها حزبي يرافقه مسلحون ، لحرمة عائلة ، لاستدعاء واحدة أو أكثر من نساء البيت للاستجواب في " مقر الحزب " ، والتهمة جاهزة ومكررة وبليدةِ.
صور في المشرحة
كنا نتساءل سابقا من باب حرقة النفس: كم من الوقت والجهد تتطلب منا إزالة صور صدام وتماثيلهِ لكن عندما تحررنا منه، وجدنا أن المسألة لم تستغرق أي وقت، فقد كانت طبيعية وبمشاركة عامة ولم يشعر أحدلا بالجهد ولا بالوقت، كانت في الكثير من الأحيان تعبيرا عن الضيم والتنفيس، وأحيانا أخرى للتسلية وأخذ الثأر باليد ، لذلك لم تكلف الشعب لا مالا ولا وقتا ولا أعصابا مهدورةِ.
غير أن الصور بقيت على حالها، مع الجداريات، فالذي تبدل أن الإطار بقي والصورة اختلفت، وبدلا من بطل واحد للفيلم، ظهرت الصور والرسامون والخطاطون واللافتات وغيرها من صور لا عد لها، تكاد تفوق ما كان للبطل الوحيد.ِ يتساءل الكثير من الناس، من أين جلبوا كل هذه الصور، وكيف تسنى لهم طبعها وكيف وبكم ؟ وهل كتب على العراقيين رؤية الجزء الثاني من الفيلم بأبطال جدد ؟ طردوا عميد كلية العلوم بجامعة بغداد، وحسب قرار الوزير المطبوع فإن سبب طرده أنه " طائفي " ، غير أنه لم يسكت وشن عليهم حملة في الصحف المحلية وأوضح موقفه وتبين أنه منع الطلبة من إغراق الجامعةباللافتات والصور حتى داخل المحاضرات والمختبرات العلمية، وقال لهم ببساطة وكأي أستاذ في العلوم، ان هذا المكان للعلم وليس لشيء آخر، ويبدو، حسب قوله، كان هذا كافيا، لطرده بفضل تقارير الطلاب المنتمينلحزب الوزير ( السابق ). ِ ولا يستطيع أي سائق رؤية إشارات المرور ولا اسماء الشوارع، لأنهم ألصقوا الصور على هذه الإشارات وبدلامن التأكد من إشارة السماح بالوقوف أو الالتفاف يمينا أو شمالا أو فوق حدر، تطالعك صورة ! ولعل مختصا في علم توجيه الرأي العام أو عالم اجتماع أو خبيرا سياسيا قد يجد تفسيرا لظاهرة الصور في المختبرات العلمية وقاعات الدرس والمطاعم العمومية والنافورات على السواء، لكن ما يحير فعلا، إصرار أصحاب الصور على تعليقها حتى على جدران مشرحة وثلاجة الموتى في بغداد !! فهل يريدون كسب الأموات لحزبهم في الجحيم على الأرجح؟!
مسميات مفروضة
وكرروا حرفيا عادات صدام الكريهة بتسمية المدينة باسمه وساحة المدينة باسمه والجامع والمستشفى والمدرسة في المدينة التي تحمل اسمه باسمه أيضاِ. والجماعة ، لم يغيروا في الاسم شيئا ولم يعيدوا التخطيط ولا القطعة ولم يجلبوا خطاطا شرعيا، كل ما فعلوه، أنهم بدلا من صدام، رفعوا الألف والميم وخطوا حسب إمكاناتهم حرف الراء !! أو يجلبون " سبريه " رخيصا ويخططون فيه على شارع " الكرادة داخل" المعروف بترتيبه وانفتاحه وتنتشر على جوانبه محال الكوافير وصالونات الجمال ويتمشى فيه من يبحث عن هذا الجمال ويعد وكرا مثاليا لباعةالعرق والويسكي المذكورين في زاوية أخرى من هذه الرسالة، هذا الشارع المعروف بأريحيته، يختارون اسما لا نريد ذكر مقامه في هذا التعليق ، فكيف ارتضوا أن يحمل هذا الشارع بالذات اسما كريما مقدسا لهمولنا ؟!
وثمة ساحة متروكة في الوشاش البغدادية، يلعب بها أطفال الحي كرة القدم، كأي ساحة أخرى، نصبوا فيها قطعة كبيرة وأطلقوا عليها "ملعب شهداء الإسلام " وخطوا اسم الحزب بالفرشاة العريضة ! أطفال لديهم كرة قدم فحسب ويلعبون أمام بيوتهم، جعلوهم شهداء للإسلام، ولا نعرف فيما إذا كان الشهداء يلعبون كرة القدم على حساب هذا الحزب أو غيره ؟! فرقة حزبية كانت مدرسة، أبقوا كل شيء فيها، وجعلوا منها "مدرسة المصطفى للنساء "ِ وهذه ليست مدرسة ، فوزارة التربية لها مدارسها للبنين وأخرى للبنات، هي مجرد مقر لفرع حزبهم النسائي، استحوذوا على المبنى، وصادروه، وجعلوه بشكل ما، مقرا لنشاطهمِ
أصلف المسموح
تعلو يافطة ضخمة، في تقاطع مهم وسط بغداد، يكتب عليها : الولايات المتحدة الإسلامية ـ العاصمة ـ بغدادِ.
ما هي هذه الولايات وماذا يقصدون بها؟ نبحث بطريقة للوصول الى هذه الولايات، هل هي محل ، أم تنظيم جديد ؟ مدرسة أم أكاديمية ؟ لا نجد أي أثر، سوى للإعلان المثبت ! ويمعنون في المظاهر والتظاهر، عندما يسمون العيادة الطبية في حي الخضراء ببغداد ب " العيادة الإسلامية " لأن التسمية غير مفهومة طبيا، فهل يوجد طب إسلامي وآخر غير إسلامي، وهل يوجد تطبيب شرعيومعالجة على نحو آخر، ماذا يعني أن تكون العيادة إسلامية ؟! ولم يسلم حتى مرحاض عام رسمي مسجل في البلدية من كتابة شعاراتهم ومواعظهم الدينية وفتاواهمِ ، ويمكن تصور الانحطاط في الذوق وفي الدين ، عندما تكتب كلمة " الإسلام " على مرحاض عمومي!! هذه اللوحة جسدت بكل صلف مجمل تحقيقنا في الممنوع والمسموح في العراق المنكوبِ.
الإعلان والزفت
الإعلانات في العراق أصبحت قضية لابد التوقف عندها لوحدها، لكن هناك من استدرجنا في حوار الممنوع والمسموح، ذلك الذي سولت إحدى شركات الموبايل لنفسها تثبيته في كل ساحات وشوارع بغداد، لصورة هاتف نقال بجانبه فتاة مزهوة بهِ . لم يتركوا هذه الفتاة تستقر في حديثها الإعلاني وحسب معلوماتنا لم ترتد ما يخدش الحياء، بل ما يمكن مشاهدته حيا من بنات العاصمةِ بعد ساعات فقط ، رشوا هذا الإعلان بالزفت بطريقة غير تشكيلية علىالإطلاقِ والواضح ، أن القائمين على مشروع تلطيخ الإعلان والمعترضين على خرق حشمة العاصمة، لديهم إمكانات لا يستهان بها، فأولا، نفذوا العملية بسرعة بالغة، وثانيا، لم يسلم منهم إعلان واحد في طول بغدادوعرضها، بمعنى أن لديهم المزيد من الزفت، وكذلك لديهم رافعات أوصلت زفتهم الى أعلى مكان تنتصب فيه هذه الصورة الملطخةِ. وإذا كانوا لم يتحملوا رؤية فتاة مبتسمة بالجينز والموبايل في صورة، فكيف سيتحملون رؤيتها على أرض الواقع ، هذا الواقع الذي يتطلب من القائمين على حقوق الإنسان توفير مغاسل شرعية وعمومية ومجانية لكي تهرع إليها الفتيات مستقبلا، للاغتسال من الزفت الذي سينزل عليهن في أي لحظة من السماء، ما أن يفتي أحدهم بذلك، أو يداوي آخر جراحاته النفسية وربما الجنسية، بالثأر منهن، بلا رحمة بالثروة الوطنية ونقصد بها الزفت لا أقدام النساء بالطبعِ.
محنة العركجية
في العراق يسكرون منذ عهد الخلفاء وأمراء المؤمنين، ولم يمر عقد دون ظهور عبقرية بحجم الحلاج وابن هرمة وأبو نواس والبحتري، ولم يقتصر الأمر بالإمتاع والمؤانسة وآلاف الأبيات الشعرية التي خلقت في العراق منذ العهود القديمة، ما يمكن أن نسميه تجنيا على المدارس الشعرية " أدب السكر ".
وكما للروس الفودكا والفرنسيين النبيذ والاسكتلنديين الويسكي والأرمن الكونياك والمكسيكيين التيكيلا ، للعراقيين مشروبهم الوطني الذي يفتخرون به أيضا وهو العرقِ. والعرق رخيص ومكوناته بسيطة وشراب اشتراكي الى حد بعيد، كان يكرع منه الملك والحوذي في ليلة واحدة والسيد مع الماركسي في حلقة مشتركة، ومزاته أيضا متاحة للجميع، والكل راض بعيشته وعرق يومه وجبينهِ.
وكان صدام يلعب من وقت لآخر، مع الشعب، " لعبة العرق " ، فتارة يمنعه، وأخرى يعيده بمكرمة رئاسية ، وثالثة يزيد سعره، ورابعة يخفضه، وكان الناس مهمومين بسعر لتر العرق، أكثر من هموم أوبك بسعر برميلالنفطِ. هكذا عاش العراقيون جيلا بعد جيل، الجميع يعرفون سعر" البطل" ونوعه، لكنهم لا يبالون بالبرميل ولا بطريقة استخراجهِ. وبعد قيادته 'الحملة الإيمانية' على كبر، أغلق صدام البارات والمطاعم الشعبية تقريبا التي تقدم الفواحش، لكنه لم يمنعها في الأماكن التي يترددون عليها ذات النجوم الكثيرة، فكيف يمارس هؤلاء الرعيةويعيشون مثلهم، فحرمهم من هذه الجلسات، لكنه لم يغلق محلات بيع الخمور وسمح للناس البيع والشراب في بيوتهم فقط، وكأن الأمر حرام في مطعم وحلال في البيت ! ولى صدام وانقضت أيامه، لكن الحكاية لم تنته، فالمتحزبون الجدد منعوا، كل حسب طريقته، تداوله وشراءه وبيعه وحمله، ففي الفلوجة يجلدون وفي المدن الجنوبية من البصرة حتى الكوت يقتلون مباشرة دون رفة جفن ، وفي بغداد يفعلون هذه وتلك ويحرقون محلاتهم ، ناهيك عن التنكيل بهم بقسوةِ وأصبح العركجية مطاردين بعد التحرير كالبعثيين وربما أكثر، ولأنهم عركجية، فهذه الإجراءات لا تغير في الأمر شيئا، وهم في كل الأحوال يسلطنون أمام البطل كل ليلة ، فماذا يفعلون؟ وما الذي يجري في " الملف العرقي " في البلاد ؟ كما يقال سيماؤهم في وجوههم، فأن هؤلاء يعرفون بعضهم بعضا، البائع يقرأ المشتري من عينيه، ولكي لا نزيد في مناقشة هذا الملف نعرض المشهد التالي الذي يستطيع من يطبقه حرفيا من العراقيين الحصول على نصف بطل عرق مغشوش بدون أن يقطع أحد عنقك أو يجلدك عند أقرب مرحاض عمومي : عليك جمع معلومات كافية ووافية عن الأماكن التي يتواجد بها الباعة السريون للخمورِ عن طريق المحلات وأصحابها القدامى، لا الجددِ ولا ينتهي الأمر عند معرفتك أماكن تواجدهم، بل عليك التقرب منهم والتظاهر بأنك " عفطي " ومخلص وسكير درجة أولى بترديد المصطلحات المتعارف عليهاِ وباعة الخمور، يتبعون أساليب مختلفة في التنكر، فمنهم من يضع أمامه فلينة فيها وعليها بعض علب البيبسي والمشروبات الغازية ومنهم من يجلس أمام بسطة عليها بعض قناني العطور المملوءة بالماء والصبغالأحمر والأصفرِ وعند العثور عليهم، يقوم المعني بالخطوات المذكورة آنفا، ومع ذلك سينكرون أيما إنكار، لكن الساعي يثبت على موقفه، وكلما أنكروا، ينزل أكثر فأكثر في لغة العركجية، حتى يطمئنوا له تماما، ويذكرواالأسعار وما موجود لديهمِ الخطوة الحاسمة التي تلي تبادل الثقة، هي أن بائع البيبسي والعطور المزعوم، سيدل الزبون على إحدى السيارات الواقفة في فرع قريب من الشارع العام الذي يصطاد به الزبائنِ يذهب الى السيارة وسيجد هناك ليس أقل من ثلاثة رجال مستعدين للموت من أجل هذه المهنة، سيدعونه للجلوس قربهم في السيارة، سيتبارون في تصعيد وتكسير السعر، وبعد الاتفاق، سينزل أحدهم من السيارة ليفتح الصندوق، ويجلب للزبون، وسط ظلام أرقش، قنينة، لا يعرف ما في داخلها ، سيلفونها بكيس وجريدة ، ومن ثقلها يعرف وزنها وليس نوعيتها ، سينصحونه بإخفائها بين ملابسه أو في جوف البنطلون، وفي هذه اللحظات العصيبة، تكون قد انقضت أكثر من نصف ساعة، ويمكن اعتبار المهمة قد أنجزتِ.
مكاتب التفتيش
بعض الأحزاب التي تعد نفسها دينية، وخاصة في الجنوب، شكلت عمليا وبمعرفة السلطات التي لا تريد التصعيد معها لباعها النضالي في مقارعة الدكتاتورية ولكونها تملك ميليشيات مسلحة يمكنها تنغيص حياةأهل الحكم بمعارك جانبية، وفي داخل مقراتها الرسمية ما يشبه مكاتب الاستجواب ، ترفق معها زنزاناتِ بمعنى، يوجد لكل حزب من هؤلاء محققون ومعتقلات، وأحيانا ينفذون الحكم مباشرة في المقر ويلقون بجثةالمحكوم عند أي داهيةِ يقولون بأنفسهم وعبر صحفهم بأنهم عملوا الأمر مع 'المجرمين البعثيين'، لكنهم وإن فعلوا ذلك تجاوزا على قوانين السلطات الرسمية ، استغلوا سكوتها للأسباب المذكورة، وصدقوا بأنهم يمتلكون الحق في إرهاب الناس الذين تقول أدبياتهم الحزبية بأنهم ناضلوا من أجلهم ، ليتجاوز الأمر على مجرد " اجتثاث المجرمين من أركان النظام الفاشي " الى استدعاء واستجواب وتوقيف من يخالفهم الرأي والملبس واللحيةِ وصل الأمر الى تكرار حرفي وبالمسطرة لأساليب النظام السابق، فيعتقلون مثلا، شابا ردد نكتة عليهم أو من سمعوه يزيد من صوت تلفازه الذي يبث " روتانا " أو " دريم " لأن ذلك قد يؤثر في ميكروفاناتهم المنصوبة في أي مكان يرغبون، أو من لم تستجب نساؤه للتحذيرات والإنذارات التي قدموها لرب العائلة بضرورة ارتدائهن الحجاب، أو من لا يتردد على نشاطاتهم أو أي شيء آخر في نفوسهمِ. يشتكي الناس جدا من تصرفات هؤلاء، لاسيما المداهمات التي يقوم بها حزبي يرافقه مسلحون ، لحرمة عائلة ، لاستدعاء واحدة أو أكثر من نساء البيت للاستجواب في " مقر الحزب " ، والتهمة جاهزة ومكررة وبليدةِ.
صور في المشرحة
كنا نتساءل سابقا من باب حرقة النفس: كم من الوقت والجهد تتطلب منا إزالة صور صدام وتماثيلهِ لكن عندما تحررنا منه، وجدنا أن المسألة لم تستغرق أي وقت، فقد كانت طبيعية وبمشاركة عامة ولم يشعر أحدلا بالجهد ولا بالوقت، كانت في الكثير من الأحيان تعبيرا عن الضيم والتنفيس، وأحيانا أخرى للتسلية وأخذ الثأر باليد ، لذلك لم تكلف الشعب لا مالا ولا وقتا ولا أعصابا مهدورةِ.
غير أن الصور بقيت على حالها، مع الجداريات، فالذي تبدل أن الإطار بقي والصورة اختلفت، وبدلا من بطل واحد للفيلم، ظهرت الصور والرسامون والخطاطون واللافتات وغيرها من صور لا عد لها، تكاد تفوق ما كان للبطل الوحيد.ِ يتساءل الكثير من الناس، من أين جلبوا كل هذه الصور، وكيف تسنى لهم طبعها وكيف وبكم ؟ وهل كتب على العراقيين رؤية الجزء الثاني من الفيلم بأبطال جدد ؟ طردوا عميد كلية العلوم بجامعة بغداد، وحسب قرار الوزير المطبوع فإن سبب طرده أنه " طائفي " ، غير أنه لم يسكت وشن عليهم حملة في الصحف المحلية وأوضح موقفه وتبين أنه منع الطلبة من إغراق الجامعةباللافتات والصور حتى داخل المحاضرات والمختبرات العلمية، وقال لهم ببساطة وكأي أستاذ في العلوم، ان هذا المكان للعلم وليس لشيء آخر، ويبدو، حسب قوله، كان هذا كافيا، لطرده بفضل تقارير الطلاب المنتمينلحزب الوزير ( السابق ). ِ ولا يستطيع أي سائق رؤية إشارات المرور ولا اسماء الشوارع، لأنهم ألصقوا الصور على هذه الإشارات وبدلامن التأكد من إشارة السماح بالوقوف أو الالتفاف يمينا أو شمالا أو فوق حدر، تطالعك صورة ! ولعل مختصا في علم توجيه الرأي العام أو عالم اجتماع أو خبيرا سياسيا قد يجد تفسيرا لظاهرة الصور في المختبرات العلمية وقاعات الدرس والمطاعم العمومية والنافورات على السواء، لكن ما يحير فعلا، إصرار أصحاب الصور على تعليقها حتى على جدران مشرحة وثلاجة الموتى في بغداد !! فهل يريدون كسب الأموات لحزبهم في الجحيم على الأرجح؟!
مسميات مفروضة
وكرروا حرفيا عادات صدام الكريهة بتسمية المدينة باسمه وساحة المدينة باسمه والجامع والمستشفى والمدرسة في المدينة التي تحمل اسمه باسمه أيضاِ. والجماعة ، لم يغيروا في الاسم شيئا ولم يعيدوا التخطيط ولا القطعة ولم يجلبوا خطاطا شرعيا، كل ما فعلوه، أنهم بدلا من صدام، رفعوا الألف والميم وخطوا حسب إمكاناتهم حرف الراء !! أو يجلبون " سبريه " رخيصا ويخططون فيه على شارع " الكرادة داخل" المعروف بترتيبه وانفتاحه وتنتشر على جوانبه محال الكوافير وصالونات الجمال ويتمشى فيه من يبحث عن هذا الجمال ويعد وكرا مثاليا لباعةالعرق والويسكي المذكورين في زاوية أخرى من هذه الرسالة، هذا الشارع المعروف بأريحيته، يختارون اسما لا نريد ذكر مقامه في هذا التعليق ، فكيف ارتضوا أن يحمل هذا الشارع بالذات اسما كريما مقدسا لهمولنا ؟!
وثمة ساحة متروكة في الوشاش البغدادية، يلعب بها أطفال الحي كرة القدم، كأي ساحة أخرى، نصبوا فيها قطعة كبيرة وأطلقوا عليها "ملعب شهداء الإسلام " وخطوا اسم الحزب بالفرشاة العريضة ! أطفال لديهم كرة قدم فحسب ويلعبون أمام بيوتهم، جعلوهم شهداء للإسلام، ولا نعرف فيما إذا كان الشهداء يلعبون كرة القدم على حساب هذا الحزب أو غيره ؟! فرقة حزبية كانت مدرسة، أبقوا كل شيء فيها، وجعلوا منها "مدرسة المصطفى للنساء "ِ وهذه ليست مدرسة ، فوزارة التربية لها مدارسها للبنين وأخرى للبنات، هي مجرد مقر لفرع حزبهم النسائي، استحوذوا على المبنى، وصادروه، وجعلوه بشكل ما، مقرا لنشاطهمِ
أصلف المسموح
تعلو يافطة ضخمة، في تقاطع مهم وسط بغداد، يكتب عليها : الولايات المتحدة الإسلامية ـ العاصمة ـ بغدادِ.
ما هي هذه الولايات وماذا يقصدون بها؟ نبحث بطريقة للوصول الى هذه الولايات، هل هي محل ، أم تنظيم جديد ؟ مدرسة أم أكاديمية ؟ لا نجد أي أثر، سوى للإعلان المثبت ! ويمعنون في المظاهر والتظاهر، عندما يسمون العيادة الطبية في حي الخضراء ببغداد ب " العيادة الإسلامية " لأن التسمية غير مفهومة طبيا، فهل يوجد طب إسلامي وآخر غير إسلامي، وهل يوجد تطبيب شرعيومعالجة على نحو آخر، ماذا يعني أن تكون العيادة إسلامية ؟! ولم يسلم حتى مرحاض عام رسمي مسجل في البلدية من كتابة شعاراتهم ومواعظهم الدينية وفتاواهمِ ، ويمكن تصور الانحطاط في الذوق وفي الدين ، عندما تكتب كلمة " الإسلام " على مرحاض عمومي!! هذه اللوحة جسدت بكل صلف مجمل تحقيقنا في الممنوع والمسموح في العراق المنكوبِ.